في خضم التطورات والتحديات العالمية، التي لطالما كانت الفوضى وعدم الاستقرار أحد أهم سماتها؛ وجدت جماعات الجريمة المنظمة وشبكاتها الإجرامية لنفسها أرضاً خصبة لتعزيز وتحفيز أنشطتها، سواء محلياً أو دولياً. وتشمل الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية جميع الأعمال الإجرامية الخطيرة ذات الطبيعة الدولية، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات، وتهريب المهاجرين، والاتجار بالبشر، وغسل الأموال، والاتجار بالأسلحة النارية، ناهيك عن بعض الجرائم السيبرانية، بما يهدد السلم والأمن الدوليين، ويؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان، ويقوض أسس التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمعات في جميع أنحاء العالم. تلك المخاوف قد أثارت العديد من التساؤلات حول ماهية المحفزات التي تشجع على كثافة أنشطة جماعات الجريمة المنظمة، وما قد يرتبط بها من ملامح أساسية خلال عام 2024.

محفزات النشاط

ثمة اتجاهات وعوامل متعددة تساهم في نشاط الجريمة المنظمة على مستوى العالم، ويمكن رصد أبرزها على النحو التالي:

1- تفاقم الأزمات الأمنية والسياسية للدول: تنشط أعمال جماعات الجريمة المنظمة في الدول التي تتميز بضعف منظومتها الأمنية؛ إذ زادت هذه الجماعات من أعمال العنف التي تهدد الأمن والاستقرار والحكم الديمقراطي في الدول؛ ما يعيق تنميتها ويمنع الخاضعين لولاياتها من التمتع بحقوق الإنسان الأساسية الخاصة بهم؛ فعلى سبيل المثال، أصبح الوضع في هاييتي أكثر خطورةً من أي وقت مضى؛ حيث وصلت عمليات القتل والاختطاف إلى أعلى مستوياتها في عام 2023؛ وذلك على خلفية تنامي أنشطة العصابات في البلاد على مدى السنوات الماضية، في حين أثبتت الشرطة الوطنية الهاييتية، التي تعاني من نقص التسليح والعدد على نحو متزايد، عجزها عن وقف مد نفوذ هذه الجماعات.

2- استمرار تأزم الأوضاع الاقتصادية عالمياً: يمكن أن يؤدي الانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى خلق أرض خصبة للنشاط الإجرامي؛ حيث قد يلجأ الأفراد إلى الوسائل غير القانونية بهدف ضمان توفير سبل المعيشة الرئيسية التي تضمن لهم البقاء على قيد الحياة؛ فمع تفاقم المشكلات الاقتصادية بروسيا، على خلفية العقوبات الغربية عليها، فضلاً عن إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، وما ارتبط بها من استنزاف لموارد الدولة؛ شهدت الحدود الأمريكية–المكسيكية انتشاراً لشبكات التهريب الروسية؛ حيث أبلغت سلطات الجمارك وحماية الحدود الأمريكية منذ منتصف عام 2022 عن زيادة ملحوظة في عدد الروس الذين يحاولون العبور إلى الولايات المتحدة، وهو ما ترجمته رغبة الأفراد الروس في الهروب من تداعيات الحرب الأوكرانية، ومن تردي الأوضاع الاقتصادية بالبلاد.

لقد تجلى هذا النموذج أيضاً في حالة إيطاليا؛ فعلى مدار سنوات من الإهمال من جانب الدولة الإيطالية، اكتسبت المافيا موطئ قدم أكبر في جنوب إيطاليا، ووسعت عملياتها غير القانونية، واكتسبت ثقة بعض السكان المحليين؛ حيث غالباً ما يلجأ الإيطاليون إلى المافيا بدلاً من الحكومة طلباً للحماية وحل النزاعات المدنية. وخلال جائحة كوفيد-19، وزعت المافيا طعاماً مجانياً على سكان نابولي، بينما كانت الحكومة تكافح من أجل الإغاثة من كوفيد-19 ومواجهة احتجاجات الإغلاق، وهو ما يمنح هذه الجماعات الفرصة لممارسة المزيد من السيطرة على المواطنين، ومن ثم التلاعب بهم بشكل أفضل.

3- تحفيز حرب أوكرانيا عمليات الاتجار بالبشر: تتسبب الحروب في حدوث اضطراب وعدم استقرار واسع النطاق؛ ما يؤدي إلى إضعاف الحكومات ومؤسسات إنفاذ القانون. وهذا يخلق فراغاً في السلطة يمكن لجماعات الجريمة المنظمة استغلاله؛ فعلى سبيل المثال، شجعت الحرب في أوكرانيا على تنشيط أعمال الاتجار بالبشر؛ فحتى قبل الحرب – خاصة في أوكرانيا وأوروبا الشرقية – كانت الفتيات والأطفال الصغار يُجبَرون أو يُخدعون للذهاب إلى أوروبا الغربية ليتم استغلالهم جنسياً، ولكن بعد اندلاع الحرب، يتم إقناعهم بأن الهروب هو أفضل وسيلة لإنقاذ حياتهم من ويلات الحرب، ثم يتم استغلالهم جنسياً فيما بعد.

واللافت للنظر أيضاً أنه لا يزال يتوافر العديد من الفرص لاستمرار جرائم الاتجار بالبشر بين النازحين الأوكرانيين بسبب الصراع، خاصة أن هذه الجريمة كانت راسخة ومتجذرة في الداخل الأوكراني قبل اندلاع الحرب؛ فمن المنطقي أن تستمر العديد من أشكال الاتجار بالبشر دون انقطاع يذكر، بل ربما تكون قد اتسعت. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن نحو خمسة ملايين لاجئ أوكراني يوجدون تحت مظلة "الحماية المؤقتة" في أوروبا، وتشير نماذجها الإحصائية للاتجاهات التاريخية إلى أن 100 ألف شخص منهم ربما يصبحون ضحايا للاتجار بالبشر.

4- سياسات الالتفاف حول العقوبات الدولية: لقد أثر الهجوم الروسي على أوكرانيا بشكل كبير على الاقتصادات الإقليمية غير المشروعة والشبكات الإجرامية؛ حيث ساعدت العقوبات الغربية على ظهور طرق تهريب جديدة لتوريد السلع الصناعية والاستهلاكية الخاضعة لها.

وفي هذا السياق، تتوالى الاتهامات الغربية لروسيا وحلفائها بتشكيل شبكات لتهريب الأسلحة والمعدات مثل الرقائق الدقيقة وغيرها من السلع الحيوية. وبحسب بعض التقارير الغربية، سلمت شبكات التهريب الإيرانية عبر بحر قزوين صواريخ مضادة للدبابات، وقذائف آر بي جي، وطائرات بدون طيار هجومية، وقذائف مدفعية إلى موسكو.

5- دور بعض المجموعات في دعم السياسات الخارجية للدول: على الصعيد الدولي، تشارك الجماعات الإجرامية الصينية، بحسب العديد من التقارير الغربية، في الصيد غير المشروع، والجرائم الإلكترونية، والاحتيال المتقن، كما تشمل أنشطتها الاتجار بالبشر والاستعباد؛ حيث استطاعت الشبكات الإجرامية القادمة من الصين – التي تتمتع بخبرة طويلة في جلب الأشخاص بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة وكندا – تكثيف أنشطتها على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك خلال السنوات الماضية.

وتدعي بعض التقارير الغربية أنه من الممكن أن تعمل سفن الصيد الصينية على تسهيل تهريب المخدرات وأن تعمل كوكلاء للميليشيات البحرية التابعة للحكومة الصينية، كما يمكنها أيضاً تعزيز طرق التجسس الصيني حول العالم، وخاصة في المناطق التي تدعي بكين السيادة عليها. ومن ثم تشير تقارير غربية إلى إن هذه الشبكات الإجرامية تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات للحكومة الصينية، والحزب الشيوعي الصيني، والمؤسسات القانونية الصينية.

6- تأثير تفشي الفساد في بعض الدول: يمكن أن يوفر ضعف المؤسسات، والافتقار إلى إنفاذ القانون، والفساد الحكومي فرصاً لجماعات الجريمة المنظمة للعمل مع الإفلات من العقاب. وبالنظر إلى الحالة البرازيلية، فقد سعى أفراد الأمن أيضاً إلى تقليل حوادث قطع الأشجار والتعدين غير القانوني، ولكن على الرغم من قدرتهم على تحقيق بعض النجاحات، لا يزال هناك بالفعل دلائل تشير إلى أن التراخي في تنفيذ القانون قد أدى إلى عودة الأنشطة غير المشروعة إلى المجالات التي أعطتها إدارة لولا دا سيلفا الأولوية في العام الماضي.

أما على صعيد الحالة الأوكرانية، فدائماً ما نسمع عن إقالة العديد من كبار المسؤولين الأوكرانيين، وسط فضائح فساد متنامية مرتبطة باستمرار الحرب الأوكرانية؛ وذلك في ضوء جهود الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للقضاء على الفساد داخل البلاد؛ حيث إن هذه الخطوات تعطي حكومة كييف فرصة لإثبات حسن نيتها واستعدادها لإظهار الشفافية، اللذين يعدان مبدأين أساسيين لشروط استمرار المساعدات الغربية أثناء هذه اللحظة الحرجة من الحرب، وكذلك التعجيل من وتيرة انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.

7- الآثار العكسية للتقدم التكنولوجي: يمكن أن تكون التكنولوجيا أداة وهدفاً لمجموعات الجريمة المنظمة، باعتبارها عاملاً رئيسياً في تسهيل الاتصالات والمعاملات المالية والجرائم السيبرانية، كما يمكن للحروب أن تغذي أنشطة الجرائم السيبرانية؛ حيث عادةً ما تستغل المجموعات الإجرامية الفوضى والإلهاء لشن هجمات سيبرانية على الحكومات والشركات والأفراد، ومن ثم يمكن أن يؤدي ذلك إلى اختراق البيانات، وإحداث خسائر مالية، وتعطيل البنية التحتية الحيوية.

من ناحية أخرى، يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تسريع وتيرة الجرائم السيبرانية المرتبطة بالابتزاز والتجسس السيبراني؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن تستخدم الجماعات الإجرامية مقاطع فيديو مزيفة لتلفيق أدلة على سلوك غير قانوني أو سلوك ابتزازي. ولكن حتى الآن، لم يُنظر إلى الجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية على أنها تشكل تهديدات كبيرة في الفضاء الإلكتروني، بل يتم التركيز – بدلاً من ذلك – على الجهات الحكومية. ومع ذلك، ونظراً إلى الطبيعة غير المتكافئة للصراع السيبراني، هناك أدلة على أن الجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية قد بدأت تحقق نجاحات في هذا المجال. على سبيل المثال، اخترقت جماعة بوكو حرام قاعدة بيانات الحكومة النيجيرية لجمع معلومات خاصة عن موظفي وكالة التجسس.

تحركات محتملة

من الصعب التنبؤ بالسمات المحددة لنشاط جماعات الجريمة المنظمة في عام 2024، بسبب طبيعتها الديناميكية واختلاف أنشطتها الإقليمية، بيد أنه يمكن إيجاز أبرز ملامح تحركاتها المستقبلية على النحو التالي:

1- مواصلة التنافس الإجرامي في البرازيل: قد نشهد استمراراً في عمليات التنافس بين جماعات الجريمة المنظمة في مختلف أنحاء العالم؛ فمثلاً من المرجح أن تستمر عصابة كوماندو دا كابيتال (PCC) البرازيلية، في التنافس على الهيمنة في المناطق الاستراتيجية المتنازع عليها في جميع أنحاء البرازيل، بل قد تحاول البحث عن فرص لتعزيز مكاسبها في الخارج، ومن ثم فإنها قد تتعرض لمواجهة مباشرة مع الجماعات المتنافسة، بما في ذلك جماعة الكوماندو فيرميلهو وحلفاؤها في مناطق مثل الأمازون؛ وذلك نظراً إلى أهمية هذه المنطقة في تهريب المخدرات وقطع الأشجار غير القانوني والتعدين.

2- استمرار نفوذ جماعات الجريمة المنظمة في هاييتي: تظل هاييتي واحدة من البؤر المهمة للأنشطة الإجرامية خلال عام 2024؛ حيث تنشط الجريمة المنظمة بالبلاد نتيجة لعدم تقدم العملية السياسية لإعادة هاييتي إلى النظام الدستوري بعد اغتيال الرئيس جوفينيل مويز في يوليو 2021، ومن ثم فمن المرجح أن يؤدي افتقار الحكومة إلى الشرعية وغياب الاتفاق السياسي إلى الحد بشكل كبير من قدرة البعثة المتعددة الجنسيات، التي شكلتها الأمم المتحدة لمساعدة البلاد أمنياً، على إحداث أي تأثير ملموس.

واتصالاً بما سبق، فقد شهدت هاييتي تزايداً كبيراً في معدلات جرائم القتل، وتفاقم وتدهور العنف في السجون، وتجدد العنف السياسي المرتبط بالاتجار بالمخدرات، وهو ما وصفته لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان بأنه هجوم على الديمقراطية وسيادة القانون. وفي هذا السياق، شهدت السجون حالة من العنف والتمرد المسلح في الفترة بين 8 و9 يناير الماضي؛ حيث أفادت ستة سجون على الأقل بوقوع أعمال شغب، احتجز فيها ما لا يقل عن 139 من موظفي الدولة رهائن، ناهيك عن وقوع أعمال عنف وانفجارات خارج السجون، بما في ذلك انفجار بالقرب من مقر إقامة رئيس محكمة العدل الوطنية.

3- تأثير الجريمة المنظمة على البرامج الانتخابية في أمريكا اللاتينية: تعد الجريمة المنظمة وانعدام الأمن من المخاطر السياسية الرئيسية التي تواجه أمريكا اللاتينية في عام 2024 عاملاً حاسماً في توجهات الناخبين، خاصة مع دخول المنطقة عاماً انتخابياً محورياً، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية في السلفادور وبنما والمكسيك؛ فوفقاً لنتائج استطلاع رأي صادر عن مركز جامعة كاليفورنيا للدراسات الدولي (CEIUC) – وهو مركز أبحاث في تشيلي – فقد اعتبر المشاركون أن الجريمة المنظمة هي الخطر السياسي الأكبر في المنطقة.

4- تصاعد توظيف الجماعات الإجرامية للذكاء الاصطناعي: منذ إطلاق برنامج ChatGPT، هيمن الذكاء الاصطناعي على العناوين الرئيسية وشكل المناقشات السياسية في مختلف أنحاء العالم، بل أصبح الآن تثار العديد من التساؤلات حول مدى إمكانية استغلال هذه الطفرة من قبل المنظمات الإجرامية خلال عام 2024، خاصة أن الذكاء الاصطناعي لا يوفر وقوداً جديداً لحملات التضليل والتجنيد والابتزاز والاستخبارات فحسب، بل يخفض أيضاً من حجم التقنيات المطلوبة لتنفيذ عمليات الجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية، مثل التجسس السيبراني والهجمات السيبرانية.

كما أن من الممكن أن نشهد توسعاً في استخدام هذه الجماعات للتقنيات التي تدعم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بتحركات أفراد إنفاذ القانون والأفراد العسكريين وتحسين كفاءة العمليات على نطاق واسع؛ إذ تتمتع أدوات الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تعزيز جهود التضليل والتجنيد والاستخبارات التي تبذلها الجهات المسلحة غير الحكومية.

هذا وقد أوضح تقرير تقييم المخاطر العالمية لعام 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، أن من المتوقع أن "يتلاعب المحتوى الاصطناعي بالأفراد ويدمر الاقتصادات ويمزق المجتمعات بطرق عديدة خلال العامين المقبلين، عن طريق نشر المعلومات المزيفة لتحقيق أهدافها؛ وذلك في عدة مجالات متنوعة من النشاط المناخي إلى تصعيد الصراع، كما قد تتكاثر فئات جديدة من الجرائم، مثل التلاعب في أسواق الأوراق المالية".

5- احتمالية تزايد التعاون بين مجموعات الجريمة في أوكرانيا وروسيا: مع استمرار الحرب في أوكرانيا، من المرجح أن يتوسع الاتجار بالبشر داخل أوكرانيا، خاصة في ضوء تزايد حدة الفقر والمصاعب الإنسانية، كما أن انخفاض الدعم العسكري والتدريبي الغربي من شأنه أن يدفع أوكرانيا إلى استنزاف عسكري خطير في غضون عدة أشهر، وهو اتجاه من المحتمل أن يتفاقم في عام 2025 إذا فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، بجانب اكتساب الأحزاب السياسية اليمينية الأوروبية مزيداً من الزخم والشعبية. وبناءً على ذلك، قد تبدأ بعض الجماعات الإجرامية المنظمة الأوكرانية في إدراك أن التعاون مع الجهات الفاعلة الروسية الآن قد يضعها في وضع أفضل على المدى الطويل مع تحول ديناميكيات ساحة المعركة.

6- استغلال عمليات إعادة الإعمار في أوكرانيا: إذ إن أحد المجالات الرئيسية للفرص الإجرامية ستكون إعادة الإعمار، التي ستتم على نطاق واسع في دول مثل أوكرانيا؛ فوفقاً لتقديرات حكومة كييف في يوليو 2022، قد يتم إعادة إعمار البلاد على مدار 10 سنوات، بتكلفة استثمارية 750 مليار دولار أمريكي. وبالرغم من أن هذه الخطة تهدف إلى إعادة تشكيل أوكرانيا دولةً أقوى مما كانت عليه قبل الحرب، فإنها أيضاً عرضة للاستيلاء عليها من الجهات الفاسدة والجماعات الإجرامية؛ إذ قد يستغل المسؤولون الفاسدون انخفاض مستويات الشفافية الذي يميز زمن الحرب لتحويل الأموال إلى شركاء مختارين.

وفي السياق ذاته، قد تتعرقل جهود إعادة الإعمار بسبب انتشار سرقة المواد، في حين أن عمليات النهب الأكثر تعقيداً قد تؤدي إلى قيام مجموعات الجريمة المنظمة بإدخال نفسها في مشاريع إعادة الإعمار، سواء على الأرض أو في مرحلة الشراء، خاصة أن صناعة البناء والتشييد في أوكرانيا كانت مبتلاة بالفعل بادعاءات الإجرام والفساد قبل الحرب، التي تراوحت بين منح التصاريح بشكل غير قانوني وبيع الأراضي وصولاً إلى بيع المواد الخام.

7- استمرار تهديد شبكات تهريب المهاجرين في أوروبا: يمكن القول إن شبكات تهريب المجرمين في أوروبا ستكون واحدة من الملامح الرئيسية لأنشطة الجريمة المنظمة في القارة العجوز. ويتجلى ذلك مع الكشف عن عدد من الشبكات في الشهور الأخيرة؛ فعلى سبيل المثال، أدت عملية مشتركة، في شهر فبراير الجاري، بين سلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية من بلجيكا وفرنسا وألمانيا، ونسقتها يوروبول ويوروجاست Eurojust، إلى تفكيك واحدة من الشبكات الأكثر نشاطاً في تهريب المهاجرين عبر القناة الإنجليزية في قوارب صغيرة.

وبحسب تقارير يوروبول، تتكون الشبكة من عناصر عراقية كردية يشتبه في قيامها بتهريب مهاجرين غير شرعيين من الشرق الأوسط وشرق إفريقيا من فرنسا إلى المملكة المتحدة باستخدام قوارب مطاطية منخفضة الجودة.

8- صعوبة تقويض نفوذ المجموعات الإجرامية في المكسيك: من الصعب أن يتراجع نفوذ جماعات الجريمة المنظمة في المكسيك؛ فعمليات تهريب المهاجرين وكذلك تهريب المخدرات تمثل مصدر دخل كبير للجماعات الإجرامية هناك؛ إذ واصلت الجهات الإجرامية المكسيكية تنويع محفظتها لتشمل إنتاج المخدرات الاصطناعية (بما في ذلك الفينتانيل) وتصديرها إلى الولايات المتحدة؛ ما أدى إلى تفاقم الاحتكاك الدبلوماسي بين البلدين. علاوة على ذلك، تحولت المكسيك خلال السنوات الماضية إلى ترانزيت للمهاجرين غير الشرعيين من دول مختلفة.

9- النشاط المتواصل لعصابات تهريب المخدرات في الشرق الأوسط: ليس من المرجح أن يتراجع نشاط جماعات تهريب المخدرات في الشرق الأوسط خلال عام 2024؛ لاعتبارات متعلقة بتزايد الأزمات السياسية والاقتصادية في العديد من دول المنطقة، واستمرار تأثير الصراعات، وخاصةً الصراع في سوريا، الذي حوَّلها إلى منتج رئيسي وموزع له في عدد من الدول العربية؛ وذلك عقب عام 2011، ودخول البلاد في حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي، ناهيك عن النفوذ الذي كرسته شبكات التهريب بالمنطقة على مدار سنوات والذي يصعب تقويضه.

10- المصالح المتبادلة بين عصابات الجريمة والتنظيمات الإرهابية في أفريقيا: من المرجح أن تشهد أفريقيا خلال عام 2024 استمراراً لنمط ساد خلال السنوات الماضية، وهو نمط متعلق بحالة التداخل بين أنشطة عصابات الجريمة والإرهاب في أفريقيا. هذا التداخل كان له وجهان؛ أحدهما غير مباشر؛ حيث إن نشاط التنظيمات الإرهابية أفضى إلى تفكك سلطة الدولة في العديد من المناطق؛ ما ساعد جماعات الجريمة؛ فعلى سبيل المثال، أفضت أنشطة حركة الشباب في أجزاء من الصومال والمناطق الحدودية بين كينيا والصومال وإثيوبيا إلى ارتفاع معدلات الابتزاز ودفع إتاوات لمجموعات إجرامية في المنطقة مقابل الحماية والتأمين.

ومن جهة ثانية، كان ثمة تداخل مباشر بين الإرهاب والجريمة المنظمة ظهر عبر التعاون بين التنظيمات الإرهابية وجماعات الجريمة، وكذلك ممارسة بعض التنظيمات الإرهابية أنشطة إجرامية مثل التهريب والاستيلاء على المحاصيل وسرقة الماشية من الرعاة المحليين – مثلما أشيع عن تنظيم بوكو حرام – ثم إعادة بيعها في الأسواق عبر وسطاء.

خلاصة القول أن الدور الذي تلعبه الجريمة المنظمة لا يزال يشكل تهديداً عالمياً، وآثاره ستظل محسوسة على المستويات المحلية للدول؛ حيث إنه عندما تتجذر الجريمة المنظمة، فإنها يمكن أن تزعزع استقرار بلدان ومناطق بأكملها، ولا سيما تقويض المساعدة الإنمائية في تلك المناطق، كما يمكن لمجموعات الجريمة المنظمة أن تعمل مع المجرمين المحليين؛ ما يؤدي إلى زيادة الفساد والابتزاز والعنف، بالإضافة إلى مجموعة من الجرائم الأخرى الأكثر تعقيداً على المستوى المحلي. ومن ثم فإن مكافحة ظاهرة عالمية مثل الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، تتطلب شراكات على جميع المستويات، سواء الحكومية أو الخاصة أو الدولية، حتى يتم مجابهتها بكافة الطرق الممكنة، وبما يحد من تبعات أنشطتها السلبية.

ملامح تحركات جماعات الجريمة المنظمة خلال عام 2024