إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تُعَد الاشتباكات التي تشهدها مدينة السويداء جنوب سوريا منذ 13 يوليو 2025 بين فصائل محلية درزية ومسلحين من عشائر البدو وسلطة دمشق، إحدى حلقات التوتر المستمرة مع الأقليات في المجتمع السوري، وواحدة من أعنف موجات العنف التي تشهدها المحافظة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث أسفرت عن سقوط نحو 50 قتيلاً وأكثر من 200 جريح، وهو ما دفع جهات خارجية للتنديد بأحداث العنف في السويداء.وعلى الرغم من إعلان وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، في 15 يوليو 2025، وقف إطلاق النار في السويداء؛ إلا أن ذلك لا يعني إنهاء التوتر، حيث حذرت وزارة الداخلية السورية من ارتكاب أي تجاوزات أو تعديات على الممتلكات العامة أو الخاصة، تحت أي ذريعة كانت، كما تجددت الاشتباكات عقب هذا الإعلان. وفي ضوء ما سبق، تطرح هذه الأزمة العديد من الأبعاد المفسرة، وكذلك العديد من التداعيات المحتملة على مستقبل الاستقرار في سوريا، خاصةً بعد إصرار الإدارة الانتقالية على توظيف القوة الصلبة ضد الخصوم المحليين بجانب دخول إسرائيل على خط الأزمة، حيث تدخل الطيران الإسرائيلي لحماية الدروز ليبعث برسائل أمنية وسياسية مفادها أن إسرائيل لن تتخلى عن الدروز، حتى لو كانت قد فتحت قنوات تواصل مع دمشق.أبعاد مؤثرةثمة العديد من الأبعاد المرتبطة بتصاعد الأزمة الطائفية الحالية في السويداء، وهي الأبعاد المتمثلة فيما يلي:1- وجود تفاعل وانخراط خارجي لافت في مسار الأزمة: نددت جهات خارجية بأعمال القتل التي تشهدها محافظة السويداء، ودعت إلى وقف دوامة العنف، وتبلور ذلك في توالي ردود الفعل الدولية والإقليمية إزاء العنف والتصعيد الأمني بين الفصائل الدرزية والسلطة المركزية في دمشق، حيث عبّرت جهات دبلوماسية غربية وأممية عن قلقها البالغ من ارتفاع وتيرة العنف. فعلى سبيل المثال، أكدت السفارة الألمانية في دمشق في بيانها الصادر في 14 يوليو 2025 أنها "قلقة من تصاعد دائرة العنف في السويداء"، داعيةً جميع الأطراف إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ومنع إشعال المواجهات".كما أعربت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا نجاة رشدي، عن قلقها "إزاء التقارير الواردة عن أعمال عنف واختطاف في السويداء، والتي أسفرت عن سقوط ضحايا". وفي المقابل، أبدت تركيا دعماً مستتراً لتحركات حكومة دمشق ضد الفصائل الدرزية، حيث أكد المتحدث باسم الخارجية التركية أونجو كيتشيلي، في 14 يوليو 2025، أن "سيادة سوريا ووحدتها يجب أن تكونا الأولوية في هذه العملية".2- طلب الدروز الحماية الدولية بشكل فوري: سعت الفصائل الدرزية إلى توظيف النزاع المحلي الذي شهدته السويداء على خلفية خطف تاجر درزي كفرصة لاستدعاء خطاب الحماية الطائفية، وتجلى ذلك في تحويل الحادث إلى ثأر سياسي وليس كحادثة جنائية، حيث أكدت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز رفض دخول قوات الأمن العام إلى المحافظة، كما كشفت في بيانها الصادر في 14 يوليو 2025 عن تمسّكها بعدد من المطالب، على رأسها الدعوة العاجلة لتوفير الحماية الدولية فورياً.3- تدخلات إسرائيلية مكثفة لدعم الدروز: سعت إسرائيل إلى توظيف حالة التوتر الطائفي في السويداء لصالحها، من خلال الدخول على خط الأزمة المحتدمة في المحافظة. كما شن الطيران الإسرائيلي غارات جوية استهدفت محيط بلدة "المزرعة"، ومحيط بلدة "كناكر" في ريف السويداء بذريعة حماية الأقلية الدرزية، بالإضافة إلى توجيه إسرائيل تهديداً مباشراً للنظام السوري بالتدخل واستخدام القوة ضده في حالة تهديد أمن الطائفة الدرزية.وكان بارزاً هنا تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في 14 يوليو 2025، عندما قال إن "إسرائيل لن تسمح بإلحاق ضرر بالدروز في سوريا"، وأضاف أن "تل أبيب لن تقف مكتوفة الأيدي في ظل أحداث عنف دامية في السويداء بجنوب سوريا". وتستهدف إسرائيل بذلك إيجاد حلفاء محليين لها من بعض تيارات طائفة الدروز الذين يتخوفون من مستقبل العلاقة بينهم وبين الحكومة الانتقالية في دمشق.4- تركيز الإدارة السورية على الحل العسكري للأزمة: كشف سلوك الإدارة السورية في التعامل مع أحداث العنف في السويداء، والتي أسفرت عن قتل العشرات من السكان المدنيين، عن المضي قدماً في توظيف القوة الصلبة لتأمين سيطرة الحكومة المركزية على مفاصل الدولة، وفي ضوء ذلك أكدت أنه "لا تراجع عن سحب السلاح من المجموعات الخارجة عن القانون، وبسط الأمن وسيطرة الدولة بالسويداء".كما أشار بيان وزارة الدفاع السورية، في 15 يوليو 2025، إلى أنه "سيتم الرد بعد إطلاق النار على مصادر النيران والتعامل مع أي استهداف من قبل المجموعات الخارجة عن القانون". ووفقاً للعديد من التقديرات، فإن توظيف القوة ضد الدروز في رؤية دمشق يبقى ضرورة استراتيجية لضمان بسط السيادة على المناطق التي تشكّك بعض مكوناتها في شرعية الدولة، وبخاصة في السويداء التي تتعالى فيها خطابات التوجه الانفصالي والتجييش الطائفي، والتي تتبناها بعض الأصوات التي تسعى لتفكيك وحدة الدولة.تداعيات محتملةتوجد العديد من التداعيات المحتملة لتصاعد الأزمة الطائفية في السويداء، التي قد تؤثر على الأوضاع في الداخل السوري، ويتمثل أبرزها فيما يلي:1- توسيع النفوذ الإسرائيلي جنوب سوريا: من المرجح أن يسفر التدخل الإسرائيلي في أحداث السويداء الأخيرة عن توسيع حضور الانتشار العسكري للقوات الإسرائيلية في الجنوب السوري بأكمله، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً لسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، ولا سيما بعد الغارات الإسرائيلية على بعض المواقع العسكرية داخل السويداء. وفي رؤية إسرائيل، يمكن تطوير المكاسب داخل سوريا من خلال دعم الدروز.2- زيادة زخم دعوات تأسيس إدارة أمنية محلية: مع تصاعد التوتر بين الفصائل المحلية الدرزية والحكومة المركزية في دمشق، وفي ظل إعلان الطائفة الدرزية عن أنها لن تسلم سلاحها بالنظر إلى استمرار التهديدات، فمن المحتمل أن يتزايد زخم المطالب الخاصة بأهمية تأسيس "إدارة أمنية محلية" داخل السويداء تتولى الإشراف والأمن بعيداً عن توجيهات الإدارة السورية الجديدة، وهو ما يثير مخاوف الأخيرة، باعتبار ذلك يوفر بيئة خصبة لإعادة إنتاج فكرة الكيانات الذاتية، ويُضعف صورة الدولة كمحتكر وحيد للسيادة والسلاح، ولا سيما بعد دعوات الدروز للحماية الدولية.3- تفاقم الأوضاع الإنسانية والخدمية: تمثل استمرارية حالة الاحتقان الطائفي، وعدم الاستقرار في السويداء تهديداً مباشراً لمجمل الأوضاع الإنسانية، التي تشهد قدراً كبيراً من التدهور بسبب المواجهات الدامية مع الإدارة الانتقالية في دمشق، والتي أثرت بدورها على ارتفاع معدلات انعدام الأمن في المحافظة، وتدمير جانب معتبر من خدمات البنية التحتية. ويُعزِّز من تدهور الأوضاع الإنسانية، تنامي موجات النزوح، وتعريض حياة الآلاف للخطر، ولا سيما في ضوء الإصرار على توظيف القوة بين الفصائل المحلية الدرزية والسلطة في دمشق.4- تعثر مفاوضات السلام بين الدروز ودمشق: على الرغم من اتفاق دمشق ووجهاء السويداء، في 15 يوليو، على وقف إطلاق النار، وبدء الجيش السوري سحب الآليات الثقيلة من السويداء، تمهيداً لتسليم أحياء المدينة لقوى الأمن الداخلي؛ إلا أن التداعيات التي أفرزتها الأحداث الطائفية الأخيرة قد تؤدي إلى عرقلة مسار التفاوض بين الطرفين. وعلى الرغم من أن هذا المسار يؤيده قطاع من أبناء الطائفة، فإن ذلك لم يصادفه في الجهة المقابلة تبلور رغبة حقيقية من قِبل التيارات الدرزية الفاعلة سياسياً وميدانياً، وهو ما تجلى في طلب الزعيم الروحي حكمت الهجري مؤخراً للحماية الدولية على خلفية الأحداث الأخيرة.كما تجدر الإشارة إلى تعدي مسلحين دروز في 22 مايو 2025 على محافظ السويداء المُعين من حكومة دمشق، واحتجازه، بالإضافة إلى رفض "الهجري" في مارس 2025 الإعلان الدستوري المؤقت، والذي تضمّن التأكيد على أن يكون رئيس الدولة السورية مسلماً، ودعوته لنظام ديمقراطي علماني تشاركي بجانب اعتماد اللا مركزية في سوريا.عرقلة الاستقراروختاماً، يمكن القول إن استمرار العنف في السويداء قد يؤثر بشكل كبير على وضع الطائفة الدرزية، لكنه في الوقت نفسه قد يزيد من حالة عدم الاستقرار في البلاد، كما يمكن أن يُخلف استمرار العنف الطائفي في الفترة المقبلة، تأثيراً سلبياً على مساعي حكومة دمشق لتأمين الدعم الدولي، وخاصةً في ضوء احتمالات تأثُّر الصورة الإيجابية التي تحظى بها من جانب بعض الأطراف الخارجية.

كيف يؤثر التصعيد الطائفي في السويداء على الداخل السوري؟