إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

قام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، خلال فعالية للمحافظين الشباب في فينيكس بولاية أريزونا، بتهديد دولة بنما الحليفة للولايات المتحدة باستعادة السيطرة الأمريكية على قناة بنما؛ وذلك نتيجةَ ما تقوم به من فرض رسوم جمركية باهظة على السفن التجارية الأمريكية التي تستخدم الممر المائي لقناة بنما للعبور منه، بجانب اتهامه الصين بزيادة نفوذها في القناة وسيطرتها عليها، وأن هذا سيؤثر على أمن ومصالح واشنطن في القناة، محذراً دولة بنما بضرورة الالتزام بالمبادئ القانونية والأخلاقية، وإلا فستقوم الولايات المتحدة باستعادة القناة عند توليه منصبه في البيت الأبيض في العشرين من يناير المقبل.دوافع محفزةثمَّة دوافع عديدة حفزت الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب على تهديد دولة بنما باستعادة القناة، وهي الدوافع التي يمكن توضيحها فيما يلي:1– وجود الصين على مداخل القناة: أثارت تحركات الحكومة الصينية واستثماراتها في السنوات الأخيرة في بنما مخاوف الولايات المتحدة؛ فمنذ عام 2016 أبرمت الصين صفقة بقيمة 900 مليون دولار بين بنما وشركة لاند بريدج جروب في الصين، استحوذت بموجبها بكين على جزيرة مارجريتا، التي تعد أكبر ميناء في بنما على الجانب الأطلسي من القناة، بجانب مشاركة الشركات الصينية بشكل كبير في العقود المتعلقة بالبنية التحتية لقطاعات الخدمات اللوجستية والكهرباء والبناء في بنما. وهذه المشروعات تتلاءم مع رؤية الصين لمبادرة الحزام والطريق، التي كانت بنما أول دولة في أمريكا اللاتينية توقع عليها في عام 2018.وفي عام 2021 بدأت الحكومة البنمية عملية تجديد إيجار لشركة سي كيه هاتشينسون هولدنجز، التي مقرها في هونج كونج، لكي تدير ميناءين يقعان على مدخلي القناة من منطقتي البحر الكاريبي والمحيط الهادئ. وهذه الاستثمارات الصينية الضخمة في السنوات الأخيرة أثارت مخاوف الولايات المتحدة؛ لأنها تخشى أن يؤثر زيادة النفوذ الصيني على أمنها ومصالحها الاقتصادية والتجارية في المنطقة.2– فرض بنما رسوماً جمركية باهظة على السفن الأمريكية: من الدوافع التي أثارت غضب الرئيس المنتخب ودفعته نحو التهديد باستعادة القناة، هو فرض القناة رسوماً جمركية باهظة على السفن البحرية والتجارية الأمريكية التي تستخدم الممر المائي في العبور من خلاله، في حين أنها تفرض رسوماً جمركية قليلة للغاية على السفن التجارية التابعة لدول أخرى؛ ما استدعى الرئيس المنتخب إلى أن يكتب منشوراً تحذيرياً على منصته تروث سوشيال قائلاً: "الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة، وغير عادلة بالمرة. لقد قُدِّمت القناة إلى بنما وشعب بنما لكن بشروط. يتعين عليكم أن تعاملونا بإنصاف، لكنكم لم تفعلوا ذلك"، مضيفاً: "إذا لم يتم اتباع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة، فإننا سنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل، وعلى وجه السرعة دون أدنى شك".3– أهمية قناة بنما الاستراتيجية: تعتبر قناة بنما من أهم الإنجازات الهندسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ لأنها طريق ملاحي رئيسي للشركات والمصالح الأمريكية التي تشحن البضائع عبرها بين المحيطين الهادئ والأطلسي؛ وذلك لأنها ثاني أهم ممر مائي صنعه الإنسان بعد قناة السويس؛ لأنها تربط المحيطين الأطلسي والهادئ، وتشق اليابسة الواصلة بين الأمريكيتين الشمالية والجنوبية بطول يتجاوز 80 كيلومتراً، وتسمح بعبور أكثر من 14 ألف سفينة سنوياً.4– اعتبار القناة شرياناً اقتصادياً هاماً لواشنطن: تعتبر القناة شرياناً هاماً للاقتصاد والتجارة الأمريكية؛ وذلك لأن الولايات المتحدة هي أكبر مستخدِم للقناة؛ حيث تمثل حاويات التجارة الأمريكية الإجمالية نحو 73% من حركة قناة بنما، وتمر من خلالها نحو 40% من إجمالي حركة الحاويات الأمريكية كل عام، بجانب أنها تعد من الأصول الحيوية لواشنطن؛ بسبب دورها الحيوي في اقتصادها وأمنها القومي؛ ولذلك يُعَد تأمين القناة أمراً بالغ الأهمية للتجارة الأمريكية، والنقل السريع للأسطول من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ؛ وذلك لأنه يُقلِّل أوقات الشحن إلى الموانئ الأمريكية بشكل كبير.5– مكانة القناة في التجارة العالمية: لقناة بنما دور كبير ومهم للغاية بالنسبة إلى التجارة الدولية؛ وذلك لأنها تسمح بعبور ما يصل إلى 14000 سفينة سنوياً، وهو ما يعادل 2.5% من التجارة المنقولة بحراً، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى واردات الولايات المتحدة من السيارات والسلع التجارية عن طريق سفن الحاويات من آسيا، بالإضافة إلى أهميتها بالنسبة إلى صادرات الولايات المتحدة من السلع، ومنها الغاز الطبيعي المسال.6– دور الولايات المتحدة في بناء القناة: ذكر الرئيس المنتخب دونالد ترامب أن الولايات المتحدة لها الفضل في تشييد جزء كبير من القناة في عام 1914، التي راح ضحيتها نحو 38 ألف جندي أمريكي أثناء عملية البناء، وأنها كانت المسؤولة عن عملية البناء وإدارة المنطقة المحيطة بالممر المائي لعقود من الزمان، لكنها سلمت السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما عام 1999 بعد فترة من الإدارة المشتركة، وكان ذلك بموجب المعاهدة التي وقَّعها الرئيس الأسبق جيمي كارتر في 1977؛ لذلك فإنه يرى أن على دولة بنما رد الجميل والاعتراف بالمعروف، وأن تخفض الرسوم التي تفرضها على السفن التجارية الأمريكية.تداعيات محتملةثمة العديد من التداعيات المتوقعة الحدوث عقب تهديد الرئيس المنتخب دونالد ترامب باستعادة قناة بنما وجعلها تحت السيطرة الأمريكية. ويمكن توضيح أهم هذه التداعيات فيما يلي:1– توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وبنما: من المتوقع أن تشهد العلاقات بين بنما والولايات المتحدة توتراً ملحوظاً في الفترة المقبلة، وخاصةً عقب تولي الرئيس المنتخب منصبه في البيت الأبيض في العشرين من يناير المقبل؛ نتيجة رد وتصريحات رئيس بنما خوسيه راوول مولينو، الذي رفض تهديدات ترامب بشأن استعادة قناة بنما، وهو الأمر الذي جعله ينشر مقطع فيديو عبر منصة إكس شدد فيه على أن "كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المحيطة بها، ملك لبنما وسيظل كذلك"، وأضاف أن القناة تخضع لسيطرة بلاده فقط، وأنها ليست تحت نفوذ أي قوة خارجية، سواء كانت الصين أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، في حين أنه أكد أن سيادة بلاده واستقلالها "ليست موضع تفاوض"، وفي ذلك مواجهة صريحة بينه وبين الرئيس المنتخب ترامب.2– استجابة بنما لمطلب ترامب بتخفيض الرسوم: من المحتمل أن تستجيب دولة بنما لمطلب الرئيس المنتخب بتخفيض الرسوم الجمركية على السفن التجارية والبحرية الأمريكية؛ وذلك كمحاولة منها لإرضاء الإدارة الأمريكية الجديدة، وتجنباً للدخول في صراعات مع الرئيس المنتخب؛ وذلك لأنه هدد بنما بشكل صريح بأنها إذا لم تتخل عن هذه الرسوم وتتعامل بإنصاف فسيقوم باستعادة القناة.ومن المتوقع أيضاً أن يزيد التعاون بين البلدين على مستوى القضايا الداخلية فيما يخص الهجرة غير الشرعية ومكافحة تهريب المخدرات؛ وذلك من خلال ما أشار إليه رئيس بنما أيضاً بعد تصعيده بشأن عدم التدخل في سيادة أراضيه، بأنه يأمل التعاون مع الإدارة الجديدة في القضايا الداخلية.3– تفاقم حدة الصراع بين واشنطن وبكين: من المرجح، بعد اتهام الرئيس المنتخب للصين بأنها تسيطر على أجزاء من الممر المائي لبنما، أن يزيد الصراع بين البلدين من خلال تكثيف الصين تحركاتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ كمحاولة استفزازية لواشنطن، وهو ما قد يؤدي إلى التأثير بالسلب على حركة الملاحة التجارية للولايات المتحدة، ومن ثم يؤثر على أمن ومصالح واشنطن الاقتصادية، أو أن تزيد الصين من هجماتها السيبرانية التي تشنها باستمرار على الولايات المتحدة من أجل تدمير البنية التحتية الأمريكية.4– استمرار المخاوف بشأن استعادة ترامب قناة بنما بالقوة: من المحتمل أن الرئيس المنتخب قد ينفذ تهديده باستعادة القناة عند توليه منصبه في البيت الأبيض في يناير المقبل إذا لم تلتزم بالمبادئ القانونية والأخلاقية للاتفاقية المبرمة بين البلدين في عام 1977. ويعد هذا التهديد سلوكاً نادراً لرئيس أمريكي بأن يضغط على دولة ذات سيادة لتسليم أراضٍ تمتلكها، وهذا يدل على أن الدبلوماسية الأمريكية سوف تشهد تحولاً كبيراً في عهد ترامب؛ لأنه لا يتهاون في تهديد الحلفاء واستخدام القوة إذا لزم الأمر.فرصة ضعيفةوختاماً، يمكن القول إن تهديد الرئيس المنتخب دونالد ترامب باستعادة قناة بنما مجرد ورقة ضغط على دولة بنما لكي تخفض الرسوم التي تفرضها على السفن الأمريكية التي تمر عبر قناتها، بجانب أنه يضغط على بنما لكي تقلل مشاركتها مع الصين. ومن الناحية القانونية، لا يستطيع الرئيس المنتخب أن يُجبر دولة في التنازل عن جزء من أراضيها؛ لأن ذلك يتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية، ويعتبر انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي ومبادئه.

ما دوافع الرئيس ترامب للتهديد بالسيطرة على قناة بنما؟