تُعَد الأمونيا واحدةً من أكثر المواد الكيميائية المنتَجة على نطاق واسع عالميّاً، وتتجه التوقُّعات صوب تضاعف الطلب على الأمونيا الخضراء باعتبارها مادةً كيميائيةً أساسيةً بحلول عام 2050، في ظل المساعي العالمية لتحقيق انتقال الطاقة، وانتقاء مصادر بديلة للوقود الأحفوري، بما يدعم بدوره أمن الطاقة عالميّاً، ويفي بمتطلبات مكافحة التغير المناخي. ونظراً إلى كون الأمونيا الخضراء مثاليةً لنقل الهيدروجين، فهي أساسية لتحقيق التحول الأخضر وإنجاح عملية انتقال الطاقة عالميّاً. ويُذكَر في هذا الصدد أن الأمونيا غاز عديم اللون كالهيدروجين، لكنه ذو رائحة نفَّاذة، ويُشَار إليه باسم الأخضر، نسبةً إلى عملية التصنيع والطاقة المستخدمة لإنتاجه؛ حيث يتم إنتاج الأمونيا بشكل أساسي من الغاز الطبيعي، فيما لا تتطلب الأمونيا الخضراء أي موارد أحفورية على الإطلاق.

إمكانات كبيرة

تشير التوقعات إلى احتمالية تصدر الأمونيا الخضراء مصادر الطاقة النظيفة على المديَين القريب والمتوسط؛ نظراً إلى مزاياها العديدة، وإمكاناتها الهائلة في دعم انتقال الطاقة، وفيما يأتي يمكن استعراض أبرز مزاياها وإمكاناتها:

1- إمكانية نقل الأمونيا بكميات أكبر من الهيدروجين: يمكن الاستفادة من الأمونيا في نقل كميات أكبر من الطاقة في مساحة أقل؛ لأن كثافة طاقة الأمونيا، بالنسبة إلى الحجم، أكبر بكثير من كثافة الهيدروجين السائل، وهي عملية تتم من خلال تسييل الأمونيا بالفعل عند -33 درجة مئوية؛ ما يجعل من الإمكان نقلها بسهولة أكبر. في المقابل، يستهلك الهيدروجين السائل ما يصل إلى 40% إضافية من محتوى الطاقة ليتم نقله بهذه الطريقة بسبب التبريد الشديد.

2- معدلات أمان وإمكانية تخزين كبيرة: لا تتوقف ميزة نقل الأمونيا الخضراء عند سهولتها فحسب، بل هو كذلك أكثر أماناً وفاعليةً من حيث التكلفة من نقل الهيدروجين الأخضر؛ حيث يتم تخزين الطاقة المتجددة في شكل كيميائي كالأمونيا، وبعد النقل، يتم تحويل الأمونيا الخضراء بسهولة مرة أخرى إلى الهيدروجين الأخضر.

لذا يمكن اعتبار الأمونيا حاملة هيدروجين خالية من الكربون تحل جزئيّاً مشكلة تخزين الهيدروجين النقي ونقله، كما أن الأمونيا أرخص بكثير في التخزين من الهيدروجين النقي؛ حيث يتم تصنيعها بسهولة من تفاعل الهيدروجين مع النيتروجين المتوافر بشكل طبيعي في الهواء، كما يمكن لأحجام الأمونيا الخضراء السائلة أن تخزن ثلاثة أضعاف الهيدروجين المضغوط؛ ما يجعلها عملية أكثر اقتصاداً عبر سلسلة التوريد.

3- عنصر رئيسي في العديد من الصناعات: يُستفاد كذلك من الأمونيا الخضراء بصفتها ناقلاً للطاقة محايداً مناخيّاً في العديد من العمليات الصناعية، ومنها صناعة الصلب والأسمنت، فضلاً عن دورها في صناعة الزراعة والأسمدة؛ حيث يعتمد أكثر من 50% من إنتاج الغذاء في العالم على الأسمدة التي يتم إنتاجها باستخدام الأمونيا. ويُذكَر في هذا الصدد، أنه منذ مائة عام، ساعدت الأمونيا العالم على التغلب على أزمة غذائية كبرى سببها تزايد عدد السكان.

كذلك يُذكر أن استخدام نحو 80% من الأمونيا المنتجة يأتي في الأسمدة الكيمياوية، وهي سوق تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليار دولار، وهو ما يحافظ بدوره على إنتاج الغذاء لمليارات الأشخاص، بما يخلق سوقاً واسعةً للأمونيا الخضراء، باعتبارها بديلاً صديقاً للبيئة لتقنيات إنتاج الأمونيا التقليدية التي تنتج انبعاثات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري.

4- وقود محايد مناخيّاً: تُستخدَم الأمونيا بصورة مباشرة وقوداً محايداً مناخيّاً، منخفض الكربون في محركات الاحتراق الداخلي للآلات؛ لتوليد الكهرباء عبر خلايا الوقود، أو في توربينات محطات الطاقة التي تعمل بالغاز، كما يمكن أن يكون بمنزلة وقود خالٍ من الكربون لتطبيقات الشحن أو غيرها من احتياجات النقل الشاقة. ومع تسارع وتيرة انتقال الطاقة، تزداد أهمية استكشاف الخيارات الممكنة للأمونيا الخضراء مصدرَ وقود محتملاً.

اتجاهات عالمية

ثمة اتجاهات تنمُّ عن اهتمام عالمي بصناعة الأمونيا الخضراء، ويمكن استعراض بعض المؤشرات على ذلك فيما يأتي:

1- توقعات بزيادة الطلب على الأمونيا الخضراء: على خلفية ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والأحداث الجيوسياسية الأخيرة، تتجه التوقعات إلى مزيد من الطلب على الأمونيا الخضراء، وهو ما يُرجَّح أن تصاحبه تغييرات كبيرة في صناعة الأمونيا الخضراء؛ فمع استمرار تطوُّر السوق، يتطلع المبتكرون إلى مواجهة التحديات والفرص في هذا المجال.

وانطلاقاً من كون الأمونيا الخضراء من أنواع الوقود الرائدة في المستقبل بجانب الميثانول والهيدروجين، فإن من المتوقع أن تصبح صناعة الشحن من أهم الأسواق المستقبلية المعتمدة على الأمونيا الخضراء بصفتها وقوداً؛ إذ تعد صناعة الشحن مسؤولة عن نحو 2.5% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، وتماشياً مع التوجه العالمي نحو مكافحة التغير المناخي، تبنَّت المنظمة البحرية الدولية (IMO)، استراتيجية للدول الأعضاء البالغ عددها 173 دولة، استهدفت من خلالها خفض كثافة الكربون لكل نشاط نقل بنسبة 40% بحلول عام 2030، وبنسبة 70% في عام 2050، مقارنةً بعام 2008.

أضِف إلى ذلك، فإن تفضيل المستهلكين الأمونيا الخضراء على الأمونيا المنتجة من الوقود الأحفوري، يدفع نحو مزيد من التشجيع على إزالة الكربون من صناعات الطاقة والشحن؛ حيث يتوقع أن يؤدي وعي المستهلك المتزايد بأهمية الأمونيا الخضراء إلى دفع الطلب عليها خلال العقد المقبل، ومن ثم اعتماد وقود بديل أكثر أماناً وقابل للتطبيق.

وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2021، بلغت سوق الأمونيا الخضراء العالمية نحو 5.8 ألف طن متري، ارتفاعاً من 3.7 ألف طن متري في العام السابق. وانطلاقاً من الدور المهم الذي من المرجح أن تلعبه الأمونيا الخضراء في تحقيق الهدف الصافي لانبعاثات الكربون الصفري الذي حددته اتفاقية باريس 2050، فإن من المتوقع أن ينمو هذا الرقم بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 90%، ليصل إلى ما يقرب من 1.6 مليون طن متري، بأرباح قد تصل إلى 4.8 مليار دولار تقريباً بحلول عام 2030.

جدير بالذكر أن سوق الأمونيا الخضراء قد حققت إيرادات في عام 2021، بلغت نحو 16.8 مليون دولار أمريكي عالميّاً، بزيادة من 10.7 مليون دولار في العام السابق 2020. وفي عام 2022، سجَّلت سوق الأمونيا الخضراء العالمية نموّاً بقيمة 74.48 مليون دولار أمريكي، فيما تم تقدير حجم سوق الأمونيا الخضراء العالمية خلال ذلك العام بنحو 151.57 مليون دولار أمريكي.

2- صعود العديد من الشراكات بين مبتكري الأمونيا: شهد العام الماضي صعود العديد من الشراكات من جانب مبتكري الأمونيا، وهي الشراكات التي تستهدف في الغالب الاستثمار في التقنيات والتطبيقات المبتكرة في صناعة الأمونيا الخضراء. وعلى خلفية ذلك، تعاقدت عدد من الشركات على دعم صناعة الأمونيا الخضراء؛ إذ حصلت شركة Jupiter Ionics – وهي شركة تطوير تكنولوجيا كهروكيميائية متطورة لإنتاج الأمونيا الخضراء – على نحو 1.8 مليون دولار من شركة Tenacious Ventures المهتمة بتقديم التمويل للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية؛ وذلك للتعاون في مشروع لنشر وحدات تجريبية تصنع الأمونيا الخضراء والأسمدة القائمة على الأمونيا في المزارع، فيما تمكنت شركة Nitricity من حصد نحو 5 ملايين دولار من عدد من الشركاء والممولين لتسريع الابتكارات لإنتاج سماد النيتروجين المتجدد.

3- بروز أوروبا باعتبارها أكبر مستهلك للأمونيا الخضراء: تبرز أوروبا باعتبارها أكبر مستهلك للأمونيا الخضراء؛ حيث يمثل الاستهلاك الأوروبي نحو 39% من إجمالي سوق الأمونيا العالمية، وهو ما يمكن إيعازه إلى الطلب المتزايد على مصادر الطاقة المستدامة وتطوير المبادرات الحكومية المختلفة التي تهدف إلى تعزيز استخدامها في النقل الثقيل، في ظل ما تشهده المنطقة الأوروبية من أزمة طاقة ممتدة ازداد عمقها مع توتر العلاقات الروسية والضغط الروسي على القارة الأوروبية بورقة الغاز على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، بيد أن أوروبا ليست مجرد مستهلك للأمونيا، بل تُعَد موطناً للعديد من مصانع إنتاج الأمونيا، ولديها فرص مزدهرة للمصنعين؛ حيث يتم توحيد السوق.

ويُذكَر في هذا السياق أن المنتج يشهد ارتفاعاً في الطلب بالتحديد من قِبل إسبانيا وألمانيا بسبب الاعتماد المتزايد في كلتا الدولتين على التطورات التكنولوجية؛ لذا تخطط شركة Yara International لتعديل محطات الأمونيا في ألمانيا خلال عام 2023، التي ستسمح بمناولة ما يصل إلى 3 ملايين طن من الأمونيا، بما يعادل ما يقرب من 530 ألف طن من الهيدروجين، وهو ما من شأنه أن يسهم في تسريع اقتصاد الهيدروجين في ألمانيا.

4- سيطرة أمريكا الشمالية على أعلى حصة إيرادات بالسوق: سيطرت أمريكا الشمالية على سوق الأمونيا العالمية بأعلى حصة إيرادات بلغت 28.64% في عام 2022. ويُعزَى هذا النمو إلى زيادة الاهتمام في المنطقة بالبحث والتطوير في إنتاج الهيدروجين واعتماد السيارات الكهربائية بها، علاوة على الدعم الحكومي، والاستثمارات المتزايدة من المستثمرين، وتطوير جدوى التكنولوجيا في تلك الصناعة، وهي جميعها عوامل تقود بقوة نمو السوق في المنطقة.

5- توقعات بتوسع سوق آسيا والمحيط الهادي في إنتاج الأمونيا الخضراء: يُتوقع أن تتوسع سوق آسيا والمحيط الهادي بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 140.6% بحلول عام 2030. ويرجع ذلك التوقع إلى السياسات والمبادرات الحكومية المتخذة للحد من انبعاثات الكربون، وتعزيز الطاقة الخضراء. على سبيل المثال، قدمت الحكومة الهندية إعانات لزيادة استخدام السيارات الكهربائية في الدولة.

فيما اختارت شركة مينتال هيدروجين – ومقرها بكين – خلال العام الجاري، شركة Topsoe لتقديم تقنيتها الخاصة بإنشاء مصنع الأمونيا الخضراء في الصين. ولعل المحطات التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 390 ألف طن سنويّاً، الواقعة في باوتو-منغوليا الداخلية شمال غرب الصين، تعد الأولى من نوعها في الصين في إنتاج الأمونيا الخضراء، وهو ما يمثل مؤشراً مهمّاً على تزايد اهتمام الصين بالصناعة ومن ثم يدفع إلى التوقع بنمو حصة آسيا في سوق صناعة الأمونيا العالمية.

تحديات قائمة

هناك تحديات يمكن أن تشكل عائقاً أمام فرص الاعتماد على الأمونيا في تحول الطاقة، يمكن استعراضها كالآتي:

1- مخاطر بيئية كامنة: من العوائق الخطيرة التي تتطلب التغلب عليها قبل اعتماد الأمونيا وقوداً، الأثر البيئي الناجم عند احتراق الأمونيا؛ حيث يطلق الوقود ملوثات بيئية مثل أكاسيد النيتروز (NOx) وأكاسيد النيتريك (NO) في الغلاف الجوي. بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر في استخدام الأمونيا الخضراء في بيئة بحرية، إما من حيث استخدامها وقوداً وإما من حيث نقلها عالميّاً على نطاق واسع. وفي حالة تسرب الأمونيا الخضراء إلى الماء، فمن الصعب احتواؤها، كما قد تتسبب في إلحاق الضرر بالحياة البحرية. بيد أن ذلك لا ينفي حقيقة أنه تم شحن الأمونيا الخضراء لسنوات عديدة دون أي حوادث سلامة كبيرة، غير أن اتخاذ الاحتياطات اللازمة التي تضمن السلامة، مهمة حتمية لا يمكن التكاسل عنها.

2- معضلة توافر الأمونيا النظيفة الخضراء: يعد مدى توافر الأمونيا النظيفة الخضراء الكافية لتلبية الطلب تحدياً كبيراً آخر؛ حيث يبلغ إنتاج الأمونيا العالمي حاليّاً نحو 180 مليون طن متري، ولعل ذلك المستوى من العرض سيتطلب بدوره ضخ المزيد من الاستثمارات الكبيرة في كل من مرافق الإنتاج وتوسيع البنية التحتية؛ من أجل الدفع نحو زيادة العرض لتلبية الطلب المتزايد على صناعة الأمونيا الخضراء.

3- التكلفة الباهظة لإنتاج الأمونيا الخضراء: تتمثل إحدى العقبات المهمة في إنتاج الأمونيا في تكلفتها الباهظة، التي تُعَد حاليّاً أغلى بكثير من طرق إنتاج الأمونيا التقليدية؛ حيث يتطلب إنتاج الأمونيا الخضراء على نطاق واسع بنية تحتية معقدة، وتكنولوجيا متطورة، ومصادر طاقة متجددة باهظة الثمن، كما يعد عدم وجود شبكات موثوق بها لتوريد الأمونيا الخضراء عقبة رئيسية أخرى أمام توسع تلك الصناعة.

وإجمالاً، رغم التحديات السالفة الذكر، فإن ثمة عوامل محورية تدفع إلى القول باحتمالية صعود الأمونيا الخضراء باعتبارها وقوداً حيويّاً محايداً مناخيّاً خلال العقد المقبل، تتمثل في الدعم الواسع للصناعة من قبل عدد من الحكومات؛ حيث من الممكن أن تدفع المساعدات الحكومية في شكل إعانات وحوافز ضريبية وسياسات داعمة، نحو تحفيز الاستثمار في إنتاج الأمونيا الخضراء، وزيادة الطلب على استخدامها عبر مختلف التطبيقات. أضف إلى ذلك أهداف الاستدامة الحالية التي تُتَبنَّى عالمياً؛ إذ مع التركيز المتزايد على الاستدامة وتقليل انبعاثات الكربون عبر مختلف الصناعات، أصبحت الأمونيا الخضراء بديلاً مستداماً مطلوباً بشكل متزايد، وأخيراً الدور المهم الذي تلعبه الأمونيا في صناعة الزراعة؛ حيث تعتمد بشكل كبير على الأمونيا الخضراء المستخدمة في إنتاج الأسمدة اللازمة لإنجاح تلك الزراعة.

في الوقت الراهن، تتعقب الحكومات سبل التنفيذ واسع النطاق لتصنيع الأمونيا الخضراء واستخداماتها وتطبيقاتها المختلفة، وتسريع تطوير تلك التكنولوجيا وتحديد موقعها من بين مصادر الطاقة البديلة للوقود الأحفوري، في ظل المساعي الدولية الطموحة نحو تعزيز مصادر الطاقة الخضراء. وعلى خلفية ذلك، تسهم المبادرات الحكومية في توسيع نطاق الأمونيا الخضراء وخلق تفاهم بين اللاعبين الرئيسيين في تلك السوق، بما يؤدي إلى دفع سوق الأمونيا الخضراء العالمية نحو النمو، ومن ثم تحقيق الأهداف المناخية الطموحة عالميّاً.

لماذا يتزايد الاهتمام العالمي بالأمونيا الخضراء؟