وفق تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 24 مايو 2023، فإن تغير المناخ يُعَد من الأسباب الجذرية لتصاعد التطرف العنيف في أفريقيا جنوب الصحراء؛ إذ إن ثمة علاقة سببية بين تغير المناخ وتزايد النزاعات المسلحة في أفريقيا؛ نظراً إلى دور العامل المناخي في تحفيز وتصعيد العنف في القارة؛ حيث تستفيد الجماعات المسلحة من التدهور البيئي من عدة أوجه.

بيد أن استغلال الجماعات المسلحة تداعيات التغير المناخي لا ينحصر على أفريقيا جنوب الصحراء فحسب، بل يشمل كذلك كافة مناطق الصراعات والنزاعات في العالم؛ إذ غالباً ما يدفع التغير المناخي إلى تضييق معيشة الناس؛ نظراً إلى نقص الموارد الناجمة عن الجفاف والفيضانات، بما يدفع السكان إلى قبول إغراءات وضغوط الجماعات المسلحة، في إطار كفاحهم للحفاظ على سبل عيشهم من الزراعة والرعي وصيد الأسماك.

مؤشرات الاستغلال

ثمة مؤشرات على استغلال الجماعات المسلحة التغير المناخي والأزمات البيئية في تعظيم مكاسبها وتعزيز وجودها، يمكن استعراضها فيما يأتي:

1– تنامي أعداد الصراعات المسلحة المرتبطة بالتغير المناخي: يعيش ما يصل إلى 160 مليون شخص في مناطق خاضعة للسيطرة المباشرة للجماعات المسلحة من غير الدول أو في مناطق تتنافس فيها تلك الجماعات على سيطرة الدولة؛ فبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2020، فإن هناك نحو 100 نزاع مسلح على مستوى العالم، بما في ذلك 60 دولة، وأكثر من 100 جماعة مسلحة من غير الدول. وتعد حصيلة النزاعات العنيفة تراكمية؛ حيث ترتبط الصراعات الجديدة، بشكل أو بآخر، بالضغوط على الموارد الطبيعية نتيجة التغير المناخي والتدهور البيئي.

2– توظيف التدهور البيئي أسلوباً من أساليب الحرب: لطالما ربطت الأبحاث التحولات المناخية بدورها في خلق فرص مواتية لنمو الجماعات، وهو ما أثبتته العديد من التقارير التي أشارت إلى قيام العديد من الجماعات المسلحة باستغلال الأزمات المتعلقة بالمناخ من أجل ترسيخ وجودها. وعلى مدى العقدين الماضيين، تم توظيف التدهور البيئي أسلوباً تكتيكيّاً من قِبل الجماعات المسلحة، خاصةً أنه غالباً ما يُنظَر إلى الموارد الطبيعية، كالمياه، على أنها أصول استراتيجية خلال النزاع المسلح، يتم توظيفها للضغط على السكان. مثلما حدث عندما استولى تنظيم داعش على سد الموصل بالعراق في عام 2014، بعد انسحاب القوات الكردية من المنطقة، إثر سلسلة من المعارك في المنطقة؛ وذلك بغية قطع الوصول إلى المياه؛ من أجل تسهيل الهجمات أو المساهمة في تشريد السكان، وكذلك تمكن طالبان من استعادة الأراضي التي عانت بفعل الجفاف والمجاعات.

وهكذا الأمر بالنسبة إلى كولومبيا، التي يتزايد فيها أنشطة إزالة الغابات والتعدين وغيرهما من أشكال تدهور البيئة، بما ينعكس بصورة سلبية على سبل معيشة السكان، ويدفع جانباً منهم للانضمام إلى الجماعات المسلحة. وبحسب دراسة استقصائية نُشرت في نوفمبر 2022، شملت 139 عضواً سابقاً في الجماعات المسلحة في كولومبيا، بما في ذلك القوات المسلحة الثورية لكولومبيا، وجيش التحرير الوطني، فإن هناك نحو 19% منهم أفادوا بأن التدهور البيئي الناجم عن النشاط البشري قد زاد من حيث تكراره وشدته في مجتمعاتهم المحلية، وهو ما مثَّل واحداً من أهم الأسباب التي دفعتهم للانخراط في جماعات مسلحة.

3– استخدام الانقسامات الداخلية الناتجة عن التغير المناخي: تهتم الجماعات المسلحة بالاستفادة من المصاعب والظروف غير المواتية الناجمة عن التغير المناخي، في استقطاب المزيد من الأفراد الذي يكابدون تلك المخاطر؛ حيث تسعى الجماعات المسلحة لإغراء أولئك الأفراد بالفوائد التي ستعود عليهم في حال الانضمام إليها.

وهو الحال في نيجيريا؛ إذ يعاني الشمال الشرقي والغربي منها من آثار تغير المناخ على القدر نفسه، بصورة تؤدي إلى تعطيل الممارسات الزراعية والرعوية التقليدية، وتهدد سبل العيش، بما يدفع نحو خلق انقسامات مجتمعية جاهزة لاستغلال الجماعات المسلحة والإجرامية. ومن ثم، تعمد جماعة بوكو حرام والجهات المسلحة الأخرى في الدولة، إلى استغلال التوترات المتنامية بين المزارعين والرعاة والمتعلقة بالموارد لتعزيز التجنيد في المجتمعات الريفية، وترسيخ وجودها في الشمال الغربي. بما يثير المخاوف والقلق، من أن تتحول المنطقة إلى جسر بري يربط المتمردين في الشمال الشرقي بعناصر الجماعات المسلحة في غرب النيجر. وبحسب دراسات استقصائية واسعة النطاق في ولايات بورنو وأداماوا ويوبي في شمال شرق نيجيريا، أجريت في عام 2021، فإن نحو 15% من المُستجوَبين الذين واجهوا تحديات معيشية بسبب تغير المناخ، انضموا إلى بوكو حرام نتيجةً لذلك.

4– الاستفادة من مخاطر الجفاف لحشد العناصر: تستغل الجماعات المسلحة مخاطر الجفاف، في استقطاب وتجنيد السكان؛ فالعراق – على سبيل المثال – يحتل المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر عرضةً لمخاطر التغير المناخي، وهو الوضع الذي يُلقي تبعاته على غالبية مناطقه، بما يترتب عليه تداعيات خطيرة على ديناميكيات الصراع بالدولة؛ فوفق استطلاع أجرته مبادرة إدارة المخارج من النزاعات المسلحة (MEAC) – وهو تعاون بين مركز جامعة الأمم المتحدة لبحوث السياسات (UNU–CPR) ومعهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح (UNIDIR)، ونشرت نتائجه في نوفمبر 2022 – فإن من بين المستجيبين الذين تأثرت سبل عيشهم بفعل تغير المناخ في مدينة تلعفر العراقية، ذهب 29% منهم للانضمام إلى مجموعة من الجماعات المسلحة. ولا يقتصر الأمر على تنظيم داعش فحسب الذي لطالما استغلَّ الخسائر المرتبطة بالجفاف والزراعة في تعظيم مصالحه، بل امتد إلى الجماعات الأخرى التي يتم حشدها لمحاربة داعش.

5– توفير فرص لبناء القبول والشرعية: غالباً ما يكون بناء القبول والشرعية بين السكان هدفاً مهماً لأطراف النزاع، ولا سيما الجماعات المسلحة من غير الدول؛ فعندما تتضرر البيئة – بجانب التغير المناخي – بفعل القتال، يكون لذلك تأثير حاد على المجتمعات، كأن يدفع إلى انخفاض الأراضي الزراعية المُنتجة، ومن ثم ينزع بالتدريج الشرعية عن حاملي السلاح، وهو ما يترتب عليه تراجع الدعم الذي قد يعتمد عليه أحد أطراف النزاع. وفي المقابل، يتيح ذلك الفرصة أمام الجماعات المسلحة لبناء شرعيتها وقبولها، عبر تقديم الخدمات والموارد للسكان، وتأمينهم.

6– استغلال نقاط ضعف المجتمعات في شن عمليات إرهابية: يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم نقاط الضعف في حالات النزاع المسلح، كأن يصبح التغير المناخي مؤثراً في انتقاء مناطق الهجمات والتخطيط لها، عبر التركيز على اختيار المناطق الأكثر هشاشةً التي يعاني أهلها من مخاطر وصعاب التغير المناخي، خاصةً أن الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية نتيجةً للأعمال العدائية تؤدي إلى تفاقم الإجهاد الذي تواجهه البنية التحتية بالفعل نتيجة تغير المناخ؛ فمثلاً، تعرُّض مناطق ما لصدمات مناخية كالجفاف، قد يسهل هدف السيطرة أمام الجماعات المسلحة، عبر إلحاق الضرر بالبنية التحتية المتهالكة فعلياً من تبعات تغير المناخ.

7– الحصول على مصادر تمويل إضافية: غالباً ما تتفاقم الأزمات الإنسانية أو حتى تسببها أنشطة الجماعات المسلحة، لكن ثمة حالات غيَّرت فيها الجماعات المسلحة تكتيكاتها، وحوَّلت تأثيرات المناخ إلى فرص لكسب النفوذ، فضلاً عن جني الأرباح. وهو ما شوهد بوضوح في مسار الجماعات المسلحة في أفغانستان قبل عام 2021؛ حيث أظهرت البيانات المتاحة أن درجات الحرارة في أفغانستان قد ارتفعت بنحو 1.5 درجة مئوية خلال القرن الماضي، مع زيادات كبيرة في شدة الجفاف بالمناطق الجنوبية والغربية، وهو ما كان له تأثير مدمر على الزراعة، التي تدعم دخل نحو 60% من السكان، حتى إنه اعتباراً من عام 2020، كان ثلث السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد والشديد.

ذلك الوضع المناخي مثَّل فرصة مثالية للجماعات المسلحة في تنمية زراعة خشخاش الأفيون، على اعتباره محصولاً أكثر مقاومةً للجفاف، وأكثر ربحاً من المحاصيل الأساسية كالقمح. ذلك التحول في استراتيجيات كسب العيش في بعض الأحيان، استغلته الجماعات المسلحة لزيادة الدعم والإيرادات، وفي إطار ذلك قدمت الحماية لمزارعي الخشخاش والتجار والمهربين مقابل ضريبة.

سبل الاحتواء

انطلاقاً من الخطورة المتفاقمة التي يمثلها استغلال الجماعات المسلحة لمظاهر التغير المناخي في تعزيز وجودها وتوسيع شبكاتها، وتجنيد المزيد من الأعضاء، فإن ذلك يقتضي في المقابل بذل الجهود من أجل تقليصه والقضاء عليه، وهو ما يمكن تحقيقه على النحو التالي:

1– تضمين ملف الجماعات المسلحة في أجندة كوب 28: تحتاج قضية استغلال الجماعات المسلحة لمخاطر التغير المناخي في تعزيز مصالحها إلى أن توضع قيد اعتبار الحكومات وعلى أجندتها، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي كوب 28 في دولة الإمارات، ومناقشة سبل احتواء تلك المعضلة والتخفيف من آثارها، وفك الارتباط بين تعاظم قوة الجماعات المسلحة والتغير المناخي، كالمساهمة في دعم المجتمعات الأكثر فقراً وهشاشة.

2– تحفيز التوزيع العادل للتمويل المناخي: انطلاقاً من كون الصراع المسلح والتغير المناخي على السواء يدمران النشاط الاقتصادي وسبل العيش، ويهددان الأمن الغذائي، ويعوقان الأسواق عن توفير السلع العامة، ويضران بالبنية التحتية الحيوية، ويتسببان في النزوح القسري، بما يسفر عن تقويض القدرة المحلية على التأقلم والتكيف مع المخاطر البيئية؛ فإن ذلك يحتم ضرورة الأخذ في الاعتبار، حتمية التوزيع العادل للموارد، وإيلاء القدر الكافي من الاهتمام بتمويل المجتمعات المهمشة والأكثر عرضةً لتداعيات التغير المناخي؛ كي لا تظل فريسة للجماعات المسلحة التي تتعمد استغلال هشاشة تلك المجتمعات والدخول من ثغراتها، لتعزيز وجودها وتوسيع شبكة علاقاتها.

كأن يتم تفعيل صندوق الخسائر والأضرار الذي تم الإعلان عنه في مؤتمر كوب 27 في العام الماضي، في تمويل المجتمعات المتضررة، بما لا يدع مجالاً للجماعات المسلحة لاستغلال المجتمعات الضعيفة في تعزيز وجودها. كذلك يمكن تطوير أدوات تمويل مناخية مبسطة ومصممة خصيصاً لبلدان النزاع، ودعم الوصول إلى مَن هم في أمسِّ الحاجة إليها.

3– تعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع المخاطر المناخية والأمنية: يدفع انعدام الأمن المعيشي وعدم القدرة على التكيف مع التغير المناخي، إلى تفاقم المخاطر الأمنية؛ حيث يزداد نشاط الجماعات المسلحة، بما يفرض على الجهات الفاعلة الإنسانية العاملة في المنطقة أن تكون في حالة تأهب للمخاطر الأمنية المحتملة، واتخاذ خطوات للتخفيف منها من خلال إشراك المجموعات المتضررة بفعل التغير المناخي، كالرعاة والمزارعين، في تطوير استجاباتهم للجماعات المسلحة، وتزويدهم بالإمكانات التي تجعلهم يقاومون إغراءات الجماعات المسلحة. كأن يسعى المجتمع الدولي إلى إعادة النظر مرة أخرى بشأن إذا ما كانت أدوات السلام والأمن فعالة في دعم الأفراد وبناء قدرتهم على الصمود، وخاصةً بالنسبة إلى النساء والشباب.

4– دعم آليات توعية السكان بمخاطر الانضمام إلى الجماعات المسلحة: من الممكن أن يسعى المجتمع الدولي إلى تعزيز الاستفادة من الشبكات المحلية من الباحثين والمفكرين ممن يتمتعون بالمهارات اللغوية التي تؤهلهم لخلق التوعية المناسبة للمجتمعات الهشة بخطورة الانضمام إلى الجماعات المسلحة، لكن ذلك يحتاج على الجانب الآخر توليد سبل جديدة لمعيشة الأفراد لا ترتبط بشكل كبير بالمناخ، كالزراعة والرعي، كأن يتم إطلاق مشروعات في تلك البلدان، يمكن تدريب السكان على العمل فيها، بما يساعدهم في تنمية مصادر بديلة للدخل دون الاضطرار للانضمام إلى الجماعات المسلحة.

5– مضاعفة الاستفادة من التكنولوجيا في تطوير أنظمة الغذاء: بإمكان المجتمع الدولي أن يتعاون على نحو موسع وبصورة عملية في توظيف التكنولوجيا والعلوم المبتكرة في تحسين أنظمة الغذاء، كأن تستفيد الحكومات مما طوره العلماء من أنواع المحاصيل المقاومة للفيضانات والجفاف والحرارة، وكذلك توصلهم إلى سلالات مغذية من المحاصيل الزراعية، بما يسهم في زيادة الإنتاجية في دول مختلفة، باستخدام المزيد من الأسمدة والمبيدات دون إحداث أضرار بيئية خطيرة.

إجمالاً، يكابد العالم تداعيات واسعة للتغير المناخي، تتضرر من تبعاته المجتمعات الهشة والأكثر فقراً، بما يجعلها أكثر عرضةً للاستغلال من قبل الجماعات المسلحة، وهو ما يترتب عليه تعزيز وجود تلك الجماعات وتعظيم دورها؛ الأمر الذي يتطلب من المنظمات الإنسانية أن تلعب دوراً أكثر تعقيداً في مكافحة تداعيات التغير المناخي على المجتمعات الهشة، وتقديم يد العون والمساعدة لها، ومن ناحية أخرى أن تسعى الحكومات إلى مخطط واضح خلال مؤتمر كوب 28 المقبل، يدعم بشكل تفصيلي التوزيع العادل للتمويل المناخي، وأن تصل بتلك التمويلات إلى ما يدعم المجتمعات المستحقة ويعزز من صمودها.

كيف تستغل الجماعات المسلحة التغير المناخي لخدمة مصالحها؟