بعد سنوات من تقديم مصطلح "التوأمة الرقمية" لأول مرة في عام 2002، على يد المهندس "مايكل جريفز" خلال مشاركته في أحد مؤتمرات التخطيط الهندسي والمعماري بالولايات المتحدة الأمريكية. ومع تحقيق تقنيات الذكاء الاصطناعي والعالم الافتراضي نجاحات ضخمة خلال عام 2022، وإعادة ترسيمهم للواقع التكنولوجي المعاصر، عادت تقنية التوأمة الرقمية لتكون في قمة التقنيات التكنولوجية التي تحظى باهتمام واستثمار الكثير من الدول والشركات التكنولوجية العملاقة؛ إذ تشير تقديرات (Grand View Research) إلى أن سوق التوأمة الرقمية العالمية، التي بلغت قيمتها 11.1 مليار دولار في عام 2022، ستنمو بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 37.5% من عام 2023 إلى عام 2030 لتصل في النهاية إلى 155.83 مليار دولار.

وتقوم فكرة التوأمة الرقمية بصورة أساسية على خلق نماذج افتراضية تحاكي بدقة أنظمة وعمليات قائمة على أرض الواقع، لتسهيل إجراء تجارب واختبارات مختلفة على هذه النماذج في أرض الواقع، مع تجنُّب النتائج الكارثية والتكلفة المادية والبشرية المرتفعة الناتجة عن إجراء مثل هذه التجارب على أرض الواقع. وقد قامت العديد من الدول باستخدام هذه التكنولوجيا لتعزيز قدراتها على التخطيط العمراني، ناهيك عن إدخال العديد من التطورات وبروز استخدامات أخرى للتوأمة الرقمية في مجالات حيوية كالطب والفضاء.

أبرز السمات

على الرغم من ظهور التوأمة منذ مطلع ألفينيات القرن الحالي، فإن المصطلح ما زال يعامل في الأوساط العلمية باعتباره من المفاهيم الجديدة المثيرة للاهتمام، ومن أهم اتجاهات التكنولوجيا التي تحتاج إلى الكثير من التطوير، كما أن الخصائص والاستخدامات المتنوعة للتقنية آخذة في التصاعد والتزايد عقب أن كانت تقتصر على المجال الهندسي والتطبيقات التكنولوجية المحدودة فقط. ويمكن التعرف على طبيعة هذه التكنولوجيا وأبرز استخداماتها على النحو التالي:

1– الطابع التعددي للتوأمة الرقمية: يمكن القول إن التوأمة الرقمية ما هي إلا عملية تتضمن دمج العديد من التطبيقات التكنولوجية المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والواقع الافتراضي المعزز؛ وذلك لإنشاء نماذج رقمية تحاكي بدقة أنظمة وعمليات موجودة بالفعل على أرض الواقع. ويتم تزويد النماذج المُراد محاكاتها بأجهزة استشعار مختلفة لإنتاج وجمع بيانات حول الجوانب المختلفة لأداء النموذج المادي على أرض الواقع؛ وذلك على غرار معرفة مصادر إنتاج الطاقة، وكيفية وصولها إلى الوحدة أو المصنع الذي يتم محاكاته في هذه النماذج، بالإضافة إلى درجة الحرارة، وظروف الطقس، تمهيداً لترحيل هذه البيانات إلى نظم المعالجة وتطبيقها على النماذج القائمة في الواقع الرقمي.

وبمجرد معرفة هذه البيانات يمكن استخدام النموذج الافتراضي لتشغيل عمليات المحاكاة ودراسة تأثير المتغيرات المختلفة على أداء النموذج، وإنشاء التحسينات الممكنة، كتوفير الطاقة الشمسية، وتحليل السيناريوهات المحتمل حدوثها، مثل الكوارث الطبيعية. وما يميز هذه التقنية عن غيرها كونها قادرة على محاكاة الواقع بتكلفة منخفضة جداً، تقل بكثير عن تكلفة إجراء التجارب في العالم الحقيقي.

2– تصاعد أهمية التوأمة الرقمية في قطاع الأعمال والتصنيع: تتمثل أهمية هذه التقنية بصورة أساسية في مساهمتها بدرجة كبيرة في تطوير وتحديث مختلف العلميات القائمة على أرض الواقع، في إطار زمني صغير وبتكلفة منخفضة؛ حيث يتيح استخدام التوأمة الرقمية مزيداً من البحث الفعال لتصميم المنتجات والنماذج بطريقة أفضل، مع تعزيز البيانات المستقاة من البيئات الطبيعية المختلفة، وإضافة طابع التحديث والتغيير بصورة دورية على هذه البيانات، بما يعزز فاعلية وكفاءة الأداء العام لجميع التطبيقات والنماذج القائمة على أرض الواقع.

وفي هذا الصدد، تزايدت أهمية التوأمة الرقمية في قطاع الأعمال والتصنيع؛ حيث تلجأ الكثير من الشركات، خاصةً القائمة في الولايات المتحدة والصين وأوروبا، إلى استخدام تكنولوجيا التوأمة الذكية؛ لمحاولة فهم الاتجاهات المستقبلية، واختبار أداء المنتجات المخطط طرحها في الأسواق لاستهلاكها قبيل الطرح الفعلي على أرض الواقع. وتساهم المعلومات المستقاة من نماذج التوأمة في تقديم رؤى تساعد الشركات على إجراء التحسينات المطلوبة للمنتج قبل بدء الإنتاج، كما يمكن أن تساعد التوأمة الرقمية الشركات المصنعة على تحديد ما يجب فعله بالمنتجات التي تنتهي صلاحية استخدامها، وتحتاج إلى إعادة معالجتها وتدويرها، ودراسة إمكانية إعادة استخدامها في صناعات واستخدامات جديدة، بما يقلل نسبة الهدر في الموارد، ويقلل المخلفات المضرة بالبيئة.

3– تزايد دور التوأمة الرقمية في قطاع الصحة: أحدثت تقنية التوأمة الرقمية ثورةً حقيقيةً في المجال الصحي؛ حيث تعتمد التقنية على كم المعلومات الذي أصبحت توفره أجهزة الهاتف المحمول والساعات الذكية عن نمط الحياة اليومي للأفراد، والذي يمكن من خلاله بناء نموذج طبق الأصل للوظائف الحيوية ومستوى الصحة لمختلف الأفراد. وبناءً على هذا النموذج يمكن التنبؤ بالأمراض والأخطار الصحية التي يعاني منها الفرد أو يُتوقع أن يواجهها في المستقبل، كما يمكن تقديم خطط ونظام غذائي صحي ورياضي معين يتبعه المريض للتغلب على الأمراض الحالية والمتوقع أن يعاني منها مستقبلاً.

وفي هذا السياق، يشير كل "بيتر كوفيني" و"روجر هايفيلد"، في كتاب "نسختك الافتراضية: كيف سيُحدث بناء توأمك الرقمي ثورةً في الطب ويغير حياتك؟"، إلى أن التوأمة الرقمية "ستدشن حقبة جديدة من الطب؛ حقبة يمكن أن يساعد فيها توأمك الرقمي في التنبؤ بخطر الإصابة بالمرض، والمشاركة في تجارب الأدوية الافتراضية، وإلقاء الضوء على النظام الغذائي وتغيير نمط الحياة الأفضل لك، والمساعدة في تحديد العلاجات لتحسين رفاهيتك وإطالة العمر الافتراضي".

4– توظيف التوأمة الرقمية في التخطيط العمراني: برز دور كبير لتقنية التوأمة الرقمية في مجال التخطيط العمراني، خاصةً في المدن الذكية. وتشمل عملية التخطيط العمراني باستخدام تكنولوجيا التوأمة الرقمية عدداً من الخطوات، تتمثل في: أولاً– جمع بيانات في الوقت الفعلي حول حركة المرور والمحيط البيئي والأنشطة العملية من خلال تقنيات إنترنت الأشياء ونموذج المعلومات؛ ما يجعل من الممكن الاتصال والتخطيط للواقع الفعلي بالاعتماد على المتغيرات والتفاعلات القائمة في الواقع الافتراضي.

ثانياً– تحليل المشكلات في الفضاء الرقمي ووضع إرشادات علمية لصانعي السياسات؛ وذلك استناداً إلى خريطة المعرفة لأنماط تشغيل المدن وتحليل البيانات الضخمة. ثالثاً– يمكن التحكم في التفاعلات داخل المدن على أرض الواقع، من خلال أجهزة التحكم عن بعد، والواجهة التفاعلية لتقنية إنترنت الأشياء؛ ما يسهل إدارة دورة الحياة الكاملة للمدينة الافتراضية، ويحسن عمليات المدينة، ويعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والتطور المستمر والمستدام.

وفي هذا الإطار، توجد أربعة خصائص رئيسية للمدن الرقمية، باعتبارها من أهم تطبيقات التوأمة الرقمية، وهي: (1) رسم خرائط دقيقة لهذه المدن. (2) تحليل البيانات التي تم تجميعها عن تلك المدن. (3) التفاعل بين الواقع الفعلي والافتراضي من خلال تحقيق التطابق الكلي بين المدينة الرقمية والمدينة على أرض الواقع. وأخيراً (4) التطبيق الذكي للنتائج التي تم التوصل إليها من خلال إجراء التجارب في المدينة الرقمية على المدينة الواقعية.

وتساعد المعلومات التي يتم جمعها من المدن الحقيقية على تحليل عوامل عدة، مثل حركة المرور، واستهلاك الطاقة في المباني والتخطيط الحضري؛ لذلك يستطيع العاملون على تخطيط هذه المدن فهم المخاطر المحتملة، وتقديم مشاهد حقيقية للتفاعلات القائمة على أرض الواقع، من خلال المحاكاة الرقمية، بما يساهم في تحسين الخدمات اللوجستية للمدينة، مثل تعديل توقيت إشارات المرور، والتحكم في مرافق استهلاك الطاقة العالية، وتغيير مواقع المرافق العامة، وتشكيل الاستراتيجيات ذات الصلة؛ فمن خلال دمج السيناريوهات المتعددة الممكنة والرقمية، يمكن أن تحمي التوأمة الرقمية السلامة الشخصية للمواطنين، وتجنب المخاطر، وأيضاً توفير منصات افتراضية وثلاثية الأبعاد للاستمتاع والترفيه؛ ما سيعمل على تحسين جودة حياة المواطنين ورضائهم عن أداء الحكومات وتعزيز شرعيتها المحلية والدولية.

5– تزايد العوائد الاقتصادية لتكنولوجيا التوأمة الرقمية: اللافت أن السنوات الماضية شهدت تسارع التنافس بين الشركات وكذلك الحكومات على استخدام تقنية التوأمة الرقمية؛ لما لها من عوائد اقتصادية كبيرة؛ إذ تشير تقديرات (Grand View Research) إلى أن سوق التوأمة الرقمية العالمية، التي بلغت قيمتها 11.1 مليار دولار في عام 2022، ستنمو بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 37.5% من عام 2023 إلى عام 2030 لتصل في النهاية إلى 155.83 مليار دولار.

وترتبط العوائد الاقتصادية للتوأمة الرقمية بقدرتها على تحسين كفاءة العملية والأتمتة، وتقليل التكاليف، مثل مشاريع البناء والتصميم. علاوة على ذلك، يمكن أن تساعد التوأمة الرقمية في تحديد وإدارة المخاطر المختلفة. فعلى سبيل المثال، يمكنها مساعدة المدن على الاستعداد للمخاطر البيئية، مثل الفيضانات، ويمكنها أيضاً مساعدة المشاة على تجنب المناطق الشديدة التلوث. وفي صناعة النفط، زادت مطالبُ العمل بإجراءات التباعد الاجتماعي بسبب COVID–19 من قيمة تقنية التوأمة الرقمية.

6– دور مساعد في الاستدامة البيئية: تزايد الاعتقاد خلال السنوات الماضية بأن التوأمة الرقمية يمكن أن تضطلع بدور مهم ومساعد في تحقيق الاستدامة البيئية؛ حيث تسمح هذه التقنية بإنشاء نسخ افتراضية من كيانات الحياة الواقعية وجمع البيانات معاً لإنشاء رابط حلقة مغلقة بين العالمين الافتراضي والمادي؛ ما يؤدي إلى إنشاء معطيات للتحليل الرقمي حول المتغيرات البيئية ومن ثم وضع استراتيجيات وسيناريوهات يمكن أن تساعد في تحسين جهود الاستدامة والحفاظ على البيئة. وفي هذا الصدد، تستخدم بعض المؤسسات والمنظمات المعنية بقضايا البيئة، مثل منظمة (Rainforest Trust)، تقنيات التوأمة الرقمية من أجل حماية بعض البيئات الطبيعية الأكثر تعرضاً للخطر على مستوى العالم، بما في ذلك المتنزهات والغابات الوطنية والمحميات.

ويفترض البعض أن تقنية التوأمة الرقمية تعتبر طريقة لنمذجة وفهم كيفية تقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات؛ حتى تتمكن المنظمات من اختبار السيناريوهات للوصول إلى أهداف الاستدامة والمناخ. وفي هذا الصدد، أشارت مؤسسة Capgemini، خلال عام 2022، إلى أن 57% من المؤسسات تعتقد أن تقنية التوأمة الرقمية ضرورية لتحسين جهود الاستدامة. هذا التوجه كشف عنه إعلان شركة لوكهيد مارتن وNVIDIA، في 2022، عن تعاون لبناء توأم رقمي يحركه الذكاء الاصطناعي لكوكب الأرض، ويهدف إلى إمداد الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي الأمريكية بنهج فعال ومركزي لمراقبة الظروف البيئية العالمية الحالية؛ بما في ذلك الظواهر الجوية المتطرفة.

توجهات عالمية

سعت العديد من الدول إلى إبرام اتفاقيات مع بعض الشركات المتخصصة في تطوير هذه التقنية، ويتمركز أغلبها في الولايات المتحدة وأوروبا وشرق آسيا؛ من أجل فهم واستغلال تطبيقات نماذج المحاكاة في جوانبها المختلفة. ووفقاً لتقرير منشور في 8 مارس 2023 على موقع "ميتافيرس إنسايدر" المتخصص في تتبع أبرز وأهم الأخبار التكنولوجية، فإن سبع شركات أمريكية تسيطر على سوق تكنولوجيا التوأمة الرقمية من أصل عشر شركات عالمية نشطة في هذا الميدان. وتحتل شركة "سيمنز " الألمانية قمة الترتيب بصفتها أكبر شركة في سوق تقنية التوأمة الرقمية وفقاً للموقع، تليها في الترتيب كل من الشركات الأمريكية "جنرال إلكتريك"، و"مايكروسوفت"، و"آي بي إم" و"بي تي سي" و"أنسيس". بينما تحتل مجموعة "إيه بي بي" السويسرية–السويدية، والشركة الفرنسية "داسو سيستمس" المرتبتين السابعة والثامنة على التوالي. أخيراً، تتذيل الشركتان الأمريكيتان "بنتلي سيستمز" و"هانيويل" هذه القائمة. وبوجه عام، تتمثل أهم التحركات العالمية في مجال التوأمة الرقمية فيما يلي:

1– اهتمام سنغافورة بتكنولوجيا التوأمة الرقمية: تعتبر سنغافورة من أوليات الدول التي سعت إلى تطبيق تقنية التوأمة مبكراً؛ حيث قامت الحكومة بضخ 73 مليون دولار في مشروع قومي أطلقته في عام 2014، تحت اسم "سنغافورة الافتراضية"؛ لمحاكاة جميع جوانب الحياة في البلاد عبر تقنية التوأمة. وقد دعم هذا المشروع كل من "المؤسسة الوطنية للبحوث" في سنغافورة، ومكتب رئيس الوزراء، وهيئة الأراضي السنغافورية، ووكالة التكنولوجيا الحكومية في البلاد. وقد تم تقسيم المشروع إلى مرحلتين؛ حيث شملت المرحلة الأولى جمع البيانات من خلال المسوحات الأرضية والجوية، واستخدام التصوير الجوي لالتقاط بيانات التضاريس والسطحية في البلاد، وبناء النماذج الرقمية التي شكَّلت الإطار العام لخريطة سنغافورة الرقمية.

وفي الجزء الثاني من المشروع، تم الاعتماد على عمليات المسح بالليزر لتحسين تفاصيل الخريطة العمرانية للبلاد بشكل كبير. وتختلف الوظائف الأساسية المرجوة من هذا المشروع باختلاف شرائح المستخدمين، ولكن تساعد هذه المدينة الرقمية بشكل عام في تحسين الجودة العامة للحياة، كتحسين التواصل وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين، ومساعدة الشركات لإدارة أكثر كفاءة وفاعلية للموارد والاستثمارات المختلفة، وأيضاً دعم الأوساط الأكاديمية والبحثية في إنشاء ابتكارات وتقنيات جديدة وبحث سبل التعاون بين القطاعين العام والخاص.

وعلى الرغم من عدم اكتمال المشروع، فإنه يهدف بعد اكتماله إلى أن يتحول إلى منصة موثوقة ومتخصصة للاستخدام من قبل القطاعات العامة والخاصة والأفراد؛ حيث سيتمكَّن المستخدمون من مختلف القطاعات من تطوير أدوات وتطبيقات متقدمة لمفاهيم الخدمات العامة، والتخطيط واتخاذ القرار، والبحث في التقنيات لحل التحديات الناشئة والمعقدة لسنغافورة.

2– مساعي الصين للتوسع في التوأمة الرقمية: على جانب آخر ما زالت تقنية "التوأمة الرقمية" في مرحلة التشكيل والاستكشاف في الصين. وقد كشفت شركة التكنولوجيا الصينية (world 51)عن هدفها لإنشاء عالم افتراضي كامل بحلول عام 2030؛ وذلك من خلال إطلاق منصة تحمل اسم (WDP51) تسمح للمستخدمين – أفراداً كانوا أم شركات – بالتمتع بخدمات تقنية التوأمة الرقمية للعديد من الشركات والمستخدمين؛ هذا بجانب إصدار خرائط ونماذج توأمة رقمية بصورة تدريجية لنحو مئة مدينة في الصين.

توجد أيضاً بعض النماذج والأمثلة لتطبيق التوأمة الرقمية في الصين؛ حيث إنه على سبيل المثال، يتم في الوقت الحالي التخطيط لجمع المعلومات من خلال أجهزة الاستشعار لإنشاء نموذج رقمي للمدينة الصينية الجديدة تحت الإنشاء "شيونجان"؛ وذلك لدعم عمليات البناء والتخطيط للمدينة بشكل فعال.

وتعتبر مدينة "كونمينج" – وهي واحدة من أهم المدن في غرب الصين – نموذجاً آخَر للتوأمة الرقمية؛ حيث تم إنشاء قاعدة بيانات رقمية ثنائية لحركة المرور في المناطق الحضرية لتمكين مديري حركة المرور في هذه المناطق من مراقبة عمليات حركة المرور في المدينة والتحكم بها. ويُظهر التحليل المقارن أن إدارة حركة المرور في "كونمينج" قد تحسَّنت كثيراً منذ الأخذ بهذه التقنية، مع انخفاض متوسط التأخير والتنقل عبر المواصلات العامة بأكثر من 10% على مدار اليوم.

3– ريادة أمريكية في مجال التوأمة الرقمية: اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية خطوات متقدمة في تطبيق تقنية التوأمة الرقمية داخل العديد من مدنها، بما في ذلك نيويورك وبوسطن ونيو مكسيكو. وظهرت أيضاً تطبيقات تقنية التوأمة الرقمية في مجال خلق وتدشين المدن الصديقة للبيئة. ومن الشركات التي تعمل بقوة في هذا المجال بالولايات المتحدة شركة (Cityzenith) التي تأسست في عام 2019، وهي شركة برمجيات أمريكية، تعمل على تطوير خدماتها للتوأمة الرقمية؛ لتسهيل تحويل المدن الأمريكية إلى نماذج صديقة للبيئة؛ لذلك تعمل هذه الشركة على تطوير منصة إلكترونية بهدف إنشاء نسخة افتراضية للبنية التحتية للمدن والأماكن الكبيرة من أجل تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 50–100%.

4– تدشين مشاريع أوروبية للتوأمة الرقمية: كشف الاتحاد الأوروبي في عام 2022، عن تدشينه مشروعاً للتوأمة الرقمية يحمل اسم وجهة الأرض (Destination Earth) ويستهدف خلق نموذج افتراضي يحاكي جميع المناطق على سطح كوكب الأرض. ويسعى هذا المشروع إلى تعزيز جهود الاتحاد الأوروبي الرامية إلى تقليل الآثار المترتبة على الاحتباس الحراري وتحسين التعاطي مع البيئة.

ويتوقع أن يتم الانتهاء من المرحلة الأولى من البرنامج – وهي مرحلة التنفيذ الأولية – بحلول يونيو من عام 2024. وتتمثل المرحلة الأولى في بناء وتكوين اللبنات الأولية لبناء نموذج مطابق لكوكب الأرض، بينما تتمثل المرحلة الثانية للمشروع التي يتوقع أن تستمر من عام 2024 حتى عام 2030، في تطوير النموذج المحاكي لكوكب الأرض – وذلك لاستيعاب أحدث التطورات العلمية ومعلومات المراقبة، والاستفادة من نظم البنية التحتية الرقمية – وهو النموذج الناشئ الذي يدعمه برنامج أوروبا الرقمية التابع أيضاً للاتحاد الأوروبي، تمهيداً لاستخدام المشروع في تحقيق غايته الكبرى المتمثلة في الحفاظ على البيئة والتنوع الطبيعي والبيولوجي على سطح كوكب الأرض.

وفي سياق ذي صلة، يهدف مشروع "نيرو توين" الممول من الاتحاد الأوروبي إلى محاكاة أداء بعض الأدمغة البشرية التي تعاني من أمراض بعينها، على غرار مرض ألزهايمر والصرع؛ لإجراء تجارب على هذه النماذج، والتوصل إلى أفضل الطرق التي يمكن من خلالها معالجة هذه الأمراض المستعصية. ومن المقرر أن يبدأ مشروع "نيرو توين" تجاربه السريرية التي تعتمد على تقنية التوأمة الرقمية خلال عام 2023.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل هناك بعض الشركات تسعى إلى محاكاة طريقة عمل العقل البشري وأدائه مختلف وظائف التفكير، بالإضافة إلى خلق نسخة رقمية كاملة لكل فرد. وقد يكون هذا الأمر من ضرب الخيال في الوقت الحالي، ولكن يتوقع "بيل روه" الرئيس التنفيذي السابق لشركة "جنرال إلكتريك"، أنه في يوم من الأيام، سيحصل كل إنسان على توأم رقمي عند الولادة، ويمكن استخدامه لتصميم علاجات مخصصة لذلك الشخص عندما يمرض، بالإضافة إلى نموذج لتأثير خيارات أسلوب الحياة التي تؤثر على جودة حياته".

5– تبني الإمارات خطوات متسارعة في مجال التوأمة الرقمية: خطت دولة الإمارات خطوات متقدمة في مجال التوأمة الرقمية؛ فبجانب عقد مؤتمر عالمي جمع أبرز العاملين في مجال التوأمة الرقمية، بإمارة دبي في مارس من عام 2023؛ أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "دو" المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عن الشراكة التي تجمع شركته مع هيئة الطرق في دبي، وأكد أن هذه الشراكة تستهدف رفع القدرات التشغيلية الثابتة والمتحركة لهيئة الطرق في الإمارة عن طريق تكنولوجيا التوأمة الرقمية. وستشهد هذه الشراكة قيام هيئة الطرق والمواصلات وشركة "دو" ببناء نظام اتصالات مدمج بالكامل مع شبكة النقل في دبي؛ حيث إن تركيز المرحلة الأولية من المشروع ينصب على مترو دبي. وستكون التوأمة الرقمية الغنية بالبيانات قادرةً على تزويد مشغلي الشبكات بالتحليل في الوقت الفعلي، والرؤى التنبؤية، ومعلومات الصيانة الخاصة بالأصول الرئيسية في شبكة النقل والمواصلات بدبي.

في النهاية، يفتح الاهتمام المتصاعد من قبل العديد من الدول بتقنية التوأمة الرقمية، وتصاعد أهميتها وبروز تطبيقات هامة ومفيدة لها في العديد من المجالات؛ الفرصة أمام تطوير هذا المجال بضخ المزيد من الاستثمارات والأموال في ميادينه المختلفة، لكنه قد يشهد أيضاً حالة من التنافس بين القطبيين الدوليين (الصين والولايات المتحدة)؛ وذلك على غرار التنافس المحتدم فيما بين بكين وواشنطن حول الشرائح الإلكترونية وأشباه الموصلات، خاصةً مع وجود سيطرة واضحة للشركات الأمريكية في هذا المضمار.

لماذا تصاعد الاهتمام الدولي بتكنولوجيا التوأمة الرقمية؟