يُنظَر إلى عام 2024 على أنه عام مهم في مسار النظم السياسية والحكومات حول العالم؛ حيث سيتوجه العديد من سكان العالم إلى صناديق الاقتراع لاختيار قيادات وممُثلين جُدد على مستويات عدة؛ فمن المتوقع أن تحدث استحقاقات انتخابية في أكثر من 75 دولة، أبرزها الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي روسيا، والبرلمانية في المملكة المتحدة والهند، وأيضاً انتخابات المحليات في تركيا والبرازيل وكندا، والانتخابات البرلمانية بالاتحاد الأوروبي. وبالطبع هناك عدد من العوامل الاقتصادية والسياسية التي ستؤثر في كل استحقاق انتخابي. وستنعكس نتيجة تلك الانتخابات على المعطيات البيئية الإقليمية والدولية؛ حيث سينتج عنها نخبة سياسية جديدة تساهم في إعادة تشكيل العوامل الجيوسياسية التي ستحدد آليات التعاطي السياسي والاقتصادي مع الأزمات الدولية الممتدة للعام الحالي، ومنها الحرب الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتباطؤ معدلات نمو الاقتصاد العالمي.

دلالات رئيسية

تتنوع الدول التي ستشهد استحقاقات انتخابية، وتتوزع على مختلف القارات الخمس، وعلى شهور العام. وهناك عدد من الاستحقاقات الانتخابية التي تكتسب أهمية أكثر من غيرها؛ نظراً إلى التأثيرات السياسية والاقتصادية التي ستنتج عنها. هذا المشهد الانتخابي الواسع يستدعي عدداً من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1– تصويت نسبة كبيرة من سكان العالم في انتخابات 2024: ربما يمكن وصف عام 2024 بأنه عام الانتخابات العالمية؛ إذ ستجرى الانتخابات في 76 دولة عدد سكانها 4 مليارات نسمة؛ أي نصف سكان العالم تقريباً، ويحق لمن يبلغ (18 عاماً) المشاركة فيها. وبحسب بعض التقديرات، سيصوت عدد أكبر من الأشخاص في عام 2024 على مستوى العالم مقارنةً بأي عام سابق. ويساعد على تزايد عدد المشاركين في الانتخابات، إجراء الاستحقاقات في عدد من الدول ذات التعداد السكاني الكبير؛ وذلك على غرار إندونيسيا والهند، وكذلك الولايات المتحدة.

2– توزُّع الانتخابات على مختلف أقاليم العالم: تتوزع الانتخابات المُنتظر إجراؤها خلال عام 2024، على مختلف أقاليم العالم، ولا تتركز في منطقة واحدة؛ ما يشير إلى توزُّع وعالمية تأثيراتها، فضلاً عن التأثيرات داخل كل إقليم. فعلى سبيل المثال، تشمل انتخابات عام 2024 دولاً مثل تشاد وجنوب أفريقيا وتوجو، فيما تشهد أوروبا انتخابات في دول؛ من بينها جورجيا والمملكة المتحدة وفنلندا.

ومن الدول الآسيوية التي ستشهد انتخابات خلال العام القادم، كوريا الجنوبية وبنجلاديش وباكستان. ومن بين دول أمريكا الشمالية التي ستشهد انتخابات في عام 2024، الولايات المتحدة وكندا. وهناك البرازيل وفنزويلا في أمريكا الجنوبية. وفي أوقيانوسيا يمكن الإشارة إلى انتخابات جُزر سليمان وأستراليا. وفي حالة التعامل مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باعتباره إقليماً مستقلاً بذاته، يمكن الإشارة إلى انتخابات تركيا وإيران، فضلاً عن دول عربية منها الجزائر والأردن.

3– تنوُّع مستويات الانتخابات المُزمع إجراؤها: تتنوع مستويات ونوع الانتخابات المُزمع إجراؤها خلال عام 2024؛ فرغم التركيز على الانتخابات الرئاسية البارزة، مثل الانتخابات الرئاسية في دول مثل الولايات المتحدة وروسيا، فإن ثمة انتخابات برلمانية ستشهدها دول أخرى مثل الهند والبرتغال وإيران، بالإضافة إلى الانتخابات المحلية في دول مثل تركيا والبرازيل، وانتخابات على مستوى المقاطعات في دول فيدرالية مثل باكستان، بخلاف الانتخابات العامة؛ وذلك مع الإشارة كذلك إلى انتخابات على مستوى تكتلات ما فوق الدولة، مثل انتخابات البرلمان الأوروبي المُنتظرة. وستشهد بعض الدول انتخابات على مستويات متعددة، مثل ليتوانيا المنتظر أن تشهد انتخابات رئاسية في مايو 2024، ثم انتخابات برلمانية في أكتوبر من العام نفسه.

4– ترقب مسار الانتخابات في الدول الكبرى: تكشف خريطة الانتخابات في 2024 عن إجراء الانتخابات في عدد من الدول الكبرى على المستوى الدولي؛ حيث ستشهد روسيا والولايات المتحدة الأمريكية انتخابات رئاسية هامة سيكون له انعكاسات محتملة على سياسات هذه الدول، وكذلك على مشهد التفاعلات العالمية. أضف إلى ذلك حدوث الانتخابات التشريعية في الاتحاد الأوروبي، وكذلك الانتخابات التشريعية في المملكة المتحدة، التي ستنعكس على المعادلة السياسية الداخلية في لندن في ظل الضغوط التي يتعرض لها حزب المحافظين.

5– انعقاد الانتخابات في عدد من بؤر الأزمات الدولية: اللافت أن بعض الانتخابات في عام 2024 ستُجرَى في بعض بؤر الأزمات الدولية، وهو ما يعزز أهمية هذه الانتخابات، ويجعلها مثار اهتمام دولي كبير. ولعل النموذج الأبرز على ذلك الانتخابات في روسيا، وكذلك الانتخابات المرتقبة في أوكرانيا التي يبدو أنها قد تؤجل في ظل تمسك الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" بعدم إجرائها في الوقت الراهن، كما تجرى الانتخابات الرئاسية في تايوان في وقت تتصاعد فيه التوترات بين بكين وتايبيه. وحتى بالنسبة إلى الانتخابات التي تجرى في بعض الدول الأفريقية، يبدو أن الانتخابات ستجتر بعض التوترات والأزمات في عدد من الدول التي تعاني من تحديات سياسية وأمنية كبيرة.

6– انتخابات أوروبية وسط تصاعد اليمين المتطرف: خلال الفترة (6–9) يونيو 2024 ستجرى انتخابات البرلمان الأوروبي بمشاركة 27 دولة هي أعضاء الاتحاد الأوروبي، وسط ترجيحات بارتفاع مقاعد اليمين المتطرف بالبرلمان الجديد ليسيطر على ربع مقاعد البرلمان بما يعادل 180 مقعداً من أصل 705 مقاعد. وستحتل ملفات (الحرب الأوكرانية والسياسات الأمنية، والوضع الاقتصادي، والهجرة، وتوسع الاتحاد، والتغيرات المناخية) أولوية على أجندة البرلمان الجديد، بينما تواجه الحكومات الأوروبية الرئيسية في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا انقسامات داخلية مستمرة؛ ما يرجح احتمالية إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بإحدى تلك الدول، كما ستشهد عدد من دول شرق وشمال أوروبا انتخابات برلمانية تسيطر عليها تداعيات الحرب الأوكرانية.

7– تأثير الأوضاع الاقتصادية في المشهد الانتخابي العالمي: بالرغم من التأثيرات الواسعة المدى للأزمات والقضايا السياسية في السلوك التصويتي، فإن الأوضاع الاقتصادية ستشكل محدداً هاماً في المشهد الانتخابي العالمي خلال عام 2024؛ فعلى سبيل المثال، يتصدر الوضع الاقتصادي أجندة العديد من الأحزاب اليمينية في أوروبا، التي تراهن على فرصها في تحقيق المزيد من التقدم في الانتخابات المزمع إجراؤها في 2024. ويتجلى هذا الأمر في العديد من الدول الأخرى؛ فعلى سبيل المثال، يسلط الرئيس السريلانكي رانيل ويكرمسينغه الضوء على مدى استقرار الاقتصاد خلال فترة رئاسته؛ وذلك تمهيداً للانتخابات في 2024، ودعم فرصه السياسية.

8– جدل حول الانتخابات الأفريقية: تظل مواعيد إجراء الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية في الدول الأفريقية خلال عام 2024 غير مؤكدة، وربما يُرجَأ عدد منها نتيجةً للنزاعات الأهلية والعرقية والأوضاع الاقتصادية بها، ومن المتوقع إجراء الانتخابات الرئاسية بتونس في أكتوبر 2024 بعد انتهاء الولاية الأولى للرئيس "قيس سعيد" التي بلغت مدتها خمس سنوات، ومن المتوقع أن يرشح نفسه مرة أخرى، وستكون الانتخابات الأولى وفق الدستور الجديد للبلاد في 2022 الذي حوَّل نظام الحكم من برلماني إلى نظام رئاسي. ويثار الجدل هنا بين الخبراء القانونيين بتونس حول ضرورة مد ولاية الرئيس حتى عام 2027؛ لأنه بعد إعداد دستور جديد للبلاد يجب إعادة احتساب مدة ولاية الرئيس، بينما ترفض المعارضة ذلك، وتؤكد ضرورة إجراء انتخابات في 2024 بعد إتمام "سعيد" خمس سنوات كاملة بالحكم.

فيما تشهد دولة جنوب أفريقيا حالة من عدم اليقين السياسي قبل الانتخابات العامة بها، في ضوء المنافسة الحادة بين الحزب الحاكم والمعارضة المتمثلة في "التحالف الديمقراطي". ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية بالسنغال في 25 فبراير 2024 دون مشاركة الرئيس المنتهية ولايته "ماكي سال"، وسيترشح بها عدد من الشخصيات ربما أهمهم "أمادو با" مرشح الحزب الحاكم، ومع ذلك توجد شكوك حول إمكانية خوض مرشح المعارضة الرئيسي "عثمان سونكو" نظراً للملاحقات القضائية العديدة له.

9– احتمالية تزايد تأثير التكنولوجيا في الانتخابات: شهدت الاستحقاقات الانتخابية في الدول المختلفة خلال السنوات الماضية تزايد تأثير التكنولوجيا، سواء بصورة إيجابية أو سلبية. ولكن مع ذلك، فإن الطفرة التي حدثت في مجال الذكاء الاصطناعي في الآونة الأخيرة، تثير تساؤلات حول حدود حضور تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الانتخابات على مستوى دول العالم. صحيح أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد المرشحين في الوصول إلى الناخبين وتصميم حملاتهم الانتخابية، بيد أن هذه التطبيقات يمكن أن تساعد بعض الجهات على تضليل الرأي العام، وتشويه صور الخصوم. ويبرز في هذا السياق تخوفات الدول الغربية من تدخل بعض القوى المناوئة، مثل روسيا والصين، في مشهد الانتخابات الغربية عبر توظيف أدوات التكنولوجيا وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

تداعيات محتملة

تستدعي الانتخابات المزمع إجراؤها على مستوى الدول المختلفة في 2024 عدداً من التداعيات المحتملة المتمثلة فيما يأتي:

1– التأثيرات المحتملة للانتخابات على الاقتصاد العالمي: تساهم الدول التي ستشهد انتخابات عام 2024 بأكثر من (60%) من الناتج الاقتصادي العالمي، وهو ما سيؤدي إلى وجود تأثيرات متبادلة بين الأبعاد الاقتصادية والسياسية بالعملية الانتخابية؛ حيث ستمثل القضايا الاقتصادية أولوية بالحملات الانتخابية البرلمانية والرئاسية والمحلية في أي دولة، كما سيحدد الفائز بها سياسات (الإعفاءات الضريبية، ونقل التكنولوجيا، وتطوير الذكاء الاصطناعي، وتخفيف الديون، وآليات استخدام الطاقة المتجددة والتقليدية).

وإذا فاز ببعض الدول النامية والأوروبية تيار اليمين المتطرف أو الشعبويين، فإنهم سيلجؤون إلى تشديد السيطرة على التجارة والاستثمار الأجنبي. وأيضاً تعد الهند التي ستشهد انتخابات هذا العام خامس اقتصاد عالمي والأسرع نمواً في العالم. وفوز "مودي" سيؤدي إلى استمرار سياساته التنافسية مع الصين لتوطين الصناعات الابتكارية ببلاده، كما يتخوف المجتمع الصناعي في إندونيسيا من قيام الرئيس الجديد بتغيير السياسات المتعلقة بالمعادن المهمة (النيكل). وثمة احتمال بعودة "ترامب" إلى البيت الأبيض؛ ما سيعيد الحروب التجارية الصينية الأمريكية التي بدأها عام 2018، وفرض المزيد من الرسوم الجمركية على التجارة مع الدول الأوروبية.

2– توتر صيني أمريكي بجنوب شرق آسيا: ترجح استطلاعات الرأي فوز مرشح الحزب الحاكم بتايوان "وليام تي" بالانتخابات الرئاسية؛ ما سيفاقم التوتر بجنوب شرق آسيا؛ نظراً إلى الانتقادات الصينية له. وسيكون هناك تصعيد صيني ربما يشمل إطلاق مناورات عسكرية بالذخيرة الحية بالقرب من تايوان، أو تعليقاً جزئياً لاتفاقية إطار التعاون الاقتصادي عبر مضيق تايوان؛ ما سيضر تايبيه. وسيؤثر ذلك بالطبع على التوتر الأمريكي الصيني؛ نظراً إلى دعم واشنطن لتايبيه.

كما سيمتد هذا التوتر إلى مختلف القضايا المعنية بالعلاقات الأمريكية الصينية، ومنها التبادل التجاري بينهما، والخلافات الصينية مع دول جنوب شرق آسيا ببحر الصين الجنوبي، وتصاعد التنافس الأمريكي الصيني بمنطقة "الهندوباسيفيك"، وستعمل واشنطن على تعزيز تحالفاتها مع دول جنوب شرق آسيا والهند لاحتواء الصين، وإرجاء حدوث أي مواجهة مسلحة معها بتايوان.

3– عودة الجدل حول التدخلات الخارجية في الانتخابات: بالنظر إلى أهمية الانتخابات المقرر إجراؤها خلال عام 2024، وتشابكها مع مصالح وتوجهات العديد من الدول، وتقاطعها كذلك مع خرائط الصراع، فمن المحتمل أن يشهد الجدال السياسي في دول الانتخابات عودة لاتهام دول خارجية بالتدخل في تلك الانتخابات ومحاولة التأثير على نتائجها.

وهو ما قد يبرز في الحالة الأمريكية مرة أخرى، خاصةً إذا ما نجح دونالد ترامب، في خوض السباق، بالنظر إلى الاتهامات الأمريكية لموسكو بالتدخل لصالحه وضد مرشحَي الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون وجو بايدن، عامي 2016 و2018، فضلاً عن التقارير الاستخباراتية الأمريكية التي تتهم روسيا بالسعي إلى تقويض ثقة الناس بالانتخابات في جميع أنحاء العالم.

وعلى الجانب الآخر، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 15 ديسمبر 2023، من حدوث تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية لروسيا، وخاصةً خلال الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية في روسيا، كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الأجهزة الأمنية الروسية الخاصة تتابع عن كثب احتمال وجود محاولات أمريكية للتدخل في سير الانتخابات الرئاسية الروسية.

وكذلك إذا أجرت كييف انتخاباتها فمن المتوقع أن تكون ساحة تدخلات روسية أمريكية لتشكيل المشهد القادم في البلاد. ولا يختلف الأمر كثيراً في تايوان التي اتهم الأمين العام لمجلس الأمن القومي فيها ولنجتون كو، في نوفمبر 2023، الصين بمحاولة التأثير على الناخبين في تايوان؛ لإلحاق هزيمة بمرشح الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في الانتخابات الرئاسية القادمة.

4– تفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي في بعض دول آسيا وأفريقيا: ربما تدفع الاستحقاقات الانتخابية في بعض الدول نحو تفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي، وخاصةً إذا كانت هذه الانتخابات مصحوبةً بصراعات سياسية. ولعل النماذج الأهم على ذلك عدد من الدول في آسيا وأفريقيا؛ فعلى سبيل المثال، صاحب الانتخابات التشريعية التي جرت في بنجلاديش، يوم 7 يناير 2024، خلافات حادة بين النظام الحاكم وأكبر حزب معارض في البلاد "الحزب القومي البنجلاديشي" الذي قاطع الانتخابات، كما وصفت قيادات الحزب الانتخابات بالمسرحية الهزيلة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ صاحب الانتخابات بعض أحداث العنف، على غرار حرق مراكز للاقتراع.

لن يكن هذا النمط بعيداً عن الدول الأفريقية؛ فعلى سبيل المثال، تجري الانتخابات الرئاسية في السنغال وسط صراع محتدم منذ شهور بين الرئيس السنغالي "ماكي سال" وقوى المعارضة، وفي مقدمتها "عثمان سونكو" الذي قاد الشارع لتظاهرات ضد الرئيس لمنعه من الترشح لولاية ثالثة. وبالرغم من إعلان سالي عدم ترشحه فإن الانتخابات لا تزال مثار قلق كبير في ظل الحشد الكبير من جانب المعارضة لهزيمة ائتلاف "بينو بوك ياكار" الحاكم ومرشحه رئيس الوزراء الحالي "أمادو با".

5– التأثير المحتمل على الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة: تعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية أهم استحقاق عام 2024؛ نظراً إلى تداعياتها الدولية المتعددة. وثمة تنافس محتدم بدأ العام السابق على المرشحين لها؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي الحالي "جون بايدن" ترشحه عن الحزب الديمقراطي، وسط اتهامات بالتورط في قضايا فساد له ولنجله دفعت الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب الأمريكي إلى المطالبة بالبدء في إجراءات عزله من منصبه، وسط تراجع شعبيته لتسود الشكوك حول قدرته على الفوز في الانتخابات.

كما يسعى الرئيس السابق "دونالد ترامب" إلى الحصول على ترشح الحزب الجمهوري، بيد أنه يواجه صعوبات عدة؛ منها التحقيق معه بالتورط في أحداث اقتحام الكونجرس في يناير 2021؛ ما دفع ولايتي (ماين وكولورادو) إلى إصدار قرار بعدم أهليته للترشح للانتخابات الداخلية بالحزب الجمهوري بالولايتين، ومن المتوقع أن تصدر المزيد من الولايات الأمريكية قرارات مماثلة، وسط مخاوف من حدوث حالة من الفوضى الأمنية إذا صدر قرار بمنع "ترامب" نهائياً من الترشح ليستمر الغموض حول المرشح الجمهوري بالانتخابات المقبلة.

ومن هذا المنطلق، ستؤدي الانتخابات إلى تهديد محتمل للاستقرار السياسي في الولايات المتحدة؛ ففوز بايدن لن يمر بسهولة بالنسبة إلى الجمهوريين الذين يضغطون بالفعل على بايدن، ويعملون على إضعاف قراراته الخارجية. أضف إلى ذلك فإن عامل العمر، والترويج لمعاناة بايدن من بعض الأمراض، يفرض غموضاً بشأن مستقبل الرئاسة الأمريكية. والأمر ذاته إذا فاز ترامب بالسلطة مجدداً؛ فإن هناك مخاوف من صدام بين ترامب وبعض المؤسسات داخل الدولة، ناهيك عن رفض قطاعات شعبية لترامب استناداً إلى فترة رئاسته الأولى.

6– تزايد الغموض بشأن مسار الحرب في أوكرانيا: من المؤكد فوز "بوتين" بالانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة، والمتوقع أنه سيستمر في نهجه السياسي الحالي القائم على "الشعبوية القومية" لحشد أنصاره، واستمرار مواجهته مع المحور الغربي في حربه بأوكرانيا وتعزيز تحالفه مع الصين ودول "الفضاء الروسي"، والسعي لبناء تحالفات جديدة مع دول شرق أوروبية وأفريقية، والانخراط في قضايا الشرق الأوسط للحفاظ على مصالحه الحيوية في سوريا وشرق المتوسط ودعم القضية الفلسطينية لتعزيز تنافسه مع واشنطن.

وهذه المتغيرات من المرجح أن تضفي تعقيدات هائلة وحالة من الغموض على مسار الحرب في أوكرانيا، وخاصة أن بوتين لا يزل متمسكاً بتحقيق انتصار في أوكرانيا. ويعزز من ذلك أن الدول الغربية ستكون أكثر انشغالاً بقضاياها الداخلية في 2024، والصراعات السياسية بها، وهو الأمر الذي يؤثر بالسلب على المساعدات الغربية لكييف.

7– تعزيز التحالفات اليمينية العابرة للحدود في أوروبا: يرجح أن يشهد عام 2024 توسع التحالفات اليمينية العابرة للحدود في أوروبا؛ فبعد صعود ملحوظ لأحزاب اليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية خلال الانتخابات التي جرت العام الحالي (2023) وخلال عام 2022 أيضاً، ينظر الكثيرون إلى انتخابات البرلمان الأوروبي المنتظر إجراؤها في يونيو 2024، بقلق من انعكاس تصاعُد نفوذ أحزاب اليمين في الدول الأوروبية على تركيبة البرلمان الأوروبي نفسه، وسط ترجيح بعض استطلاعات الرأي الأخيرة سيطرة أحزاب اليمين المتطرف على ما يقرب من 25% من البرلمان الأوروبي. بل إنه على المستوى الداخلي الأوروبي، تشير استطلاعات الرأي إلى نتائج قوية متوقعة للأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات المقرر إجراؤها خلال عام 2024، على مستوى بعض الدول الأوروبية مثل النمسا ورومانيا.

وسيطرح صعود تمثيل اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي تحديات للسياسات الأوروبية، خاصةً تجاه قضايا الهجرة والتكامل الإقليمي، وحدود دور الاتحاد الأوروبي، في ظل تشكيك العديد من تلك القوى فيه، بما يشير إلى أن عام 2024 قد يدفع نحو استمرار مسار الصعود لليمين المتطرف في أوروبا، والتغيرات الحادثة في خريطة النُخب الأوروبية.

8– استغلال بعض التنظيمات الإرهابية أحداث الانتخابات: ربما تشكل الانتخابات فرصة لبعض التنظيمات الإرهابية من أجل تعزيز حضورها وتهديد الأمن والاستقرار الداخلي، ربما يكون ذلك الملمح حاضراً في بعض الدول الأفريقية، وخاصة في دول الساحل الأفريقي التي ستشهد انتخابات في عام 2024، كما يتجلى ذلك الأمر في باكستان؛ ففيما تتسارع وتيرة أعمال العنف والعمليات الإرهابية في باكستان مع اقتراب موعد الانتخابات العامة، فإن ثمة مخاوف من تأثير تلك العمليات على القدرة على إجراء الانتخابات في بعض المناطق، وخاصةً المجاورة للحدود الأفغانية، بل ثمة مخاوف أخرى من تأثير نتائج الانتخابات على حالة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، واحتمالات أن توفر فرصاً جديدة للتنظيمات الإرهابية لتكثيف عملياتها الإرهابية، مع تنامي الاستقطاب السياسي في باكستان.

9– تراجع جدوى الضغوط الغربية على الأنظمة الحاكمة في آسيا وأفريقيا: على مدار عقود كانت الانتخابات في بعض الدول الأفريقية والآسيوية موضع اهتمام كبير من جانب الدول الغربية التي كانت تمارس ضغوطاً على الأنظمة الحاكمة فيما يتعلق بعمليات الانتخابات وإجراءاتها، ولكن يبدو أن انتخابات 2024 ستشهد وضعاً مختلفاً؛ فالأنظمة الحاكمة، على غرار الأنظمة في دول ما بعد الانقلابات في أفريقيا التي ستشهد انتخابات، باتت توظف حالة التنافس الدولي المتصاعد بين القوى الغربية بقيادة واشنطن وكل من روسيا والصين من أجل خدمة مصالحها وتقويض الضغوط الغربية، كما يبدو هذا النمط في بعض الدول الآسيوية مثل بنجلاديش التي تعرضت خلال الشهور الماضية لضغوط من جانب واشنطن من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة بالمعايير الغربية.

10– استمرار مسار الصراع بين الهند والصين: من المرجح أن تؤدي الانتخابات البرلمانية في الهند في 2024 إلى إعادة انتخاب رئيس الوزراء الحالي عن حزب "بهاراتيا جاناتا" "ناريندرا مودي" لولاية ثالثة؛ لأنه ما زال يتمتع بشعبية مرتفعة، وهو ما يعني مواصلة أجندة مودي الصدامية والتنافسية مع الصين؛ فخلال عهده عمل مودي على تطوير علاقته وشراكته مع واشنطن، بالرغم من عدم تماهيه التام مع موقفها في حرب أوكرانيا، وليس من المرجح أن يتراجع عن ذلك الأمر في حالة فوزه في الانتخابات، لا سيما أن المعطيات الإقليمية والدولية قد تعقِّد حساباته؛ فالانتخابات في تايوان قد تؤدي إلى تصاعد التوترات بين الصين والغرب، وحينها سيكون على نيودلهي اتخاذ موقف ما. وعلى مستوى الانتخابات الأمريكية، فإن وصول ترامب المحتمل إلى البيت الأبيض قد يدفع الصراع بين واشنطن وبكين إلى مستويات جديدة. علاوةً على ذلك، فإن الهند لا تزال تطمح إلى اجتذاب الاستثمارات الدولية بعيداً عن الصين.

متابعة مُكثفة

ختاماً، سيذهب العديد من دول العالم إلى استحقاقات انتخابية خلال عام 2024. وتشير تقديرات إلى أن الدول التي ستشهد انتخابات خلال العام القادم – على اختلاف مستويات ونوع تلك الانتخابات – هي دول يزيد مجموع عدد سكانها عن 4 مليارات نسمة؛ أي أن أكثر من نصف سكان العالم سيكونون على موعد مع قيادات وممثلين سياسيين جُدد، على اختلاف نوع ومستويات التمثيل السياسي، سواء كانت انتخابات رئاسية أو برلمانية أو محلية، أو حتى على مستويات ما فوق الدولة.

وستكون الاستحقاقات الانتخابية في عام 2024، جزءاً رئيسياً ومحورياً من أجندة التغطيات الإعلامية والمتابعات السياسية، إلا أنه يمكن الإشارة إلى بعض الانتخابات التي ستكون محوراً رئيسياً لتلك المتابعات والتغطيات؛ لتعاظم أهميتها، واتساع تأثيرها، وعلى رأسها الانتخابات التشريعية الأمريكية والانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا وتايوان، باعتبارها انتخابات مهمة لحالة الاستقرار العالمي، وتطورات الصراع الأوكراني الجاري، ومستقبل الصراع التايواني المحتمل، فضلاً عن الانتخابات الهندية، باعتبار نيودلهي واحدةً من أهم القوى الصاعدة في النظام الدولي؛ وذلك بالإضافة إلى انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستحظى هي الأخرى باهتمام ومتابعة كبيرة، خاصةً من زاوية مراقبة عدد المقاعد التي ستحصل عليها القوى اليمينية، وتحديداً اليمين المتطرف.

كيف تؤثر انتخابات 2024 على مشهد السياسة العالمية؟