كرم سعيد

جاء إعلان "ائتلاف النصر" بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، في 27 يونيو 2025، سحب مرشحيه من التنافس في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر 2025، ليعكس بوادر أزمة سياسية حادة في المشهد السياسي العراقي، لا سيما أن هذا الإعلان تزامن مع عودة ظاهرة مقاطعة الانتخابات إلى المشهد السياسي في العراق؛ حيث تبناها عدد من القوى والأحزاب السياسية المختلفة خلال الفترة الماضية، أبرزها "التيار الصدري"، وتيار "الخط الوطني" التابع لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي؛ ما يؤشر على تصاعد أزمة ثقة متنامية بنزاهة العملية الانتخابية وجدواها، وسط اتهامات بشراء الأصوات واستغلال مؤسسات الدولة لمصلحة قوى بعينها.وبالرغم من مساعي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عبر تصريحاته، إلى تأكيد نزاهة العملية الانتخابية، ومنع توظيف مؤسسات الدولة لصالح قوى سياسية بعينها؛ وذلك لطمأنة الرأي العام العراقي؛ فإن ذلك لم يمنع اتساع رقعة الانسحاب من الانتخابات المقبلة؛ الأمر الذي قد يُنذر بمستقبل محفوف بالمخاطر ويدفع البلاد نحو المزيد من الاستقطاب والتوتر السياسي.القوى المنسحبةتعددت القوى السياسية العراقية التي أعلنت عن انسحابها من مشهد الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويتمثل أبرزها فيما يلي:1– تحالف النصر: هو آخر القوى التي أعلنت عن انسحابها من العملية الانتخابية في 27 يونيو 2025. وقد أكد حيدر العبادي زعيم التحالف، عدم المشاركة بمرشحين خاصين به؛ بسبب ما وصفه بهيمنة المال السياسي، وغياب الإجراءات الرادعة ضد التلاعب واستغلال موارد الدولة.2– التيار الوطني الشيعي: أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي قام بتغيير اسمه مؤخراً إلى "التيار الوطني الشيعي"، في 28 مارس 2025، عدم مشاركة التيار في الانتخابات البرلمانية المقبلة، داعياً أنصاره إلى عدم الترشح والتصويت في العملية الانتخابية. وقال الصدر في تصريحات له: "ليكن في علم الجميع، ما دام الفساد موجوداً فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا هم لها إلا المصالح الطائفية والحزبية، بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب". وتجدر الإشارة إلى أن التيار الصدري كان قد حصل على 73 مقعداً في انتخابات 2021 من إجمالي مقاعد مجلس النواب العراقي البالغة 329 مقعداً.3– تيار الخط الوطني: أعلن تيار الخط الوطني المحسوب على رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، في مطلع مايو 2025، عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، وعدم الدخول في أي تحالف سياسي أو انتخابي، متهماً الطبقة السياسية بإعادة إنتاج المعادلات الفاشلة نفسها منذ عام 2003.4– حزب توازن: أعلن حزب "توازن"، في 26 يونيو 2025، الانسحاب من العملية الانتخابية، وسبق أن دعا الأمين العام للحزب "منهل آل غرير"، في مطلع يونيو 2025، إلى دراسة خيار عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، مشيراً إلى أن العملية الانتخابية، وفق المعطيات الحالية "فقدت قدرتها الحقيقية على إحداث التغيير المطلوب".5– شخصيات مستقلة: على صعيد متصل، انسحبت شخصيات مستقلة، وقيادات من قوى سياسية أخرى بالإضافة إلى مرشحين داخل تحالفات كبرى مثل "عزم" بزعامة مثنى السامرائي، كما أعلن محمد صاحب الدراجي، وهو مستشار لرئيس الوزراء العراقي، ومحسوب على تحالف "الإعمار والتنمية" بقيادة السوداني، انسحابه من الانتخابات.اعتبارات حاكمةيرتبط قرار انسحاب عدد من القوى السياسية من المشهد الانتخابي العراقي بمجموعة من الاعتبارات، يمكن بيانها على النحو التالي:1– هيمنة المال السياسي على العملية الانتخابية: على الرغم من تباين دوافع القوى السياسية العراقية التي أعلنت عن انسحابها من المشهد الانتخابي المقبل، وهي الدوافع التي ظهرت في خطاباتها السياسية؛ فإن جميعها تتفق على سبب أساسي يتمثل في هيمنة المال السياسي، وغياب الإجراءات الرادعة ضد التلاعب واستغلال موارد الدولة، بالإضافة إلى غياب مؤشرات جادة على إمكانية حصول تغيير حقيقي من هذه الانتخابات. ووفقاً للعديد من التقديرات العراقية، فإن الانتخابات القادمة لن تكون أكثر من انتخابات صورية. ويعزز من ذلك تسريب أنباء عن عمليات بيع وشراء لبطاقات الناخبين من قِبَل أطراف نافذة في الداخل العراقي، وهو ما دفع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى التحذير، بمعاقبة كل من يلجأ إلى التعامل ببيع أو شراء البطاقات الانتخابية.2– عدم وجود بيئة آمنة للانتخابات لانتشار السلاح: يعود انسحاب بعض القوى السياسية من العملية الانتخابية إلى عدم وجود بيئة آمنة للانتخابات، خاصةً في ظل وجود السلاح خارج سيطرة الدولة؛ حيث لا تزال بعض الأحزاب العراقية تحتفظ بأذرعها المسلحة؛ ما ينسف مبدأ التنافس الديمقراطي ويُحوِّل الانتخابات إلى استعراض للقوة بدلاً من التنافس على البرامج. وثمة مخاوف جدية لدى أطراف سياسية عراقية، خاصةً القوى الناشئة، من تأثير سلاح الفصائل المسلحة على العملية الانتخابية، على اعتبار أن وجوده قد يؤثر على إرادة الناخبين، خصوصاً أن الفصائل المسلحة لديها قوائم انتخابية في جميع المحافظات العراقية.3– غياب ضمانات قانونية لضبط العملية الانتخابية: وفقاً للعديد من التحليلات، فإن الانسحابات المتتالية من المشهد الانتخابي العراقي المقبل، يعود إلى غياب بيئة قانونية عادلة، خاصةً مع استمرار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من دون إصلاحات هيكلية، وهو ما يطرح عدة تساؤلات بشأن قدرتها على ضبط العملية الانتخابية، كما أن استقالة 6 من قضاة المحكمة الاتحادية العليا في العراق، وهي أعلى محكمة دستورية في البلاد، تهدد بعدم إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر 2025؛ نتيجة عدم توافر الغطاء القانوني بعد إعلان نتائجها.4– معضلة التوافق داخل الائتلافات الكبرى: ثمة توترات داخل الائتلافات السياسية الكبرى في الداخل العراقي، بشقَّيها الشيعي والسني، وهو ما تجلى في الانشقاقات التي شهدها الإطار التنسيقي، الذي انقسم إلى 10 تحالفات انتخابية، وهو ما يعكس صراعاً على زعامة البيت السياسي الشيعي، بالإضافة إلى بروز قيادات جديدة على حساب القيادات التقليدية، كما تعاني القوى السنية بدورها من التشتت، خاصةً في ظل تباين المواقف بين حزب "تقدم" وتحالفات أخرى قيد التشكل.5– أزمة القانون الانتخابي القائم على الدائرة الواحدة: يرتبط عزوف بعض القوى السياسية عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، برفض قانون الانتخابات، الذي يعتمد على نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة مع تطبيق آلية "سانت ليجو" النسبية، وقاسم انتخابي 1.7؛ ما يصب في مصلحة الكتل الكبيرة والأحزاب التقليدية مقابل تقليل فرص المستقلين والقوى السياسية الناشئة.ارتدادات عكسيةوختاماً، يمكن القول إن مسألة انسحاب ومقاطعة التيار الصدري وبعض القوى السياسية الأخرى من هذه الانتخابات، قد يحمل في طياته ارتدادات عكسية على المشهد السياسي العراقي مستقبلاً، من بينها إمكانية تغيير خريطة القوى السياسية المُشكِّلة للحكومة؛ إذ إن انسحاب هذه القوى قد يعطي فرصة أكبر للأحزاب والمليشيات الموالية لإيران لفوز مرشحيها، كما يُتوقع تراجع نسبة المشاركة الشعبية في العملية الانتخابية، ناهيك عن احتمال عودة التأزم في العملية السياسية، وتزايد الحراك السياسي والشعبي الذي سيعيق الأداء الحكومي في ملفات ملحة، وخاصة التي تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وقضايا الفساد، وكذلك توجهات السياسة الخارجية العراقية.

أبعاد انسحاب قوى سياسية عراقية من الانتخابات البرلمانية 2025