إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

بدأت الاستعدادات المبكرة للانتخابات البرلمانية العراقية المقرر لها نوفمبر 2025؛ حيث أجرى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في 9 يونيو 2025، زيارة إلى محافظة الأنبار أحد معاقل المكون السني، في إطار نشاطه الانتخابي المبكر، كما شهد تحالف "تقدم" السني اضطرابات داخلية على خلفية الإعلان، في 10 يونيو 2025، عن استقالة عضوين من قياداته البارزة. ولم تقتصر التحركات الانتخابية على ما سبق؛ فقد شهدت الساحة العراقية في التوقيت الحالي الإعلان عن تدشين تحالفات جديدة، أبرزها "ائتلاف الإعمار والتنمية" بقيادة السوداني، وبمشاركة 7 كيانات سياسية من داخل الإطار التنسيقي، وتحالف "القيادة السنية الموحدة"، بالإضافة إلى مشاركة عدد من الفصائل والجماعات المسلحة. ملامح متوقعةمع كثافة الاستعدادات للانتخابات البرلمانية العراقية المقرر لها نوفمبر المقبل، من المرجح أن تتسم العملية الانتخابية بعدد من السمات الرئيسية، وهي السمات التي يتمثل أبرزها فيما يلي: 1– توظيف غير مسبوق للمال السياسي في الانتخابات: تُشير المعطيات الحالية إلى أن الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة في نوفمبر 2025، ستتسم بتصاعد غير مسبوق في استخدام المال السياسي، وسط سباق محموم بين القوى التقليدية لتأمين النفوذ عبر شراء الولاءات العشائرية، واستقطاب الموظفين وأجهزة الأمن. وعلى الرغم من الإصلاحات القانونية المعلنة، فإن غياب الرقابة الفعالة على تمويل الحملات الانتخابية، بجانب استمرار استغلال موارد الدولة، يُضعِف ثقة الناخبين بالعملية السياسية، ويُرسِّخ هيمنة الأحزاب الحاكمة، كما يكشف الأداء الضعيف للبرلمان الحالي عن فجوة متزايدة بين المؤسسات والشارع؛ ما يرفع سقف التوقعات بشأن التغيير، خاصةً في المحافظات السنية التي تشهد استقطاباً مالياً كثيفاً. 2– كثافة المشاركة من الأحزاب والكتل السياسية: تشير العديد من التقديرات إلى أن الانتخابات البرلمانية ستكون الأكبر من حيث المشاركة على مستوى الترشح. ويدلل على ذلك إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مشاركة 118 حزباً و25 تحالفاً سياسياً، و18 قائمة حزبية حتى الآن، في حين لا يزال 60 حزباً و11 تحالفاً في طور التأسيس. ويصف العديد من المتابعين الانتخابات المقبلة بأنها ستكون حاسمة؛ لاعتبارين مهمين: أولهما تراجع التأثير الإيراني على الساحة السياسية العراقية، وهو ما فتح الباب أمام تنامي تيار سياسي جديد داخل الطبقة السياسية العراقية، يحاول الاستفادة من هذا الضعف للتمدُّد أكثر. وثانيهما يرتبط بالتحرك المبكر وغير الرسمي للحملات الدعائية؛ حيث اتجه الكثير من السياسيين خلال الأسابيع الماضية نحو تكثيف الدعاية المبكِّرة.3– مشاركة الفصائل المسلحة في العملية الانتخابية: تشهد الانتخابات المقبلة لأول مرة مشاركة تيار واسع من الفصائل المسلحة العراقية، بعد أن استحدثت أجنحة سياسية لها تحت عناوين خدمية ومدنية وسياسية، ومن أبرزها عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب جند الإمام، وكتائب الإمام علي، وحركة أنصار الله الأوفياء، ومنظمة بدر، وبابليون، وحشد الشبك. وتجدر الإشارة إلى أنه جرى قبول أوراق مرشحي هذه الجماعات بمفوضية الانتخابات، رغم وجود قانون يحظر مشاركة الجماعات التي تمتلك السلاح في العملية الانتخابية.4– تصاعد الانشقاقات داخل التيار السني: يغلب على المكون السني العراقي التشتت والانقسام، مع غياب استراتيجية موحدة تجمع القوى السنية لخوض الانتخابات، وهو ما تجلَّى في انشقاقات غير مسبوقة داخل صفوفها؛ حيث كشفت تقارير إعلامية عراقية في 10 يونيو 2025 عن انشقاق عضوين بارزين في حزب "تقدم" الذي يقوده رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وانضمامهما إلى تحالف عزم بقيادة خميس الخنجر، كما شهد حزب "تقدم" انشقاقات متكررة خلال الأشهر الماضية، أبرزها انشقاق 11 نائباً في يونيو 2024 وتأسيسهم كتلة "المبادرة"، كما كشفت بعض المؤشرات عن مساعي بعض القيادات السنية لتشكيل ائتلافات جديدة بعيداً عن "تقدم" و"عزم"، وهو ما سيكون له تأثير حتمي على صوت المكون السني، خصوصاً مع تنافس واسع بين عدد من الشخصيات الوازنة في المشهد السياسي العراقي.5– تنامي الاستقطاب الشيعي في ظل قوائم متفرقة: مع بدء الاستعدادات للانتخابات البرلمانية المقبلة، انقسم الإطار التنسيقي الشيعي إلى 10 تحالفات انتخابية، بالإضافة إلى ظهور قيادات شيعية جديدة على حساب القيادات التقليدية، وتحمل توجهات سياسية مغايرة عن الفكر التقليدي لتيار الآباء، وهو ما يعكس صراعاً عميقاً ولافتاً على زعامة البيت السياسي الشيعي. وعلى ضوء ذلك، بات من المحتمل أن تخوض قوى الإطار التنسيقي الانتخابات المقبلة بقوائم متفرقة. ويعزز من ذلك إعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في 21 مايو 2025، عن تأسيس ائتلاف انتخابي موسع باسم "ائتلاف الإعمار والتنمية"، يضم بجانب "تيار الفراتين" الذي يتزعمه، عدداً من الكتل السياسية، من بينها تحالف العقد الوطني بقيادة فالح الفياض، وائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، وتحالف إبداع كربلاء، وتجمُّع بلاد سومر، بالإضافة إلى تجمُّع أجيال بقيادة النائب محمد الصيهود، وتحالف حلول الوطني "مجموعة من نشطاء الحراك المدني". في المقابل، فإن من المرجح مشاركة ائتلاف دولة القانون بزعامة "نوري المالكي" في الانتخابات بشكل فردي، وكذلك كتلة "صادقون" التي يتزعمها "قيس الخزعلي"، كما يُتوقَّع مشاركة تحالف الفتح برئاسة "هادي العامري" مع تحالف قوى الدولة برئاسة "عمار الحكيم" بقوائم منفردة.6– كثافة توظيف الخطاب الطائفي في الوعود الانتخابية: على الرغم من التصريحات المستمرة للقوى السياسية العراقية على اختلاف اتجاهاتها وتوجهاتها بشأن أهمية إعلان مبادئ الدولة المدنية في برامج المرشحين للانتخابات البرلمانية المقرر لها نوفمبر 2025؛ فإن الممارسة العملية تشير إلى عكس ذلك؛ إذ إن أغلب التصريحات الانتخابية تشير إلى استمرار اعتماد جميع التحالفات السياسية على البعد الطائفي والمذهبي، سواء في وعودها الانتخابية، أو حتى في تشكيل قوائمها. وفي رؤية قطاع واسع من القوى السياسية العراقية، فإن الخطاب الطائفي يظل أكثر قدرةً على تحشيد أبناء الطائفة والمذهب، خصوصاً في ظل غياب المشاريع الوطنية العابرة للهويات الفرعية، بالإضافة إلى الفشل في تقديم برامج وطنية حيال القضايا الشديدة الحساسية، وخاصةً مكافحة الفساد أو تقويض السلاح المنفلت، وهو ما يدفع نحو التمسك بالخطاب الطائفي مع كل استحقاق انتخابي منذ عام 2003.7– التنافس الحاد للسيطرة على أصوات العاصمة بغداد: يُرجَّح – وفقاً للعديد من التقديرات – أن تكون المنافسة الانتخابية في العاصمة بغداد حامية الوطيس، بعد إعلان محمد الحلبوسي زعيم حزب "تقدم" ترشحه عن محافظة بغداد، بجانب ترشح رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عن المحافظة نفسها ضمن "ائتلاف دولة القانون"، كما يخوض المنافسةَ على العاصمة رئيسُ الوزراء محمد شياع السوداني؛ ما يجعل بغداد ساحة صراع سياسي معقد.8– أولوية الملفات الاقتصادية في برامج القوى المتنافسة: يبرز التضخم الهائل والفساد، وتراجع مستويات المعيشة، بالإضافة إلى أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان كقضايا رئيسية في الانتخابات المقبلة. وتسعى بعض الأطراف المناهضة لحكومة السوداني إلى توظيف السياسات الاقتصادية لتشويه صورة السوداني، والتأثير على حظوظه الانتخابية، كما اتجهت الأحزاب الكردية في يونيو 2025 إلى توظيف قرار حكومة السوداني بوقف رواتب إقليم كردستان بذريعة تجاوز الإقليم حصته من الموازنة الاتحادية، كدعاية انتخابية لصالحها. وفي ظل ذلك الوضع، فإن الملفات الاقتصادية تمثل أحد المحددات الرئيسية في برامج وخطاب القوى السياسية العراقية المتنافسة.ختاماً، يمكن القول إن الانتخابات العراقية المقبلة، يرجح أن تشهد منافسة محتدمة؛ لكونها تأتي في سياق مشهد سياسي داخلي معقد، بالإضافة إلى أنها تتزامن مع تطورات إقليمية غير مسبوقة، ويُتوقَّع أن تحمل انعكاسات مباشرة على المشهد الانتخابي العراقي، وفي الصدارة منها تراجع نفوذ طهران على الساحة العراقية، بالإضافة إلى التوتر الحاصل في العلاقة بين بغداد وواشنطن، كما تعد هذه الانتخابات هي الأولى من نوعها بعد سقوط النظام السوري، التي تأتي في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

الملامح المتوقعة للانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2025