إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

نقلت صحيفة "واشنطن بوست"، في 24 أبريل 2025، عن ثلاثة مصادر مطلعة أن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث ثبَّت تطبيق المراسلة المشفر "سيجنال" على جهازه الشخصي داخل مقر الوزارة، وهو ما يأتي عقب الكشف للمرة الثانية عن قيام وزير الدفاع بإرسال معلومات تتعلق بالضربات التي تم تنفيذها في اليمن في مارس الماضي بعد الحصول عليها من الجنرال إريك كوريلا إلى شقيقه وزوجته ومحاميه الشخصي، وهو ما دفع البيت الأبيض إلى الخروج والدفاع عنه من جديد، كما أكد هيجسيث نفسه أن المعلومات التي تم تداولها عبر تطبيق سيجنال مع أقربائه، وكذلك تلك التي تم تداولها مع أحد الصحفيين بمجلة "ذا أتلانتيك" جيفري جولدبرج، الذي وُضع بالخطأ في مجموعة محادثة مع كبار مسؤولي الإدارة الفيدرالية، "ليست سرية"، وتستخدم للتعميم على الإعلام؛ لأنها تعد "غير رسمية".وبالرغم من هذه التبريريات، نال البيتَ الأبيض ووزيرَ الدفاع الانتقاداتُ، خاصةً أن هناك عدداً من الضباط المتقاعدين وغيرهم من أعضاء الكونجرس الأمريكي أكدوا أن هذه المعلومات تعتبر "سرية للغاية"، وأنه لا يجوز مشاركتها على مثل هذه التطبيقات؛ لأنه لو تم نشرها لفشلت الضربات الأمريكية التي تم توجيهها إلى الأراضي اليمنية.تداعيات الكشف من المتوقع أن تكون هناك جملة من التداعيات من جراء تداول منصات الأخبار الأمريكية والعالمية هذه الواقعة، سواء على وزير الدفاع بيت هيجسيث، أو حتى على مستوى الإدارة الفيدرالية ككل، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:1– تشكيك في موثوقية التواصل داخل وزارة الدفاع: قد يؤدي استخدام تطبيقات غير رسمية مثل "سيجنال" في مراسلات تخص عمليات عسكرية، إلى إثارة مخاوف بشأن الالتزام بالبروتوكولات الأمنية والمعلوماتية داخل البنتاجون، خاصةً في ظل إمكانية تأثير التسريبات على التحركات العسكرية للولايات المتحدة، وبما قد يحمل تداعيات سلبية على الأمن القومي الأمريكي.يرى بعض الخبراء العسكريين الذين عمل بعضهم من قبل في البنتاجون، أن تركيز البنتاجون طوال الشهر المنصرم على مواجهة تداعيات هذه المحادثة، والرد على انتقاد وسائل الإعلام والصحفيين والأوساط السياسية، وظهور مشكلة جديدة مماثلة له في الوقت الحالي؛ ستُشتِّت انتباهه، بما قد يؤثر سلباً على قدرته على حماية الأمن القومي الأمريكي خاصة أن هناك تسريبات أخرى أقيل على إثرها ثلاثة مسؤولين كما سبق الذكر، تتعلق بتوجه رجل الأعمال ومدير إدارة كفاءة الحكومة إيلون ماسك بزيارة "إلى البنتاجون لمناقشة خطة حرب مع الصين، وتعليق جمع المعلومات الاستخباراتية لأوكرانيا، والخطط العسكرية في قناة بنما، وزيادة حجم القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط"، وهو ما نفاه البيت الأبيض.2– مخاطر على العلاقات مع الحلفاء في العمليات المشتركة: قد يُضعف تسريب معلومات عن تحركات عسكرية أمريكية من ثقة الحلفاء والشركاء الإقليميين، وخاصةً إذا اعتُبر الأمر تهديداً لأمن العمليات المشتركة؛ فمثل هذه التسريبات قد تُفهم على أنها إخلال بالتنسيق أو تجاهل لحساسية المعلومات المشتركة في العمليات؛ ما يُضعف مستوى الثقة المتبادل، خصوصاً في ملفات معقدة كالحرب ضد مليشيا الحوثي في اليمن، كما أن الدول المشارِكة في التحالفات العسكرية قد تتخوف من تسريب معلومات تتعلق بخطط أو نتائج العمليات؛ ما يدفع بعضها إلى تقليص التعاون أو فرض قيود أكثر صرامةً على تبادل المعلومات مع الجانب الأمريكي، خشية أن يتكرر هذا النوع من التسريبات في المستقبل.3– زيادة احتمالات الإطاحة بوزير الدفاع الأمريكي: على الرغم من خروج البيت الأبيض، وكذلك الرئيس دونالد ترامب، وتأكيد دعمهم الكلي لوزير الدفاع الذي يبذل قصارى جهده لإتمام مهام وظيفته، فإن كثرة الأخطاء والتسريبات التي تخرج من حين إلى آخر، والتي تؤكد عدم احترافية هيجسيث، تشير إلى أن ترامب قد يستغنى عنه قريباً، خاصةً أن ترامب ليس من الشخصيات التي ستستعى إلى الإبقاء على أفراد في إدارته يتسببون في إثارة المشاكل حوله، وتلقي الانتقادات بشكل متكرر، وهو ما يعني تأثر المستقبل السياسي لهيجسيث سلباً.وذلك علماً بأن هناك عدداً من الضباط الأمريكيين الذين سبق أن فقدوا وظائفهم من جراء مشاركة معلومات عن ميادين القتال من قبل، ومنهم ضابط في سلاح مشاة البحرية لجأ إلى قناة تواصل غير آمنة بشكل عاجل بغرض حماية زملائه من كمين في أفغانستان؛ أي أن وزير الدفاع ستزداد فرص الإطاحة به.4– الضغط على وزارة العدل للتحقيق مع وزير الدفاع: من المفترض، وفق خبراء عسكريين أمريكيين، أن تتوجه وزارة العدل للتحقيق مع وزير الدفاع بسبب خروقاته الأخيرة، حتى لو تم التغاضي عن المحادثة التي أضيف فيها صحفي عن طريق الخطأ؛ لأن المجموعة كانت تضم أفراداً من الإدارة يحملون تصريحات أمنية تخول لهم الاطلاع على الخطط الحربية، ولكن من خلال قنوات آمنة. أما الآن، فإن زوجته أو شقيقه أو حتى محاميه الخاص لا يحملون تصريحات أمنية تمكنهم من الاطلاع على هذه الخطط؛ ولذلك من الضروري محاسبة وزير الدفاع؛ علماً بأن منصة إيه بي سي نيوز تشير إلى أن أخاه ومحاميه يعملان في وزارة الدفاع؛ أي يمكنهما الاطلاع على هذه المعلومات، ولكن بما أن وزارة العدل خاضعة لترامب، فإنه سيكون من الصعب إذا لم يدفع الرئيس بذلك، أن تتوجه الوزارة للتحقيق مع وزير الدفاع.5– استمرار خروقات وزير الدفاع بسبب غياب المحاسبة: إن عدم محاسبة وزير الدفاع أو توجيه اللوم له من جانب الرئيس، سيشجعه على ارتكاب المزيد من الخروقات الأمنية مستقبلاً. ولهذا توجَّه عدد من أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين والجمهوريين، ومنهم السيناتور الديمقراطي جاك ريد، والنائب الجمهوري دون بيكون، بالمطالبة بالتحقيق مع هيجسيث، وطالبه البعض بالاستقالة، وقال بيكون عنه: "إنه يتصرف كأنه فوق القانون، وهذا يظهر شخصاً هاوياً"، خاصة أنه لجأ إلى استخدام هاتفه الشخصي في تداول مثل هذه المعلومات الحساسة، فيما أوضح آخرون أن ما يحدث الآن يعد نتيجة متوقعة لتمرير التصويت على مسؤول في منصب حساس بعدم موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ، خاصةً أن هيجسيث لم يكن يمتلك الخبرة التي تؤهله لشغل هذا المنصب.ولكن عدم محاسبته هذه المرة أيضاً، وتمسكه بمنصبه، تؤكد أنه سيستمر على النهج ذاته مستقبلاً، على غرار ترامب الذي أصبح يستخدم حسابه على منصة التواصل الاجتماعي تروث سوشيال في أحيان عدة للإعلان عن بعض القرارات، وتوجيه الانتقادات لبعض الشخصيات، بالرغم من أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن يستخدم قنوات وأدوات مختلفة للإعلان عن مختلف القرارات.6– تأكيد ازدواجية المعايير عند التعامل مع المسؤولين: إن الدفع بالتحقيق مع صغار المسؤولين وإقالتهم، أو حتى مسؤولي الدرجة الثانية داخل وزارة الدفاع – ومنهم المسؤولون الثلاث: كولين كارول، ودان كالدويل، ودارين سيلنيك، الذين أقيلوا مؤخراً بسبب تسريبات تتعلق بالبنتاجون، وأوضحوا أنهم تم "التشهير بهم"، وأنهم "لم يتم إبلاغهم بطبيعة المعلومات التي تم تسريبها" – مع غض الطرف عن أخطاء القيادات الكبرى، سيؤكد وجود ازدواجية في المعايير عند التعامل في الإدارة الأمريكية. والأمر لا يقتصر على إدارة ترامب؛ لأنه سبق أن تكرر خلال الإدارات السابقة، عندما استخدم مسؤولون كبار قنوات اتصال غير آمنة ولم يتعرضوا للمحاسبة، ومنهم وزيرة الخارجية سابقاً هيلاري كلينتون، بجانب نائب الرئيس ترامب في ولايته الأولى مايك بنس، فضلاً عن الرؤساء أنفسهم، وفي مقدمتهم ترامب وبايدن، وهو أمر يخلق حالة من التوتر الداخلي بين صغار الموظفين الذين سيشعرون بالظلم من جراء محاسبتهم وفقدانهم وظائفهم، بل تعرضهم للمحاكمات، بما يحد من قدرتهم على العمل والعطاء.7– احتمالات التأثير على القاعدة الانتخابية لترامب: هناك بعض المعتقدات التي تشير إلى أن كثرة أخطاء الإدارة الراهنة المتعلقة بعدم وجود احترافية في عمليات إدارة مختلف العمليات، ستؤثر على قاعدة ترامب الانتخابية، بيد أن الأمر الأكثر قدرةً على التأثير على القاعدة الانتخابية، هو الوضع الاقتصادي للمواطنين داخل الولايات المتحدة، وقدرتهم على مواجهة موجات التضخم التي من المتوقع حدوثها مع الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها ترامب على مختلف الدول، وفي مقدمتها الصين، التي تعد من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. ولكن فيما يتعلق بتأثر الأمن القومي الأمريكي، فإن تكرار مثل هذا السلوك، يمكن أن تستغله الدول المناوئة لواشنطن؛ حيث قال النائب دون بيكون في هذا الصدد: "لقد وضعت روسيا والصين آلاف الأشخاص لمراقبة كل هذه المكالمات الهاتفية في أعلى المستويات، والهدف الأول بعد الرئيس ... سيكون وزير الدفاع"؛ ولذلك فإن نجاح دول مثل روسيا والصين في إفشال مخططات واشنطن المختلفة، أو توجيه ضربات إلى أهداف أمريكية مختلفة حول العالم، والتسبب في خسائر بشرية ومادية، سيكون هو أكثر ما يؤثر سلباً على إدارة ترامب، خاصة من جانب من انتخبوه لحماية الأمن القومي الأمريكي.تخبط متصاعدختاماً، تشير الحادثة وغيرها من حوادث الإدارة إلى عدم تمتع وزير الدفاع بالخبرة اللازمة لتولي مهام هذا المنصب. وبالرغم من أن ترامب متمسك به، فإن من غير المستبعَد الإطاحة به قريباً، خاصة أن ترامب منشغل بملفات عدة، ولن يسعى إلى توسيع حدة الجدل والانتقادات الموجهة له. وعلى صعيد آخر، فإن استقالة عدد من المسؤولين داخل وزارة الدفاع تؤكد كذلك أن البنتاجون سيكون أكثر تخبطاً خلال إدارة ترامب وهيجسيث إذا استمر على هذا النهج.

ما تداعيات التسريب الجديد لوزير الدفاع الأمريكي؟