د. أحمد أمل


        
<p><strong>واجهت القارة الإفريقية تحديات الإرهاب في وقت مبكر. فبجانب نشاط العديد من التنظيمات المحلية في دول شمال إفريقيا منذ سبعينيات القرن العشرين، جاء تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998 ليضع إفريقيا في قلب خريطة الإرهاب العالمي. وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر من عام 2011 تحولت العديد من مناطق القارة الإفريقية إلى ساحات للحرب التي قادتها الولايات المتحدة على الإرهاب. وبعد عشرين عامًا من هذا التاريخ لا تزال الظاهرة الإرهابية في إفريقيا تكشف عن تحول الإرهاب إلى ظاهرة مستدامة وقابلة للتمدد في القارة الإفريقية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ملامح التهديد الإرهابي</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>تتمثل أبرز ملامح التهديدات الإرهابية في القارة الإفريقية بعد 20 عامًا من أحداث 11 سبتمبر وانطلاق الحرب على الإرهاب فيما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- الانتشار الجغرافي واسع النطاق:</strong> شهدت مناطق انتشار التنظيمات الإرهابية في إفريقيا تمددًا مطردًا. فبعد التواجد في بؤر متناثرة في شمال وشرق القارة، باتت التنظيمات الإرهابية تنتشر في مساحات جغرافية شاسعة. ففي الشمال، وفرت الأوضاع السائلة في ليبيا فرصة لانتشار الإرهاب في مساحة جغرافية واسعة. وفي شرق إفريقيا تمددت الظاهرة الإرهابية من وسط وجنوب الصومال إلى شمال كينيا ثم العمق الكيني وصولًا إلى أوغندا ثم شمال موزمبيق. أما في غرب إفريقيا فقد التحمت ظاهرة الإرهاب القديمة نسبيًا في جنوب الصحراء الكبرى، بالتجليات الجديدة للظاهرة في حوض بحيرة تشاد وإقليم الساحل الإفريقي، مع وجود مؤشرات خطرة لإمكانية التمدد جنوبًا في عمق دول خليج غينيا. ولم يسلم إقليم البحيرات العظمى في عمق القارة الإفريقية من تمدد التنظيمات الإرهابية بعد ظهور ما يُعرف بولاية وسط إفريقيا في شمال شرق الكونغو الديمقراطية، مع محاولة الاتصال بتنظيمات شمال موزمبيق عبر الإقليم التنزاني. ومن شأن هذا الانتشار الجغرافي الكبير أن يفرض تحديًا أمنيًا قاريًا لمكافحة الإرهاب الذي أصبح قادرًا على تجاوز الخصوصيات الوطنية والإقليمية ليقدم نفسه كمهدد أمني عابر للحدود.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- الاستدامة ومقاومة الضغوط المتعددة:</strong> ووفقًا للمعيار الزمني، أثبتت العديد من التنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية قدرة كبيرة على الاستدامة ومقاومة الضغوط الداخلية والخارجية. فعلى سبيل المثال، نشط تنظيم الشباب المجاهدين في الصومال لأكثر من خمسة عشر عامًا بصورة متصلة شهدت تفاوتًا في قدرات التنظيم من مرحلة لأخرى؛ إلا أنها لم تشهد أيًا من مظاهر الانقطاع. كما لا تزال الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر قائمة منذ تأسيسها عام 1998 خاصة منذ أن التحقت بتنظيم القاعدة عام 2007 وتحولت إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والذي لا يزال ناشطًا في مناطق متعددة من الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي حتى الآن. وعلى الرغم من الانقسامات التي شهدها تنظيم بوكو حرام المؤسس عام 2002، فقد حافظت التنظيمات المنشطرة عنه على سيطرة ميدانية في شمال شرق نيجيريا، قبل أن تؤدي التفاعلات البينية لظهور فرصة جديدة لإعادة توحيد التنظيم مرة أخرى تحت راية الفرع الذي يحمل اسم ولاية غرب إفريقيا. وتُضاف هذه التنظيمات القديمة نسبيًا إلى مجموعة كبيرة من التنظيمات حديثة النشأة، والتي تعزز من فرص استدامة الظاهرة الإرهابية في القارة الإفريقية مستقبلًا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- السعي لتأسيس "دويلات إرهابية": </strong>عكست طبيعة العمليات التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية في إفريقيا تطورًا كبيرًا وفق العديد من المؤشرات. فقد تمكّنت التنظيمات الإرهابية من تأسيس نمط من "السيادة" في بعض مناطق القارة عبّر عنه بصورة واضحة سيطرة تنظيم الشباب على مساحة واسعة من وسط وجنوب الصومال بما في ذلك ميناء كسمايو الذي مكّن التنظيم من ممارسة التجارة الدولية لسنوات. كما خضعت مناطق شمال مالي لسيطرة تنظيمات أنصار الدين والتوحيد والجهاد قبل أن تنحسر مع تقدم عملية سرفال التي أطلقتها فرنسا عام 2013. وعلى الرغم من أن التنظيمات الإرهابية لم تعد تتمتع في اللحظة الراهنة بسيطرة مستدامة على نطاق جغرافي واسع مثل هاتين الحالتين، إلا أن هذه التغيرات مكّنت التنظيمات الإرهابية من اتخاذ وضع الهجوم بدلًا من الدفاع.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- استهداف القواعد العسكرية والمطارات:</strong> توالت العمليات الإرهابية الكبيرة التي تتسم بقدر كبير من التعقيد والتنسيق بين وحدات ميدانية متعددة، والتي بدأت في استهداف المعسكرات الرئيسية لجيوش الدول الإفريقية، والقوات الدولية الداعمة لها. وعلى سبيل المثال، استهدفت سلسلة من الهجمات الإرهابية تمركزات الجيش النيجيري بين شهري أبريل ومايو 2019 والتي استهدفت مواقع عسكرية في ماراربار كيمبا، وجاجيجانا وجوبيو، لتخلف أكثر من 60 قتيلًا. وفي مالي، شن تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى هجومًا على معسكر للجيش في مدينة ميناكا مخلفًا 54 قتيلا ًمن الجنود الماليين في نوفمبر 2019.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي ديسمبر 2019، تعرض جيش النيجر لأسوأ هجوم في تاريخ مواجهاته مع الإرهاب حين تعرضت قاعدة للجيش في منطقة إيناتيس لهجوم شنه العشرات من مقاتلي تنظيم الدولة مستخدمين أسلحة ثقيلة ومركبات مفخخة، الأمر الذي أدى إلى سقوط أكثر من 70 قتيلًا من الجنود، ما أعقبه اجتياح القوات المهاجمة للمعسكر، وهو ما أسفر عن نهب كميات كبيرة من الذخائر والمركبات العسكرية. وفي مارس من عام 2020 وقع أكبر هجوم إرهابي في تاريخ تشاد من حيث عدد الضحايا الذين فاقوا المائة قتيل من ضباط وجنود الجيش التشادي في هجوم استمر خمس ساعات متواصلة على قاعدة عسكرية في شبه جزيرة بوهوما بإقليم بحيرة تشاد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي الصومال بات استهداف تنظيم الشباب لمطارات آدم عدي في العاصمة مقديشيو، وأوغاس نور في دوسمريب، وغيرها من المطارات الرئيسية، بقذائف الهاون ظاهرة متكررة، يكرسها اتخاذ القوات الصومالية وقوات البعثة الإفريقية في الصومال (أميصوم) هذه المطارات قواعد آمنة للتمركز. وفي مطلع عام 2020، قامت مجموعة مسلحة تابعة لتنظيم الشباب بالإغارة على قاعدة كامب سيمبا العسكرية في شمال كينيا، والتي تعد مركزًا مشتركًا للقوات الأمريكية والكينية العاملة في مكافحة الإرهاب في الصومال، وهي العملية التي خلفت قتلى في صفوف الجنود والمتعاقدين الأمريكيين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- صِدام المشروعات الإرهابية في إفريقيا: </strong>تشكل القارة الإفريقية واحدة من أبرز ساحات الصدام بين التنظيمات التابعة للقاعدة والتنظيمات التابعة لداعش. ولا يعبر هذا الصدام عن تباينات فكرية جذرية بقدر ما يعكس حالة من التنافس الداخلي بين التنظيمات الإرهابية على بسط النفوذ والسيطرة. ففي الصومال يرتبط تنظيم الشباب المجاهدين تقليديًا بتنظيم القاعدة، إلا أنه بداية من عام 2015 بدأت بعض العناصر القيادية والمقاتلين في الانشقاق لتشكيل فرع لتنظيم داعش في الصومال. وعلى الرغم من اتجاه المجموعتين لتبني منطق المهادنة في السنوات الثلاث التالية، شهد عام 2018 تفجر المواجهات المسلحة بينهما والتي أحرز فيها تنظيم الشباب تقدمًا ملموسًا، قبل أن تضرب الانقسامات الداخلية فرع داعش في الصومال.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي غرب إفريقيا، شكّل التنافس بين المشروعين الإرهابيين الدوليين أحد مصادر الانشقاقات العميقة التي تعرض لها تنظيم بوكو حرام بعد أن بايع القسم الأكبر من التنظيم النيجيري تنظيم داعش متحولًا إلى ولاية غرب إفريقيا، بينما ارتبطت جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان (أنصارو) المنشقة منذ عام 2012 بتنظيم القاعدة، لترجح العديد من العوامل كفة ولاية غرب إفريقيا. ولا ينتظر أن تسفر هذه الصدامات عن جعل عمليات مكافحة الإرهاب في إفريقيا أكثر سهولة، فالثابت في التجربة الإفريقية أن الانشقاقات المتوالية في التنظيمات الإرهابية، وشبكة العلاقات المعقدة التي تربطها ببعضها بعضًا، قد جعل عمليات المكافحة أكثر تعقيدًا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">اضطراب سياسات المواجهة</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>على الرغم من الالتزام الكبير الذي أبدته حكومات الدول الإفريقية بمكافحة الإرهاب، كشفت استراتيجيات مكافحة الإرهاب في إفريقيا عن قدرٍ كبير من التخبط، الأمر الذي كان من بين أسباب استدامة نشاط التنظيمات الإرهابية حتى الآن. فعلى مستوى حكومات الدول الإفريقية، أدّت التكلفة الكبيرة لظاهرة الإرهاب إلى تعالي أصوات متعددة تطالب بالاحتواء السياسي للظاهرة عبر مفاوضات وبرامج للعفو والمصالحة وإعادة التأهيل، وهو ما بدأت حكومات الدول الإفريقية في الاستجابة له عبر إجراءات متفاوتة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>فقد أعلن الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا عن دخول حكومته في مفاوضات مباشرة مع إياد أغ غالي وأمادو كوفا، وذلك قبل أن يسقط كيتا بشهور معدودة ليعلن النظام الجديد انفتاحه على المفاوضات هو الآخر. وفي نيجيريا (في عام 2019) أطلق قسم خدمات الدولة Department of State Services (DSS)، المسؤول عن الأمن الداخلي في نيجيريا، عملية الصلح Operation Sulhu بصورة سرية، وهي العملية التي استهدفت فتح المجال لعمل عدد من قادة بوكو حرام السابقين بإقناع زملائهم بالاستسلام وترك السلاح مقابل العفو. وتأتي عملية الصلح لتتكامل مع عملية الممر الآمن Operation Safe Corridor التي أطلقتها القوات المسلحة النيجيرية عام 2016 والمعتمدة على استيعاب المقاتلين المستسلمين من ذوي التهديد الأمني المحدود في معسكر لإعادة التأهيل في ولايتي باوتشي وجومبي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتستمر هذه التحولات في الظهور على مستوى الفاعلين الدوليين الناشطين على الساحات الإفريقية المختلفة. فبعد انخراط أمريكي مكثف في مجال مكافحة الإرهاب في إقليمي القرن الإفريقي والساحل الإفريقي، بدأت الولايات المتحدة تدريجيًا تقليص انتشار قواتها على الأرض والاعتماد على هجمات الطائرات المسيرة، وهو ما بلغ ذروته بإقرار وزير الدفاع السابق مارك إسبر خطة لتقليص القوات الأمريكية في غرب إفريقيا في نهاية عام 2019، أعقبها الانسحاب الكامل من الصومال في الأسابيع الأخيرة لولاية الرئيس السابق دونالد ترامب في مطلع 2021، قبل أن يعلن الرئيس الجديد جو بايدن تقييد استخدام غارات الطائرات المسيرة بسبب تكرار حوادث سقوط ضحايا من المدنيين. وعلى الرغم من الانخراط الفرنسي المطول في مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي، فقد تسببت العديد من الصعوبات الميدانية وارتفاع التكلفة الاقتصادية في إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون إنهاء عملية برخان في يونيو من عام 2021، وذلك على الرغم من عدم إحراز أي نصر حاسم على الإرهاب في الساحل حتى اللحظة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وإجمالًا، اكتسبت ظاهرة الإرهاب في إفريقيا عبر عقدين كاملين من الزمن العديد من الخصائص التي مكّنتها من البقاء والاستمرار ومقاومة الضغوط المحلية والدولية. لكن في الوقت نفسه كشفت هذه التجربة الطويلة عن العديد من مظاهر الضعف والخلل التي قد تشكل مدخلًا مهمًا لتطوير عمليات مكافحة الإرهاب حال استغلالها بصورة فاعلة ومتسقة.</strong></p>

      

كيف تطورت تهديدات الإرهاب في القارة الإفريقية على مدار عقدين؟