د. محمد عباس ناجي


        
<p>استضافت إيران الاجتماع السابع للدول الضامنة لمسار أستانة، في 19 يوليو الجاري؛ حيث شارك فيه كل من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان؛ حيث أكد البيان الختامي "استمرار التعاون بين الدول الثلاث للقضاء على جميع الإرهابيين، والدور الريادي لعملية أستانة في التسوية السلمية للأزمة السورية". كما عُقدت اجتماعات ثنائية بين الرئيس الإيراني وبين كل من الرئيسين الروسي والتركي اللذين التقيا أيضاً المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أهداف متقاطعة</span></strong></p>



<p><strong>يمكن القول إن روسيا وإيران سعتا عبر القمة وما تلاها من لقاءات ثنائية، إلى توجيه رسائل مباشرة يمكن إيجازها فيما يأتي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- مواجهة العزلة الدولية بسبب حرب أوكرانيا:</strong> تعمدت روسيا من البداية الترويج للزيارة وتضخيمها باعتبارها رسالة إلى الدول الغربية أنها لا تعاني من العزلة التي تفرضها الدول الغربية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. وهنا كان لافتاً أن روسيا ركزت على أن تلك الزيارة هي الثانية للرئيس بوتين إلى الخارج، بعد الزيارة التي أجراها إلى طاجيكستان وتركمانستان؛ حيث شارك في قمة بحر قزوين التي عقدت في عشق أباد في 28 يونيو الفائت.</p>



<div style="height:16px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبدأ المسؤولون الروس يروجون أن الرئيس الروسي سوف يجري جولات خارجية في الخريف القادم؛ حيث قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، في 20 يوليو الجاري، إن لدى الرئيس بوتين خططاً لإجراء زيارات أخرى بعد إيران، وإن الترتيبات لهذه الزيارات لا تزال جارية، دون أن يحدد الدول التي سوف يزورها. وقد كان لافتاً أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتبرت أن الزيارة كشفت العكس، وأوضحت بجلاء أن روسيا تعاني من عزلة على المستوى الدولي؛ حيث قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، في 19 يوليو الجاري، إن زيارة الرئيس الروسي إلى إيران توضح مدى العزلة التي أصبحت روسيا تعاني منها عقب غزوها أوكرانيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تكريس سياسة "الخيارات البديلة":</strong> حرصت إيران على استثمار الزيارة من أجل تأكيد نجاحها في توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمامها على المستوى الدولي، حتى رغم العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والتوتر الذي بدأت تتسم به علاقاتها بالدول الأوروبية. وكانت الدلالة الأبرز على ذلك هو توقيع الشركة الوطنية للنفط الإيراني صفقة ضخمة مع شركة "جاز بروم" الروسية تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار، على هامش زيارة بوتين، وتتضمن تطوير الشركة الروسية حقلَي الشغاز كيش وبارس الشمالي، ورفع الضغط في حقل بارس الجنوبي، وتطوير ستة حقول نفطية، وتبادل الغاز والمنتجات، واستكمال مشاريع للغاز الطبيعي المسال، ومد خطوط أنابيب لتصدير الغاز.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وهنا، فإن رسالة طهران واضحة ومفادها أنها لا تعول كثيراً على الوصول إلى اتفاق نووي مع الدول الغربية – ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية – يمكن أن يتيح رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها وعودة الشركات الأجنبية، والغربية تحديداً، للاستثمار فيها. وكانت إيران قد تعرضت لضربة قوية من جانب الشركات الأجنبية التي سارعت إلى الخروج من السوق الإيرانية عقب فرض العقوبات الأمريكية بداية من 7 أغسطس 2018، على خلفية الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. وكانت شركة "توتال" الفرنسية إحدى الشركات الغربية الرئيسية التي اتخذت تلك الخطوة؛ حيث انسحبت من مشروع تطوير المرحلة الحادية عشرة من حقل بارس الجنوبي، في 20 أغسطس 2018، الذي كانت تشارك فيه مع شركة "سي إن بي سي" الصينية و"بترو بارس" الإيرانية، بقيمة 4.8 مليار دولار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- إثبات القدرة على استقطاب حلفاء واشنطن:</strong> رغم أن إجراء مباحثات حول الملف السوري، خاصة فيما يتعلق بالعملية العسكرية التي تهدد تركيا بشنها في شمال شرق سوريا، كان العنوان الرئيسي للقمة الثلاثية التي عقدت بطهران، فإن ذلك لا ينفي أن أحد الأهداف الأخرى من إشراك تركيا في القمة، يتعلق بتأكيد القدرة على استقطاب حلفاء واشنطن الإقليميين والدوليين، مع استغلال الخلافات العالقة بين الأخيرة وبين هؤلاء الحلفاء.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>لكن هنا، تبقى الحسابات متباينة بين طهران وموسكو. فبالنسبة إلى الأولى، لا تنفصل المسألة عن محاولة تأكيد الصعوبات التي تواجه الجهود التي تبذلها واشنطن لصياغة ترتيبات أمنية جديدة في منطقة الشرق الأوسط مناوئة لطموحات إيران النووية والإقليمية؛ حيث كانت إيران حريصة على الترويج إلى أن كثيراً من الدول التي كانت مرشحة للانضمام لمثل تلك الترتيبات هي في الحقيقة تؤسس معها علاقات قوية، على نحو لن يدفعها إلى الانخراط في مثل هذه الترتيبات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وإذا كانت تركيا قد غابت عن قمة جدة، التي شارك فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، فإن ذلك لا ينفي أهمية موقعها في إطار أي ترتيبات أمنية في المنطقة، أولاً في ظل اهتمامها بتلك المنطقة، وثانياً باعتبارها إحدى الدول الأعضاء في حلف الناتو، وثالثاً في سياق علاقاتها القوية بإسرائيل، على المستوى الأمني، التي انعكست على الجدل الذي تصاعد في الفترة الماضية حول تعاونها مع تل أبيب في تفكيك خلايا إيرانية كانت تستهدف تصفية بعض الإسرائيليين في تركيا، وهو الجدل الذي كان لافتاً أن صداه لم يصل إلى اجتماعات أردوغان في طهران ولقاءاته مع خامنئي ورئيسي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>أما بالنسبة إلى موسكو، فإن استمرار التواصل مع أنقرة يحظى بأهمية خاصة، أولاً لضبط حدود التحركات التركية في سوريا بما لا يؤدي إلى إرباك الحسابات الروسية في وقت تنهمك فيه موسكو في إدارة الحرب في أوكرانيا والتصعيد مع الدول الغربية، وثانياً لاستغلال أنقرة باعتبارها محوراً أو همزة وصل مع الدول الغربية وأوكرانيا ذاتها، في إطار الحفاظ على قنوات تواصل مع الخصوم أو توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع تطورات الحرب والتصعيد. وقد بدا دور تركيا جلياً في الاجتماعات الرباعية التي عُقدت في إسطنبول بداية من 13 يوليو الجاري، بمشاركة تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، التي تركزت حول "الشحن الآمن" للحبوب في الموانئ الأوكرانية عن طريق البحر، خاصة طرق نهر الدانوب التي أُعيد فتحها في ظل الحصار الذي تفرضه روسيا على الموانئ الرئيسية في البحر الأسود.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- الترويج لاستمرار الحضور الإقليمي في المنطقة:</strong> يمكن فهم الحرص على وضع الملف السوري في قمة أجندة المباحثات بين الرؤساء الثلاثة، والمباحثات بينهم وبين المرشد الأعلى علي خامنئي – الذي ركز بدوره على بعض المحاور في هذا الملف، سواء ما يتعلق بالعملية العسكرية التركية المحتملة، أو ما يتصل بالحث على استمرار التشاور بين إيران وروسيا وتركيا – باعتبار أن ذلك، في رؤيته، هو الآلية المثلى لحسم القضية السورية، في إشارة إلى إصرار إيران على إفراغ المسار الأممي للملف السوري من مضمونه، وبما يتوافق مع الحسابات الروسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>لكن قد لا يكون ذلك هو الهدف الوحيد؛ إذ إن طهران وموسكو سعتا عبر تلك الفعاليات إلى إثبات إصرارهما على مواصلة حضورهما في الملف السوري. وكان لافتاً أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد زار طهران بعد يوم واحد من قمة طهران، في إشارة – على ما يبدو – إلى أن هناك ترتيبات جديدة يجري العمل على صياغتها بين إيران وروسيا وتركيا والنظام السوري فرضت ضرورة زيارة الوزير السوري في هذا التوقيت. ويتوازى ذلك مع رغبة موسكو في تجديد تأكيد أن انشغالها بالحرب في أوكرانيا لن يدفعها إلى تقليص اهتمامها بما يجري من تطورات سياسية وأمنية على الساحة السورية، وهو مسار يبدو أن الطرفين سوف يتجهان إلى تدعيمه خلال المرحلة القادمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">رسالة التحالف</span></strong></p>



<p>على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الظروف الحالية فرضت على موسكو وطهران وأنقرة تأكيد الجدية في تطوير العلاقات الثنائية، على نحو يوحي بأن ثمة حالة من السيولة في أنماط التفاعلات سوف تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد أن تتبلور معالم المعطيات التي فرضتها جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الفترة من 13 إلى 16 يوليو الجاري.</p>

      

ما رسائل طهران وموسكو إلى الدول الغربية بعد جولة بايدن؟