إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تشهد العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن تطورات ملحوظة في الآونة الأخيرة، خاصة في المجال الدفاعي، وذلك بعد صعود إدارة ترامب إلى السلطة؛ حيث وافقت وزارة الخارجية الأمريكية في 15 مايو 2025 على بيع صواريخ بقيمة 304 ملايين دولار إلى تركيا. وجاءت هذه الصفقة، التي لا تزال بحاجة إلى موافقة الكونجرس، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية ماركو روبيو لتركيا لحضور اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية الناتو تستضيفه مدينة أنطاليا التركية لبحث جهود تسوية الأزمة الأوكرانية وتطورات الأوضاع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط. ومن دون شك، فإن هذه الصفقة قد تمثل تحولاً بارزاً في علاقات أمريكا الأمنية مع تركيا، إذ تشير إلى احتمال تفكيك ملف العقوبات الأمريكية العسكرية المفروضة على أنقرة، وبالتالي زيادة فرص تطور العلاقات الدفاعية التركية-الأمريكية خلال المرحلة القادمة.مؤشرات دالةثمة مؤشرات تدلل على تحسن لافت في العلاقات الأمنية بين أنقرة وواشنطن خلال الفترة الماضية، ويمكن الوقوف على أبرز تلك المؤشرات على النحو التالي:1- تطور الصفقات الدفاعية والهجومية بين الدولتين: وافقت الولايات المتحدة خلال الآونة الأخيرة على بيع تكنولوجيا الصواريخ الدفاعية والهجومية والطائرات المقاتلة لتركيا، فبالإضافة إلى الموافقة على بيع 53 صاروخاً متقدماً متوسط المدى من طراز AIM-120C-8 (AMRAAM)، و60 صاروخاً من طرازAIM-9X Sidewinder Blok II، نجحت تركيا في يونيو 2024 في توقيع صفقة مع الولايات المتحدة تقضي بشراء 40 مقاتلة F16، إضافة إلى تحديث أسطولها الجوي الحالي.2- تزايد الاتصالات والزيارات الدبلوماسية: شهدت الأيام الماضية تواصلاً دبلوماسياً لافتاً بين ترامب وأردوغان، فإلى جانب مشاركة الأخيرة في 14 مايو 2025 عبر تقنية الفيديو في اجتماع ترامب ونظيره السوري في الرياض، أجرى ترامب في 20 مارس و5 مايو 2025 على التوالي اتصالاً هاتفياً مع نظيره التركي، بحثا خلاله عدداً من القضايا المشتركة، من بينها الأوضاع في سوريا وقطاع غزة والأزمة الأوكرانية. بيد أن هذا الاتصال لم يكن الأول من نوعه، ففي 7 نوفمبر 2024 بادر أردوغان بالاتصال بترامب لتهنئته بالفوز في الانتخابات الأمريكية. كما قام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في 27 مارس 2025 بزيارة رسمية إلى واشنطن، حيث التقى نظيره مارك روبيو، الذي حضر بدوره الاجتماعات غير الرسمية لحلف الناتو التي استضافتها مدينة أنطاليا التركية في 15 مايو 2025. 3- كثافة الاجتماعات الدفاعية المشتركة: حرصت أنقرة وواشنطن خلال الآونة الأخيرة على تكثيف الاجتماعات الدفاعية المشتركة، وكان آخرها في 29 أبريل 2025، حيث عُقد اجتماع مجموعة الدفاع التركية الأمريكية رفيعة المستوى في العاصمة أنقرة، والذي انتهى بالتأكيد على أهمية تعميق الشراكة الدفاعية الاستراتيجية بين البلدين.4- دعم التحركات الأمنية لتركيا في سوريا: أثناء زيارته لواشنطن في مارس 2025، ناقش وزير الخارجية التركي ونظيره الأمريكي الاتجاهات الأمنية والقضايا الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة سوريا، وأكد الوزير الأمريكي "مارك روبيو" على دعم التحركات التركية في سوريا. ومن جهته أعلن ترامب عن دعمه المتنامي لتركيا داخل الأراضي السورية، وظهر ذلك في امتداحه أردوغان ووصفه له في 8 أبريل 2025 بأنه "أخذ سوريا"، وهنأه على هذا "الإنجاز التاريخي"، وأضاف أنّ "أردوغان شخص قاسٍ وذكي للغاية، وأنجز شيئاً لم يستطع أحد القيام به من قبل، ويجب التسليم بانتصاره".ووفقاً للعديد من المراقبين، فإن إشادة ترامب بدور أردوغان في سوريا وتأكيده على "العلاقة الرائعة" التي تجمعه بالرئيس التركي، تؤشر إلى مراجعة محتملة لواشنطن بتطوير محتمل لعلاقاتها الأمنية مع أنقرة في المستقبل. كما تجدر الإشارة إلى أن واشنطن غضت الطرف عن التحركات العسكرية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ناهيك عن اتجاه إدارة ترامب لتقليص حضورها العسكري في الشمال السوري، وهو ما تثمنه تركيا.دلالات الصفقةتحمل موافقة وزارة الخارجية الأمريكية على تمرير صفقة صواريخ دفاعية وهجومية إلى تركيا مجموعة من الدلالات المهمة، ويمكن بيان ذلك كالتالي:1- إمكانية رفع العقوبات العسكرية الأمريكية عن تركيا: لا تنفصل مساعي تركيا لتطوير علاقاتها الأمنية مع واشنطن عن رغبتها في رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ ديسمبر 2020، وفق قانون معاقبة الدول المتعاونة مع خصوم الولايات المتحدة المعروف بـ"كاتسا CAATSA"، وذلك بسبب شراء تركيا المنظومة الدفاعية الروسية إس-400. وتجدر الإشارة إلى أن وسائل إعلام أمريكية كشفت خلال الايام الماضية عن أن ترامب "منفتح على بيع معدات عسكرية متقدمة لتركيا خلال المرحلة المقبلة، ويدرس إلغاء العقوبات عن أنقرة".2- دعم الشراكة الأمنية الأمريكية التركية: في رؤية أنقرة، فإن تعزيز التعاون الأمني مع واشنطن يمثل أولوية استراتيجية، حيث تسعى تركيا للعودة إلى الانخراط مجدداً في برنامج إنتاج مقاتلات F35، بجانب رغبة أنقرة في تحديث سلاح الجو التركي من خلال الحصول على الطرازات المتقدمة من الطائرات الأمريكية F16، بالإضافة إلى مساعي الرئيس أردوغان لإتمام الاتفاق الموقع بين البلدين في فبراير 2024 بشأن إقامة مصنع مشترك للذخيرة في ولاية تكساس الأمريكية. وفي ضوء ذلك، فإن موافقة الخارجية الأمريكية على صفقة الصواريخ الأخيرة لتركيا، قد تفتح الباب أمام دعم الشراكة الأمنية بين البلدين.3- تطوير العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة: في رؤية تركيا، يمثل التعاون الدفاعي أحد المداخل المهمة لتطوير العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً مع انفتاح ترامب على تنشيط العلاقات المشتركة. وفي ضوء ذلك، فإن صفقة الصواريخ الأخيرة تقدم سياقاً ملائماً لتطوير التعاون الدفاعي والتكنولوجي بين أنقرة وواشنطن. ناهيك عن أنها تحمل إشارة مهمة إلى تركيا، مفادها أن واشنطن حريصة على دعم العلاقات الاستراتيجية مع تركيا. وفي تصريحات له، أكد الرئيس أردوغان أهمية ضبط وتعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة، باعتبار أنها من أولويات بلاده، وتساهم في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.4- تأكيد الأهمية الاستراتيجية لتركيا في الشرق الأوسط: تشير صفقة الصواريخ الأمريكية إلى أن تركيا لا تزال تمثل أحد المفاتيح المهمة للتحركات الأمريكية في الشرق الأوسط، وذلك بسبب البعد الجيوستراتيجي لتركيا، فضلاً عن إعادة تركيا تقديم نفسها للولايات المتحدة باعتبارها الشريك الأمثل الذي يمكن الاعتماد عليه في مناطق بالغة الأهمية والحساسية بالنسبة إلى واشنطن، وبخاصة في آسيا حيث الصعود الصيني واستمرار الأزمة الأوكرانية، وفي الشرق الأوسط، حيث قلق واشنطن من البرنامج النووي الإيراني، وتهديدات وكلاء طهران للمصالح الأمريكية في الإقليم.5- محورية تأثير العلاقات الشخصية بين ترامب وأردوغان في الملف الأمني: تشير صفقة الصواريخ التركية الأخيرة إلى أن العلاقة الشخصية بين ترامب وأردوغان كانت أحد المفاتيح المهمة لموافقة الخارجية الأمريكية على الصفقة، فأردوغان يصف ترامب بـ"الصديق العزيز"، بينما قال ترامب خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أبريل 2025: "تربطني علاقة رائعة برجل يُدعى أردوغان. أنا معجب به، وهو معجب بي، وهذا يُثير ضجة إعلامية. لم نواجه أي مشاكل قط، رغم أننا مررنا بالكثير".تجديد الأرضيةختاماً، يمكن القول إن صفقة الصواريخ الأمريكية التي يرجح أن تحصل عليها تركيا بعد موافقة الكونجرس تشير إلى تجدد التعاون الأمني بين أنقرة وواشنطن، والذي يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز شراكتهما الاستراتيجية في مجال الدفاع والأمن وغيره، كما تمثل الصفقة أرضية يمكن البناء عليها سواء لرفع العقوبات الأمريكية عن قطاع الصناعات الدفاعية التركية، أو بشأن إمكانية عودة أنقرة لبرنامج مقاتلات F35.

دلالات موافقة وزارة الخارجية الأمريكية على بيع صواريخ لتركيا