د. محمد عباس ناجي

قام قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري إسماعيل قاآني بزيارة العراق، في 21 مارس 2025؛ حيث التقى قادة المليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران. ورغم أن هذه الزيارة ليست الأولى من نوعها، فإنها اكتسبت أهمية وزخماً خاصاً في ظل الظروف التي أُجرِيت خلالها، لا سيما على مستوى تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً، وعلى صعيد العمليات العسكرية التي تشنها الأخيرة في اليمن، بدايةً من 16 مارس 2025، لدفع مليشيا الحوثيين إلى التوقف عن مهاجمة حركة الملاحة في البحر الأحمر، أو على مستوى تفاقم الأوضاع الداخلية في سوريا، عقب المواجهات التي اندلعت بين القوات التابعة للإدارة السورية الجديدة وبعض العناصر التابعة للطائفة العلوية ومن يسمون "فلول" النظام السوري السابق.أسباب عديدةيمكن تفسير أسباب الزيارة التي أجراها قاآني إلى العراق في هذا التوقيت على النحو التالي:1– ممارسة ضغوط على المليشيات لـ"ضبط النفس": تسعى إيران إلى ضبط ردود فعل المليشيات الشيعية العراقية، سواء إزاء إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على شن العمليات العسكرية ضد المواقع التابعة لمليشيا الحوثيين في اليمن، بدايةً من 16 مارس 2025، أو بسبب استئناف إسرائيل العمليات العسكرية في قطاع غزة، بدايةً من 12 مارس 2025. وفي رؤية طهران، فإن انخراط المليشيات الشيعية العراقية في المواجهات الحالية عبر شن هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق أو ضد إسرائيل، من شأنه أن يوفر فرصة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من أجل وضع استهداف المليشيات الشيعية العراقية على قائمة أهدافهما في مرحلة ما بعد الانتهاء من المهمة في اليمن. ووفقاً لذلك، فإن الظروف الحالية تختلف عن السابقة، خاصة خلال المرحلة الأولى من الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة؛ حين كان انخراط المليشيات الشيعية العراقية مرتبطاً بتدخل مليشيات أخرى في الحرب، على غرار حزب الله اللبناني. إلا أنه مع القضاء على القسم الأكبر من القدرات العسكرية للحزب، فضلاً عن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، لم تعد هناك خيارات متعددة أو حرية حركة أوسع أمام تلك المليشيات لإدارة التصعيد مع إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية، على نحوٍ يفرض عليها، طبقاً لمقاربة طهران، التوقف عن الانخراط في المواجهات الحالية، إلى حين استشراف ما سوف تؤول إليه في النهاية.2– تجهيز المليشيات للمهمة الأكبر: قد لا تنفصل هذه التحركات الإيرانية لممارسة ضغوط على المليشيات الشيعية العراقية من أجل عدم التدخل في المواجهات الحالية عن محاولاتها تجهيز الأخيرة للاختبار الأصعب الذي يمكن أن تتعرض له إيران نفسها خلال المرحلة القادمة، وهو الانخراط في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أو الاثنتين معاً، أو التعرض لضربة عسكرية قوية أكثر تأثيراً وقوة من تلك التي شنتها إسرائيل ضد إيران في 26 أكتوبر 2024. وقد تزايد هذا الاحتمال عقب الرفض الإيراني للدعوة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، لإجراء مفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية للملفات الخلافية المختلفة.هذا الرفض عبَّر عنه عدد من المسؤولين الإيرانيين، كان آخرهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي قال، في 23 مارس 2025، إنه لم يعد ممكناً الانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا إذا تغيرت بعض الأمور، مضيفاً أنه لا يمكن إحياء الاتفاق النووي الحالي، لكن يمكن أن يكون نموذجاً. ورغم أن عراقجي أكد جاهزية إيران عسكرياً للتعامل مع أي تهديد أمريكي أو إسرائيلي، فإن ذلك لا يمنع القول إن إيران في حالة انخراطها في حرب مباشرة أو تعرضها لضربة عسكرية قوية، سوف تلجأ إلى ما تبقى من وكلائها من أجل التدخل لرفع كُلفة أي عمليات عسكرية تشنها الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل ضدها.3– رفع مستوى التنسيق حول الملف السوري: تبدي إيران والمليشيات الشيعية العراقية مخاوف عديدة من الارتدادات التي يمكن أن تفرضها التطورات التي تشهدها سوريا، بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، خاصةً فيما يتعلق باحتمال تحرك بعض التنظيمات المسلحة والإرهابية الموجودة في سوريا من أجل اختراق الحدود والسيطرة على مناطق وأراضٍ داخل العراق، على غرار ما قام به تنظيم "داعش" في الموصل في منتصف عام 2014.وربما كان ذلك هو الدافع وراء تبادل زيارات بعض المسؤولين السياسيين والأمنيين بين العراق وسوريا خلال الفترة الماضية؛ حيث قام وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بزيارة العراق في 14 مارس 2025، وقبلها قام رئيس الاستخبارات العراقية حميد الشطري بزيارة دمشق في 26 ديسمبر 2024. ومن هنا، ربما تكون زيارة قاآني إلى بغداد مرتبطة بالسعي إلى رفع مستوى التنسيق للتعامل مع ما يجري من تطورات سياسية وميدانية على الساحة السورية.ومن دون شك، فإن هذا التنسيق يكتسب أهمية خاصة في ضوء اهتمام إيران والمليشيات الشيعية العراقية بمتابعة التطورات التي تشهدها مدن الساحل السوري – التي كانت معقل النفوذ الإيراني قبل سقوط الأسد – الخاصة بالمواجهات المسلحة التي ما زالت تنشب بين القوات التابعة للإدارة السورية الجديدة وقيادات وعناصر تابعة للطائفة العلوية ومن يسمون "فلول" النظام السوري السابق؛ حيث ترى إيران أن هذه التطورات يمكن أن تمثل مدخلاً لعودتها من جديد إلى مناطق نفوذها السابقة في سوريا.4– رفض مصادرة سلاح المليشيات العراقية: تعرضت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني خلال الفترة الماضية لضغوط قوية من جانب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل مصادرة سلاح المليشيات وتفكيكها، في سياق السياسة التي تتبناها الأخيرة، وتقوم على محاصرة وتقويض النفوذ الإقليمي لإيران؛ لدفعها نحو القبول بدعوة الرئيس ترامب لإجراء مفاوضات حول الملفات الخلافية المختلفة. وقد بدأ بعض قادة المليشيات الشيعية يوجهون رسائل واضحة في هذا الصدد تفيد برفض أي محاولة لمصادرة سلاحها.إذ قال الأمين العام لمليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، في 2 مارس 2025، إنه يرفض تسليم السلاح، معتبراً أن هذا السلاح لم يُستخدَم في قضايا داخلية، وأنه يستخدم للدفاع عن العراق فقط، واصفاً سلاح المليشيات بأنه "منضبط". ومن هنا، فإن أحد أهداف الزيارة التي أجراها قاآني هو تأكيد رفض إيران هذه المقاربة، ومحاولة توجيه رسالة مباشرة إلى الحكومة العراقية برئاسة السوداني، تفيد بأن أي تحرك في هذا الاتجاه يمكن أن يفرض تداعيات سلبية قوية على أمن واستقرار العراق، في ظل تعويل إيران على دور ونفوذ هذه المليشيات في إدارة أي مواجهة محتملة قد تنشب مع الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل خلال المرحلة القادمة.قلق متنامٍيتصاعد القلق الذي تبديه إيران إزاء التحركات التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الإقليمي تدريجياً؛ إذ إن هذه التحركات تعني، في رؤية طهران، أن اللحظة التي يمكن أن ينشب فيها التصعيد العسكري – بمستوياته المختلفة – بين طهران وواشنطن قد اقتربت بفعل إصرار كل طرف على موقفه وعدم الوصول – حتى الآن – إلى حلول وسط يمكن أن تساعدهما على الالتقاء في منتصف الطريق وطرح أفكار جديدة للوصول إلى تسوية للملفات الخلافية المختلفة. هذا القلق المتنامي سوف يدفع طهران دوماً إلى ضبط ردود فعل وكلائها في المنطقة، انتظاراً للاختبار الأصعب الذي يتعلق بالتصعيد العسكري المحتمل مع واشنطن وتل أبيب في المرحلة القادمة.

دوافع زيارة قائد فيلق القدس إلى العراق