د. محمد عباس ناجي

بالتوازي مع استمرار المفاوضات التي تُجرى بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول البرنامج النووي الإيراني، وتصاعُد حدة التوتر مع إسرائيل التي وجهت تهديدات مباشرة لإيران بدفع قسم من كُلفة الهجمات الصاروخية التي تشنها المليشيا الحوثية ضدها، وكان آخرها الهجوم الصاروخي الذي استهدف مطار بن جوريون؛ أعلن الجيش الإيراني، في 5 مايو 2025، عن صاروخ باليستي جديد "أرض أرض" يصل مداه إلى 1200 كيلومتر، أُطلِق عليه اسم "قاسم بصير". ويشير اسم الصاروخ الجديد إلى أنه أولاً نسخة مطورة من الصاروخ الباليستي "الحاج قاسم" الذي أُعلِن عنه في عام 2000، ويصل مداه إلى 1400 كيلومتر، وأنه تم تزويده ثانياً بنظام توجيه يقوم في الأساس على التصوير الحراري، بشكل يُمكِّنه من تجاوز أدوات الحرب الإلكترونية، وإصابة أهدافه بدقة أكبر. وحسب تصريحات وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده، فإن الصاروخ الجديد يمتلك القدرة على تجاوز نظام الدفاع الجوي الأمريكي "ثاد".مغزى التوقيتيمكن تفسير اهتمام إيران بالإعلان عن هذا الصاروخ الجديد في هذا التوقيت في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:1– حصر المفاوضات مع واشنطن في البرنامج النووي: تسعى إيران، عبر هذه الخطوة، إلى توجيه رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تفيد بأن المفاوضات التي تُجرى حالياً، سوف تكون حصراً على البرنامج النووي، ولن تمتد إلى برنامج الصواريخ الباليستية. وبالطبع، فإن ذلك لا ينفصل عن التصريحات التي أدلى بها بعض المسؤولين الأمريكيين بشأن الملفات التي يمكن التفاوض حولها في المفاوضات، والتي تضمنت البرنامج الصاروخي.فقد قال وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي بالوكالة ماركو روبيو، في 2 مايو 2025، إنه إذا كانت لدى إيران رغبة في إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، فعليها أن تبتعد عن برنامج الصواريخ البعيدة المدى التي لا يوجد غرض لوجودها إلا حمل أسلحة نووية، وعليها أن تتوقف عن تخصيب اليورانيوم. وفي رؤية طهران، فإن المفاوضات التي أُجريت مع واشنطن على مدى ثلاث جولات حتى الآن كانت فرصة لتأكيد أنها لن تتوقف عن تخصيب اليورانيوم، فيما كان الإعلان عن الصاروخ الجديد فرصة أخرى موازية لتأكيد أنها لن تتوقف أيضاً عن إنتاج وتطوير الصواريخ.2– الاستعداد لاحتمال فشل المفاوضات: رغم نبرة التفاؤل التي تبدو واضحة في تصريحات المسؤولين الإيرانيين والأمريكيين بشأن النتائج التي يمكن أن تنتهي إليها المفاوضات – وذلك على نحوٍ بدا جلياً في تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، في 7 مايو 2025، التي قال فيها إن المفاوضات تجري على ما يرام، مضيفاً أنه سوف يتم إدماج إيران في الاقتصاد العالمي مع منعها من امتلاك قنبلة نووية – فإن ذلك لم يدفع إيران إلى استبعاد الاحتمال الآخَر، الأكثر سوءاً، الذي يتمثل في فشل المفاوضات، خاصة في ظل وجود قوى أخرى مناوئة للصفقة المحتملة، سواء إسرائيل، أو أطراف سياسية ليست داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقط بل أيضاً داخل إيران. وفي رؤية طهران، فإن إعلان السلطات البريطانية عن اعتقال خلية تضم إيرانيين كانت تستهدف مهاجمة السفارة الإسرائيلية في لندن، الهدف منه هو وضع عقبات أمام المفاوضات، ودفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إبداء تشدُّد أكبر تجاه إيران فيها.وهنا، فإن إيران تسعى عبر الإعلان عن الصاروخ الجديد إلى تأكيد أنها مستعدة للانخراط في الخيار الثاني، رغم رغبتها في تجنبه، وهو خيار المواجهة العسكرية التي يمكن أن تندلع إذا اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية أو السماح لإسرائيل بتنفيذ المهمة. وقد عبَّر وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده عن ذلك خلال مراسم الإعلان عن الصاروخ الجديد.إذ قال نصير زاده في هذا الصدد: "ليس لدينا عداء مع أيٍّ من دول الجوار، لكن القواعد الأمريكية ستكون أهدافاً لنا إذا تعرضنا لاعتداء"، وهو التهديد الذي سبق أن جاء على لسان قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري أمير علي حاجي زاده، الذي قال، في 31 مارس 2025، إن "الأمريكيين يجلسون في غرفة زجاجية بالمنطقة، ومن كان بيته من زجاج فلا يقذف الناس بالحجارة".3– التشكك في النوايا الأمريكية بعد الصفقة: لا تبدي إيران ثقة كبيرة بالسياسة التي سوف تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الوصول إلى اتفاق محتمل حول البرنامج النووي.وهنا، فإن إيران ربما لا تستبعد أن يتجه الرئيس ترامب، بعد إبرام الصفقة المحتملة حول البرنامج النووي، إلى العودة لممارسة ضغوط قوية على إيران أو التهديد بشن ضربة عسكرية ضدها، بهدف دفعها إلى إجراء مفاوضات جديدة حول البرنامج الصاروخي، باعتبار أن هذا البرنامج يمثل مصدر تهديد مباشراً للمصالح الأمريكية وإسرائيل في آن واحد؛ ولذا فإن الإعلان عن الصاروخ الجديد يفيد بأن إيران لن تقدم تنازلات نوعية في هذا الصدد، وأن تفكيك هذا البرنامج يمثل خطاً أحمر بالنسبة إليها.4– فصل التصعيد مع إسرائيل عن الصفقة: على غرار ما فعلت جماعة الحوثي، يبدو أن إيران سوف تعتمد المقاربة نفسها، الخاصة بفصل المفاوضات والصفقة المحتملة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي يمكن أن تنتهي إليها عن التصعيد المستمر مع إسرائيل، خاصةً أن الأخيرة ليست راضية لا عن المفاوضات التي تُجرى بين طهران وواشنطن، ولا عن الصفقة التي تم التوصل إليه برعاية عُمانية بين الأخيرة والحوثيين. وقد تواصلت بالفعل التهديدات الإسرائيلية بشن هجمات ضد إيران من أجل الرد على الهجمات الحوثية، وآخرها الهجوم الذي استهدف مطار بن جوريون. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس آخِر من وجه هذه التهديدات، في 8 مايو 2025؛ حين حذر إيران من تمويل ودعم الحوثيين، وأشار إلى أن ما فعلته إسرائيل مع كلٍّ من حزب الله اللبناني والحوثيين سوف تفعله مع إيران.ويعني ذلك أن إسرائيل تسعى إلى تأكيد أنها سوف تحافظ على خيار التصعيد العسكري مع إيران حتى في حالة إبرام صفقة بين الأخيرة وبين الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً أنها تبدو مضطرة إلى قبول هذه الصفقة في ظل الضغوط التي تتعرض لها من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذا الصدد، فضلاً عن أنها تحاول الحصول على مكاسب استراتيجية من خلال هذا القبول في المرحلة المقبلة. ومن هنا، فإن إيران تريد تأكيد أنها مستعدة لهذا التصعيد خلال المرحلة القادمة، وأنها استطاعت استيعاب التداعيات التي فرضتها الهجمات العسكرية النوعية التي نفذتها إسرائيل في 26 أكتوبر 2024، والتي قالت الأخيرة إنها أسفرت عن تقليص قدرة إيران على إنتاج مزيد من الصواريخ الباليستية.تصعيد مستمرعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران قد تواصل اتخاذ خطوات تصعيدية في هذا السياق خلال المرحلة القادمة، لتحقيق هدف أساسي يتمثل في تأكيد حصرية المفاوضات في البرنامج النووي، وتوجيه رسائل بأن السياسة الإيرانية إزاء الملفات الأخرى لن تشهد تغييرات بارزة في هذا الصدد، سواء فيما يتعلق بالبرنامج الصاروخي أو ما يتصل بالنفوذ الإقليمي.

لماذا كشفت إيران عن الصاروخ الباليستي الجديد في هذا التوقيت؟