إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

أعلن تنظيم "داعش"، في 28 أبريل 2025، تبنيه هجوماً أسفر عن مقتل خمسة مقاتلين أكراد في محافظة دير الزور بشرق سوريا. وأكد فرهاد شامي، المتحدث باسم "قوات سوريا الديمقراطية"، مقتل خمسة أفراد في الهجوم الذي وصفه بأنه أحد أعنف الهجمات ضد القوات منذ فترة. ورغم خسارته آخر معاقله في الباغوز القريبة من الحدود العراقية بريف دير الزور في مارس 2019، ظل "داعش" يشكل تهديداً جدياً لأمن سوريا واستقرارها عبر مجموعات متنقلة تنشط عبر البادية السورية، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول دلالات تصعيد تنظيم "داعش" هجماته الإرهابية في سوريا في هذا التوقيت تحديداً.دلالات عديدةيطرح تصعيد تنظيم "داعش" عملياته الإرهابية في سوريا في هذا التوقيت العديد من الدلالات، التي يتمثل أبرزها في:1- استثمار خطة تقليص الوجود الأمريكي في سوريا: يأتي تصعيد "داعش" عملياته في سوريا في وقت أكدت فيه تقارير دولية أن مسؤولين أمنيين أمريكيين أكدوا لمسؤولين عسكريين في تل أبيب أن الجيش الأمريكي سيبدأ الانسحاب تدريجياً من سوريا خلال الأشهر المقبلة. كما أكدت مصادر أخرى قيام الولايات المتحدة بنقل عتاد عسكري ثقيل من سوريا باتجاه العراق مع توقعات بأن تحتفظ الولايات المتحدة بقاعدتين عسكريتين على الحدود العراقية-السورية. فيما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن "توحيد" القوات في "مواقع مختارة في سوريا" هو أيضاً خفض لعدد القوات الأمريكية إلى أقل من ألف جندي "في الأشهر المقبلة".ويأتي تنفيذ هذه الخطة رغم التحذيرات الأخيرة للقيادة المركزية الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية من أن "داعش" لا يزال يُشكل تهديداً، وأن الانسحاب المبكر للقوات الأمريكية يُنذر بعودته مجدداً، وهو ما بدت مؤشراته جلية في العملية الإرهابية التي نفذها "داعش" ضد "قوات سوريا الديمقراطية".2- استغلال انشغال الحكومة بإعادة ترتيب الأوضاع: لا يُمكن فصل تصعيد "داعش" عملياته الإرهابية في الوقت الحالي عن انشغال الحكومة السورية الجديدة بوضع استراتيجية أمنية شاملة تقوم على إعادة بناء الأجهزة الأمنية. ويبدو أن التنظيم يحاول في هذا السياق استغلال حالة عدم الاستقرار والفراغ الأمني، لا سيما مع افتقار الحكومة الجديدة إلى قوات كافية لتأمين البادية السورية والمناطق النائية. وقد حذر قائد "قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، في 12 ديسمبر 2024، من عودة "داعش" للظهور العلني، مشيراً إلى تحرك خلاياه خارج البادية إلى مناطق سيطرة "قسد" في الجزيرة، مستغلة انشغال الفصائل بإعادة ترتيب الأوضاع بعد انهيار النظام.وهذا ما حدث بالفعل، فبعد سقوط الأسد، استغل "داعش" الفراغ الأمني في البادية السورية لتكثيف هجماته، حيث ظلت هذه المنطقة ملاذاً آمناً للتنظيم بسبب تضاريسها الوعرة وصعوبة السيطرة عليها. وقد أكد تقرير للأمم المتحدة في فبراير2025 أن "داعش" استفاد من سقوط الأسد لتعزيز عملياته، مع تقديرات بوجود 1500 إلى 3000 مقاتل في سوريا والعراق، معظمهم في سوريا. كما لوحظ تسلل عناصر "داعش" إلى مخيم الهول لتحرير مقاتلين مخضرمين وتجنيد الشباب في المخيم.3- تصاعد حدة التوترات العشائرية والخلافات المحلية: تواجه الحكومة السورية الجديدة تحديات عديدة في تحقيق الاستقرار، على المستويين الأمني والاقتصادي، في ظل وجود انقسامات داخلية وتوترات مع بقايا النظام السابق في مناطق الساحل، بالإضافة إلى علاقة شائكة بأبناء الطائفة الدرزية. ويبدو أن "داعش" يسعى إلى استغلال العنف الطائفي المستمر في أجزاء مختلفة من البلاد، حتى أن بعض التقارير أكدت أن بعض الهجمات التي استهدفت "قوات سوريا الديمقراطية" نُفذت من قِبل أفراد عشائر محليين، لا يرتبطون تنظيمياً بـ"داعش" بشكل رسمي، وهذا يعني أن التنظيم يجد في هذه البيئة فرصة لتوسيع نطاق نشاطه وتعزيز وجوده خاصة في دير الزور والرقة وبعض مناطق حلب، مستغلاً غضب المجتمع العشائري ضد "قوات سوريا الديمقراطية".4- تفاقم الانقسامات داخل الكيان السابق لـ"هتش": يحاول "داعش" استغلال تصاعد حدة الاستياء داخل صفوف الفصائل المسلحة، خصوصاً بين المقاتلين من ذوي الخلفيات الجهادية الذين يشعرون بخيبة أمل تجاه خطاب الحكومة السورية الجديدة والكيان السابق لـ"هيئة تحرير الشام" التي قامت بحل نفسها في 30 يناير 2025.ففي 20 أبريل 2025، أصدر تنظيم "داعش" بياناً مصوراً حذر فيه الرئيس أحمد الشرع من الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بعد أن وجهت الولايات المتحدة طلباً إلى الحكومة السورية بضرورة المشاركة في مكافحة الإرهاب، وركزت دعاية "داعش" على مهاجمة سعى الحكومة السورية الجديدة لبناء علاقات مع الدول الغربية والمجتمع الدولي، واعتبر "داعش" ذلك "خيانةً لتضحيات السوريين" و"تنازلاً عن مبدأ تحكيم الشريعة"، وهو الشعار الذي يرفعه التنظيم ذريعة لوجوده، ولاستقطاب المزيد من الأنصار والمؤيدين.ومن هنا، فإن هدف "داعش" من وراء تصعيد هذه الهجمات في هذا التوقيت يتعلق بمحاولة استقطاب الساخطين في صفوف الفصائل الجهادية، وخاصة "هيئة تحرير الشام" السابقة، واستمالتهم من خلال الإعلان عن وجوده وقدرته على تنفيذ عمليات إرهابية، وتقديم نفسه كبديل لحكومة أحمد الشرع التي يتهمها بـ"خيانة دماء السوريين".تحديات مختلفةرغم ذلك، يواجه تنظيم "داعش" تحديات عديدة لتوسيع نشاطه في سوريا، يمكن تناولها على النحو التالي:1- الوجود المحدود والمتناثر للتنظيم: لا يزال التنظيم غير قادر على تجميع عناصره المبعثرة والمتناثرة في سوريا وهو ما يُضعف من قدرته على إعادة ترتيب صفوفه بشكل كافٍ. لذلك يبدو أن التنظيم يراهن على تمكنه من اقتحام السجون وإطلاق سراح عناصره، حيث يوجد المقاتلون ذوو الخبرة والمتمرسون في المعارك، حيث إن فتح هذه السجون سيُسهم، وفقاً لرؤيته، في تعزيز جهود التجنيد التي يبذلها التنظيم منذ أشهر عديدة.2- تداعيات الضربات العسكرية المستمرة: وهي الضربات التي أجبرت "داعش" على الانكفاء والتراجع إلى مناطق نائية، في البادية السورية، مما قلص من قدرته على تنفيذ هجمات واسعة النطاق. وقد دعمت الولايات المتحدة في منتصف فبراير 2025 اتفاقاً بين تركيا والأردن والعراق وسوريا ولبنان على آلية للتعاون المشترك ضد "داعش". بينما ساعد التنسيق الأمني بين التحالف الدولي وحكومة دمشق الجديدة على توجيه ضربات مؤثرة في التنظيم، لا سيما بعدما ألقت قوات الحكومة السورية القبض على القائد الكبير في "داعش" أبو الحارث العراقي في منتصف فبراير 2025، حيث أدت المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها من استجوابه مباشرة إلى مقتل الرجل الثاني في "داعش"، عبد الله مكي الرفاعي المعروف بـ"أبو خديجة"، على يد القوات الأمريكية والعراقية المشتركة بعد شهر، وهو ما يعكس مستوى التنسيق بين الجانبين. كما ساهمت المعلومات التي قدمها التحالف الدولي إلى حكومة دمشق في 11 يناير 2025 في إجهاض عملية لـ"داعش" كانت تستهدف مقام السيدة زينب في ريف دمشق واعتقال المتورطين فيها.3- التفاهمات الحالية بين الحكومة الانتقالية و"قسد": مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على "قوات سوريا الديمقراطية" لإبرام اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع في 10 مارس 2025 يقضي بضم الأخيرة إلى حكومة دمشق، وهو ما يضمن عدم اندلاع مواجهات بين دمشق و"قسد" بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا يمكن أن يستغلها "داعش" لاستعادة نشاطه من جديد.توسيع النشاطإجمالاً، يمكن القول إن تنظيم "داعش" يعمل منذ صعود الفصائل المسلحة إلى السلطة، على تكثيف هجماته الإرهابية بالتوازي مع حملته ودعايته الأيديولوجية ضد حكومة الشرع، حيث يهدف من خلال ذلك إلى تعزيز نفوذه، واستغلال حالة عدم الاستقرار، لإعادة توسيع نطاق نشاطه وعملياته، خاصة في ظل تصاعد حدة التوتر الطائفي على الساحة الداخلية السورية.

دوافع تصعيد تنظيم "داعش" هجماته الإرهابية في سوريا