د. محمود زكريا

تشهد مالي (الواقعة في إطار إقليم غرب أفريقيا) تحولات على صعيد الوجود الأجنبي على أراضيها خلال الآونة الأخيرة، ولعل آخر مظاهر ذلك إعلان مجموعة "فاجنر" الروسية مغادرتها البلاد في 6 يونيو 2025، علماً بأن بداية وجودها تعود إلى أواخر عام 2021، وقد زعمت المجموعة في هذا الصدد أنها أنجزت مهمتها في مالي بنجاح ضد الجماعات المسلحة عبر استعادة عواصم إقليمية من المتمردين، والمساعدة في بناء القدرات العسكرية المحلية. ومن المزمع أن يحل "الفيلق الأفريقي" الذي تأسس في مطلع عام 2024 محل مجموعة "فاجنر" في مالي، وهو ما تبلور من خلال بيان صادر عن "الفيلق الأفريقي" في قناته على تطبيق "تليجرام"، والذي أُعلِن من خلاله أن مغادرة مجموعة "فاجنر" لن تُحدث أي تغييرات ميدانية، مع الإشارة إلى أن روسيا ستواصل دعم "باماكو" على مستويات أكثر جوهرية.

ما تداعيات انسحاب "فاجنر" من مالي؟

إعادة هيكلة:

د. حمدي بشير

على الرغم من تراجع التوتر في العلاقات المالية–الموريتانية، يبدو أن هذا المسار غير قابل للاستقرار طويلاً؛ ففي 10 ديسمبر 2024، عادت مجموعة "فاجنر" الروسية إلى التصعيد ضد موريتانيا من جديد؛ حيث اعتقلت ستة مدنيين يحملون الجنسية الموريتانية في منطقة حدودية مع مالي، كما دخل عناصرها قرية "لاجداف"، التي تبعد نحو 40 كم عن مقاطعة "باسيكنو" الموريتانية.

الانعكاسات المتوقعة لتصعيد "فاجنر" ضد موريتانيا

توترات متزايدة:

تشهد الصلات القائمة بين روسيا وجمهورية أفريقيا الوسطى حالة من التصاعد في مضامين التعاون المشترك خلال الآونة الأخيرة، ولعل آخر مظاهر ذلك قيام وفد من وزارة الدفاع الروسية بزيارة إلى أفريقيا الوسطى في مطلع ديسمبر 2024، وكذلك تشييد أفريقيا الوسطى النصب التذكاري للرئيس السابق لمجموعة "فاجنر" الروسية "بريجوجين" ومساعده "دميتري أوتكين" الذي كان برفقته في حادث تحطم الطائرة في العاصمة "بانجي" في مطلع ديسمبر 2024، وقد سبق ذلك قيام وفد من وزارة الزراعة الروسية برئاسة مدير الصادرات الزراعية "أرتيم مالكاسيان" بزيارة إلى أفريقيا الوسطى في 20 نوفمبر 2024، والتي كانت تهدف بشكل خاص إلى تقديم التدريب الزراعي في الجامعات الروسية. وتأتي هذه التطورات لتلقي الضوء على جملة من الأبعاد الدالة على ملامح التقارب المشترك بين الطرفين على مختلف الأصعدة، والتي تتسق في مجملها مع التحركات الروسية حيال القارة الأفريقية بصفة عامة وإقليمي الوسط والغرب الأفريقيين بصفة خاصة. 

ما أبعاد السياسة الروسية تجاه أفريقيا الوسطى؟

المجال الأفريقي:

رغم أن أوكرانيا نفت تقارير عديدة كشفت، في 15 أكتوبر 2024، عن تورطها في توريد طائرات من دون طيار إلى المتمردين الأزواديين الذين يقاتلون الحكومة في مالي، التي تحصل بدورها على دعم نوعي من جانب مجموعة "فاجنر" الروسية، فإن ثمة مؤشرات توحي بأن كييف تسعى إلى استغلال تصاعد حدة الصراع العسكري بين الطرفين؛ من أجل رفع كُلفة انخراط مجموعة "فاجنر" فيه، عبر تقديم مزيد من الدعم العسكري إلى المتمردين، ومن ثم استنزاف قدرات المجموعة الروسية وممارسة مزيد من الضغوط على موسكو.

لماذا يتصاعد الانخراط العسكري الأوكراني في شمال مالي؟

حرب بالوكالة:

أ.د حمدي عبد الرحمن حسن

من المعروف أن روسيا كانت تُحقِّق أهدافها الاستراتيجية في أفريقيا وغيرها من مناطق العالم تحت ستار شركة فاجنر العسكرية الخاصة. كانت ثمَّة مساحة أمام الكرملين للتنصل من أفعال المرتزقة الروس في أفريقيا كما حدث في مالي؛ حيث إن الحجة دوماً هي أن شركة فاجنر لا تخضع للإشراف المباشر من قبل وزارة الدفاع الروسية. على أنه بعد مقتل مؤسس الجماعة يفجيني بريجوزين في أغسطس 2023، حدث تغير جوهري في النهج الروسي. لقد اتجهت السلطات الروسية إلى تجنيد العديد من المتطوعين للانضمام إلى "الفيلق الأفريقي" الذي سيحل محل مرتزقة شركة فاجنر العسكرية الخاصة في القارة الأفريقية. ومن المأمول أن يتألف الفيلق الجديد من 20 ألف شخص بحلول العام الحالي (2024) من القادمين الجدد والمرتزقة السابقين في شركة فاجنر. وطبقاً للمصادر الرسمية الروسية، سوف يخضع الفيلق الأفريقي، في هيكله التنظيمي، لإشراف وزارة الدفاع الروسية. وتمثل جمهورية أفريقيا الوسطى مركز القاعدة الإقليمية للوجود الروسي في أفريقيا، ولا سيما دول مثل بوركينا فاسو وليبيا ومالي والنيجر. وقد وصل بالفعل نحو 100 عسكري روسي إلى بوركينا فاسو؛ لضمان سلامة الرئيس إبراهيم تراوري.

دور "الفيلق الأفريقي" في تعزيز نفوذ روسيا بأفريقيا

بديل فاجنر:

عبد الله جمال

تصاعد الحديث، خلال الأشهر القليلة الماضية، في مختلف وسائل الإعلام العالمية عن خطة موسكو لتشكيل الفيلق الأفريقي ليحل محل قوات فاجنر، الذي من المفترض أن يكتمل هيكله بحلول صيف 2024، ليكون حاضراً في 5 دول أفريقية (ليبيا، وبوركينا فاسو، ومالي، وأفريقيا الوسطى، والنيجر). ويعكس هذا المخطط سعي روسيا لتوسيع نفوذها العسكري في القارة الأفريقية، ومنحه شرعية الوجود الرسمي والعلني في مواجهة الحضور الأوروبي والأمريكي. ويبدو أن المبادرة الجديدة هي أحدث علامة على تضاؤل استقلال فاجنر في أفريقيا، التي سبق أن استطاعت الحفاظ لفترة طويلة على وجود سري في العديد من بلدان القارة، إلى أن سلطت الحرب في أوكرانيا الضوء على نشاطها، بفضل توسع أعمالها. ومن هنا، ظهرت العديد من التساؤلات حول أبعاد تكوين الفيلق العسكري الأفريقي الجديد، باعتباره تابعاً بشكل مباشر لوزارة الدفاع الروسية، فضلاً عن ترقب مختلف الفاعلين الدوليين إزاء التداعيات المحتملة لأنشطته بالقارة.

حدود نجاح موسكو في توسيع نفوذها عبر بديل "فاجنر"

فيلق أفريقيا:

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

أعلنت السلطات الروسية، في 23 أغسطس 2023، سقوط طائرة خاصة أثناء رحلة داخلية من موسكو إلى سان بطرسبرج، تُقِل على متنها 10 أشخاص، بينهم 3 طيارين. وذكر بيان المكتب الصحفي لهيئة الطيران المدني الروسية أن يفجيني بريجوجين، كان على متن الطائرة التي تحطمت، بجانب آخرين من عناصر وقيادات مجموعة "فاجنر" العسكرية الروسية الخاصة، أبرزهم مؤسس المجموعة والذراع اليمنى لزعيمها، ديمتري أوكتين. وقد فجّر الحادث العديد من التساؤلات لإزالة الغموض حول كيفية سقوط الطائرة وأسبابها، وإذا ما كان بالفعل انتقاماً من قِبل الرئيس الروسي على تمرد المجموعة ضده قبل شهرين. ولكن بخلاف تساؤلات مقتل زعيم المجموعة، تبرز تساؤلات أهم حول ما بعد الحادث، وتأثير مقتل "بريجوجين" على المجموعة ونشاطها وتحركاتها على الساحة الدولية.

مستقبل تحركات فاجنر على الساحة الدولية بعد "بريجوجين"

منظور موسكو:

د. أحمد عسكر

أعلنت السلطات الروسية، في 23 أغسطس 2023، مقتل يفجيني بريجوجين قائد مجموعة فاجنر الأمنية الخاصة، عقب تحطُّم طائرة روسية خاصة كان بريجوجين على متنها قرب قرية كوجينكينو في منطقة تفير شمال غرب موسكو، خلال توجهها من العاصمة موسكو إلى مدينة سان بطرسبرج، وهو ما يُسلِّط الضوء على تساؤلات عديدة بشأن تأثير غياب بريجوجين على نشاط فاجنر في أفريقيا، ومستقبل دورها خلال الفترة المقبلة. ومن المفارقات أن هذه التساؤلات تتكرر للمرة الثانية خلال فترة زمنية قصيرة؛ فقد أثيرت عقب التمرُّد الذي قاده بريجوجين في يونيو الماضي في روسيا قبل أن يتم إخماده دون أي تأثير على استمرارية نشاط فاجنر في المسرح الأفريقي.

مستقبل "فاجنر" في أفريقيا بعد مقتل قائدها

غياب "بريجوجين":

د. صدفة محمد محمود

لتعزيز حضورها في أمريكا اللاتينية، اعتمدت روسيا على العديد من الأدوات، مثل عقد الاتفاقات ومذكرات التفاهم، وإيفاد كبار مسؤوليها لزيارة دول المنطقة، وتكثيف الاستثمارات في قطاع الطاقة والمعادن، وتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية، بجانب إطلاق الحملات السيبرانية وحروب المعلومات. وكانت مجموعة فاجنر ركيزة أساسية لسياسة روسيا الخارجية، التي اعتمدت عليها لتحقيق عدد من أهدافها في أمريكا اللاتينية. مع ذلك، أثار تمرُّد المجموعة في يونيو 2023، بعض التساؤلات حول احتمالات تعرُّض نفوذ روسيا وحضورها في المنطقة للتهديد، ومدى إمكانية أن تعمل بعض القوى الأخرى، كالصين وإيران، على الاستفادة من هذا الوضع لتوسيع نطاق نفوذها هناك.

فاجنر

الإصدارات

الأكثر مشاهدة