أُعلِن عن إخفاق برلمان كوسوفو في انتخاب رئيسه للتصويت الخامس عشر على التوالي يوم 13 مايو 2025؛ إذ فشلت أحزاب كوسوفو في الاتفاق على تجاوز البند الثالث على جدول أعمال الدورة التأسيسية بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في التاسع من فبراير 2025. ويتمثل هذا البند في انتخاب رئيس برلمان بتأييد أغلبية 61 عضواً على الأقل. وبالرغم من أن هذا الإجراء يعد خطوة روتينية تمهد لتشكيل الحكومة، فإنه أصبح عقبة في مستقبل البلاد السياسي، وخاصةً أنه مؤشر على تفاقم حالة الجمود السياسي في كوسوفو.

أبعاد الأزمة

تعرضت كوسوفو – وهي أحدث دولة أوروبية من حيث الاستقلال – لحالة من الجمود السياسي عقب انتخابات البرلمان في فبراير 2025، وفيما يأتي سوف نتناول أبعاد الأزمة:

1– إخفاق "كورتي" في الحفاظ على الأغلبية البرلمانية: واجهت حركة تقرير المصير الحاكمة بزعامة "ألبين كورتي" انخفاضاً في التأييد الشعبي، وهو ما جرى التعبير عنه في الانتخابات التشريعية؛ فبالرغم من أن الحركة شكلت أول حكومة تُكمل ولايتها كاملةً لمدة أربع سنوات منذ الاستقلال، فإنها فشلت في الحفاظ على الدعم الانتخابي في استحقاق فبراير 2025؛ فقد حصلت على نسبة 42% فقط من الأصوات البرلمانية بواقع 48 مقعداً من أصل 120.

وتُمثل هذه النتائج انخفاضاً مقارنةً بالنتائج التي حققتها الحركة في انتخابات 2021؛ حين فازت بـ58 مقعداً، وبعد إضافة مقاعد الأحزاب المتحالفة، تحققت الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة وتعيين رئيس البرلمان. ويرجع محللين هذا الانخفاض إلى الخلاف الذي نشأ بين "كورتي" ورئيسة البلاد "فيوزا عثماني"؛ حيث إن النجاح الكبير للحركة في استحقاق 2021 كان مدعوماً بناخبي "عثماني".

2– رفض المعارضة التحالف مع حزب كورتي: رفضت الأحزاب المعارضة الثلاث: "الحزب الديمقراطي (PDK)، والرابطة الديمقراطية (LDK)، والتحالف من أجل مستقبل كوسوفو (AAK)" التصويت لصالح مرشح حركة تقرير المصير لرئاسة البرلمان. ويعرقل هذا الرفض البدء في مفاوضات تشكيل الحكومة. وعلى عكس ما كان يروِّج له "كورتي" خلال الحملة الانتخابية من رفضه أي تحالف مع المعارضة، قدَّم كورتي في بداية مايو 2025 عرضاً لزعيم حزب الرابطة الديمقراطية "لومير عبديشيكو" من أجل تشكيل ائتلاف حكومي، لكنه قوبل بالرفض؛ ما جعل أزمة انتخاب رئيس مجلس النواب دون حل.

ويعود رفض المعارضة إلى عدة أسباب؛ أبرزها خطابات كورتي خلال الحملة الانتخابية؛ حيث تعرضت قوى المعارضة لإهانات متعددة من حركة تقرير المصير؛ حيث وصف كورتي المعارضة بالعملاء الصرب، فضلاً عن وصفهم بأنهم "غير أكفاء عقلياً". أضف إلى ذلك، انتقادات المعارضة لحالة الركود التي شهدتها البلاد فترة إدارة كورتي، كما أن مرشحة الحركة لرئاسة البرلمان لا تتمتع بتأييد أحزاب المعارضة على الإطلاق.

3– اعتبار المعارضةِ المرشحةَ لرئاسة البرلمان شخصية مثيرة للانقسام: تُصرُّ أحزاب المعارضة في كوسوفو على رفض ترشيح وزيرة العدل السابقة "ألبولينا هاكسيو" لرئاسة البرلمان، معتبرةً إياها شخصيةً مثيرةً للانقسام، وغير قادرة على توحيد المؤسسات التشريعية. وتستند هذه الرؤية إلى سجلها "المثير للجدل" بوصفها وزيرةً للعدل خلال فترة إدارة "كورتي"؛ حيث واجهت اتهامات بالتدخل في شؤون القضاء وتعطيل الإصلاحات القضائية، فضلاً عن اتهامات بانتهاك الدستور بشكل متكرر، كما تعززت صورة "هاكسيو" الاستقطابية من خلال مواقفها الحادة، مثل وصف القائمة الصربية بـ"القنبلة الموقوتة". وقد أثارت تلك التصريحات مخاوف من عدم قدرتها على قيادة برلمان متعدد الأعراق، وخصوصاً في ظل التوترات العرقية شمال البلاد.

وترى "الرابطة الديمقراطية" أنها "غير مقبولة مؤسسياً"، وتعتبرها كذلك تهديداً للركائز الديمقراطية في كوسوفو. واقترحت المعارضة تغيير المرشح، لكن "كورتي" أكد في 10 مايو 2025 أن حركة تقرير المصير لن تغير مرشحها لمنصب رئيس البرلمان. وحاول "كورتي" تحميل الأحزاب المعارضة مسؤولية الجمود؛ ففي حديثه خلال اجتماع المجلس العام للحزب، صرَّح بأن تشكيل البرلمان مسؤولية مشتركة بين جميع الأحزاب المنتخبة.

4– مزاعم بتعمد "كورتي" عرقلة انتخاب رئيس البرلمان: ذهبت تقارير إلى أن كورتي يقدم المرشحة "هاكسيو" ليقينه بعدم موافقة المعارضة على التصويت لصالح تعيينها. ويعود ذلك إلى مخاوف مفاوضات تشكيل الحكومة المحددة بوقت معين؛ حيث ينص الدستور على أن يقترح رئيس الجمهورية، بعد التشاور مع الحزب أو التحالف الذي فاز بالأغلبية في الجمعية، مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء. ويُعرَض هذا المرشح على الجمعية للتصويت، ويتطلب الحصول على تأييد الأغلبية البسيطة (61 صوتاً من أصل 120)، وإذا لم يتم تُنتخَب الحكومة، يرشح الرئيس شخصاً آخر لتشكيل الحكومة. وإذا فشلت المحاولة الثانية، يعلن الرئيس عن إجراء انتخابات جديدة. وعادةً ما يرشح الرئيس في المرة الثانية شخصاً من الكتلة أو الحزب الذي حقق المركز الثاني من حيث نسبة التصويت.

ويدرك "كورتي" أن المعارضة تمتلك عدد الأصوات الذي يؤهله لتشكيل ائتلاف حكومي. ويُعتقد أن إصرار كورتي على ترشيح "هاكسيو" ما هي إلا محاولة لكسب الوقت اللازم لتأمين الأصوات لانتخاب حكومة ائتلافية بزعامته، وبعدها يُتوقع منه أن يقترح شخصيةً أكثر توافقاً لمنصب رئيس البرلمان.

5– إخفاق دستوري في تجاوز أزمة الجمود السياسي: تُمثل هذه الأزمة تكراراً لأزمة دستورية مزمنة تعود جذورها إلى انتخابات عام 2014؛ عندما حكمت المحكمة الدستورية بمنح الحزب الفائز بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات حقاً حصرياً في ترشيح رئيس البرلمان، حتى لو لم يكن يحظى بالأغلبية البرلمانية. وبموجب النظام الداخلي للبرلمان، يتعين على الجلسة التأسيسية أن تُعقَد مرة أخرى كل 48 ساعة حتى يُنتخَب رئيس للبرلمان، كما ينص الدستور على أن رئيس الجمعية تقترحه أكبر كتلة برلمانية، ويُنتخَب بأغلبية أصوات جميع نواب الجمعية.

وقد قدم القاضي الأمريكي "روبرت كارولان" تفسيراً يعتبر فيه أن "الأغلبية البرلمانية" يجب أن تُفهم على أنها الكتلة القادرة فعلياً على تمرير قرار انتخاب رئيس البرلمان، وليس الحزب الحاصل على أكبر عدد من الأصوات الشعبية كسبيل لحل الأزمة آنذاك، لكن المحكمة الدستورية رفضت هذا الرأي.

وفي انتخابات 2025، تجددت الأزمة عندما وجدت حركة تقرير المصير نفسها عاجزةً – رغم تصدرها النتائج – عن حشد أغلبية نيابية تتيح انتخاب رئيس مجلس النواب، وبقي النص الدستوري المذكور، والتفسير القضائي الذي تم تبنِّيه في 2014، يُشكِّلان قيداً على إمكانيات الحل السياسي؛ حيث يعتمد "كورتي" على هذه النصوص الدستورية باعتبارها الأساس القانوني الصلب لموقفه من حقة الحصري دون غيره من الأحزاب لتقديم المرشح.

6– اقتراح المعارضة تشكيل حكومة ائتلاف وطني: في محاولة لكسر الجمود السياسي المستمر منذ الانتخابات البرلمانية، اقترح زعيم "الرابطة الديمقراطية" لومير عبديشيكو، تشكيل حكومة ائتلاف وطني انتقالية، تضم جميع الأطراف السياسية؛ لإدارة البلاد حتى الانتخابات الرئاسية في عام 2026. وجاء هذا الاقتراح بعد رفض حزبه عرض "كورتي" للتحالف من أجل تشكيل حكومة، مشيراً إلى "انعدام الثقة" وتدهور الأوضاع خلال السنوات الأربع الماضية خلال إدارة حركة تقرير المصير. وأكد "عبديشيكو" أن الحل الوحيد للأزمة المؤسسية العميقة هو حكومة موحدة برئاسة شخصية توافقية.

سياقات مضطربة

تأتي الأزمة في خضم توترات كوسوفو مع محيطها الإقليمي والدولي، وقد تتعمق هذه التوترات بحالة انسداد الأُفق السياسي التي تمر بها البلاد، وسوف نتناول أبرز هذه السياقات في الآتي:

1– مخاطر على عملية التطبيع مع صربيا: في ديسمبر 2022، وقَّعت بلجراد وبريشتينا اتفاق تطبيع شاملاً برعاية الاتحاد الأوروبي. وبالرغم من عدم التنفيذ الكامل للاتفاق من قِبَل الطرفين، لكنه يمثل تقدماً بالنسبة إلى التوترات العرقية التاريخية والمستمرة في شمال كوسوفو. واتهمت المعارضة "كورتي" بزيادة الانقسام العرقي في الشمال كأحد مبرراتها لعدم تشكيل ائتلاف لتمرير انتخاب رئيس مجلس النواب والحكومة على حد السواء. وقد شهدت فترة إدارة "كورتي" للبلاد مناوشات عسكرية مع صربيا؛ ففي عام 2022 تبادلت الشرطة وعصابات صربية إطلاق النار بشكل متكرر، وبالمثل في مايو 2023 استهدف حشد صربي وحدة شرطة خاصة وقوات حفظ سلام تابعة للناتو.

وفضلاً عن العمل العسكري، اتبعت حكومة "كورتي" عدة إجراءات تستهدف صرب الشمال؛ ففي يناير 2024، حظرت الحكومة استيراد واستخدام الدينار الصربي؛ ما أدى إلى قطع التمويل عن المؤسسات الصربية في كوسوفو، فضلاً عن انقطاع المعاشات التقاعدية وغيرها من المزايا. وفي فبراير من العام نفسه، بدأت عملية مداهمة وإغلاق لمكاتب الحكومة الصربية في عدة قرى، ومصادرة الدنانير التي عُثر عليها في مكاتب البريد الصربية.

وتتداخل العلاقات مع بلجراد تداخلاً كبيراً في المشهد السياسي داخل كوسوفو. ويرى محللون أن الحملات المتزايدة التي تشنها حكومة "كورتي" ضد صرب الشمال عقب الانتخابات، ما هي إلا حملة دعائية لاستعادة الانخفاض في شعبيته في حالة إجراء انتخابات مبكرة؛ فقد شهد الشمال مداهمات حكومية وإغلاقاً لمؤسسات صربية بشكل مكثف بعد الانتخابات، أبرزها مداهمة شركتي الغابات والمياه في "إيبار"، بالإضافة إلى إغلاق شركة المياه "Novo Javno" في "ستربسي". وتأتي هذه الخطوات في إطار جهود بريشتينا الرامية إلى الحد من المؤسسات الموازية التي تعمل تحت إشراف بلجراد داخل كوسوفو. أضف إلى ذلك، تزايُد زيارات كورتي إلى مناطق الشمال في محاولةٍ لنشر "رسائل قومية".

2– استمرار الخلافات المتصاعدة مع واشنطن: شهدت العلاقات بين كوسوفو والولايات المتحدة في الفترة الأخيرة تصعيداً في حدة التوترات؛ نتيجةً لتحولات كبيرة طرأت على السياسة الخارجية الأمريكية عقب عودة دونالد ترامب إلى موقع الرئاسة؛ حيث عيَّن "ترامب" "ريتشارد جرينيل" مبعوثاً رئاسياً للمهام الخاصة في إدارته، وهو القرار الذي قوبل في كوسوفو بتحفظات كبيرة؛ نظراً إلى الدور الذي لعبه "جرينيل" خلال فترته السابقة مبعوثاً للولايات المتحدة إلى كوسوفو وصربيا، التي حصل فيها على تكريم رسمي من السلطات الصربية.

كما أن مواقفه السابقة، ولا سيما انتقاده العلني لرئيس الوزراء "كورتي" خلال الحملة الانتخابية البرلمانية في كوسوفو، كانت سبباً إضافياً في إثارة القلق. وقد وصف "جرينيل" تصريحات كورتي التي اعتبر فيها العلاقات مع الولايات المتحدة بأنها في "أفضل حالاتها"، بأنها "مجرد أوهام"، مؤكداً أن هذه العلاقات "لم تكن يوماً بهذا السوء"، مستشهداً بكون "ألبين كورتي" قد تلقى إدانات من الإدارة الأمريكية الأولى لترامب، وكذلك من إدارة بايدن، ومن حلف الناتو، والاتحاد الأوروبي.

وقد أثار هذا التحول في المزاج السياسي للإدارة الأمريكية مخاوف لدى "كورتي". ويُعَد تعيين "جرينيل" أداة ضغط داخل البيت الأبيض بهدف فرض تسويات في النزاع المستمر مع صربيا. وقد سبق أن اقترح ترامب في ولايته الأولى فكرة لتبادل الأراضي بين كوسوفو وصربيا، لتعديل الحدود المشتركة بينهما وفقاً للتوزيع العرقي؛ ما قوبل بالرفض من الجانب الكوسوفي.

وتُنبِئ هذه التوترات بتداعيات استراتيجية قد تكون بالغة التأثير على بريشتينا؛ إذ قد تتجه إدارة ترامب نحو تقليص التزاماتها في إطار قوة كوسوفو (KFOR) المتمركزة في معسكر "بوندستيل"، أو تخفيض مستويات الدعم المالي والأمني، كما أن أي تقارب أمريكي مع صربيا قد يسهم في تنشيط النزعة الانفصالية داخل المناطق ذات الأغلبية الصربية في الشمال.

3– توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي: تأتي حالة الجمود في كوسوفو ضمن سياق خلافات مع بروكسيل؛ حيث تسبَّب التأخير في تشكيل المؤسسات الدستورية بعد الانتخابات الأخيرة في تصاعد حدة الخلافات بين الطرفين؛ فقد أدت تطورات ما بعد الانتخابات إلى تعليق صرف الدفعة الأولى من أموال خطة النمو الأوروبية؛ حيث ربط الاتحاد الأوروبي صرف مبلغ 61 مليون يورو بوجود حكومة فعَّالة، وجمعية قادرة على التصديق على الاتفاقيات. ويحمل هذا التعليق المالي في طياته دلالة سياسية واضحة من الاتحاد الأوروبي على رفض التعامل مع كوسوفو في ظل غياب مؤسسات تتمتع بشرعية ديمقراطية وقدرة تنفيذية.

ويمتد التوتر أيضاً إلى بُعد أعمق يتمثل في تقييم بروكسل لأداء حكومة "كورتي"، التي اتُّهمت باتباع سياسة تصعيدية تجاه الملفات الحساسة دون تنسيق مع الشركاء الأوروبيين، وخاصةً فيما يتعلق بالحوار مع بلجراد، وعدم تنفيذ التزامات اتفاقية التطبيع. وقد زاد هذا النهج من فقدان الثقة بكوسوفو؛ ما أدى إلى التعامل بحذر متزايد مع أي التزامات مالية جديدة تجاه بريشتينا، وأدت الانتخابات الأخيرة إلى تعقيد المشهد السياسي، وطرحت احتمال إعادة الانتخابات كخيار مرجح، وهو ما يجعل الاتحاد الأوروبي في موقف انتظار وترقُّب.

يعتبر الاتحاد الأوروبي استقرار كوسوفو عنصراً ضرورياً لاستقرار إقليم البلقان بأكمله، كما يعلِّق على فاعلية الحوار مع بلجراد آمالاً لإنهاء التوترات العرقية في الإقليم؛ لذلك فإن استمرار هذا التوتر، خصوصاً في حالة ترؤس "كورتي" الحكومة المقبلة، سوف يدفع نحو تصاعد الضغوط الدولية من الحلفاء الغربيين، وقد يُفضي إلى فرض تدابير أكثر صرامةً على كوسوفو، ويُسهم في تهميش دورها الإقليمي.

سيناريوهات محتملة

تشهد كوسوفو عدة سيناريوهات محتملة لكسر حالة الجمود المؤسسي، أبرزها:

1– تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة "كورتي" مع أطراف صغيرة: يفتح هذا السيناريو المجال أمام تشكيل حكومة أقلية؛ حيث تقود حركة تقرير المصير حكومة بدعم من أطراف صغيرة، مثل الرابطة الديمقراطية الاجتماعية "NISMA" بقيادة "فاتمير ليماي"، مع استمالة بعض النواب بشكل فردي من كتل أخرى، لكن هذا السيناريو يواجه احتمالية عدم الاستقرار؛ بسبب ضعف قدرة هذه الحكومة على تمرير التشريعات الكبرى، لا سيما في القضايا المفصلية، كالعلاقات الدولية، وانتخاب رئيس جديد، وهو الأمر الذي يتطلب غالبية من 80 نائباً. ويمثِّل هذا الخيار وضعاً هشاً يُهدد بتكرار أزمات الحكم السابقة، وقد يعجِّل بانتخابات مبكرة إن عجزت الحكومة عن الوصول إلى توافقات برلمانية.

2– تشكيل ائتلاف "الكل ضد كورتي": يُوصف هذا الخيار بالأكثر دراماتيكيةً؛ حيث تتوحد القوى المعارضة الأربعة الرئيسية لتشكيل حكومة من دون مشاركة "حركة تقرير المصير"، على أساس مشترك يتمثل في معارضة حكم كورتي، لكن هذا النوع من الحكومات يبقى عرضةً لانهيار سريع؛ بسبب غياب رؤية سياسية موحدة، كما يمكن أن يمنح كورتي موقعاً مريحاً في المعارضة يمكِّنه من إعادة صياغة الأزمة كفشل جماعي للخصوم، واستغلال ذلك في الدعوة إلى انتخابات جديدة قد تعزز حضوره الشعبي.

3– استمرار المأزق السياسي وصولاً إلى "السيناريو البلغاري": أظهر خبراء رومانيون مخاوف من تكرار تجربة بلغاريا؛ حيث استمر التعثر السياسي لأشهر من دون نجاح في تشكيل حكومة؛ ما أدى إلى شلل طويل الأمد في الحكم والمؤسسات. وقد تواجه كوسوفو هذا المسار إذا فشل الأطراف في تحقيق توافق، سواء ضمن الائتلاف أو عبر دعم الأقليات، خصوصاً أن انتخاب الرئيس المقبل يتطلب أغلبية غير متوافرة حالياً. ويمثل هذا السيناريو تهديداً مباشراً للحكم الديمقراطي وللقدرة على تنفيذ الالتزامات الدولية، خصوصاً أن كوسوفو تخضع حالياً لإجراءات تقييدية أوروبية وتعليق للمساعدات الأمريكية.

4– ائتلاف تقوده المعارضة مع دعم من الأقليات العرقية: يوجد طرح آخر يتمثل في تشكيل ائتلاف حكومي تقوده أحزاب المعارضة مع مشاركة ممثلين عن الأقليات العرقية، ويشمل ذلك غير الألبان. ورغم أن هذا الخيار يحقق التوازن العددي، فإنه يبقى هشاً من حيث القدرة على الاتفاق حول ملفات حيوية مثل الحوار مع بلجراد، وتشكيل رابطة البلديات ذات الغالبية الصربية، التي تمثل شرطاً أوروبياً وأمريكياً أساسياً لأي تقدُّم في المسار التفاوضي، كما أن التعاون مع "قائمة صربيا" يبقى مرفوضاً سياسياً من غالبية الأطراف الألبانية.

ومن جملة ما سبق، يتضح أن مآلات المشهد السياسي في كوسوفو مرتبطة بقدر كبير بتوازنات القوى البرلمانية ومرونة التحالفات الحزبية؛ حيث تواجه خيارات كسر الجمود تحديات جوهرية تتعلق بمدة الاستقرار، وقابلية تمرير التشريعات الأساسية وانتخاب رئيس جديد خلال التصويت المقرر في 2026. وفي ضوء هذا الواقع، ستبقى قدرة الأطراف على التوافق وتقديم تنازلات عاملاً حاسماً في تحديد إذا ما كان بالإمكان تجنُّب استحقاقات انتخابية مبكرة أو تجاوز أزمات دستورية قد تطيل من فترة عدم اليقين.

ملامح الجمود السياسي في كوسوفو عقب الانتخابات البرلمانية