ياسمين أيمن

بعد أشهر من الجدل حول ضرورة تمتع الرئيس السابق دونالد ترامب والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة 2024 بالحصانة خلال فترة عمله كرئيس للولايات المتحدة، خاصة في القرارات والتحركات الرسمية التي تبناها، وانعكاس ذلك على الانتخابات وعلى المحاكمات التي تُجرى ضد ترامب؛ حكمت المحكمة العليا ذات الأغلبية المحافظة، التي عين ترامب ثلاثاً من القضاة بها خلال رئاسته، بأن الرؤساء يكونون محميين من "الملاحقة الجنائية خلال خدمتهم في مناصبهم"، وهو ما يترك المجال لمحاسبة الرؤساء على السلوك الذي لا يندرج تحت بند السلوك الرسمي، مما أثار زوبعة جديدة من الجدل داخل مختلف الأوساط الأمريكية السياسية والقانونية؛ إذ إن هناك تخوفات من إسهام هذا القرار في الترسيخ لسلطة مطلقة استبدادية لرئيس الولايات المتحدة القادم.تداعيات سياسية من المتوقع أن يكون لقرار المحكمة العليا مجموعة من التداعيات على المستوى السياسي والتي لن تقتصر على الرئيس السابق ترامب وحده، ولكنها ستشمل الرئيس الحالي جو بايدن أيضاً، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:1- ترويج حملة ترامب الانتخابية لقرار المحكمة: استغلت حملة الرئيس السابق ترامب قرار المحكمة، ورحبت به، مروجة لأن ذلك هو القرار الصحيح الذي كان يجب أن يحدث منذ البداية، وأن ما يحدث مع ترامب من محاكمات لم يكن إلا نوعاً من أنواع المكايدة السياسية من جانب الإدارة الديمقراطية الحاكمة. كما أن هذا الحكم سيتم استغلاله في دحض المحاكمة المتعلقة بتحريض ترامب على إلغاء نتيجة الانتخابات 2021، وهو أمر سيعطي ترامب حرية أكبر للحركة خلال حملته الانتخابية.ومن المتوقع أن يستغل ترامب القرار أيضاً خلال محاكمته في جورجيا المتعلقة بمحاولة التدخل في نتائج الانتخابات الرئاسية بالولاية خلال عام 2020، وقد تم تأجيل الحكم في هذه القضية من جانب القاضي سكوت ماكافي، لكنه قد يستغل قرار المحكمة العليا الآن للبت في القضية التي يحاول ترامب الدفع في أن سلوكه حينها كان سلوك رئيس، ومن ثم فهو "سلوك محصن من الملاحقة القضائية". فضلاً عن قضية إخفاء الوثائق السرية في منزله بفلوريدا، والتي لم تحكم فيها بعد إيلين كانون قاضية المحكمة الجزئية الأمريكية، والتي يدفع ترامب فيها بالسبب نفسه، وهو أنه محصن من الملاحقة القضائية، ومن شأن قرار المحكمة أن يسهم في تأخير البت في القضية، أو إسقاط التهم عنه، وهو ما يصب في صالح ترامب والجمهوريين.2- اعتبار حكم المحكمة خسارة انتخابية لبايدن: يرى بعض خبراء الحملات الانتخابية أن حكم المحكمة يمثل ضربة لحملة بايدن الانتخابية التي كانت تروج لأن الانتخابات الرئاسية سينافس فيها مرشح جمهوري مدان في قضايا جنائية متعددة. ولطالما أكَّد بايدن وحملته ضرورة احترام القانون والقضاء الأمريكي، وأنه لا يجب التعليق على أحكام وقرارات القضاء، وهو أمر حافظ عليه بايدن لأشهر. ولكن قرار المحكمة يدعم موقف ترامب أمام الناخبين، ويحدث خسارة جديدة لبايدن بعد حملة الانتقادات الواسعة التي طالته في أعقاب المناظرة الانتخابية الأولى بينه وبين ترامب التي عقدت في 28 يونيو المنصرم، والتي وُصف أداء بايدن فيها بـ"المخيب للآمال".3- ترويج ديمقراطي لترامب كمهدد للديمقراطية: استغل بايدن القرار للترويج لرسائله الانتخابية المرتبطة بتأثير ترامب السلبي على الديمقراطية الأمريكية؛ حيث حذَّر بايدن الناخبين من مغبة هذا القرار على الديمقراطية الأمريكية، ودعاهم إلى عدم التصويت لترامب، حيث قال من البيت الأبيض: "يتعين على الشعب الأمريكي أن يقرر ما إذا كان تبني ترامب للعنف للحفاظ على سلطته أمراً مقبولاً. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن الشعب الأمريكي لا بد أن يقرر ما إذا كان يريد أن يعهد برئاسة الولايات المتحدة إلى دونالد ترامب، الذي يدرك الآن أنه سوف يُصبح أكثر جرأة على فعل ما يحلو له متى شاء".4- إثارة جدل حول مدى تعزيز القرار للسلطة التنفيذية: يرى البعض أن القرار لن يسمح لأي رئيس بملاحقة أسلافه قضائياً واتهامهم ومحاسبتهم، بالنظر إلى أن القرارات التي تبنوها خلال تواجدهم بالبيت الأبيض كانت محصنة، وهو أمر سيصب في صالح تعزيز السلطة التنفيذية الأمريكية من وجهة نظر البعض، ومنح حرية أكبر للرؤساء لتبني قرارات تخدم المصلحة العامة، لأنه يحول دون التنكيل بالخصوم السياسيين من الرؤساء، ولكن على صعيد آخر يتخوف البعض من كون تحصين الرئيس قد يضر باحتمالية معاقبة الرئيس على تحركاته التي تقوض الديمقراطية الأمريكية.5- إعاقة تحركات الجمهوريين لمحاسبة بايدن: من شأن القرار أن يعيق تحركات الجمهوريين المختلفة داخل الكونجرس الأمريكي التي تهدف إلى محاسبة الرئيس بايدن على مجموعة من السياسات والقرارات، على غرار تلك المتعلقة بسياسة تأمين الحدود الجنوبية الأمريكية التي سمحت بتدفق المهاجرين غير الشرعيين، أو الانسحاب الفوضوي من أفغانستان.تأثيرات قانونية من المتوقع أن يكون لقرار المحكمة مجموعة من التداعيات على المستوى القانوني، خاصة أن مسألة منح الحصانة للرئيس تخيف البعض من تمتع الرئيس بسلطة مطلقة، وفيما يلي يمكن توضيح التداعيات القانونية التي تتحقق جراء قرار المحكمة العليا:1- منح سلطات موسّعة للرئيس الأمريكي: أعرب الرئيس بايدن عن امتعاضه من قرار المحكمة العليا، موضحاً أن هذا القرار يمنح رئيس الولايات المتحدة سلطات واسعة لن يكون للمحكمة العليا القدرة على التدخل فيها؛ حيث قال في أعقاب صدور القرار موضحاً: "من الناحية العملية، فإن قرار اليوم يعني على الأرجح أنه لا توجد حدود تقريباً لما يمكن للرئيس فعله. إنه مبدأ جديد تماماً. إنها سابقة خطيرة، لأن سلطة المنصب لن تكون مقيدة بالقانون، حتى بما في ذلك المحكمة العليا للولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن القرار يعني أن الرئيس هو من سيحدد القيود فيما بعد.2- السماح بالمزيد من التجاوزات المهددة للديمقراطية: يرى العديد من الخبراء القانونيين أن قرار المحكمة العليا هو قرار "غير صائب"، وسيكون ذا تبعات سلبية على الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيَّما أنه يشجع رئيس الولايات المتحدة المقبل، أياً كانت كينونته، على ارتكاب المزيد من الأفعال المضرة بالديمقراطية التي لن تجعله يقع تحت طائلة القانون، وخاصة في حال كان الرئيس القادم هو المرشح دونالد ترامب، لا سيَّما أن مسألة تحريضه لأنصاره في الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير هي مسألة موثقة، ولا يمكن المراوغة فيها. وسيكون على القضاة الذين ينظرون في الدعاوى المقامة ضد ترامب حالياً مراجعة "الاتهامات الواردة في لائحة الاتهام" للبت فيما إذا كانت قرارات ترامب حينها تندرج تحت مسمى القرارات الرسمية أم أنها غير رسمية. ويتخوف البعض من إمكانية استغلال الأمر في "إساءة استخدام السلطات المختصة بالمراقبة والتدخل" من جانب الرئيس.3- ترك تحديد الصلاحيات الرئاسية للرئيس: أوضح الرئيس بايدن في اعتراضه على القرار الصادر أنه يترك الصلاحيات لشخصية الرئيس الحاكم، بما قد يعصف بالمؤسسات الديمقراطية الأمريكية، ويترك الرئيس دون محاسبة قانونية؛ حيث قال بايدن: "إن الأمر سيعتمد على شخصية الرجال والنساء الذين يتولون الرئاسة والذين سيحددون حدود سلطة الرئاسة لأن القانون لن يفعل ذلك بعد الآن". خاصة مع مسألة الحصانة المطلقة التي تتضمن الأوامر التي يوجهها الرئيس لوزير العدل، وذهب البعض في تفسير القرار إلى حد القول إنه يسمح للرئيس بإعدام خصومه السياسيين في حال ارتأى ذلك.4- دفاع البعض عن النص الدستوري بضرورة استجواب الرئيس: رأى بعض الخبراء القانونيين أن فكرة أن القرار يرسخ لسلطة مطلقة للرئيس أمر غير صحيح، لأن رئيس الولايات المتحدة -وفق الدستور الأمريكي- يمكن أن يخضع للاستجواب والمساءلة بشأن أفعاله. كما أن الدستور ينص على أن السلطة التنفيذية تكون بيد رئيس الولايات المتحدة، ومن شأن القرار الجديد أن يصب في الصالح العام، لأنه يمنح الرئيس حرية الحركة في اتباع المسارات التي تحقق الصالح العام، بدلاً من اتباع مسارات أخرى "خوفاً من أن تقع عليه عقوبات جنائية عند مغادرة منصبه". فضلاً عما سبق، فلا يزال الكونجرس يمتلك سلطة عزل رئيس الولايات المتحدة.حماية الرئيسخلاصة القول، إن قرار المحكمة العليا الأخير يصب في صالح المرشح الجمهوري الأكثر ترجيحاً دونالد ترامب، كما أنه يحمي أي رئيس أمريكي قادم من الملاحقة القضائية على القرارات الرسمية التي تبناها خلال وجوده في منصبه. ولكنه يترك الديمقراطية الأمريكية في مهب الريح، لأن أي رئيس قادم يحمل أهواء شخصية معينة، قد تدفعه أهواؤه تلك للحَيْدة عن طريق الصواب الذي يحقق الصالح العام، حيث سيتجه بدرجة أكبر لتحقيق مصالحه الشخصية، خاصة في حال كان الرئيس القادم يمتلك شخصية شبيهة بشخصية الرئيس السابق ترامب. وعلى مستوى آخر، فإن القضاء الأمريكي حالياً ستكون له حرية البت في القضايا المختلفة المرتبطة بالرئيس، وقد يتم ممارسة ضغوط لتوجيههم صوب قرارات بعينها. وإن كان الأمر يحمل في طابعه الصفة القانونية، لكن المصالح السياسية ستكون هي العامل المحدد في القضايا المرتبطة بالرئيس بشكل واضح خلال الفترة المقبلة.

تداعيات قرار المحكمة العليا بمنح الحصانة لمنصب الرئيس الأمريكي