ياسمين أيمن

أثار قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بوقف المساعدات العسكرية الأمريكية لكييف، وهو ما تلاه إعلان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز عن وقف المعلومات الاستخباراتية التي تقدمها واشنطن لأوكرانيا لمساعدتها في الحرب المشتعلة مع روسيا منذ فبراير 2022 تخوفات الحلفاء قبل الخصوم، لأنها أظهرت استعداد واشنطن للتخلي عنهم في أقرب فرصة ممكنة. وذلك على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين أفادوا بأن هذا الحظر قد يكون مؤقتاً، ويمكن التراجع عنه في حال تم التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب مع موسكو، كما صرَّح جون راتكليف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.أبعاد كاشفة تحمل خطوة الإدارة الأمريكية بوقف المعلومات الاستخباراتية إلى أوكرانيا أبعاداً كاشفة يمكن إيجازها على النحو التالي:1- انكشاف القوات الأوكرانية أمام الهجمات الروسية: تزود الولايات المتحدة أوكرانيا بمعلومات استخباراتية دقيقة عن تحركات الجيش الروسي، مثل مواقع القوات، وخطط الهجوم، وأنشطة الطيران، ما كان يمنح الأوكرانيين تفوقاً استباقياً في التخطيط والتحرك الميداني، ومع توقف هذه المعلومات، ستتراجع قدرة أوكرانيا على توقع تحركات القوات الروسية، ما يجعلها أكثر عرضة لهجمات مباغتة أو خسائر أكبر على الأرض، وبالتالي فإن وقف المساعدات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية لأوكرانيا يعني عملياً فقدان كييف عنصراً أساسياً في قدرتها على الصمود والمواجهة أمام الجيش الروسي، خاصة وأن الولايات المتحدة هي الداعم الأكبر من حيث المساعدات العسكرية النوعية والاستخبارات الاستراتيجية.2- تراجع كبير في الروح المعنوية للجيش الأوكراني: مثل هذه الخطوة لها تداعيات معنوية وسياسية كبيرة، حيث ستُشعر أوكرانيا أنها أصبحت معزولة أو متروكة لمواجهة روسيا وحدها، مما يؤدي إلى تراجع معنويات الجنود والسكان المدنيين أيضاً، وقد يخلق ذلك أيضاً ضغوطاً داخلية وسياسية على حكومة كييف للقبول بتنازلات كبيرة في أي تسوية مستقبلية، وهو ما يعني التفاوض الأوكراني وفق منظور ترامب للتسوية، والتي يعتبرها الرئيس الأوكراني تُلبي تطلعات روسيا.3- ممارسة مزيد من الضغوط على كييف لوقف الحرب: تأتي هذه الخطوة كوسيلة لاستمرار سياسة الضغط التي مارسها ترامب على زيلينسكي بغرض إجباره على التفاوض مع موسكو، وقبول شروطها، التي يرى ترامب أنها منطقية بالنظر إلى ما نجحت في تحقيقه القوات الروسية حتى الآن في ساحة المعركة، وبالنظر إلى قدرتها كقوة عسكرية قادرة على التغلب على كييف. ومع القيام بخطوة وقف المعلومات الاستخباراتية فإنه سيكون من الصعب على كييف توجيه ضربات عسكرية باستخدام الطائرات بدون طيار بعيدة المدى داخل الأراضي الروسية، بل إنها لن تكون قادرة على التصدي لمختلف الضربات الروسية، بما في ذلك الضربات باستخدام الصواريخ الباليستية، وهو ما يعني خسائر أكبر على المستوى الأوكراني، والسماح بتقدم أكبر للقوات الروسية لأن كييف لن تكون قادرة على الحصول على المعلومات التي توفرها الأقمار الصناعية العسكرية الأمريكية.وبعد الحظر الذي تم الإعلان عنه، وفي أعقاب حادثة التلاسن بين ترامب ونائبه جي دي فانس والرئيس الأوكراني زيلينسكي في البيت الأبيض، واتهام زيلينسكي بأنه السبب في هذه الحرب، وأنه لا يسعى للتحقيق السلام، أظهر زيلينسكي موقفاً أكثر تراجعاً؛ حيث أعرب عن رغبته في توقيع اتفاق المعادن مع واشنطن في الوقت المناسب، كما أبدى رغبته في الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع موسكو. ويرى ترامب أن توقيع اتفاق المعادن مع كييف من شأنه أن يسمح بتواجد المزيد من العمال الأمريكيين على الأراضي الأوكرانية، وهو ما سيكون رادعاً لموسكو من جهة، كما أنه سيحقق مكاسب اقتصادية لكييف من جهة أخرى، وسيمنح واشنطن القدرة على منافسة الصين في مسألة استخراج الثروات المعدنية الحيوية من جهة مختلفة.4- رغبة الرئيس الأمريكي في تنفيذ أجندته الانتخابية: نوّه ترامب قبل وصوله إلى البيت الأبيض بأنه قادر على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية خلال يوم واحد، ولكنه عاد وأشار إلى أن الأمر يحتاج وقتاً أطول قد يصل إلى ستة أشهر، بيد أنه يحاول إنجاح التوصل لصفقة سلام قبل مرور 100 يوم على دخوله إلى المكتب البيضاوي. ولذلك تم إيقاف المعلومات الاستخباراتية، التي أشار بعض العسكريين الغرب إلى أن تأثيرها لن يكون بالقوة التي يتوقعها ترامب، بالنظر إلى أن أوكرانيا لا تعتمد على الاستخبارات الأمريكية العسكرية بشكل كبير، ولكنها تعتمد على نفسها من جانب، كما أنها تتعاون مع الحلفاء الأوروبيين من جانب آخر، ولكن هذه الحجة قد لا تكون صائبة بنسبة كبيرة، بالنظر إلى أنه بفضل المعلومات الاستخباراتية الأمريكية التي تم منحها لكييف تم عرقلة العديد من خطوات موسكو العسكرية، بما في ذلك محاولتها في عام 2022 الاستيلاء على مطار هوستوميل شمال غرب كييف، والذي كان سيتم استخدامه لإدخال المزيد من الإمدادات البشرية العسكرية الروسية للسيطرة على العاصمة الأوكرانية.تداعيات مزدوجةمن شأن سياسة الضغط التي تمارسها واشنطن على كييف، أن تكون لها مجموعة من التداعيات على المستوى الأوكراني وعلى المستوى الأوروبي، وهو ما يمكن توضيحه كما يأتي:1- تراجع الاعتماد الأوروبي عسكرياً على الولايات المتحدة: إن مواقف ترامب المختلفة تظهر أن التزام واشنطن تجاه حلف الناتو وتجاه الدفاع عن أعضائه قد لا يتم التمسك به، وأن واشنطن ستتخلى عن حلفائها الأوروبيين في أقرب فرصة ممكنة. ولذلك من المقرر عقد اجتماع في بروكسل بتاريخ 6 مارس 2025، بين 27 من قادة الأوروبيين مع زيلينسكي للبحث عن طرق يمكن من خلالها زيادة الإنفاق العسكري الأوروبي، بما يرجح أن تتجه أوروبا لتعظيم إنفاقها الدفاعي والبدء في تغيير سياستها الدفاعية خلال الفترة المقبلة، متخلية عن النظرة الرومانسية التي تبنتها بشأن تقليص النفقات العسكرية مقابل زيادة التحالفات العالمية والإقليمية، خاصة أن مخاطر موسكو ستزداد خلال المرحلة المقبلة. وتعكف بريطانيا وفرنسا الآن على صياغة خطة سلام من المتوقع أن يتم تسلميها لواشنطن من أجل التفاوض عليها مع موسكو.2- تورُّط أوكرانيا في خسائر سياسية وعسكرية كبيرة: إن الضغط الذي مارسه ترامب على أوكرانيا يعني أن عليها الخضوع لمختلف شروط روسيا، والتي تتمثل في السماح لها بالإبقاء على ما سيطرت عليه من أراضٍ طوال الفترة الماضية والتي تصل مساحتها إلى 20% من حجم الأراضي الأوكرانية، وتقليص حجم الجيش الأوكراني، مع التخلي عن فكرة الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكن كييف في المقابل لن تكون قادرة على الحصول على ضمانات أمنية من الكرملين بأن فكرة التدخل الروسي الذي وقع مرة في عام 2014 وتم الاستيلاء بعده على شبه جزيرة القرم، وتكرر في عام 2022، لن يحدث مجدداً، بل إن مختلف الشواهد تشير إلى أنه مرجح الحدوث خلال الفترة المقبلة في حال حافظت أوروبا على النهج العسكري نفسه.وعلى صعيد آخر، على المدى القريب، من المتوقع أن تتسبب خطوة واشنطن في حدوث المزيد من الخسائر في البنية التحتية المدنية الأوكرانية خلال الفترة المقبلة؛ حيث تستهدف موسكو كما تشير الصحف الغربية المدارس والمستشفيات، وقد كثَّفت موسكو الهجمات على شبكة البنية التحتية المدنية وشبكة الطاقة في كييف، منذ بدء مفاوضات السلام بين روسيا والولايات المتحدة –دون إشراك الحلفاء الأوروبيين- في السعودية وتركيا.3- عدم استبعاد تغيير الرئيس الأوكراني عبر الانتخابات: هناك بعض التوقعات التي تُشير إلى أن واشنطن قد تدفع خلال الفترة المقبلة لإجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا، لتنصيب شخصية جديدة بديلة لزيلينسكي، الذي يتم اتهامه بأنه كان سبباً رئيسياً في اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث ستشجع واشنطن على تنصيب وجه جديد يُحدِث قدراً أكبر من التغييرات السياسية داخل أوكرانيا، خاصة أن ترامب وصفه بـ"الديكتاتور" الذي لم يُجْرِ انتخابات خوفاً من خسارته.4- توجيه انتقادات أكبر لترامب من جانب الديمقراطيين: لاقت تحركات ترامب الأخيرة تجاه موسكو وكييف انتقادات كبيرة من جانب الديمقراطيين داخل الكونجرس الأمريكي؛ حيث وصفوه بأنه "ذراع للكرملين" يسعى لتحقيق مصالحه منذ وصل للحكم، ووصف آخرون من بينهم السيناتور مارك وارنر، نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، خطوة وقف المعلومات الاستخباراتية بأنها "قرار غير مدروس" لأنها ستتسبب في سقوط المزيد من الضحايا الأوكرانيين. وتشير هذه الانتقادات إلى أن حدة الاستقطاب السياسي دخل الكونجرس ستزداد خلال الفترة المقبلة.ختاماً، يمكن القول إن تحركات ترامب الأخيرة ستساعد على إنهاء الحرب، بيد أنها تُظهر تقديراً كبيراً لموسكو، وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى لو كان ذلك على حساب التحالفات الأمريكية القائمة منذ عقود مع أوروبا، وهو نتاج مجموعة من العوامل في مقدمتها الرغبة في التخلي عن الأعباء الدفاعية المفروضة على واشنطن بسبب أوروبا، مع تطبيق مبدأ تقاسم الأعباء والتكاليف، فضلاً عن الرغبة في التفرغ للصراع مع الصين، ولذلك سيقوم ترامب خلال الفترة المقبلة بالضغط بصورة أكبر وتكثيف الاتصالات مع الجانب الروسي لتوقيع صفقة السلام مع أوكرانيا، وسيكون على الأوروبيين فيما بعد بدء العمل على صياغة نظام جديد بعيداً عن واشنطن التي ترغب في الانفكاك من مختلف التحالفات العالمية.

دلالات وقف واشنطن منح المعلومات الاستخباراتية إلى أوكرانيا