عمرو عبدالعاطي

أجرى مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، زيارة دبلوماسية إلى الصين، في 27 أغسطس 2024، ولمدة ثلاثة أيام، والتقى خلالها بالعديد من المسؤولين الصينيين، وفي مقدمتهم وزير الخارجية وانج يي، في مسعى لتخفيف حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة الذي تصاعد خلال الأشهر القليلة الماضية، قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر 2024.وقد جاءت زيارة سوليفان إلى الصين في وقت تشهد فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والصين توتراً متزايداً على جبهات متعددة. فمنذ تولي الرئيس جو بايدن السلطة في يناير 2021، حافظت السياسة الخارجية الأمريكية للإدارة الديمقراطية تجاه الصين على المنافسة الشديدة في مجالات التجارة، والتكنولوجيا، والأمن القومي، مع محاولة تجنب الانزلاق نحو نزاع عسكري مفتوح. وفي الوقت ذاته، تواصل بكين تعزيز نفوذها في منطقة الهندوباسيفيك، والتوسع في برنامجها العسكري، مما يزيد من حدة التوتر مع الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين.وتأتي زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي للصين بعد سلسلة من الزيارات رفيعة المستوى بين المسؤولين الأمريكيين والصينيين، التي ساعدت في الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة بين واشنطن وبكين، بينما تتزايد القضايا الخلافية بينهما، والتي سيؤدي تفاقمها إلى مزيدٍ من التداعيات الدولية والإقليمية في منطقة الهندوباسيفيك التي أضحت محل اهتمام عديد من القوى الدولية والآسيوية.أجندة "سوليفان"يُنظر إلى لقاء جيك سوليفان مع وانج يي على أنه استمرار للجهود الرامية التي تبذلها الإدارة الأمريكية لتحقيق الاستقرار في العلاقات الثنائية، وإدارة المنافسة الاستراتيجية، والحد من مخاطر سوء التقدير بين الولايات المتحدة والصين. وفي هذا الصدد، فإن أبرز القضايا المطروحة على أجندة سوليفان خلال الزيارة إلى الصين تمثّلت فيما يلي:1- معالجة التهديدات الصينية للسيادة التايوانية: تعتبر قضية تايوان أحد الموضوعات الرئيسية المطروحة خلال زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي مع المسؤولين الصينيين، ولا سيما مع تزايد الدعم العسكري الأمريكي لتايوان، وتخلي إدارة الرئيس جو بايدن عن سياسة "الغموض الاستراتيجي" و"الصين الواحدة" التي كانت تحكم السياسة الأمريكية تجاه الصراع الصيني-التايواني لعقود؛ حيث تعتبر واشنطن تايوان شريكاً ديمقراطياً وحليفاً مهماً في منطقة الهندوباسيفيك، بينما تعتبر بكين تايوان إقليماً منشقاً، ولم تستبعد استخدام القوة العسكرية لإعادة توحيدها مع البر الرئيسي الصيني.ولذلك تُعد تايوان نقطة توتر رئيسية بين الولايات المتحدة والصين، حيث تطالب بكين واشنطن باحترام مطالبها السيادية ووقف دعمها العسكري لتايوان. ويتوقع الكثير من المحللين أن تايوان ستكون القضية التي قد تدفع الولايات المتحدة والصين إلى الانخراط في صراع عسكري، والتي ستكون لها تداعيات مؤثرة عالمياً وإقليمياً. وفي هذا الصدد، أشار بيان للبيت الأبيض، في 28 أغسطس 2024، إلى أنه خلال لقاء جيك سوليفان مع وزير الخارجية الصيني، أكد سوليفان على أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان.2- استئناف الاتصالات العسكرية والسياسية بين الطرفين: مع تعقد القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة والصين، ورغبتهما في إدارة المنافسة الاستراتيجية في ظل تشابك مصالحهما، والخوف من خروج الصراع والمنافسة بينهما عن السيطرة؛ فإنهما تسعيان إلى استمرار الاتصالات العسكرية والدبلوماسية، لتبديد فرص سوء التقدير الذي قد يدفعهما إلى الانخراط في مواجهة عسكرية.ومن النتائج الرئيسية لزيارة سوليفان الاتفاق على استئناف الاتصالات العسكرية، التي تم تعليقها بسبب تصاعد التوترات. ويُنظر إلى إنشاء خطوط اتصال مباشرة بين القادة العسكريين الأمريكيين والصينيين على أنه ضروري لمنع النزاعات العرضية، خاصةً في المناطق الحساسة مثل مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي.وبعد مناقشات وُصفت بـ"الموضوعية والبناءة" في بكين بين مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية الصيني، أعلن البيت الأبيض في 28 أغسطس 2024 أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج يعتزمان إجراء مكالمة هاتفية خلال الأسابيع المقبلة. ويعكس هذا الجهد الرامي إلى تعزيز الاستقرار الاستراتيجي اعتراف كلا البلدين بالمخاطر الكامنة في وضعهما التنافسي الحالي.3- تهدئة المخاوف الصينية من القيود والتعريفات الجمركية الأمريكية: شهدت السنوات الأخيرة تدهوراً في العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة؛ حيث تسعى الأخيرة إلى الضغط على بكين لتبني سياسات تجارية أكثر عدالة وشفافية، خاصة فيما يتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية، وإصلاح قوانين الاستثمار الأجنبي. ومن جانبها، ترغب الصين في إزالة التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة دونالد ترامب، والتي تسببت في أضرار كبيرة للصادرات الصينية، وتتبادل الدولتان فرض رسوم جمركية وعقوبات اقتصادية.وقد كانت القيود الأمريكية المفروضة على شركات التكنولوجيا الصينية، والتعريفات الجمركية المتصاعدة على السيارات الكهربائية الصينية، والعديد من السلع الصينية، في إطار الاستراتيجية الأمريكية لتقويض القوة التكنولوجية الصينية، في مقدمة أجندة اللقاءات المشتركة بين المسؤولين الأمريكيين والصينيين في واشنطن وبكين، والتي هدف كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية إلى الدفاع عنها والتأكيد على أنها تأتي في إطار السياسات الأمريكية لصون الأمن القومي الأمريكي، وليس لتقويض الصعود الصيني.وفي هذا الصدد، توفر زيارة سوليفان فرصة لمعالجة هذه النزاعات الاقتصادية واستكشاف طرق لإدارة المنافسة بطريقة أكثر تنظيماً ويمكن التنبؤ بها. وقد تسعى الولايات المتحدة إلى الضغط على الصين لتغيير سياساتها التجارية وإجراء إصلاحات اقتصادية، بينما ستطالب الصين برفع الرسوم الجمركية والعقوبات المفروضة عليها.4- معالجة أزمة الفنتانيل والتعاون في مجال الصحة العامة: من القضايا الحاسمة التي طُرحت خلال زيارة سوليفان لبكين التعاون الأمريكي-الصيني في مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات، ولا سيما الفنتانيل. فقد أعربت كل من الولايات المتحدة والصين عن استعدادهما للتعاون في معالجة هذه الأزمة التي أسفرت عن خسائر كبيرة في الأرواح في الولايات المتحدة. ولا يزال تهريب الفنتانيل من الصين إلى الولايات المتحدة قضية رئيسية تثير التوتر بين واشنطن وبكين، ولكنها يمكن أن تمثل مجالاً يمكن أن يسفر فيه التعاون الثنائي عن نتائج إيجابية.وفي هذا الصدد، أعلن البيت الأبيض في 28 أغسطس الجاري أن مستشار الأمن القومي سوليفان ناقش مع وزير الخارجية الصيني الخطوات التالية للحد من تدفق المخدرات الاصطناعية غير المشروعة.5- التعاون الأمريكي الصيني لمعالجة تغير المناخ: تعتبر قضية تغير المناخ مجالاً آخر للاشتباك بين الولايات المتحدة والصين لمصالحهما المتداخلة والمتعارضة. وباعتبارهما أكبر مصدرين لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، تواجه واشنطن وبكين ضغوطاً عالمية لقيادة الجهود في مكافحة تغير المناخ، لكن هناك خلافات حول سياسات والتزامات محددة. ورغم ذلك تدرك الدولتان أهمية التعاون في القضايا البيئية لتحقيق أهداف المناخ الدولية.ولذلك أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية الصيني على أهمية اتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة أزمة المناخ، ورحبا بمزيدٍ من المناقشات خلال الزيارة المقبلة للمستشار الأول للرئيس الأمريكي للسياسة المناخية الدولية جون بوديستا إلى الصين.6- تأكيد واشنطن على دعم حلفائها في منطقة الهندوباسيفيك: تعتبر القضايا الأمنية في المنطقة من أبرز المواضيع التي طُرحت خلال زيارة سوليفان للصين ولقائه بكبار مسؤولي الحكومة الصينية، في وقت يتزايد فيه النفوذ العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي، والتوترات المستمرة حول تايوان، والأنشطة العسكرية الأمريكية في المنطقة، وكلها مسائل تثير القلق بين الطرفين.وفي هذا السياق، أعاد "سوليفان"، خلال لقائه مع وزير الخارجية الصيني، التأكيد على التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن حلفائها في منطقة الهندوباسيفيك، وأعرب عن المخاوف الأمريكية إزاء إجراءات الصين المزعزعة للاستقرار ضد العمليات البحرية الفلبينية المشروعة في بحر الصين الجنوبي. وبحسب بيان البيت الأبيض، يوم 28 أغسطس 2024، ناقش الجانبان مخاوفهما المشتركة إزاء جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وبورما.7- انتقاد الدعم الصيني لروسيا: تشكل العلاقات الصينية الروسية، والدعم الصيني المتواصل لموسكو، إحدى القضايا التي تثير استياء واشنطن، لا سيما وأن هذا الدعم من وجهة النظر الأمريكية ساهم في تعقيد الصراع الأوكراني، وعرقل خطط الدعم الأمريكي والغربي لكييف. وفي هذا الإطار، أشار بيان البيت الأبيض، يوم 28 أغسطس 2024، إلى أن سوليفان أكد أثناء اللقاء مع وزير الخارجية الصيني على المخاوف إزاء دعم بكين للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، وتأثيره على الأمن الأوروبي وعبر الأطلسي.أرضية مشتركةتُعاني العلاقات الأمريكية-الصينية من عدم الثقة المتبادلة، وتعمل هذه الشكوك على تعقيد الجهود الرامية للتوصل إلى تفاهمات مشتركة. وتواجه الحكومتان الأمريكية والصينية ضغوطاً داخلية من الأطراف المتشددة التي تعارض تقديم أي تنازلات للجانب الآخر. وهذه الضغوط تجعل من الصعب على الجانبين اتخاذ خطوات جريئة نحو تحسين العلاقات. وكذلك تختلف أولويات كل من الولايات المتحدة والصين بشكل كبير، سواء فيما يتعلق بالقضايا الأمنية أو الاقتصادية أو التكنولوجية، وتلك التباينات تجعل من الصعب إيجاد نقاط اتفاق مشتركة بين واشنطن وبكين.بيد أن زيارة سوليفان إلى الصين تمثل فرصة لتحقيق الاستقرار، وإدارة العلاقة المعقدة بين أكبر اقتصادين في العالم. وبينما لا تزال هناك تحديات كبيرة، فإن استعداد الولايات المتحدة والصين للدخول في حوار واستكشاف المجالات ذات الاهتمام المشترك يعد خطوة إيجابية لإدارة المنافسة الاستراتيجية المحتدمة بين واشنطن وبكين. ومن خلال التركيز على التواصل والاستقرار الاستراتيجيين، والتعاون في القضايا الدولية، يمكن للولايات المتحدة والصين العمل نحو علاقة ثنائية بناءة ومستدامة بشكل أكبر. وقد لا تحل هذه الزيارة جميع النزاعات، ولكنها خطوة هامة نحو منع نشوب الصراعات وإيجاد أرضية مشتركة في عالم يزداد ترابطاً.

ما هي القضايا المطروحة خلال زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي للصين؟