 شيماء محمود

أكدت الحكومة الرواندية برئاسة رئيس الوزراء "إدوارد نجيرينتي"، في 9 يونيو 2025، رسمياً قرارها الذي أعلنته خلال القمة السادسة والعشرين للجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (ECCAS) المنعقدة في "مالابو" عاصمة غينيا الاستوائية في 7 يونيو 2025 والمتعلق بالانسحاب من التجمع؛ حيث كان من المتوقع أن تتولى رواندا خلال تلك القمة الرئاسة الدورية للفترة (2025-2026) وفقاً لإجراءات التناوب المعتادة، بيد أن القمة قد قررت في بيانها الختامي تمديد رئاسة غينيا الاستوائية للمنظمة لمدة عام آخر، وهو الأمر الذي اعتبرته "كيجالي" بمثابة انتهاك لحقوقها كعضو، ودليل على عدم التزام هذا التجمع الإقليمي بمبادئه التأسيسية، مؤكدة أن تجاهل حق رواندا في تولي الرئاسة الدورية يهدف إلى فرض إملاءات جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تتلاعب -بدعم من بعض الدول الأعضاء- بآليات الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا لتحقيق أجندتها السياسية الخاصة.دلالات بارزةثمة جملة من الدلالات المرتبطة بإعلان رواندا الانسحاب من الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا، ويمكن توضيح أبرز تلك الدلالات على النحو التالي:&nbsp;1- تصاعد حدة الصراع بين رواندا والكونغو الديمقراطية: حيث جاء هذا القرار مدفوعاً بالأساس بتوتر العلاقات بين رواندا والكونغو الديمقراطية؛ إذ أكدت الأولى في إطار بيان رسمي صادر عن مجلس الوزراء في 7 يونيو 2025 استياءها من استغلال جمهورية الكونغو الديمقراطية للجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (إيكاس) بدعم من بعض الدول الأعضاء، مؤكدة أن هذا التوجه قد تجلى خلال القمة العادية السادسة والعشرين التي عُقدت في "مالابو"، حيث تم تجاهل حقها في تولي الرئاسة الدورية المنصوص عليه في المادة السادسة من المعاهدة عمداً بهدف فرض إملاءات جمهورية الكونغو الديمقراطية، كما أشارت إلى أن الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية كان مستمراً بالفعل عندما تولت جمهورية الكونغو الديمقراطية رئاسة التجمع، وبالتالي فإن ذريعة الصراع لا تُبرر منع رواندا من تولي الرئاسة الدورية، وقد اتهمت أيضاً في إطار بيانها الكونغو الديمقراطية ببِدء الصراع من خلال شن هجمات على مواطنيها في أواخر عام 2021، والسماح باجتياح مقاطعاتها الشرقية من قِبل أكثر من (200) جماعة مسلحة أجنبية ومحلية غير شرعية مما يشكل تهديداً أمنياً للدول المجاورة.2- إدراك رواندا ضعف التأثيرات المترتبة على انسحابها من تجمع "إيكاس": يأتي تحرك رواندا السريع بالانسحاب من التكتل إدراكاً منها لضعف التأثيرات المحتملة جراء هذا الخروج؛ حيث تعد الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (إيكاس) أحد أضعف التجمعات الاقتصادية أداءً في أفريقيا، وتواجه بدورها تحدياتٍ تشمل ضعف الإرادة السياسية ومحدودية القدرات المؤسسية ونقص الموارد المالية، مما يُؤدي إلى عرقلة التقدم في المشروعات المشتركة والمبادرات الإقليمية وإعاقة فاعليتها في تعزيز التكامل الإقليمي والتنمية؛ حيث تُمثّل تجارتها البينية نحو (5%) فقط من التجارة الأفريقية. ويتسم الوضع الاقتصادي لمعظم الدول الأعضاء في التكتل بالهشاشة نظراً لضعف تنوع وإنتاجية أنظمتها الإنتاجية، ويعتمد الكثير من هذه الأنظمة على الاستغلال غير المستدام للموارد الطبيعية. ونظراً لأن هذه الاقتصادات تُنتج بشكل رئيسي سلعاً تُباع في حالة شبه خام فإنها تتأثر بشدة بالصدمات الخارجية للطلب العالمي، ونتيجةً لذلك فإنها غير قادرة على المشاركة بفاعلية في التجارة الدولية والاستفادة منها بشكل أكبر.3- محدودية دور التجمع في جهود الوساطة بين رواندا والكونغو الديمقراطية: على المستوى الدبلوماسي فإن التجمع لم يسهم في جهود الوساطة المبذولة لحل الصراع بين رواندا والكونغو الديمقراطية؛ إذ إن مبادرة "لواندا" للسلام مدعومة من جماعة التنمية للجنوب الأفريقي (SADC) بوساطة أنجولية، وتهدف إلى التوسط في اتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، بينما عملية "نيروبي" هي حوار مدعوم من جماعة شرق أفريقيا بوساطة كينية بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية والجماعات المسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بما في ذلك حركة "23 مارس" الإرهابية. 4- تزايد مؤشرات دعم الدول الأعضاء في "إيكاس" لكينشاسا: ترى رواندا أن تمديد ولاية الرئيس الغيني ورفض تولي رواندا الرئاسة الدورية للتكتل يؤكد أن موقف جمهورية الكونغو الديمقراطية قد حظي بتعاطف أكبر من الدول الأعضاء؛ حيث أكد مفوض من الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا أن التوتر كان قائماً بين الوزراء الروانديين والكونغوليين، مشيراً إلى أن الجانب الكونغولي قد حذر من أنه لن يتمكن من السفر إلى رواندا لحضور "فعاليات مجتمعية" إذا تولت "كيجالي" الرئاسة. 5- تفضيل رواندا الانسحاب في سياق تعارض مصالحها الإقليمية: حيث إن هذه المرة ليست الأولى التي تنسحب فيها رواندا -العضو المؤسس في الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا منذ عام 1983- من التجمع؛ إذ انسحبت منه في عام 2007 لأسباب تتعلق بالأولويات الجيوسياسية والاقتصادية وللتركيز على عضويتها في تكتلات أخرى أكثر نجاحاً وفاعلية مثل جماعة شرق أفريقيا (EAC) التي انضمت لها في ذات العام والسوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي (COMESA) الذي انضمت له في يناير 2004، وقد عادت رواندا مرة أخرى إلى تجمع "إيكاس" عام 2016 بعد ثماني سنوات من الانسحاب الأول بدافع الرغبة في توسيع آفاقها التجارية والاقتصادية، وإعادة تموضعها لتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية.تداعيات محتملة ثمة جملة من التداعيات المحتملة المرتبطة بانسحاب رواندا من الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:1- تعقيد جهود الوساطة الإقليمية والدولية في الصراع بالكونغو الديمقراطي: ويعزز من ذلك اتهام رواندا الكونغو الديمقراطية في أعقاب إعلان انسحابها من تجمع "إيكاس" باستغلال المنظمات الإقليمية والدولية لفرض عقوبات على "كيجالي" بسبب الحرب في شرق الكونغو، وذلك على الرغم من المبادرات العديدة التي تسعى إلى السلام وإيجاد حل للأزمة، حيث أكدت أنه على الرغم من اجتماع الرئيس "تشيسكيدي" مع الرئيس "كاجامي" في "الدوحة" في مارس 2025 وانخراط الدولتين بنشاط في مفاوضات واعدة بتيسير من الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام تاريخي، إلا جمهورية الكونغو الديمقراطية لا تزال تستغل جميع المنظمات الإقليمية والدولية لاتهام رواندا بارتكاب أفعال غير مشروعة وتطالب بفرض عقوبات عليها. 2- تقليل فاعلية تجمع "إيكاس" على المستوى الإقليمي: فعلى الرغم من ضعف أداء التجمع إلا أنه قد وضع أطراً أمنية واقتصادية قد يؤدي تفعيلها إلى تعزيز فاعلية التجمع إقليمياً، حيث أنشأت الدول الأعضاء عام 2000 مجلس السلام والأمن لوسط أفريقيا (COPAX) والذي حقق نتائج ملموسة بعض الشيء منذ عام 2004، ولا سيما مع تعزيز قدرات القوة المتعددة الجنسيات لوسط أفريقيا (FOMAC) وآلية الإنذار المبكر لوسط أفريقيا (MARAC)، كما وضع التجمع خطة التنمية التوافقية للنقل في وسط أفريقيا (PDCT-AC)، التي تتضمن (14) مشروعاً ذا أولوية، تشمل جميع البنى التحتية للنقل التي تدعم التجارة الدولية لدول المنطقة. أما في مجال البنية التحتية للطاقة فإن تجمع الطاقة في وسط أفريقيا (PEAC) يُعتبر إطاراً مؤسسياً يهدف إلى تحفيز التعاون الإقليمي وتجسيد الالتزام السياسي للدول الأعضاء بالعمل معاً لاستغلال إمكانات الطاقة الهائلة في المنطقة. وبوجه عام فإن خروج رواندا من شأنه أن يعرقل التنسيق العسكري والأمني، كما أنه سوف يؤدي إلى انخفاض حجم التجارة والاستثمار وزيادة الحواجز التجارية بما في ذلك الحواجز الجمركية وغير الجمركية مما قد يعمل على تعطيل التدفقات التجارية بين رواندا والدول الأعضاء الأخرى في الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا، الأمر الذي قد تكون له آثار سلبية على الشركات والاقتصادات في المنطقة. 3- فتح المجال أمام دول أخرى لإعادة تقييم عضويتها في "إيكاس": قد يشجع خروج رواندا دولاً أخرى ذات خلافات ثنائية على الانسحاب من الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا، الأمر الذي سيخلق بدوره تصدعات عميقة في الوحدة الإقليمية، ويُعقّد مسار الاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، ويعزز من ذلك وجود خلافات بالفعل بين أعضاء آخرين في التجمع وكذلك الانقلابات العسكرية التي طالت عدداً من دول التجمع في الآونة الأخيرة وعلى رأسها الجابون التي علقت الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا عضويتها خلال قمة استثنائية عُقدت في "جيبلو" في غينيا الاستوائية في سبتمبر 2023.4- سعي رواندا إلى تعزيز تحالفاتها داخل تكتلات بديلة: قد تسعى رواندا إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية داخل تجمعات بديلة مثل جماعة شرق أفريقيا والسوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي، والتي قد تتماشى أكثر مع توجهاتها الاقتصادية والجيوسياسية. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من أن عضوية رواندا في جماعات اقتصادية إقليمية أخرى قد تُخفف من أثر خروجها من الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (الذي يعتبر بدوره طفيفاً) إلا أن عضوية جمهورية الكونغو الديمقراطية في هذه التكتلات تعني أن رواندا قد تواجه أيضاً تحديات دبلوماسية واضطرابات تجارية.&nbsp;ختاماً، يمكن القول إنه على الرغم من أن قرار انسحاب رواندا من الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا يأتي احتجاجاً على عدم التزام التجمع بمبادئه التأسيسية ولتجاهله حقها في تولي الرئاسة الدورية، إلا أن سرعة اتخاذ هذا القرار يأتي في ظل إيمان رواندا الراسخ بضعف أداء التجمع في مجال التكامل الإقليمي مقارنةً بالتجمعات الأخرى، وذلك إلى جانب ضعف الإرادة السياسية والقدرة المؤسسية، الأمر الذي أدى إلى عرقلة عملية إيجاد مشروعات مشتركة بين الدول الأعضاء، حيث استغرق تنفيذ بعض المشروعات الممولة من الجهات المانحة ما يصل إلى تسع سنوات، على الرغم من أن بعضها كان مخططاً له لمدة ثلاث أو أربع سنوات، وتطرح الرؤية المستقبلية استمرار حالة التأزم في العلاقات بين رواندا والكونغو الديمقراطية نتيجة عدم الوصول إلى توافق بشأن النقاط الخلافية الجوهرية التي قد تساهم تسويتها في حلحلة الأزمة ووضع حجر الأساس نحو سلام مستدام.

دلالات انسحاب رواندا من الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا