كيف تساهم صناديق الثروة السيادية في النمو الاقتصادي للدول؟

يُعَد صندوق الثروة السيادي صندوق استثمار مملوكاً للدولة، ويُشتَق عادةً من احتياطات الدولة الفائضة، وغالباً ما يؤدي دور عامل استقرار في الدولة من خلال استثمار الأموال الفائضة عنها في بلدان أخرى. ويتمثل الغرض الرئيسي من تأسيس صناديق الثروة السيادية في تعزيز النمو المستدام والحفاظ على رفاهية الأجيال المقبلة. وقد زاد حجم وعدد صناديق الثروة السيادية كثيراً في الآونة الأخيرة؛ فوفقاً لمعهد Sovereign Wealth Fund، فإنه في عام 2020، كان هناك 89 صندوقاً سيادياً بأصول متراكمة تبلغ نحو 8.2 تريليون دولار، كما زاد بكثرة عدد المستثمرين والأصول المُدَارة لصناديق الثروة السيادية وصناديق التقاعد الخاصة من 11 تريليون دولار في 2015 إلى 15 تريليون دولار في 2020، في صورة تنمُّ عن زيادة اهتمام الدول بالاستثمار في صناديق الثروة السيادية.

بيد أن معظم صناديق الثروة السيادية التي تشكَّلت في النصف الثاني من القرن العشرين كانت قائمة على السلع الأساسية، غير أن ذلك النوع من الصناديق في الوقت المعاصر، لم يَعُد يمثل السواد الأعظم من صناديق الثروة السيادية؛ إذ باتت الصناديق غير السلعية أو التجارية تحتل مكاناً أكثر أهميةً.

أدوار رئيسية

 رغم أنه تم إنشاء ما يقرب من ثلثي الصناديق القائمة خلال العقد الماضي، فإن ذلك لا يعني أن صناديق الثروة السيادية ظاهرة جديدة، بل ترجع في واقع الأمر إلى منتصف القرن العشرين، غير أن أهميتها قد تزايدت بمرور السنوات داخل بلدانهم، بل بالنسبة إلى النظام المالي الدولي كذلك، حتى إن كان هدفها الرئيسي إدارة الثروة المالية الرسمية لبلدها بكفاءة وفاعلية. وفيما يأتي يمكن استعراض أبرز أدوار صناديق الثروة السيادية.

1– تكوين مخزون رأسمالي للحفاظ على الثروة الوطنية وتنميتها: يتم في كثير من الأحيان، إنشاء صناديق الثروة السيادية من قِبَل الدول المُصدِّرة للسلع الأساسية؛ لأغراض تحقيق الاستقرار أو الادخار، وكذلك المساهمة في تسهيل الإنفاق الحكومي من خلال وضع الفوائض المالية للدولة في الصندوق، والاستفادة منها وتوظيفها في فترات ضعف معدلات التبادل التجاري. ومن أمثلة الدول التي تتبنى ذلك النوع من الصناديق، دولة تشيلي التي تدير صندوق الثروة السيادي الخاص بها، وتوظفه في دعم الإنفاق الحكومي، واستغلال الفوائض المالية عن حاجتها في أوقات الأزمات.

2– تطوير قاعدة واسعة للنمو الاقتصادي: تهدف صناديق الثروة صراحةً إلى تطوير قاعدة أوسع للنمو الاقتصادي؛ إذ تدعم مسألة تطوير اقتصاد فعال ومتنوع، قادر على التقليل من آثار التقلبات في أسعار السلع الأساسية، ويساعد في تهيئة الاقتصاد لعصر ما بعد السلع الأساسية. ولعل ذلك الغرض هو أحد الأغراض المُعلَن عنها من قبل عدة صناديق سيادية، ويهدف بصورة رئيسية إلى تحقيق الاستقرار في بيئة الاقتصاد الكلي باستخدام صندوق الثروة السيادية لتقليل تقلب الإنفاق الحكومي خلال فترات الأزمات.

تساهم صناديق الثروة السيادية في البلدان النامية في الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية الخاملة، المتمثلة في مشاريع القطاع العام والممتلكات العامة من الأراضي والعقارات؛ الأمر الذي ينعكس في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول وخلق فرص عمل منتجة، وتخفيف عبء خسارة المشاريع العامة على الموازنة العامة؛ لذا تتزايد أهمية الصناديق السيادية في العالم النامي لتكون مصدراً رئيسياً للتمويل في ظل ارتفاع المديونية الخارجية.

3– تمويل الالتزامات الاجتماعية: عادةً ما يخلق وجود سكان متقاعدين بنسبة كبيرة، حاجة ماسة إلى تمويل الالتزامات الاجتماعية المستقبلية؛ لذا تلجأ الدول إلى إنشاء صندوق احتياطي للمعاشات التقاعدية، كأحد أنواع صناديق الثروة السيادية، وهو الصندوق الذي يتم إنشاؤه في عدة دول بهدف تغطية الالتزامات المالية الطويلة الأجل المستحقة لصالح المعاشات التقاعدية، والاستجابة لمطالب المعاشات التقاعدية الطارئة وغير المحددة في الميزانية العمومية للحكومة.

4– إمكانية مضاعفة الاستثمارات وتشجيع المشاريع المحلية: في عام 2020، في ظل تفشي جائحة كوفيد–19، ظهرت ثلاثة اتجاهات لصناديق الثروة السيادية على مستوى العالم، كان هدفها الرئيسي تحفيز اقتصادات الدول نتيجة الركود الحاصل بفعل عمليات الإغلاق. وقد تمثلت تلك الاتجاهات في تسريع نشر رأس المال، وزيادة الاستثمارات المحلية، وزيادة التركيز على الحوكمة.

وبالفعل تمكنت صناديق الثروة السيادية عالمياً من مضاعفة الاستثمار السنوي إلى ثلاثة أضعاف خلال ذلك العام، باستثمار قدره 12.7 مليار دولار إضافية في الشركات والمشاريع المحلية، وهو توجه أعطى صناديق الثروة السياسية دوراً رائداً، كما تطلَّب منها ضرورة أن تكون مؤثرة ومنخرطة عبر مختلف القطاعات، وفي مجالات متنوعة؛ كالحوكمة البيئية والاجتماعية، والمؤسسية، والتنمية والتمويل.

5– المساهمة في تمويل التنمية المستدامة: من أهم أدوار صناديق الثروة السيادية، تمويل التنمية المستدامة، وما يدعمها في ذلك طبيعتها الطويلة الأجل والواسعة النطاق؛ إذ عادةً ما تميل الصناديق السيادية إلى أن تكون خططها محددة ودقيقة وطويلة المدى، بصورة تمكنها من الاستثمار في الأصول غير السائلة. علاوة على ذلك، فإن لدى صناديق الثروة السيادية، تفويضاً محدداً للاستثمار في قطاعات التنمية المستدامة التي تدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية للاقتصادات المحلية.

6– توفير عوائد تجارية جذابة للمستثمرين: ويأتي ذلك من خلال الاستثمارات الطويلة الأجل في السوق الخاصة – بما في ذلك مجالات البنية التحتية والطاقة النظيفة والعقارات، والزراعة والأخشاب ورأس المال الاستثماري والأسهم الخاصة من قبل صناديق الثروة السيادية في مختلف البلدان – التي توفر عوائد تجارية جذابة ومعدلة حسب المخاطر للمستثمرين؛ ما يزيد من جاذبية البلدان التي تمتلك صناديق ثروة سيادية، إذ من شأن ذلك أن يزيد فرص الاستثمار الأجنبي داخل تلك الدول.

7– زيادة الرفاهية العامة في الدولة: من أكثر أدوات الصناديق السيادية فاعليةً، تلك الأدوات المستخدمة بهدف زيادة الرفاهية العامة من خلال توظيف موارد الدولة التي تخص الشعب كله وفقاً للدستور، والتي تتشكل من عائدات الضرائب من السلع المَبِيعة في السوق المحلية، فيما يصب في صالح رفع مستوى الرفاهية في الدولة، لا في صالح إعادة توزيع أموال الميزانية على المواطنين. وتعرف تلك الصناديق المخولة بهذه المهمة بصناديق الرفاهية السيادية.

تنوع الأثر

تتعدد آثار صناديق الثروة السيادية على أرض الواقع، وتتنوع بحسب الظروف الاقتصادية التي تتعرض لها كل دولة، وبحسب السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة وأولوياتها التي تختلف من دولة إلى أخرى، لكنها إجمالاً تلعب دوراً في التنمية المستدامة والتنمية الاقتصادية على وجه التحديد لمختلف بلدان العالم النامي والمتقدم؛ حيث عادةً ما تُحفِّز تدفقات رأس المال، الدول على تطوير استراتيجيات لجذب الاستثمارات من قبل الصناديق السيادية، التي تساهم بشكل ما في زيادة الصادرات ودعم انتشار المنتج المحلي في الأسواق الخارجية. وفيما يأتي نستعرض بعض آثار صناديق الثروة السيادية وأدوارها على أرض الواقع في بلدان مختلفة.

1– دور صناديق الثروة السيادية باعتبارها مصدراً لرأس المال في أفريقيا جنوب الصحراء: رغم ما أفرزته جائحة كوفيد–19 من تحديات هائلة أمام التنمية في أفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث دفعت الجائحة – بحسب البنك الدولي – ما بين 19–40 مليون شخص إلى هوة الفقر المدقع في أفريقيا جنوب الصحراء؛ ما أدى إلى تآكل العديد من مكاسب التنمية الأخيرة.

إلا أنه على الجانب الآخر وفي الوقت ذاته، زاد نمو الأصول المدارة من جانب الصناديق السيادية بنسبة 76%، فيما نما عدد المستثمرين بنسبة 54%. ووفقاً لشركة برايس ووترهاوس كوبرز PwC، فإن صناديق الثروة السيادية الأفريقية تمكنت من إدارة 300 مليار دولار في عام 2020؛ ما جعلها مصدراً مهماً لرأس المال القابل للاستثمار للقارة.

ولعل الشراكة الأخيرة في مارس من عام 2022، بين مؤسسة التمويل الدولية وصندوق الثروة السيادي السنغالي، لتطوير 20 ألف منزل في غضون 10 سنوات، هي إحدى هذه الآليات المبتكرة، للاستفادة من إمكانات صندوق الثروة السيادي؛ إذ بموجب الشراكة من المفترض الحصول على منازل من المطورين وإتاحتها للأسر ذات الدخل المنخفض من خلال مخطط الإيجار بغرض التملك.

2– تبني صندوق الثروة السيادي في النرويج أهدافاً مناخية طموحة: أظهرت صناديق الثروة السيادية انخراطاً واضحاً في أجندة المناخ خلال السنوات الماضية؛ حيث نفذت تلك الصناديق – على سبيل المثال – خلال عام 2020، نحو 23 استثماراً تقدر قيمتها بأكثر من ملياري دولار في القطاعات المرتبطة بتغير المناخ، مثل التكنولوجيا الزراعية والغابات والطاقة المتجددة، بزيادة قدرها أربعة أضعاف عام 2016.

ولعل صندوق الثروة السيادية النرويجي الذي يمتلك أكثر من 1.2 تريليون دولار من الأصول – ما يجعله أحد أكبر الصناديق في العالم – من الصناديق الرائدة في وضع الأهداف المناخية الطموحة؛ إذ يلعب دوراً محورياً في دفع آلاف الشركات في محفظتها للوصول إلى صافي انبعاثات صفري خلال العقود القادمة، وهي خطوة جاءت جزءاَ من خطة عمل مناخية أكبر وفقاً لاتفاقية باريس؛ حيث أعلن صندوق الثروة السيادية النرويجي، أنه يهدف إلى أن تصل كل شركة في محفظتها الضخمة إلى صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2050.

يذكر في هذا الصدد، أن صندوق الثروة السيادي النرويجي منذ إنشائه في التسعينيات، استثمر عائدات الدولة الهائلة من النفط والغاز على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم وعبر قطاعات اقتصادية متنوعة، ويمتلك الصندوق ما يقرب من 1.5% من جميع الأسهم داخل الشركات المدرجة على مستوى العالم.

3– تحقيق ترينيداد وتوباجو نمواً مستدام عبر الصندوق السيادي: تمكنت دولة "ترينيداد وتوباجو"، بصفتها اقتصاداً نامياً صغيراً في منطقة البحر الكاريبي، خلال السنوات الأخيرة من تحقيق نمو مستدام؛ نظراً إلى ما حققته الدولة من تقدم اقتصادي، بفضل امتلاكها صندوق ثروة سيادياً، استطاع أن يساهم بشكل كبير في تنمية اقتصاد الدولة والتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن انهيار أسعار الطاقة في عام 2015. ووفقاً للتقرير السنوي لحكومة ترينيداد وتوباجو عام 2016، فإن الحكومة قد سحبت من الصندوق مبلغاً قدره 375.05 مليون دولار خلال أزمة الميزانية، للمساهمة في دعم ميزانيتها السنوية.

كما استخدمت الحكومة 251 مليون دولار أمريكي من الصندوق لتمويل ميزانية عام 2017 على وجه الخصوص، من خلال ما يعرف ببرنامج التنمية، المعروف أيضاً باسم برنامج استثمار القطاع العام (PSIP)، وهو ما مكن الدولة من الصمود في وجه أزمتها وتحقيق التنمية في الدولة على عدة مستويات.

4– دور صندوق الثروة السيادية السنغافوري في الحوكمة: تلعب صناديق الثروة السيادية دوراً كبيراً في قضايا الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، عبر بناء القدرات، بما يمكنها من تقديم خطط وطنية طويلة الأجل في مجالات مثل الأمن الغذائي وأمن الطاقة وقضايا المناخ. واعتباراً من يوليو 2022، كان 75% من الصناديق السيادية تتبع سياسة الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات و30% منها حددت هدفاً لتقليص انبعاثات الكربون.

ومن بين تلك الصناديق، صندوق الثروة السيادي في سنغافورا، الذي يعمل على تقديم تعليقات مستمرة على متطلبات الإفصاح المتعلقة بالمناخ والاستدامة، وهي التعليقات التي يتم تطويرها من قبل مجلس معايير الاستدامة الدولية، والتي ترمي في نهاية المطاف إلى الحفاظ على القوة الشرائية الدولية للأموال الموضوعة تحت رعاية الدولة وتعزيزها.

5– المساهمة في مواجهة الركود المصاحب لأزمة كوفيد–19 في عدة اقتصادات: صمدت اقتصادات دول مختلفة في مواجهة أزمة كوفيد–19، عبر الاستثمار الواسع في قطاعات حيوية، مستفيدةً من صناديق الثروة السيادية في بلدانها؛ فبينما استثمر صندوق الثروة السيادية التركي نحو 5.8 مليار دولار في عام 2020، بشكل أساسي في البنوك وشركات التأمين المحلية، وفقاً للمنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية IFSWF، خصص صندوق الاستثمار الاستراتيجي الأيرلندي نحو 2 مليارات يورو – أي ما يعادل نحو 2.4 مليار دولار – لما يسمى صندوق الاستقرار والتعافي من الأوبئة في ذلك العام2020.

وعلى جانب آخر، قاد صندوق الثروة السيادية الإيطالي في يونيو من العام ذاته، مجموعة مستثمرين، ووافقوا على شراء 88% من شركة إدارة الطرق السريعة الإيطالية شركة "أوتوستراد بير لي إيطاليا Autostrade per l’Italia SpA، مقابل 8.1 مليار يورو تقريباً، فيما سحبت وزارة المالية التشيلية 4.1 مليار دولار من صندوق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في عام 2020، لدعم الاستقرار الاقتصادي في الدولة.

تحديات قائمة

رغم الأدوار المهمة التي تقوم بها صناديق الثروة السيادية، والأهمية التي يحظى بها في العديد من دول العالم، فإن ثمة تحديات ومعوقات تقف أمام دور تلك الصناديق السيادية، نتناولها فيما يأتي:

1– صعوبة الاستثمار في الأصول الطويلة الأمد في أوقات الأزمات: في فترات الأزمات، تصبح الحاجة ملحة إلى توافر سيولة مالية تسمح بإجراء مدفوعات على المدى القريب، ومن ثم تنخفض القدرة على الاستثمار في الاستثمارات غير السائلة الطويلة المدى؛ إذ تصبح بعض الدول وبالأخص النامية في ذلك الموقف، غير قادرة على تحمل التقلبات القصيرة الأجل، بما يمنعهم من الاحتفاظ بالأصول على المدى الطويل في مواجهة التقلبات، التي تفرض في بعض الأحيان السحب من احتياطاتها في غضون مهلة قصيرة. وهو التحدي الذي يؤثر بدرجة أساسية في اتخاذ قرارات الاستثمار؛ إذ يتردد المستثمرون كذلك في التورط في استثمارات طويلة الأجل في الأصول غير السائلة؛ نظراً إلى صعوبة البيع خلال وقت قصير.

2– تراجع صافي التدفقات الداخلة في بعض الحالات: في بعض الأحيان، تواجه صناديق الثروة السيادية معضلة أساسية، وهي أن صافي التدفقات الخارجة من أموالها أعلى من صافي التدفقات الداخلة إليها. ذلك الوضع قد لا يقبله المستثمرون؛ إذ من الطبيعي أن يرفض أولئك المستثمرون وضع أموالهم واستثماراتهم في الأسواق الضعيفة، التي تتقلص فيها فرص زيادة الأرباح.

لكن بوجه عام، يجب أن يكون المستثمر على استعداد لقبول مستويات معتدلة من المخاطر والتقلبات القصيرة الأجل ورأس المال الدائم المحتمل الخسارة، وعدم التجرد من الاستثمارات الطويلة الأجل في مواجهة ضغوط السوق.

3– صعوبات تجنب التدخلات السياسية: في كثير من الأحيان، تسعى الدول لتعزيز أجندة صندوق الثروة السيادية، بما يساعدها في تحقيق استقلال واضح يجنبها التدخلات السياسية التي قد تدفع إلى تآكل قدرة الصندوق على تحقيق فاعلية مالية واقتصادية، وهذا أمر مهم بشكل خاص لصناديق التنمية أو صناديق الاستثمار الاستراتيجي؛ لذلك من الأهمية بمكان بناء القدرات المالية لـصندوق الثروة السيادية، كي يتمكن من العمل باعتباره مستثمراً محترفاً وخبيرًا، قادراً على تقييم الاستثمار المحتمل بشكل مستقل.

4– تحديات الحوكمة في بعض البيئات: في بعض المجتمعات، تكون إمكانات صناديق الثروة السيادية غير مستغلة إلى حد كبير؛ إذ تعمل تحديات الحوكمة واللوائح والإجراءات الروتينية في الأسواق الناشئة والأفريقية على السواء، عائقاً رئيسياً يمنع تدفق رأس مال صندوق الثروة السيادي إلى قطاعات التنمية المستدامة الطويلة الأجل، التي من المفترض أن يكون لها القدرة على إحداث تحول هيكلي في اقتصادات تلك الدول، ومن ثم خلق فجوات تمويلية بين ما تحتاجه الدول في الاستثمارات الطويلة الأمد، وبين التدفقات الوافدة إلى الصندوق السيادي؛ ما يفرض على تلك الدول ضرورة السعي نحو استكمال تمويل الصندوق، بما يمكنه من الإنفاق على المشاريع الحيوية الهامة.

5– انخفاض السيولة النقدية العالمية في أوقات الأزمات الجيوسياسية: أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تقليص السيولة النقدية العالمية، خاصةً بالنسبة إلى البلدان النامية؛ حيث عادة ما يتدفق المستثمرون على الأصول التي يُنظر إليها على أنها أقل خطورةً. كذلك نتيجةً للتداعيات الاقتصادية السلبية للحرب، ارتفعت أسعار الفائدة وعائدات السندات؛ ما دفع نحو انخفاض استثمارات الصناديق السيادية في البلدان النامية.

على صعيد آخر، أدت العقوبات الغربية ضد روسيا رداً على تدخلها في أوكرانيا، إلى تراجع أسعار الأصول في روسيا، بعد أن بلغت المرتبة السادسة من بين الدول ذات العدد الأكبر من صفقات الثروة السيادية خلال الفترة من أكتوبر 2020 إلى ديسمبر 2021. كذلك تعرض أكبر صندوق سيادي في العالم – وهو صندوق الثروة السيادي النرويجي كذلك – لخسائر فصلية قدرها 74 مليار دولار خلال الربع الأول من عام 2022؛ ما ساهم في انخفاض أصوله بنسبة 9.4%.

خلاصة القول أن الصناديق السيادية باتت تكتسب أهمية مركزية في اقتصاديات العديد من الدول؛ وذلك بالرغم من بعض التحديات التي تواجه عملها، وهو الأمر الذي ارتبط بطبيعة الأزمات التي عايشتها الكثير من الدول خلال السنوات الماضية، ولعل النموذج الأبرز على ذلك حالة جائحة كورونا؛ حيث سمحت صناديق الثروة السيادية للعديد من الحكومات بتحقيق بعض التعافي عبر الاستثمار الواسع في قطاعات حيوية، مستفيدةً من صناديق الثروة السيادية في بلدانها.