ياسمين أيمن

يستخدم الديمقراطيون، مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر لها في الخامس من نوفمبر 2024، ورغبتهم في فوز الرئيس بايدن بولاية جديدة، استراتيجيات انتخابية مختلفة، منها استقطاب الناخبين الجمهوريين الذين لا يدعمون ترشح الرئيس السابق دونالد ترامب لولاية رئاسية جديدة. وبينما قد تنجح هذه الاستراتيجيات في اجتذاب بعض الناخبين، فإن هناك تحديات كثيرة تؤثر على فرص الرئيس بايدن في الفوز، وقد تدفع الناخبين للتصويت في النهاية لصالح منافسه ترامب على أمل حل هذه التحديات.استراتيجيات انتخابية تتنوع الاستراتيجيات والقضايا التي تعتمد عليها إدارة جو بايدن وحملته الانتخابية في سبيل اجتذاب الجمهوريين الرافضين لترامب، وهو ما يمكن توضيحه في التالي:1– رسائل لاجتذاب مؤيدي نيكي هيلي: تنشر حملة الرئيس "جو بايدن" إعلانات لاستقطاب الناخبين الجمهوريين الذين لا يدعمون الرئيس السابق ترامب، ومن بينها إعلانات بدأت في أواخر مارس الماضي تستهدف استقطاب الناخبين الجمهوريين الذين كانوا يدعمون حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة والمرشحة الجمهورية المنسحبة من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري نيكي هيلي؛ حيث ركز الإعلان على تعليقات ترامب التي أدلى بها سابقاً، والتي أوضح خلالها أن الناخبين الذين يدعمون هيلي لن ينضموا إلى جناحه في حركة ماجا MAGA، والأخرى التي شدد خلالها على أنه ليس بحاجة لكسب أصوت هؤلاء الناخبين، وأنه يستطيع الفوز بدون أصواتهم، منتقداً دعمهم لهيلي. ويشير إعلان حملة بايدن إلى أهمية انضمام هؤلاء الناخبين إلى الديمقراطيين لحماية الولايات المتحدة الأمريكية من ترامب.2– تعاون مع مسؤولين جمهوريين سابقين: يشير خبراء الحملات الانتخابية للرئيس بايدن إلى ضرورة استغلال حملته الانتخابية فرصة وجود فصيل من الجمهوريين المعارضين للرئيس السابق، خاصةً من عملوا تحت إدارته حينما كان في البيت الأبيض، ومن بينهم وزير الدفاع الأسبق الذي أقاله ترامب "مارك إسبر" الذي أوضح في أحد اللقاءات التليفزيونية أن الوقت قد يدفعه إلى تأييد الرئيس الحالي جو بايدن، وأنه لن يقدم صوته للرئيس السابق.ويرى الخبراء أن إغفال التعاون مع المسؤولين السابقين لترامب سيكون "خطأً سياسياً" من جانب إدارة بايدن، خاصةً أن هؤلاء الموظفين لديهم قدرة كبيرة على تشكيك الناخبين في قدرات ترامب، ومن ثم ثنيهم عن التصويت لصالحه.3– استحضار مشاهد الهجوم على مبنى الكابيتول: تسلط حملة بايدن الضوء على مشاهد هجوم أنصار الرئيس السابق في يوم 6 يناير 2021 على مبنى الكونجرس بينما كان يصدق على نتائج الانتخابات الرئاسية 2020، التي أقرت فوز بايدن؛ حيث توضح الحملة أن انتخاب ترامب من جديد يعني تقويضاً للديمقراطية الأمريكية ولمؤسسات الحكم الراسخة منذ قرون في الولايات المتحدة، مستغلةً تعليقات ترامب المختلفة بشأن الانتقام من خصومه، ومن أنه سيكون "ديكتاتوراً خلال يومه الأول في المنصب"، وهو أمر يتخوف منه الجمهوريون المعتدلون الذين يرفضون تفشي العنف السياسي والاستبداد في الولايات المتحدة.4– التحذير من تقويض مزايا التأمين الطبي حال فوز ترامب: تركز حملة بايدن والإدارة الأمريكية على المزايا التي نجحت في تحقيقها للمواطنين الأمريكيين خلال فترة حكم الرئيس بايدن من حيث زيادة أعداد المواطنين المسجلين في برامج الرعاية الميسرة، مُقارِنةً ذلك بتوجهات الرئيس ترامب وتصريحاته بشأن إلغاء هذه البرامج، وتطبيق قيود تصب في صالح شركات الأدوية وأصحاب الأموال، ولا تحمي مواطني الطبقة الوسطى.وبالرغم من أن الجمهوريين داخل الكونجرس الأمريكي يدعمون فكر ترامب، فإن الناخبين من العوام المستفيدين من هذه البرامج يفضلون الحفاظ على مكتسباتهم، خاصةً أن الرعاية الطبية تكلف المواطنين آلاف الدولارات سنوياً؛ لذا فإن إحدى استراتيجيات الحملة هو التركيز على قضية الرعاية الصحية المنخفضة التكلفة.5– استغلال قضية حقوق الإجهاض: يستغل الديمقراطيون حكم المحكمة العليا التي قام ترامب بتعيين أغلب قضاتها، بإلغاء حكم قضية رو ضد وايد، الذي أسهم في إلغاء حق المرأة في الإجهاض؛ ما دفع عدداً كبيراً من الولايات الأمريكية التي يقودها الجمهوريون إلى فرض قيود وعقوبات على من يجري عمليات الإجهاض؛ حيث تعتبر هذه القضية محوراً هاماً يجتذب الناخبين الشباب الجمهوريين ممن تراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، خاصةً أولئك الداعمين للحريات الجنسية، والأقل تديناً، والداعمين لحقوق النساء في التصرف بأجسادهن.6– الاهتمام بقضية التغير المناخي: بالرغم من وجود فصيل واسع من الجمهوريين الذين لا يؤمنون بقضية التغير المناخي، ويرون أن الأمر مجرد كذبة، فإن نسبةً من الجمهوريين الشباب يرون أن قضية التغير المناخي حقيقة وخطر حقيقي يهدد العالم، وأنه يجب على الحزب الجمهوري وسياسييه إيلاء هذه القضية اهتماماً أكبر؛ فقد أظهر استطلاع رأي أجرته شبكة إن بي آر، بالتعاون مع شبكة بي بي إس نيوز ومعهد ماريست للرأي العام NPR/PBS NewsHour/Marist على 1285 من الناخبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً خلال الفترة من 24 حتى 27 يوليو 2023؛ أن 60% من هؤلاء الشباب – جمهوريين وديمقراطيين ومستقلين – ينظرون إلى هذه القضية باعتبارها أولوية بالنسبة إليهم، وأشار 72% إلى أن "التغير المناخي يؤثر على مجتمعاتهم المحلية".وتُركِّز حملة بايدن والإدارة الأمريكية على هذه القضية من خلال استعراض جهود الإدارة في مكافحة تغير المناخ، على غرار التوقيع على قانون البنية التحتية من الحزبين، الذي يتضمن في بعض بنوده أجزاءً تدعم مكافحة التغيرات المناخية، وتُعزِّز تدشين مشروعات الطاقة المتجددة، وهو ما قد يُمكِّنها من اجتذاب هذه الفئة من الناخبين الشباب.تحديات صعبةبالرغم من الاستراتيجيات والآليات السالفة الذكر لاجتذاب الناخبين الجمهوريين الرافضين للرئيس ترامب، فإن هناك جملة من التحديات قد تسهم في تقليل فرص نجاح تلك الاستراتيجيات. ويمكن توضيح هذه التحديات في التالي:1– عمر الرئيس بايدن: يعتبر عمر الرئيس بايدن مشكلة تؤرق أذهان ملايين الناخبين الأمريكيين؛ إذ يبلغ من العمر 81 عاماً، وقد وقعت له حوادث متعددة؛ من بينها تعثُّره على سلالم طائرة الرئاسة أكثر من مرة، وذِكر بعض المعلومات الخاطئة في أكثر من حديث. ويرى الكثير من الناخبين في مختلف استطلاعات الرأي أن عمر الرئيس قد يؤثر على توجهاتهم في التصويت؛ حيث يشككون في قدرته على أداء مهام منصبه التي تتطلب الحركة إذا فاز بولاية جديدة.وفي المقابل، فإن الديمقراطيين يستغلون تقدم عمر الرئيس السابق؛ فهو يصغر بايدن بأربع سنوات فقط، وعلى مدار السنوات الماضية أخطأ خلال خطاباته للناخبين، بما يعني أن هذه المشكلة تتعلق بكلا المرشحين لا ببايدن وحده الذي تركز إدارته على رجاحة عقله، وسلامه قدراته الذهنية، وقدرته على تجاوز مختلف الاختبارات المتعلقة بمرشحي الرئاسة.2– اتهام بايدن بإضعاف صورة واشنطن العالمية: هناك قطاع من الناخبين ينتقدون السياسات الخارجية للرئيس الحالي، متهمين إياه بالتسبب في إضعاف صورة الولايات المتحدة العالمية، وإنجاح خصومها، وعلى رأسهم روسيا والصين وإيران، في اكتساب نفوذ أوسع في مختلف مناطق العالم، خاصةً أن الإدارة لم تنجح في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وحسم النتائج لصالح كييف بالرغم من كمِّ المساعدات اللوجستية والعسكرية التي حصلت عليها، فضلاً عن أنها لم تنجح في تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تهدد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بتوسع الصراع فيها؛ حيث تتعرض القوات الأمريكية لهجمات في العراق والأردن ومضيق باب المندب؛ الأمر الذي أفضى إلى حدوث اضطرابات في اليمن وسوريا والعراق، بجانب أن الصين تهدد مكانة واشنطن العالمية، وتشير بعض التنبؤات إلى أن بكين قد تستخدم قواتها العسكرية للمرة الأولى خلال عام 2024 إذا هُدِّدت مصالحها. وبالنسبة إلى الناخبين المهتمين بملف السياسة الخارجية، فإن هذه القضايا قد تكون دافعاً لعدم التصويت لصالح بايدن.3– إخفاقات التعامل مع قضية الهجرة: لم تنجح إدارة بايدن في حل مشكلة الهجرة القائمة على الحدود الأمريكية الجنوبية المشتركة مع المكسيك. وبينما تبنى ترامب سياسات متشددة تجاه المهاجرين، وتوجه نحو إقامة جدار عازل على الحدود الأمريكية، حاولت الإدارة الراهنة استخدام خطاب أكثر لطفاً بشأن القضية، موضحة أن نهجها يختلف عن ترامب.بيد أن مختلف التقديرات تشير إلى لجوء الإدارة الراهنة إلى سياسات ترامب نفسها، ما عدا التوقف عن بناء الجدار الحدودي، فتنامت أعداد المهاجرين الذين يحاولون عبور الحدود الأمريكية، واستمرت عمليات فصل الأطفال عن ذويهم كما حدث خلال عهد ترامب، وهي قضية من شأنها التأثير على توجهات بعض الناخبين خلال الانتخابات القادمة، بما قد يمنعهم من التصويت لصالح بايدن.4– تزايد اقتناع الجمهوريين بوجود تمييز ضد البيض: بينما تسعى الإدارة الأمريكية الراهنة إلى تحقيق التنوع والشمول والاختلاف في الشخصيات التي يتم اختيارها للعمل في الإدارة الفيدرالية، وتعمل على الدفاع عن حقوق السود واللاتينيين والآسيويين والمسلمين ومختلف الأقليات؛ بدأت طبقة الناخبين من البيض تستشعر الظلم الذي عانى منه السود واللاتينيون لفترات طويلة؛ حيث إنهم يرون أن هناك مزايا أكبر باتت تُمنح لأصحاب البشرة السوداء على حساب البيض؛ فقد أوضح استطلاع رأي أجرته شبكة إن بي آر بالتعاون مع شبكة بي بي إس نيوز ومعهد ماريست للرأي العام NPR/PBS NewsHour/Marist خلال الفترة من 25 حتى 28 مارس 2024 على 1305 مواطنين من الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين، أن ثلاثة أرباع الجمهوريين يرون أن هناك تمييزاً واضحاً ضد البيض، وهو أمر يدفع هذه الفئة من الناخبين إلى الاستمرار في دعم الرئيس السابق ترامب.معركة شرسةإجمالاً، يمكن وصف السباق الانتخابي الراهن بأنه معركة شرسة بين المرشحين الرئاسيين دونالد ترامب وجو بايدن، لم تتضح ملامح الشخصية المنتصرة فيه حتى الآن في ظل وجود عيوب كبيرة وانتقادات تطال الشخصيتين، وعدم تمتع أحدهما بمزايا كبيرة يمكنه إبرازها عن الشخصية الأخرى، خاصة أن كلَيْهما من شاغلي المنصب وليسا من الوجوه الجديدة التي يمكن للناخبين توسم الخير فيها؛ لذلك فإن نجاح الإدارة الراهنة في اجتذاب بعض الجمهوريين المعارضين لترامب قد يكون ممكناً، ولكن هناك مشكلات كثيرة عالقة لا زال على الإدارة الحالية محاولة حلها.

ما جهود حملة بايدن لجذب الجمهوريين المعتدلين للتصويت له؟