أحمد عبدالقادر يحيى


        
<p>للأسبوع السابع على التوالي، واستمراراً لمسلسل أزمة "الإصلاحات القضائية" في إسرائيل، تظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين يوم 18 فبراير الجاري. وبحسب صحيفة "جيروزاليم بوست"، خرج ما يقرب من 250 ألف إسرائيلي في تلك الاحتجاجات؛ منهم 135 ألفاً نزلوا إلى الشوارع في تل أبيب وحدها. وقد جاءت تلك التظاهرات بعد أيام قليلة من تظاهرات حاشدة يوم 13 فبراير خارج الكنيست في القدس والعديد من المدن الإسرائيلية، بالتزامن مع بدء الحكومة الجولات الأولى من التصويت على أجزاء من التشريعات المقترحة في جلسة عاصفة بالكنيست، شهدت طرد ما لا يقل عن 14 نائباً من المعارضة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>يأتي هذا في وقت تصاعدت فيه تحذيرات النخب الإسرائيلية من مغبَّة استمرار الأزمة الحالية على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، مع تراجُع الشيكل الإسرائيلي، وتزايُد لافت في عمليات نقل الأرصدة إلى بنوك في الخارج، وسط مخاوف من خفض التصنيف الائتماني للاقتصاد الإسرائيلي، وتراجُع الاستثمارات الأجنبة في البلاد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مؤشرات مُقلقة</span></strong></p>



<p>اتسعت خلال الأسابيع الأخيرة نطاق التظاهرات والإضرابات في إسرائيل، وقد تزامنت التظاهرات الأخيرة مع إضراب عام على مستوى البلاد؛ فعلى الرغم من عدم انضمام الاتحاد العام لنقابات العمال في إسرائيل "الهستدروت" إلى التظاهرات، ومحاولة الحكومة عرقلة خطط الإضراب، فقد سمحت مئات الشركات والبلديات للعاملين بالتغيب عن العمل والمشارَكة في التظاهُرات بشكل طوعي، كما انضمَّت العديد من الجامعات والمدارس والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا وشركات القطاع الخاص للإضراب، ووفرت حافلات لنقل المحتجين الرافضين لـ"الإصلاحات القضائية".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبالتزامن مع تصاعُد الإضرابات في إسرائيل، واصل خبراء الاقتصاد التحذير من تأثير خطة "إصلاح" الجهاز القضائي على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وآخرها تحذيرات محافظ بنك إسرائيل أمير يرون، في جلسة المالية في الكنيست؛ حيث حذر من "مخاطر المساس بالمؤسسات المستقلة" – في إشارة إلى المحكمة العليا – على الاستقرار الاقتصادي والتصنيف الائتماني للبلاد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>جدير بالذكر أن انتقادات أصحاب الشركات ورجال الاقتصاد والصناعة قد تصاعدت خلال الآونة الأخيرة، وعلى رأسهم اثنان ممن شغلوا منصب محافظ بنك إسرائيل في السابق، وهما البروفيسور يعقوب فرانكل، والبروفيسورة كرنيت بلوج؛ حيث حذَّرا – في مقال مطول نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت – من تأثيرات هدامة للإصلاحات القضائية على الاقتصاد الإسرائيلي، كما قدم عضو اللجنة النقدية في بنك إسرائيل موشيه حازان، استقالته من عضوية اللجنة؛ وذلك رفضاً للمشروع المقترح.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>من جهة أخرى، وقَّع أكثر من 270 عضو هيئة تدريس في مجالات الاقتصاد والإدارة في الجامعات الإسرائيلية وفي الخارج، ومستشارون سابقون للحكومة على وثيقة توضح الضرر المتوقع للاقتصاد الإسرائيلي نتيجة تنفيذ الإصلاحات المقترحة على النظام القضائي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تداعيات محتملة</span></strong></p>



<p>من المتوقع أن يكون للأزمة السياسية الداخلية والتظاهرات المستمرة في إسرائيل، انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما يُمكن تناوله على النحو التالي:<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– خروج الشركات والمستثمرين الأجانب من إسرائيل: </strong>قد تدفع الأزمة المستمرة في إسرائيل إلى خروج وهروب المزيد من الشركات الأجنبية خارج البلاد، لا سيما مع المخاوف المتصاعدة من تراجُع استقلالية المؤسسات القضائية والقانونية؛ الأمر الذي قد يجعل بيئة الأعمال في إسرائيل طاردة للمستثمرين والعملاء الأجانب، خاصةً أن جميع المؤشرات تؤكد – إلى الآن على الأقل – أن سياسات حكومة نتنياهو باتت مصدراً للاضطراب المؤسسي وعدم الاستقرار في الشارع الإسرائيلي، فضلاً عن تأجيج التوتر مع الفلسطينيين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>جدير بالذكر أن بعض التقارير أشارت إلى نقل أكثر من 50 مؤسسة وشركة عالمية، أعمالها خارج إسرائيل خلال الفترة الأخيرة، أبرزها شركات ويز"WIZ"، ويونيكورن"Unicorn"، وسكاي "SKAI"، وكذلك شركة "بابايا جلوبال "Papaya Globa، كما حذر رؤساء البنوك الإسرائيلية، يوم 14 فبراير، وزير المالية بتسلئيل سموتريش بأن الأموال تغادر البنوك الإسرائيلية بمعدل أسرع 10 مرات من المعتاد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي مسعى للحد من هروب الاستثمارات الأجنبية خارج البلاد، عقدت الحكومة الإسرائيلية يوم 16 فبراير، مؤتمراً للسفراء الأجانب المعتمدين في تل أبيب لشرح خطة "الإصلاحات القضائية"، وإقناعهم بأن البيئة الاستثمارية في البلاد لن تتأثر بتلك الإصلاحات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تدهور البورصة بشكل حاد:</strong><strong> </strong>شهدت بورصة تل أبيب هبوطاً حاداً يوم 12 فبراير الجاري، على وقع الأزمة السياسية المستمرة بسبب مشروع تقييد صلاحيات المحكمة العليا، وانخفض مؤشر تل أبيب 35 الذي يضم أكبر 35 شركة إسرائيلية، بنسبة 1.92%، ومؤشر تل أبيب 125 بنسبة 2.27%، كما تراجعت أسهم مؤشر تل أبيب 90 بنسبة 3.31%، وكذلك انخفض مؤشر أسهم العقارات بشكل حاد بلغت نسبته 3.43%.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تراجع قيمة الشيكل الإسرائيلي:</strong> استمر تراجُع الشيكل أمام الدولار؛ حيث تجاوز سعر صرف الدولار 3.56 شيكل يوم 16 فبراير الجاري. وبحسب بيانات "بنك إسرائيل" بلغ سعر صرف الشيكل في التعاملات المبكرة يوم الأربعاء 22 فبراير الجاري 3.69 لكل دولار واحد، وهو السعر الذي يعتبر الأدنى للعملة الإسرائيلية منذ مارس 2020 مع بدايات أزمة جائحة كورونا. كما توقعت مجموعة "سيتي جروب"، يوم 21 فبراير الجاري، تراجع سعر صرف الشيكل إلى مستوى 3.95 أمام الدولار، إذا استمر التصويت على خطة إصلاح القضاء. وعليه، قد يؤدي استمرار الأزمة إلى زيادة حالة عدم اليقين الاقتصاد والسياسي في البلاد، ومن ثم المزيد من التراجُع في سعر صرف الشيكل، وعدم الاستقرار في بورصة تل أبيب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تضرُّر قطاع "الهايتك" الإسرائيلي بشكل واسع:</strong><strong> </strong>من المتوقع أن تؤدي الأزمة الحالية – حال استمرارها – إلى الإضرار بشكل أو بآخر بقطاع الصناعات التكنولوجية المتقدمة في إسرائيل أو ما يُعرَف بـ"الهايتك"، الذي يُعتبَر عصب الاقتصاد الإسرائيلي، لا سيما مع هروب الاستثمارات الأجنبية للخارج، وهي التي تُشكِّل الجانب الأكبر من الأموال المستثمَرة في هذا القطاع.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>جدير بالذكر أن المئات من العاملين في قطاع التكنولوجيا قد نفذوا إضراباً تحذيرياً في تل أبيب يوم 24 يناير الماضي، رافعين شعار "بدون ديمقراطية، لا توجد تكنولوجيا عالية"، كما شاركت المئات من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا بشكل واسع في إضراب يوم 13 أبريل، وقامت بعض صناديق الاستثمار في "الهايتك" بسحب الأموال من البنوك الإسرائيلية ونقل أعمالها للخارج؛ الأمر الذي يؤكد تضرُّر هذا القطاع إذا استمرت الأزمة الحالية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تأثيرات سلبية محتملة على التبرعات المالية لإسرائيل:</strong><strong> </strong>بالتزامن مع تصاعُد الاحتقان السياسي داخل إسرائيل، برزت في الآونة الأخيرة تظاهرات للشتات اليهودي في عدد من المدن الأوروبية والأمريكية للتنديد بخطة "الإصلاح القضائي"، ومن المتوقع أن تتزايد تلك التظاهرات في الفترة القادمة حال إصرار الحكومة الإسرائيلية على المضي قدماً في خططها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولا تقتصر تداعيات النشاط الواضح للشتات اليهودي على تقديم الدعم المعنوي والإعلامي للتظاهرات في الداخل الإسرائيلي، بل تُساهم كذلك في تكريس الصورة الذهنية السلبية للحكومة الحالية التي يُهيمن عليها اليمين المتطرف؛ الأمر الذي يُعزز المخاوف لدى الشركات الأجنبية من الوجود والاستثمار في إسرائيل، فضلاً عن تأثيرات سلبية محتملة على التبرعات المالية لإسرائيل، خاصةً في الولايات المتحدة، وخفض التصنيف الائتماني للاقتصاد الإسرائيلي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تراجُع الثقة</span></strong></p>



<p><strong>ختاماً، على الرغم من تحقيق الاقتصاد الإسرائيلي مستويات نمو كبيرة خلال السنوات الماضية، فإن من المتوقع أن تُلقي الأزمة الداخلية المستمرة بظلالها على الأداء الاقتصادي للبلاد، خاصةً على قطاع "الهايتك"، مع استمرار هروب رؤوس الأموال للخارج، وتراجُع ثقة المستثمرين ببيئة الأعمال الإسرائيلية، لا سيما مع غياب اليقين السياسي وتزايُد حدة الاستقطاب الداخلي بين الأحزاب والنخب السياسية والاقتصادية في البلاد، وشعور مجتمع الأعمال بتهديدات جدية ومستقبل غامض يضرب البلاد من جراء خطط الحكومة اليمينية بشأن المنظومة القضائية في البلاد.</strong></p>

      

ما تأثير أزمة "الإصلاح القضائي" على الاقتصاد الإسرائيلي؟