سنية عبدالقادر نايل


        
<p><a><strong>لم يكن الاقتصاد الافغاني استثناءً عن حالة الاضطراب والضعف التي تتسم بها الدولة في أفغانستان، فعلى مدار عقود ممتدة هيمنت أزمات هيكلية على بنية الاقتصاد تشمل تباطؤ معدلات النمو وارتباك مسارات الإنفاق العام وضعف القطاع الخاص وعجز الميزان التجاري. وربما كان الاقتصاد ضمن عوامل تصدع وانهيار حكومة أشرف غني بسبب تزايد المظلوميات المجتمعية والافتقاد للعدالة وتفشي الفساد.</strong></a></p>



<p><strong>وفي المقابل، يتوقع أن ينتقل الاقتصاد في ظل حكم طالبان من "اقتصاد دولة" إلى "اقتصاد ميليشيا" بكل ما يعنيه ذلك من تزايد الاعتماد على موارد غير شرعية للدخل مثل زراعة وتجارة المخدرات وتوسع اقتصادات الحدود التي تعتمد على التهريب عبر دول الجوار، وتراجع الاستثمارات الأجنبية والمساعدات في مقابل توسع الاعتماد على القوى الدولية المناوئة للولايات المتحدة وفي صدارتها روسيا والصين.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أزمات اقتصادية مُركبة:</span></strong></p>



<p><strong>تكشف مراجعة المؤشرات الرئيسية للاقتصاد الأفغاني عن أداء اقتصادي ضعيف للغاية يرتبط بأزمات اقتصادية مُركبة، تتمثل أبرز ملامحها في الآتي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تباطؤ معدلات النمو رغم الدعم الخارجي: </strong>يعتمد الاقتصاد في أفغانستان، الذي يبلغ حجمه 22 مليار دولار ويحتل المرتبة الـ173 عالمياً، بنسبة أساسية على المساعدات الخارجية. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، يتم تمويل نحو 75% من ميزانية الحكومة عبر المساعدات الدولية.</p>



<p>ومع تدفق المساعدات منذ عام 2002، حافظت أفغانستان على نمو اقتصادي سريع، وتحسنت المؤشرات الاجتماعية لأكثر من عقد من الزمان؛ فقد بلغ متوسط ​​النمو السنوي 9.4% بين عامي 2003 و2012، مدفوعاً بقطاع الخدمات المزدهر، والنمو الزراعي القوي. وعلى إثر ذلك، استفادت مستويات المعيشة من التوسع الاقتصادي حتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن ظل الإنتاج راكداً خلال العقد الماضي مع تراجع الدعم المالي الدولي الذي شهد انخفاضاً من نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009 إلى 42.9% في عام 2020 وفقاً للبنك الدولي.</p>



<p>ومنذ ذلك الحين، أدت مجموعة من العوامل إلى تباطؤ التقدم في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، مع نمو الاقتصاد بنسبة 2.5% فقط سنوياً بين عامي 2015 و2020. كما أن تراجع المساعدات أثر سلباً على الاقتصاد ووظائف الخدمات، ومستويات المعيشة للأفراد وخفَّض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>&nbsp; </strong><strong>2– اختلال مسارات الإنفاق العام في البلاد:</strong> يتسم الإنفاق العام في أفغانستان بأنه إنفاق مشوه؛ حيث تحتل النفقات الأمنية (الأمن القومي والشرطة) فيه نحو 28% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم أن أفغانستان تعتبر من أفقر دول العالم؛ وذلك حسب آخر المؤشرات المعلنة في عام 2019، في حين أن متوسط هذا الإنفاق يبلغ 3% من الناتج المحلي الإجمالي في ​​الدول المنخفضة الدخل. <strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– دور هامشي للقطاع الخاص في الاقتصاد: </strong>أصبح تطوير القطاع الخاص وتنويعه في السنوات الأخيرة مقيداً بسبب انعدام الأمن، وعدم الاستقرار السياسي، والمؤسسات الضعيفة، والبنية التحتية غير الملائمة، وتراجع الائتمان الممنوح للقطاع الخاص. وفي ضوء هذا الواقع السلبي، تشير التقديرات إلى أن القطاع الخاص في أفغانستان يساهم بـ3% فقط من إجمالي الناتج المحلي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– معاناة الاقتصاد من عجز تجاري هيكلي:</strong> يعاني الاقتصاد الأفغاني، على مدار سنوات، من عجز تجاري هيكلي يعادل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي. فعلى سبيل ذلك التدهور في العجز، لم تصدِّر أفغانستان سوى نحو مليار دولار من البضائع في عام 2020، وجاءت نصف صادراتها من العنب والفاكهة الطازجة الأخرى، على الرغم من انخفاض أهمية الزراعة مع توسع قطاع الخدمات. ويتم تمويل هذا العجز بالكامل تقريباً من تدفقات المنح الوافدة. كما أن الاقتصاد غير الرسمي يمثل جزءاً كبيراً من الإنتاج والصادرات والعمالة؛ حيث يشكل الاقتصاد غير الرسمي ما يصل إلى 80% من إجمالي النشاط الاقتصادي الأفغاني؛ ما يعني أن تقديرات النمو الرسمية ذات فائدة محدودة فقط.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ارتدادات سلبية متوقعة</span></strong></p>



<p><strong>يتوقع أن تُعمق سيطرة طالبان على أفغانستان، أزمات الاقتصاد الأفغاني، ويمكن تناول تأثير صعود حركة طالبان على الاقتصاد الأفغاني؛ وذلك على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– غياب ثقة المستثمرين والمانحين بطالبان:</strong> تبدو الآفاق الاقتصادية لأفغانستان قاتمة للغاية بعد سيطرة طالبان على البلاد؛ حيث أصبح المستثمرون والمانحون لا يثقون بطالبان على أي حال. وعلى سبيل المثال، جمدت إدارة بايدن 9.5 مليار دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني، وأوقفت شحنات النقد إلى البلاد، كما أوقفت الحكومات الأوروبية مساعداتها التنموية لأفغانستان رغم أن الاتحاد الأوروبي كان قد تعهد بتقديم 1.4 مليار دولار مساعدات طارئة وتنموية لأفغانستان بين عامي 2021 و2025.</p>



<p>وأعلن صندوق النقد الدولي تعليق مساعداته لكابول بسبب عدم اليقين تجاه وضع القادة الجدد في كابول، مشيراً إلى أنه لا يمكن لأفغانستان أن تستفيد، خلال هذا الوضع، من حقوق السحب الخاصة أو غيرها من موارد الصندوق. وتشير مختلف التوقعات كذلك إلى أن المستثمرين سيتراجعون عن قراراتهم الاستثمارية في أفغانستان. كما لم تستبعد وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني السيادي فقدان الاقتصاد الأفغاني 10% إلى 20% من قدراته بعد سيطرة طالبان على البلاد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– توسع محتمل في زراعة النباتات المخدرة: </strong>تستمد طالبان دخلها الرئيسي من الأنشطة غير المشروعة، مثل زراعة الخشخاش الذي يُستخلَص منه الأفيون والهيروين. ووفقاً لتقرير صادر عن لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مايو 2020؛ تُقدر الإيرادات الحالية لطالبان بما بين 300 مليون دولار وأكثر من 1.5 مليار دولار سنوياً.</p>



<p>وفي ضوء غياب ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأفغاني وكذلك توقف المساعدات الدولية التي تُقدم لأفغانستان، هناك توقع بحدوث زيادة في مستويات زراعة الحشيش بالمناطق الشمالية من البلاد؛ حيث تعتبرها طالبان مصدراً مضموناً للأموال لتغطية حاجاتها الذاتية، والرواتب والمتطلبات المعيشة لقرابة 100 ألف عضو فاعل في الحركة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– استخراج وتصدير المعادن النادرة في البلاد: </strong>هناك خيار آخر من المرجح أن تلجأ إليه حركة طالبان في إطار جهودها لإدارة الاقتصاد الأفغاني في المرحلة المقبلة؛ هو السعي إلى استخراج المعادن النادرة في أفغانستان، مثل الليثيوم، ثم تصديرها إلى الخارج. وعلى الرغم من ذلك، يواجه هذا الخيار تحديات كثيرة، يأتي على رأسها أن الاستثمارات في هذا المجال تتطلب أموالاً طائلة لا تملكها الحركة حالياً، كما أن مسألة التصدير إلى الخارج تتطلب اعترافاً دولياً بشرعية الحركة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– محاولة جذب استثمارات صينية وروسية:</strong> أشارت تقارير وتحليلات مختلفة إلى أن طالبان قد تسعى إلى جذب الاستثمارات الصينية والروسية، واستغلال رغبة الجانبين في استثمار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لصالحهما للدفع نحو هذا الاتجاه، وكذلك إغراء الشركات الصينية والروسية بالثروة المعدنية النادرة التي تمتلكها أفغانستان، <a>مثل اللانثانم والسيريوم والنيوديميوم وعروق الألومنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق والليثيوم.</a></p>



<p>&nbsp;وعلى الرغم من ذلك، ثمة تحديات تعترض مسعى طالبان في هذا الصدد، يأتي على رأسها المخاوف الأمنية الكبيرة لدى بكين وموسكو بشأن أفغانستان. ويُضاف إلى ذلك أن الصين ظلت لسنوات تتحدث عن رغبتها في القيام باستثمارات كبيرة في أفغانستان، إلا أنها لم تستثمر سوى القليل. وعلى سبيل المثال، فإن الاستثمارات الصينية في النحاس في أفغانستان –التي تبلغ قيمتها 2.8 مليار دولار، وتمولها شركة ميتالورجيكال الصينية– متعثرة منذ فترة طويلة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وفي المجمل، يتعرض الاقتصاد الأفغاني لهزة كبيرة بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد؛ وذلك في ضوء فقدانه أهم مورد له، وهي المساعدات الدولية. ويُضاف إلى ذلك تراجع رغبة المستثمرين المحليين والدوليين في القيام باستثمارات في البلاد، في ضوء الانفلات الأمني وضبابية المشهد بشأن الخطوات التي ستتخذها طالبان في الفترة المقبلة. ولا شك أن حركة طالبان مرتبكة في الوقت الحالي بشأن الكيفية التي ستدير بها الاقتصاد الأفغاني.</strong></p>

      

الاتجاهات الاقتصادية المتوقعة في أفغانستان تحت حكم طالبان