تسعى دولة الإمارات إلى تعزيز الاستثمار في تكنولوجيا المستقبل والطاقة المتجددة؛ وذلك عبر تطوير مبادرات ومشاريع استراتيجية ترمي إلى خفض الانبعاثات الكربونية وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، بما يصب في النهاية في صالح تحقيق التنمية المستدامة.

ويتنامى ذلك التوجه بالتزامن مع استضافة الإمارات المؤتمر الثامن والعشرين للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (كوب28)؛ حيث تستهدف الدولة في الوقت الراهن التوسع في استخدام قدراتها وخبراتها في مجال الاستدامة والابتكار التكنولوجي، لقيادة التوجه العالمي الرامي إلى مواجهة التغير المناخي من خلال التكنولوجيا.

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل تحرص الدولة على تنظيم واستضافة مؤتمرات وفعاليات دولية تسلط الضوء على التحول نحو الطاقة النظيفة وقضايا الاستدامة البيئية، بهدف نشر الوعي وتسريع وتيرة التحول نحو الاستدامة. وهي جميعها تحركات تهدف في مجملها إلى تحقيق رؤية الإمارات 2021، الهادفة إلى أن تصبح الإمارات نموذجاً عالمياً ورائداً في الاستدامة في إطار مبادرة الاقتصاد الأخضر تحت شعار "الاقتصاد الأخضر من أجل التنمية المستدامة".

خطوات ممنهجة

تهدف دولة الإمارات إلى تعزيز دور التكنولوجيا في مكافحة التغير المناخي؛ وذلك عبر اتخاذ تدابير رئيسية يمكن استعراضها فيما يأتي:

1– تبني تقنيات لزيادة الإنتاج الزراعي في الظروف المناخية الصعبة: تهدف الإمارات إلى استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة استهلاك المياه والطاقة في القطاع الزراعي. وفي إطار ذلك، عمدت الدولة إلى تطوير وتبني تقنيات الزراعة العمودية، وهي تقنية تسمح بزراعة المحاصيل في طبقات مكدسة رأسياً داخل مساحات محدودة، بما يساهم في زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية في البيئات المناخية القاسية.

وهو ما يعتبر مكوناً واعداً لمعالجة تحديات الأمن الغذائي؛ نظراً إلى الميزة الحيوية التي يحملها إنشاء مزارع عمودية بالقرب من الأسواق والمستهلكين داخل المدن بمساحات متنوعة ومرنة؛ إذ يسمح ذلك بخفض تكاليف النقل والشحن الخارجي والداخلي، بما يسهم في تخفيف مخاطر اضطرابات سلاسل الإمداد عالمياً.

2– ضخ استثمارات كبيرة في تقنيات خفض الانبعاثات: تسعى دولة الإمارات إلى تعزيز قدرتها التنافسية العالمية من خلال زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة والبديلة في مزيج الطاقة في الدولة؛ وذلك عبر اتخاذ تدابير واسعة، منها ما أسسه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (رحمه الله) في شهر مارس 2013، كأول مشروع لإنتاج الطاقة المتجددة في الدولة، وهو الذي يصنف أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية في العالم؛ حيث تضم 768 حوضاً حرارياً ويبلغ إنتاجها 100 ميجاوات بمساحة 2.5 كيلومتر مربع، تحت اسم محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية.

هذا وقد أعلنت الدولة عن نيتها استثمار 163 مليار دولار في الطاقة النظيفة والمتجددة والتقنيات الرئيسية، فيما تخصص شركة "أدنوك" 15 مليار دولار للاستثمار في حلول منخفضة الكربون ومصادر الطاقة البديلة وتقنيات خفض الانبعاثات، فصلاً عن مساعي الإمارات لتعزيز التعاون مع الدول الصديقة والمنظمات الدولية ذات الصلة لدفع العمل المناخي العالمي وبناء منظومة متكاملة للتعاون في مجال تغير المناخ.

3– إطلاق عدد من المبادرات والاستراتيجيات لتعزيز استخدام التكنولوجيا: عمدت دولة الإمارات إلى تعزيز استخدام التكنولوجيا لمواجهة تغير المناخ من خلال تبني عدد من المبادرات والاستراتيجيات الداعمة لذلك التوجه، ومنها المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، التي تم الإعلان عنها في عام 2021، بهدف تحقيق الدولة الحياد المناخي كأول دولة في منطقة الشرق الأوسط، وإظهار التزام الدولة بالابتكار في مجال العمل المناخي.

أضف إلى ذلك،تنظيم الإمارات "ملتقى تكنولوجيا المناخ" في العاشر والحادي عشر من مايو الماضي، وهو الملتقى الأول من نوعه، الذي ركز على استكشاف الابتكارات الحديثة والفرص الاستثمارية الداعمة لجهود العالم لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050. وقد جاءت تلك المبادرة ضمن استعداد دولة الإمارات لاستضافة "كوب 28".

4– إنشاء صناعات قوية لإعادة التدوير وإدارة النفايات: تقوم دولة الإمارات بتطوير مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة. ففي يناير 2021، أعلنت شركة مياه وكهرباء الإمارات (EWEC) ومركز أبوظبي لإدارة النفايات (تدوير) عن خطط لبناء اثنتين من أكبر محطات توليد الطاقة في المنطقة لتحويل النفايات إلى طاقة، بهدف نقل النفايات إلى مدافن النفايات وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومن المتوقع أن يعالج مصنع EWEC الجديد في أبوظبي ما يصل إلى 900 ألف طن متري من النفايات سنوياً، وهو ما يكفي لتوليد الطاقة لما يقرب من 22500 منزل.

وفي مايو 2022، تم افتتاح أول محطة لتحويل النفايات إلى طاقة في إمارة الشارقة، ومن المفترض أن تقوم المحطة بتحويل 300 ألف طن متري من النفايات من مكبات النفايات سنوياً، مما يؤدي إلى انخفاض ما يقرب من 450 ألف طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مع إنتاج ما يكفي من الكهرباء لتشغيل 28 ألف منزل.

5– التطوير المتواصل لتقنيات معالجة المياه والصرف الصحي: تتجه دولة الإمارات إلى إطلاق عدد من المبادرات بغرض تحسين كفاءة المياه عبر خفض الاستهلاك وإعادة الاستخدام؛ وفي إطار ذلك، تستخدم الإمارات التحلية الحرارية كعملية رئيسية لجعل مياه البحر صالحة للشرب، فضلاً عن تقنية التناضح العكسي التي تستخدمها بعض المحطات.

وفي الوقت الراهن،تعمل دائرة الطاقة في أبوظبي على تحسين كفاءة محطات تحلية المياه لتعزيز أجندة الأمن المائي في الدولة، وبالمثل، تخطط شركة مياه وكهرباء الإمارات للاستثمار في مشاريع تحلية المياه المبتكرة والموفرة للطاقة لزيادة الإنتاج مع انخفاض انبعاثات الكربون. وفي هذا الصدد، لا تزال الحكومة تطور تقنيات جديدة لإعادة تدوير مياه الصرف الصحي وتحسين معالجتها، بما يلبي المتطلبات الزراعية والصناعية في الدولة.

6– استخدام التكنولوجيا في تعزيز جودة الهواء: تعمل وزارة التجارة والبيئة والعديد من السلطات البيئية على تطوير وتنفيذ سياسات لتنظيم الانبعاثات الصناعية، عبر تشغيل برنامج مراقبة المنصة الوطنية لجودة الهواء والتطبيق الذكي لمؤشر جودة الهواء في الإمارات العربية المتحدة؛ وذلك لتزويد الجهود الإماراتية ببيانات عن جودة الهواء في الوقت الفعلي، يتم جمعها من خلال محطات المراقبة في جميع أنحاء الدولة.

7– دعم المشاريع البيئية المرتبطة بالتكنولوجيا: تهتم دولة الإمارات بتطبيق المعايير الخضراء في تشييد المباني وإدارتها، واعتماد المنتجات والتقنيات الخضراء، فضلاً عن إطلاق الحكومة الإماراتية والحكومات المحلية في دبي وأبوظبي منصات مختلفة لإشراك الشركات في تبادل المعرفة والوصول إلى أفضل الممارسات، فيما تعمد شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، المملوكة لمبادلة وأدنوك وشركة طاقة، بتطوير وتمويل مشاريع الطاقة المتجددة في الإمارات وخارجها.

فضلاً عن عدد من مبادرات وشراكات وزارة الداخلية في ذلك المجال، من إطلاق برنامج التحول التكنولوجي ومؤشر تحول التكنولوجيا الصناعية والتمويل الأخضر بالشراكة مع بنك الإمارات للتنمية، وتحالف الاستدامة الصناعية، الرامي إلى زيادة الوعي باللوائح والمعايير الخضراء.

8– استغلال تكنولوجيا الفضاء لدعم مكافحة التغير المناخي: انطلاقاً من الدور الذي يلعبه قطاع الفضاء بأقماره الصناعية وغيرها من التقنيات المتقدمة، في تمكين اتخاذ القرارات الاستراتيجية في مجالات كالاستدامة والأمن الغذائي والتخطيط الحضري،تلتزموكالة الفضاء الإماراتية بدعم المشاريع البيئية والاستثمار في أحدث الأبحاث والتطوير للمساعدة في تحقيق رؤية الإمارات في أن تصبح مركزاً رائداً للابتكار في تكنولوجيا المناخ.

وعليه، تستخدم وكالة الإمارات للفضاء الشاشات الذكية والمنمنمات لعرض إنجازاتها ومشاريعها ومبادراتها لدعم الاستدامة ومكافحة تغير المناخ. كما تلتزم بقيادة مبادرات وبرامج فريدة من نوعها بالتعاون مع شركاء محليين وعالميين والقطاع الخاص لتعزيز الابتكار وتعزيز القدرات الوطنية في مجال التكنولوجيا البيئية والطاقة المتجددة.

فيما يعمل مركز بيانات الفضاء على تسريع تحقيق نظام إيكولوجي للابتكار الشديد التنافسية لتحقيق أهداف رؤية " نحن الإمارات 2031″، والتأثير بشكل إيجابي على المجتمع والصناعات المختلفة، ليصبح نظام الدعم الرائد والأكثر تقدماً لخطط دولة الإمارات العربية المتحدة على مدى العقد المقبل.

كما تعتزم وكالة الإمارات للفضاء تسخير بيانات الأقمار الصناعية لرسم مسار الدمار الناجم عن الظواهر الجوية الشديدة في جميع أنحاء العالم، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر للحد من التأثير المستقبلي لتغير المناخ، ومن ثم تعاونت مع Planet Labs، وهي شركة رائدة في مجال تصوير الأرض مقرها الولايات المتحدة، لتجميع أطلس الخسائر والأضرار التي تعتمد على التكنولوجيا والتي من شأنها تسليط الضوء على العواقب الوخيمة لتغير المناخ ودعم الجهود المبذولة للتخفيف من آثاره على الدول المعرضة للخطر.

عوامل محركة

يرجع الاهتمام الواسع من قبل دولة الإمارات بتسريع توظيف التكنولوجيا في مكافحة التغير المناخي، إلى عدد من الدوافع، يمكن استعراضها فيما يأتي:

1– المساهمة في تحقيق الحياد الكربوني: تسهم الخطوات الرامية لتوظيف التكنولوجيافيمكافحة التغير المناخي، إلى تحقيق هدف الإمارات المتعلق بتحقيق الحياد الكربوني،بحلول عام 2050؛ وذلك عبر إيجاد حلول مبتكرة وإطلاق مشاريع عملاقة في منظومة الاقتصاد الدائري، تهدف في مجملها إلى تعزيز استدامة القطاعات المختلفة والحد من النفايات وإعادة التدوير وتحقيق كفاءة استخدام الموارد.

2– المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة: يدفع استخدام دولة الإمارات للتكنولوجيا بشكل فعال نحو مكافحة التغير المناخي والمساعدة على تحقيق التنمية المستدامة؛ وذلك عبر تمكنها من استخدامها الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية ورصد الانبعاثات، والحفاظ على بيئة صحية ومستدامة للأجيال القادمة.

3– تأكيد ارتباط الدولة بالتوجه العالمي نحو خفض الانبعاثات: بوجه عام، تعكس الاستثمارات الإماراتية في تكنولوجيا المناخ التزام الدولة بالحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام وتقليل الانبعاثات الضارة للبيئة من خلال تطبيق التكنولوجيا المبتكرة وتعزيز استدامة استخدام الموارد الطبيعية، وهو ما يمنح الدولة فرصة أكبر لتأكيد تناسق خطواتها مع التوجه العالمي نحو خفض الانبعاثات.

4– تعزيز المكانة الدولية في مجال التكنولوجيا الرقمية وبناء السلام: تقوم دولة الإمارات بدور فاعل في المجتمع الدولي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ وذلك من خلال تعاونها مع منظمات دولية، كمنظمة "أوبك" في مجال نشر حلول الطاقة المتجددة والتكنولوجيات. وانطلاقاً من أهمية استخدام التكنولوجيا الرقمية لبناء السلام وضمان استدامته، دعت الإمارات في مجلس الأمن إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية في جهود بناء السلام، في مواجهة التحديات الطويلة الأجل، كتغير المناخ والتطرف وحالات الطوارئ الصحية العالمية. ومن ثم، فإن أي جهود ومبادرات واستثمارات تضخها الدولة في هذا المضمار، تدعم الهدف الرئيسي المتمثل في ريادتها لذلك التوجه العالمي.

5– خلق فرص اقتصادية جديدة: تطمح دولة الإمارات إلى توسيع دور التقنيات المنخفضة الكربون في الاقتصاد والاستثمار في الطاقة المتجددة والطاقة النووية، ومن أجل ذلك أطلقت الدولة عدداً من الاستراتيجيات والمبادرات الرامية إلى مكافحة التغير المناخي. وبصفة دولة الإمارات مضيفاً لمؤتمر Cop28، فإن تركيز الدولة على استغلال التكنولوجيا في مكافحة التغير المناخي يمثل فرصة فريدة لأن تصبح مركزاً لتقنية العمل المناخي في الأسواق الناشئة. ومن ثم، فإنه بإمكان دولة الإمارات الاستفادة من استثماراتها وجهودها الصناعية لتصبح مركزاً عالمياً للتكنولوجيا الخضراء، من خلال تعزيز أجندتها الوطنية بشأن التنمية المستدامة، وهو ما يصب بكل تأكيد في صالح استراتيجيتها الصناعية التي أعلنت عنها مؤخراً، والتي تستهدف تطوير القطاع الصناعي في الدولة وتعزيز دوره في تحفيز الاقتصاد الوطني، بما يسهم في زيادة حجم القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 81.69 مليار دولار بحلول عام 2031.

ومن ثم، فإن أي جهود للدولة في مجال استخدام التكنولوجيا لمكافحة التغير المناخي، سيعود بالنفع على الاقتصاد الإماراتي بصورة مباشرة، سواء من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أو دعم القطاع الصناعي بما يدعم استراتيجيتها.

ختاماً، انطلاقاً من إدراك دولة الإمارات لمدى أهمية الابتكار والتكنولوجيا والتقنيات المختلفة في مكافحة التغير المناخي، تستهدف الدولة تعزيز جهودها والبحث عن أبرز التقنيات الجديدة التي يمكن لها أن تساهم في مكافحة التغير المناخي، بيد أن ذلك التوجه يتطلب في سبيل دعمه وإحراز نتائجه الملموسة والمرجوة تعزيز التعاون العالمي، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مختلف بلدان العالم؛ بغية توسيع الرؤية والاستفادة من الموارد الجماعية نحو بناء مستقبل مستدام، والمساهمة في خفض تداعيات التغير المناخي على الكوكب بأسره.

أبعاد توسع الإمارات في استخدام التكنولوجيا لمواجهة التغيرات المناخية