أ.د حمدي عبد الرحمن حسن

وصف السيناتور جي دي فانس عن ولاية أوهايو، ذات يوم، دونالد ترامب بأنه "هتلر أمريكا"، وشبهه بـ"الهيروين الثقافي". بيد أنه بعد محاولة اغتيال ترامب الفاشلة تم اختيار فانس في 15 يوليو 2024 لمنصب نائب الرئيس على التذكرة الانتخابية للحزب الجمهوري عام 2024. إنه اختيار ذكي ومدروس، وهو إشارة إلى قاعدة ترامب العريضة. ويُظهر اختيار فانس أكثر من أي من المتنافسين الآخرين، أن ترامب يريد جذب أنصار حركة "ماجا" وضمان إقبالهم على التصويت، حتى لو كان ذلك يعني خسارة المزيد من الناخبين المعتدلين والمستقلين. ويلاحظ أن خطاب فانس، الذي يقف على أعتاب الأربعين عاماً، يكون في بعض الأحيان أكثر قسوة وسخونة من خطاب ترامب، ومواقفه أكثر تطرفاً، مما يجعل السيناتور ذا اللسان اللاذع وريثاً شاباً وقوياً لحركة "ماجا"، ويبعث اختياره برسالة واضحة إلى البلاد مفادها أن ترامب يبني حركة ستعيد تشكيل الأمة، ليس لفترة ولاية واحدة فحسب، بل وللمستقبل المنظور.كان لحركة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" وتعني اختصاراً باللغة الإنجليزية "ماجا"، التي قادها الرئيس السابق دونالد ترامب، تأثير كبير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بما في ذلك علاقاتها مع أفريقيا. وقد أدى هذا النهج السياسي، الذي تميز بمزيج من الانعزالية والشوفونية الاقتصادية ودبلوماسية المعاملات، إلى تحول ملحوظ في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع القارة الأفريقية. ونحاول في هذا المقال فهم من يسيطر على الحزب الجمهوري، وماذا يعني إعادة انتخاب ترامب بالنسبة لأفريقيا.ثلاثة تياراتمن المعلوم أن هناك ثلاثة تيارات رئيسية داخل الحزب الجمهوري تتنافس حالياً على التأثير في السياسة الخارجية: "أنصار الهيمنة"، و"تيار الوسط"، و"أنصار العزلة". الفئة الأولى التي تؤمن باستراتيجية الهيمنة وفقاً لمفاهيم الواقعية في العلاقات الدولية تحظى بتأييد واسع في الكونجرس وبين أعضاء المؤسسة السياسية في واشنطن. يدعم هؤلاء استمرار قيادة الولايات المتحدة على مستوى العالم وبقاء القوات العسكرية الأمريكية في مختلف أنحاء العالم. أما أنصار العزلة، الذين يريدون تقليص دور الولايات المتحدة الأمني في الخارج بشكل جذري، فيحظون على الأرجح بدعم قاعدة الحزب الجمهوري. من ناحيةٍ أخرى، يحظى تيار الوسط بدعم أقل بين الناخبين، لكن دعواتهم لتركيز السياسة الخارجية الأمريكية على آسيا والصين تحديداً تزداد تأثيراً في دوائر صنع السياسة الخارجية.بيد أن اللافت للنظر أن ترامب نفسه الذي بات يهيمن بكل وضوح على الحزب الجمهوري تنقل بشكل غير متسق بين هذه المجموعات الثلاث منذ أن بدأ حملته الانتخابية للرئاسة قبل تسع سنوات. أما في حملته الانتخابية لعام 2024، فقد ابتعد علناً عن أنصار تيار الهيمنة، واصفاً إياهم بأنهم "عولميون" و"مثيرو الحروب". ومع ذلك، ستظل هذه المجموعات الثلاث تؤثر في إدارته وستبقى في منافسة أيديولوجية مع بعضها بعضاً. وتسعى جميعها إلى التركيز على تشكيل رواية متماسكة للسياسة الخارجية التي تتماشى مع "الترامبية" في ثوبها الجديد. ومن المرجح أن يحاول كل منها تعيين (أو أن تكون) الشخصيات السياسية التي ستقود أجندة السياسة الخارجية في ولاية ترامب الثانية.وعلى أيةِ حال يمكن مقارنة التنوع والتنافس داخل السياسة الخارجية الأمريكية ببعض الجوانب من التغيرات والتحديات التي تواجهها القارة الأفريقية في التعامل مع الشركاء الدوليين. هذه الديناميات تؤكد على أهمية صياغة استراتيجيات شاملة تأخذ في الاعتبار الأهداف المختلفة، وتوازن بين المصالح المتنوعة.ملامح عامةيمكن الإشارة إلى عددٍ من الملامح العامة للحركة والتأثيرات المحتملة على السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا:1- الانعزالية وتقليص الوجود: واحدة من أبرز سمات حركة "ماجا" هي ميولها الانعزالية. وفي عهد ترامب، كان هناك تراجع ملحوظ في تعامل الولايات المتحدة التقليدي مع أفريقيا. فقد قامت الإدارة بتقليص ميزانيات المساعدات، وانسحبت من المبادرات المتعددة الأطراف التي كانت منذ فترة طويلة ركائز العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا. وشهدت برامج مثل فيلق السلام انخفاضاً في التمويل، وواجهت المبادرات الرامية إلى مكافحة أمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا حالةً من عدم اليقين. وكان هذا التخفيض بمثابة إشارة للعديد من الدول الأفريقية بأنها لم تعد قادرة على الاعتماد على الولايات المتحدة كشريك ثابت في جهود التنمية والجهود الإنسانية. ولم يقم ترامب بأي زيارة لأفريقيا. صحيح أن بايدن فعل الشيء نفسه لكنه استقبل الزعماء الأفارقة في القمة الأمريكية الأفريقية الثانية أواخر عام 2022.2- السياسات الاقتصادية التجارية: كما كان لصعود حركة "ماجا" تأثير على السياسات الاقتصادية والتجارية مع أفريقيا. فقد انتقدت إدارة ترامب الصفقات التجارية التي اعتقدت أنها تلحق الضرر بالعمال والصناعات الأمريكية. وقد أثر هذا الموقف على قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا)، وهو تشريع رئيسي يسمح للدول الأفريقية المؤهلة بتصدير منتجات معينة إلى الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية. وبينما ظل قانون النمو والفرص في أفريقيا قائماً، كانت هناك حالة من عدم اليقين المستمر بشأن مستقبله، مما أدى إلى خلق حالة من عدم الاستقرار في الاقتصادات الأفريقية التي اعتمدت على هذا الوصول التفضيلي.3- تفضيل دبلوماسية المعاملات: السمة المميزة الأخرى لحركة "ماجا" هي تفضيلها لدبلوماسية المعاملات. غالباً ما تتلخص سياسة ترامب الخارجية في السؤال التالي: "ما الفائدة من ذلك بالنسبة لنا؟" وكان هذا النهج واضحاً في أفريقيا أيضاً. على سبيل المثال، أصبحت المساعدات والدعم العسكري أكثر مشروطية، وغالباً ما كانت مرتبطة بمطالب أو إجراءات محددة من قبل الدول الأفريقية التي تتماشى مع المصالح الأمريكية. وقد أدى هذا التحول من النهج القائم على القيم إلى النهج الأكثر اعتماداً على المعاملات إلى تقويض العلاقات الدبلوماسية الطويلة الأمد، وخَلْق شعور بعدم القدرة على التنبؤ في العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا.4- التأثير على التفاعلات الجيوسياسية: كان للسياسة الخارجية لحركة "ماجا" أيضاً آثار جيوسياسية أوسع. ومع قيام الولايات المتحدة بتقليص مشاركتها، اغتنمت قوى عالمية أخرى، وأبرزها الصين وروسيا، الفرصة لتوسيع نفوذها في أفريقيا. وقد يتعزز ذلك التوجه في الساحل الأفريقي بعد طرد القوات الفرنسية والأمريكية من قواعدها هناك. كما واصلت مبادرة الحزام والطريق الصينية تحقيق نجاحات كبيرة، حيث استثمرت بكين بكثافة في مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء القارة. ويلاحظ أن روسيا قامت أيضاً بتعزيز علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع الدول الأفريقية. وقد سمح الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة لهذه الدول بتعزيز موطئ قدم لها، مما قد يُعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في أفريقيا لسنوات قادمة.5- تراجع أولوية قضايا الحوكمة وحقوق الإنسان: لقد كان نهج إدارة ترامب تجاه حقوق الإنسان والحكم في أفريقيا جديراً بالملاحظة أيضاً. وعلى النقيض من الإدارات السابقة، التي ركزت في كثير من الأحيان على تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وفقاً للمنظور الأمريكي، تبنت حركة "ماجا" موقفاً أكثر واقعية. وقد تم تقديم الدعم للحكومات بغض النظر عن سجلاتها في مجال حقوق الإنسان، بشرط أن تتماشى مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. وكثيراً ما جاءت هذه البراجماتية على حساب الدعوة إلى سيادة مبادئ الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد، والتي تشكل أهمية بالغة للتنمية المستدامة والاستقرار في أفريقيا.وختاماً، كان تأثير حركة "ماجا" على السياسة الخارجية الأمريكية في أفريقيا عميقاً ومتعدد الأوجه. وقد أدت ميولها الانعزالية، ونزعتها الميركنتيلية الاقتصادية ودبلوماسية الصفقات إلى تراجع الوجود الأمريكي في أفريقيا، مما خلق الفرص لقوى عالمية أخرى للتدخل. ورغم أن التأثيرات الطويلة الأجل لهذه السياسات لا تزال تتكشف، فمن الواضح أن هذا النهج قد يعيد تشكيل العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا بطرق مختلفة. إن احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب وعودة حركة "ماجا" يمكن أن يكون له تأثير كبير على أفريقيا، إذ من المحتمل أن تعيد السياسات الأمريكية إلى اتّباع منظور أكثر عزلة وتقييداً للعلاقات الدولية. وقد تشهد العديد من برامج المساعدات والتنمية تخفيضات أو إعادة توجيه، مما يُضعف التعاون في مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية. كما يمكن أن يؤدي التركيز المتجدد على المصالح الأمريكية المباشرة إلى تعزيز التوترات الجيوسياسية في القارة، خاصة في ظل المنافسة المتزايدة مع الصين وروسيا. إضافةً إلى ذلك، قد يؤدي تجاهل القضايا البيئية وتغير المناخ إلى تفاقم التحديات التي تواجهها أفريقيا في هذا الصدد، مما يهدد التنمية المستدامة والاستقرار الإقليمي.

كيف تؤثر حركة "ماجا" على مستقبل السياسة الأمريكية في أفريقيا؟