في 14 أبريل الجاري، استضاف الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، نظيره السلفادوري "نجيب بوكيلي" في البيت الأبيض. وبالرغم من أن العلاقات بين البلدين تتجاوز التعاون في مجال الأمن والهجرة؛ حيث تشمل أيضاً قضايا الطاقة النووية، والنفوذ الصيني، والعملات والأصول الرقمية، فإن القضايا الملحة المتعلقة بالهجرة والتعاون الأمني الثنائي حددت مسار أول اجتماع رسمي لبوكيلي في البيت الأبيض خلال فترة ولاية ترامب الثانية.

من الواضح أن إدارة ترامب تسعى إلى الاستفادة من التقارب مع السلفادور في عهد بوكيلي؛ لدعم جهودها الرامية إلى الحد من تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أراضيها، بل يُنظر أيضًا في واشنطن إلى الرئيس السلفادوري كشريك رئيسي في حل مشكلة الجريمة المنظمة؛ ليس فقط المرتكَبة من قِبَل المهاجرين الأجانب الموجودين في الولايات المتحدة، بل أيضاً من قِبَل المواطنين الأمريكيين العنيفين.

وفقاً لبث مباشر شاركه مكتب بوكيلي على منصة إكس، أثار ترامب إمكانية نقل المواطنين الأمريكيين المدانين بارتكاب جرائم إلى سجون في السلفادور. وحث الرئيس الأمريكي بوكيلي على توسيع نظام السجون في البلاد لإيواء المزيد من السجناء. قال ترامب: "قلت إن المحليين هم التالون. يجب أن تُبنَى نحو خمسة أماكن أخرى". أجاب بوكيلي: "نعم، لدينا مساحة". مع ذلك، يُثير تركيز إدارة البلدين على قضايا الهجرة وأمن الحدود والجريمة، قلق العديد من الأطراف داخل الولايات المتحدة والسلفادور وأمريكا اللاتينية، ويمكن أن يُحد من فرص تقوية العلاقات الثنائية في المستقبل في مجالات وقضايا أخرى.

مصالح متبادلة

يجمع الولايات المتحدة والسلفادور مجموعة متنوعة من المصالح المشتركة التي تدفع البلدين نحو تعزيز تعاونهما الثنائي، والتي لا تقتصر على قضية الهجرة غير الشرعية فحسب، كما يتضح فيما يلي:

1– التصدي للهجرة غير الشرعية: تُمثل قضية الهجرة غير الشرعية أولوية خاصة لإدارة الرئيس ترامب، الذي شرع فيما يبدو في تنفيذ أكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة لملايين المهاجرين غير الشرعيين من بلاده استجابةً لتعهداته الانتخابية. ومن الواضح أن ترامب وجد في إدارة الرئيس بوكيلي "شريكاً راغباً"، و"حليفاً رئيسياً" للولايات المتحدة في جهودها الإقليمية لمعالجة أزمة الهجرة. كانت السلفادور في الماضي ثالث أكبر مصدر للمواطنين الذين تم القبض عليهم على الحدود الجنوبية الغربية للولايات المتحدة. اليوم، لم يعد يصنف من بين أكبر عشر دول مصدرة للمهاجرين إلى الأراضي الأمريكية. في أكتوبر 2024، وقعت الولايات المتحدة والسلفادور اتفاقية المساعدة الجمركية المتبادلة؛ ما يعزز أمن الحدود ويسهل التجارة بين البلدين.

حظيت حملة بوكيلي الواسعة والعنيفة على العصابات الإجرامية في بلاده بإعجاب إدارة ترامب، التي استهدفت عصابتي MS–13 السلفادورية و Tren de Aragua الفنزويلية. ادعى ترامب مراراً وتكراراً دون دليل أن العصابات العنيفة العابرة للحدود كانت تستولي على المدن الأمريكية، مستخدماً كلتا العصابتين كنقطة نقاش متكررة لتبرير سياسات الهجرة المتشددة وأمن الحدود.

ومع زيارة وزير الخارجية الأمريكي "ماركو روبيو" إلى السلفادور في فبراير 2025، أعلن بوكيلي موافقته على استقبال المهاجرين من أي جنسية يتم ترحيلهم من الولايات المتحدة، وإبقائهم في سجون بلاده. عرض بوكيلي أيضاً إيواء "مجرمين أمريكيين خطرين" في سجون السلفادور، مقابل "رسوم منخفضة نسبياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لكنها كبيرة بالنسبة لنا؛ ما يجعل نظام السجون بأكمله مستداماً". منذ مارس 2025، رحَّلت إدارة ترامب دفعة أولى من مئات المجرمين الأجانب المزعومين إلى السلفادور، بموجب صفقة بقيمة 6 ملايين دولار سنوياً.

2– حرص الرئيس السلفادوري على تحسين العلاقات مع واشنطن: يتطلع الرئيس بوكيلي إلى تحسين علاقات بلاده مع واشنطن، عقب أربع سنوات من التوتر الشديد في عهد الرئيس الأمريكي السابق "جو بايدن"؛ بسبب قضايا تتعلق بحالة حقوق الإنسان والديمقراطية. قامت إدارة بايدن، من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بتجميد الأموال التي كان من المخطط بالفعل التبرع بها للسلفادور، وهي أموال كانت الحكومة السلفادورية تنوي استخدامها لتعزيز قوات الشرطة. لم تقم الحكومة الأمريكية بتجميد هذه الأموال فحسب، بل موَّلت أيضاً بعض الصحفيين والمنظمات غير الحكومية التي انتقدت السياسة الصارمة للرئيس بوكيلي لمكافحة عنف العصابات، وهو ما اعتبرته الحكومة السلفادورية توجهات معادية لها.

من هذا المنطلق، يُنظَ إلى زيارة بوكيلي الأخيرة إلى واشنطن باعتبارها زيارة مهمة للغاية؛ حيث كان الرئيس السلفادوري أول قائد من أمريكا اللاتينية يستضيفه الرئيس ترامب منذ عودته إلى منصبه في يناير 2025. كانت هذه أيضاً أول زيارة يقوم بها رئيس سلفادوري منذ عام 2014، عندما رحب "باراك أوباما" برئيس السلفادور "سلفادور سانشيز سيرين". خلال الاجتماع بالبيت الأبيض، أشاد ترامب بـ"بوكيلي" على "عمله المذهل" ووصفه بأنه "رئيس ممتاز"؛ وذلك على النقيض مما يتعرض له بعض زعماء العالم من محادثات صعبة خلال اجتماعهم في المكتب البيضاوي مع ترامب، وأشهرهم الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي"، كما أشاد وزير الخارجية الأمريكي مؤخراً بتحالفهما باعتباره "مثالاً للأمن والازدهار في نصف الكرة الغربي". قبل وصول بوكيلي إلى واشنطن مباشرةً، قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتحديث تحذير السفر الخاص بها إلى السلفادور إلى المستوى 1، وهو للدول التي تعتبر الأكثر أماناً لزيارة المواطنين الأمريكيين. ويشير التحذير إلى أن نشاط العصابات، وما يصاحبها من جرائم قتل وجرائم عنف أخرى، قد انخفض في السنوات الثلاث الماضية.

يمكن تفسير الإشادة والترحيب الأمريكيَّين بـ"بوكيلي" بسبب دوره في معالجة قضية الهجرة، وليس ذلك فقط، بل أيضاً في ظل التقارب في التوجهات السياسية بين الرئيسين الشعبويين، اللذين لديهما ميول متشابهة في كيفية ارتباطهما بالصحافة والمعارضة السياسية وأنظمة العدالة في بلديهما. كان ترامب معجباً منذ فترة طويلة بالقادة الأجانب الأقوياء، ومنهم كيلي – الذي يصف نفسه بأنه "أروع دكتاتور في العالم". من جانبه، سعى الرئيس السلفادوري إلى الحفاظ على صورته كنموذج يحتذى به في مكافحة الجريمة المنظمة في أمريكا اللاتينية. ووصف روبيو بوكيلي بأنه "أقوى زعيم أمني في منطقتنا". في الوقت نفسه، عمل بوكيلي ببراعة على تعزيز صلاته بالشخصيات الرئيسية القريبة من ترامب؛ لترسيخ مصداقيته لدى الرئيس. ويتفاعل بوكيلي بانتظام على منصة إكس مع "إيلون ماسك" وعضو الكونجرس السابق "مات جايتز" والصحفيين ذوي الميول اليمينية الذين نشروا بشكل إيجابي عن جهوده في عمليات الترحيل، ومن المرجح أن يضمن بذلك صمت الحكومة الأمريكية عن سياساته الأمنية المثيرة للجدل.

3– تعزيز التعاون في مجال الطاقة النووية: إن الدعم السلفادوري لجهود إدارة ترامب لمعالجة أزمة الهجرة، من المرجح أن يحقق لحكومة بوكيلي مكاسب تتجاوز مسألة الإشادة والتقدير اللفظي، ليشمل تحقيق فوائد ملموسة للسلفادور. في هذا الإطار، وقع وزير الخارجية الأمريكي ونظيرته السلفادورية "ألكسندرا هيل تينوكو" في 3 فبراير 2025، مذكرة تفاهم بشأن التعاون النووي المدني الاستراتيجي، وهي المذكرة التي تمثل خطوة أولية نحو إقامة شراكة نووية مدنية قوية بين الولايات المتحدة والسلفادور بهدف تعزيز أمن الطاقة، وضمان الازدهار المتبادل من خلال التعاون الاقتصادي الموسع، وتعزيز أعلى معايير السلامة والأمن النووي وعدم الانتشار، وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية.

من جانبها، اعتبرت وزيرة خارجية السلفادور أن اتفاقية تعاون نووي مدني مع الولايات المتحدة ستساعد في تزويد الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى "بأسعار تنافسية دون الاعتماد على الجغرافيا السياسية أو أسعار النفط"، وقالت: "إن الخبرة التي تمتلكها [الولايات المتحدة] في مجال الطاقة النووية المدنية ستمنحنا جميع الأدوات التي نحتاجها لتدريب شعبنا، وتدريب خبرائنا السلفادوريين، الذين سيقودون الجوانب الفنية والتنظيمية لهذا الانتقال غير المسبوق". بالنسبة إلى السلفادور، فإن وضع نفسها كرائد إقليمي في استخدام تكنولوجيا نووية جديدة يمكن أن يمثل فرصة مثيرة للاهتمام، لا سيما بالنظر إلى أن مشاريع البنية التحتية هذه لها آثار غير مباشرة كبيرة على خلق فرص العمل وتنمية القدرات المحلية. بالمثل، يُعد الاتفاق النووي مكسباً محتملاً للأمن القومي للولايات المتحدة، في ظل مخاوف واشنطن من اعتماد السلفادور أو غيرها من دول أمريكا اللاتينية على الصين أو روسيا؛ نظراً إلى أن صفقات الطاقة النووية الروسية والصينية هذه عادةً ما تتضمن ترتيبات أوسع بين الحكومات، ويمكن أن تُمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي.

4– رغبة واشنطن في الحد من النفوذ الصيني في السلفادور: إن تعزيز الشراكات الأمريكية مع السلفادور وتنويعها في مجالات مختلفة تتجاوز مسألة الهجرة غير الشرعية برغم أهميتها لإدارة ترامب، ومن شأن ذلك أن يحقق لها أهدافاً أخرى ربما لا تقل أهميةً. في ظل التنافس المتزايد بين واشنطن وبكين والحرب التجارية الدائرة بينهما، تسعى إدارة ترامب إلى الحد من النفوذ الصيني المتنامي في السلفادور، منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 21 أغسطس 2018. اكتسبت هذه العلاقات زخماً قوياً عقب زيارة الرئيس بوكيلي إلى الصين في ديسمبر 2019، التي عززت التزام السلفادور بسياسة "الصين واحدة"، عقب قطع علاقاتها الدبلوماسية بتايوان. وقد أدى هذا الاصطفاف الدبلوماسي إلى إطلاق موجة من الاستثمار والدعم الصينيَّين، تشمل منح السلفادور 500 مليون دولار في شكل "أموال تعاون غير قابلة للاسترداد وغير مشروطة"، مخصصة لمشاريع البنية التحتية وغيرها من الأعمال.

وتشمل هذه المشروعات، المكتبة الوطنية في العاصمة السلفادورية، ورصيفاً سياحياً في لا ليبرتاد ، ومحطة معالجة مياه في بحيرة إيلوبانجو، ومركز المؤتمرات والمعارض الأول، والاستاد الوطني، إضافة إلى بدء البلدين في أبريل 2024، مفاوضات للتوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك التجاري الرئيسي للسلفادور، علاوةً على توسع العلاقة الثنائية إلى مجال الدفاع، مع موافقة السلفادور بشكل غير مسبوق على وجود ملحق عسكري صيني على أراضيها. لا يعكس هذا الوجود مستوى جديداً من التفاعل الدبلوماسي فحسب، بل يشير أيضاً إلى شراكة استراتيجية في مجال الاتصالات والتعاون الأمني. في هذا السياق، اقترح وزير الخارجية الأمريكي، خلال اجتماعه بـ"بوكيلي" "استراتيجيات لمواجهة نفوذ الحزب الشيوعي الصيني في نصف الكرة الغربي لحماية سيادة ومصالح كلا البلدين والمنطقة". يمكن أن يستثمر الرئيس السلفادوري المخاوف الأمريكية من نفوذ بكين للتفاوض على فوائد اقتصادية محتملة، مثل الإعفاء من التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب، والتي تبلغ 10%.

5– إقامة شراكة محتملة في مجال العملات المشفرة: يُمثل التعاون في مجال العملات المشفرة مجالاً محتملاً للتعاون بين البلدين، وهي مبادرة رئيسية لإدارتي الرئيسين، بالرغم من أنه لم يتطرق في الاجتماع الذي عُقد بين ترامب وبوكيلي إلى الأصول الرقمية وسياسة البيتكوين (BTC)؛ بسبب التركيز الكبير على قضايا الهجرة والأمن. كانت السلفادور أول دولة في العالم تعتمد البيتكوين كعملة قانونية في عام 2021، وكانت رائدة في نهج الاحتياطي الاستراتيجي للبيتكوين الذي تبعه ترامب لاحقاً. مع ذلك، تعرضت إدارة بوكيلي لانتقادات من صندوق النقد الدولي، الذي طالب بتقليل استراتيجيتها للبيتكوين وخفض مشاركة القطاع العام في الأصول الرقمية مقابل قرض بقيمة 1.4 مليار دولار. بينما عدَّل الكونجرس السلفادوري قوانين البيتكوين في يناير 2025 للامتثال للصفقة، واصلت الحكومة مشترياتها اليومية من البيتكوين. يظهر متتبع المكتب الوطني للبيتكوين في البلاد أنه يمتلك حالياً 6,147.18 BTC، بقيمة نحو 520.7 مليون دولار.

أما الرئيس الأمريكي فقد وضع نفسه كمرشح مؤيد للعملات المشفرة خلال انتخابات 2024. في مارس 2025، وقَّع ترامب أمراً تنفيذياً لإنشاء احتياطي استراتيجي للبيتكوين ومخزون أصول رقمية في الولايات المتحدة. تمتلك البلاد ما يقرب من 198,000 BTC، بقيمة تزيد عن 17 مليار دولار اعتباراً من مارس 2025. يتكون الاحتياطي الأمريكي بشكل أساسي من البيتكوين التي تم الاستيلاء عليها في القضايا الجنائية والمدنية، ومنها مبالغ كبيرة من قضايا اختراق وسرقة البيتكوين من Bitfinex ، وهي بورصة عالمية للعملات المشفرة.

قيود متصاعدة

بالنظر إلى أن التعاون في مجال الهجرة ومكافحة الجريمة يشكل المحور الأساسي للعلاقات المتنامية بين الولايات المتحدة والسلفادور، فإن محاولة ترامب وبوكيلي توسيع نطاق هذا التعاون ربما سيواجه عدة تحديات، منها:

1– تزايد الانتقادات الداخلية في الدولتين للتقارب المتبادل: كان اتفاق الولايات المتحدة والسلفادور بشأن استقبال المهاجرين غير الشرعيين هدفاً لانتقادات شديدة داخل الولايات المتحدة. قبل ساعات من هبوط الطائرة التي كانت تحمل مهاجرين مرحلين إلى السلفادور، أمر قاضي الحكومة الأمريكية بوقف العملية وبعودة الطائرات التي كانت في الجو، وهو أمر لم يحدث. ردت إدارة ترامب بأن الإخطار وصل عندما كانت الطائرات تحلق بالفعل فوق المياه الدولية. يستمر الجدل حول إذا ما كان ترامب قد تحدى أمر المحكمة الفيدرالية. لإرسال 261 شخصاً إلى سجن CECOT بالسلفادور، استند ترامب إلى قانون الأعداء الفضائيين لعام 1798، وهو تشريع تم إهماله منذ الحرب العالمية الثانية، وأصدر قاضٍ فيدرالي مؤخراً أمراً تقييدياً مؤقتاً يمنع استخدام هذا القانون.

وفي 16 أبريل الجاري، وصل السيناتور الأمريكي "كريس فان هولين" (ديمقراطي)إلى السلفادور، في مبادرة يدعمها أعضاء ديمقراطيون آخرون في الكونجرس، للضغط من أجل الإفراج عن "كيلمار أبريجو جارسيا"، وهو مقيم في الولايات المتحدة تم ترحيله عن طريق الخطأ إلى الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى. وقال إن أبريجو "تم اختطافه بشكل غير قانوني، ويحتاج إلى العودة إلى المنزل". ولا يُعَد السيناتور الديمقراطي المشرع الوحيد الذي زار السلفادور لهذا الغرض؛ حيث من المقرر أن يسافر أيضاً أعضاء الكونجرس الديمقراطيون كوري بوكر وماكسويل أليخاندرو فروست وروبرت جارسيا إلى السلفادور، وفقاً لوسائل الإعلام الأمريكية.

وفي السلفادور، وُجهت انتقادات لاذعة من قِبَل بعض معارضي بوكيلي لاستقباله المهاجرين المرحلين من الولايات المتحدة؛ حيث أشار بعض قادة أحزاب المعارضة إلى أن بوكيلي حوَّل البلاد إلى "مكب" للمجرمين القادمين من الولايات المتحدة، كما يتساءل الخبراء القانونيون والحقوقيون في السلفادور عن الإجراءات القانونية التي سيتم بموجبها احتجاز المرحَّلين من الخارج في سجن شديد الحراسة، في ظل غياب أي تشريع حالي يسمح بمثل هذه الخطوة.

يرى نوح بولوك المدير التنفيذي لمنظمة كريستوسال، وهي منظمة رائدة في مجال حقوق الإنسان في السلفادور، أن نظام السجون السلفادوري هو موقع للتعذيب والانتهاكات المنهجية للإجراءات القانونية الواجبة، ويشير إلى أنه "عندما تقبل الولايات المتحدة خدمات هذا النظام، فإنها تدعم نظام السجون الذي ينتهك حقوق الإنسان". ويزعم بعض المراقبين أن بوكيلي يسعى إلى إعادة أعضاء العصابات السلفادورية إلى البلاد من أجل شراء صمتهم، وحتى يمنعهم من الإدلاء بشهاداتهم في المحاكم الأمريكية بشأن قضية تُحقِّق فيها السلطات الأمريكية تخص مفاوضات إدارة بوكيلي مع قادة عصابة MS–13 حول اتفاقاتهم السرية المزعومة للحد من الجريمة المنظمة والعنف في الشوارع وكسب دعم العصابة في انتخابات التجديد النصفي مقابل منحها امتيازات بالسجن وإطلاق سراح بعض قادتها.

2– تصاعد الانتقادات الإقليمية للتقارب بين واشنطن وسان سلفادور: منذ توليه منصبه في عام 2019، حصل بوكيلي على الإشادة داخلياً بسبب دوره في الحد بشكل كبير من مشكلة عنف العصابات، وخاصةً جرائم القتل. وبجانب جاذبيته المثيرة للناخبين الشباب – حيث أطلق على نفسه لقب "أروع دكتاتور في العالم" – أصبح الزعيم الأكثر شعبيةً في الأمريكتين بنسبة تأييد في يناير 2025 بلغت 83%، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة جالوب. مع ذلك، تشمل أساليب بوكيلي التعليق الجماعي للحريات المدنية، مع اعتقال عشرات الآلاف من الأشخاص الذين أُلقِي بهم في السجن دون محاكمة. وتتمتع السلفادور الآن بأعلى معدل سجن في العالم؛ حيث يوجد ما يقرب من 110,000 شخص في سجن "CECOT" الشديد الحراسة الذي افتتحه في عام 2023.

بالمثل، تمت الإشادة بموقف بوكيلي الصارم المناهض للجريمة في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية. تبنى العديد من القادة الإقليميين سياسات على غرار بوكيلي للتصدي للعنف الإجرامي في بلدانهم. مع ذلك، أثارت عمليات ترحيل المهاجرين الأجانب من الولايات المتحدة إلى السلفادور انتقادات قوية من قبل فنزويلا. حث الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مؤخراً نظيره السلفادوري علناً على إطلاق سراح 238 مهاجراً فنزويلياً رحَّلتهم الولايات المتحدة، وهم محتجزون حالياً في السلفادور، وإعادتهم إلى أوطانهم؛ ما أدى إلى تصعيد التوترات الدبلوماسية بين الدول الثلاث. ودعا مادورو بوكيلي إلى رفض التعاون مع ما وصفه بـ"عملية اختطاف" دبَّرتها السلطات الأمريكية، وأصر على أن المهاجرين المحتجزين الآن في مركز احتجاز الإرهاب الشديد الحراسة في السلفادور، لم يرتكبوا أي جرائم، وتم ترحيلهم ظلماً.

طالب الرئيس الكولومبي "جوستافو بيترو" كذلك بوكيلي بالإفراج عن الكولومبيين والفنزويليين الموجودين في سجون السلفادور. أرسل بيترو رسالة قوية إلى الرئيس السلفادوري قائلاً: "لا سيد بوكيلي، سيئ للغاية. نحن لا نقبل، والنظام القضائي الأمريكي لا يقبل أن يتم تجريم أطفال فنزويلا. الوطن الأم لبوليفارا"، وأضاف: "أعطونا الكولومبيين الموجودين في سجونكم. دع الشعب الفنزويلي يذهب حراً؛ لأن هؤلاء الناس يعرفون كيف يصرخون بالحرية. المهاجرون ليسوا مجرمين. هذا سبب للإنسانية".

3– الانتقادات الحقوقية والقضائية لترحيل مهاجرين إلى السلفادور: في 14 أبريل الجاري، أكد رئيس السلفادور أنه لن يعيد رجلاً تم ترحيله عن طريق الخطأ من الولايات المتحدة إلى السجن الضخم في السلفادور. وقال بوكيلي للصحفيين عندما سئل إذا ما كان سيعيد كيلمار أبريجو جارسيا إلى الولايات المتحدة: "بالطبع لن أفعل ذلك"، وأضاف: "السؤال منافٍ للعقل ... ليس لدي القدرة على إعادته إلى الولايات المتحدة". وتساءل الرئيس السلفادوري: "كيف يمكنني تهريب إرهابي إلى الولايات المتحدة؟ ليس لدي القدرة على إعادته إلى الولايات المتحدة".

أثار ترحيل أبريجو جارسيا إلى السلفادور أزمة قانونية كبيرة في الولايات المتحدة، بعد أن اعترفت إدارة ترامب بأنه تم ترحيله في "خطأ إداري". أمر قاضٍ فيدرالي الحكومة بـ"تسهيل" عودة أبريجو جارسيا إلى الولايات المتحدة، لكن مسؤولي ترامب يؤكدون أنه الآن محتجز سلفادورياً فقط، وأن الأمر متروك للحكومة السلفادورية، قائلين إنه إذا اختارت البلاد القيام بذلك، فإن الولايات المتحدة "ستوفر طائرة"، كما تجادل الحكومة الأمريكية بأن المحكمة العليا لا تملك سلطة الأمر بالإفراج عن شخص في سجن أجنبي. في غضون ذلك، يواصل مسؤولو ترامب انتقاد من يسمون "القضاة الناشطين"، الذين جادلوا بأنهم يحاولون إحباط أجندة ترامب وأولوياته بشأن إنفاذ قوانين الهجرة.

في المقابل، يجادل الخبراء القانونيون بأن رفض الإدارة الأمريكية الامتثال لتوجيه المحكمة العليا بإعادة أبريجو جارسيا إلى الولايات المتحدة يقوض سيادة القانون. أثار التعاون بين الولايات المتحدة والسلفادور في مجال الهجرة إدانة من منظمات حقوق الإنسان، التي تسلط الضوء على تقارير عن الانتهاكات داخل سجن السلفادور، ومنها الاعتقالات التعسفية والظروف اللاإنسانية. تعتقد منظمة هيومن رايتس ووتش، أن القانون الدولي يحظر على الدول إرسال المهاجرين المرحَّلين إلى سياقات يُحتمَل أن يتعرَّضوا فيها لانتهاكات لحقوق الإنسان، مثل تلك التي في السجون في السلفادور. وتؤكد المنظمة أن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين قد يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان؛ حيث تم إرسال المرحَّلين مباشرةً إلى السجن من دون محاكمة.

من جملة ما سبق، يمكن القول إن التعاون الصاعد بين الولايات المتحدة والسلفادور، على الرغم من أنه يشمل مجالات متنوعة، فإنه يركز بشكل أساسي على مكافحة الهجرة والجريمة المنظمة وتعزيز أمن الحدود. يحقق هذا التعاون مكاسب مباشرة لكل من الرئيس الأمريكي والسلفادوري؛ فبالنسبة إلى إدارة الرئيس ترامب، فإنه يسهم في معالجة أزمة المهاجرين غير الشرعيين، التي وضعها في مقدمة أولوياته خلال ولايته الثانية. أما الرئيس بوكيلي، فإنه يستهدف من تحالفه مع الرئيس الأمريكي وصِلاته القوية بالدائرة القريبة منه، تعزيز مكانته على الساحة الإقليمية، وكسب دعم ترامب لسياساته الأمنية المثيرة للجدل، وربما سيضمن صمت الحكومة الأمريكية عن أوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية في السلفادور، التي أثارت انتقادات حادة من قبل إدارة بايدن، وقد يحقق كذلك مكاسب اقتصادية محتملة للسلفادور، تشمل إعفاءها من الرسوم الجمركية الأمريكية، فضلاً عن تمويل نظام السجون الصارم في البلاد.

وبصفة عامة، فإن توطيد التعاون بين بوكيلي وإدارة ترامب، يمكن أن يُنظر إليه – على نطاق واسع – كجزء من تحالف جيوسياسي للحكومات اليمينية في أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة. مع ذلك، فإن هذا التعاون من المرجح أن يواجه ضغوطاً داخلية قوية من قبل المشرعين الديمقراطيين وكذلك المنظمات الحقوقية والمحاكم الأمريكية، علاوة على الانتقادات المتزايدة من قبل بعض قادة بلدان أمريكا اللاتينية.

مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والسلفادور