د. عمرو عبدالعاطي

ياسمين أيمن

جرت المناظرة الرئاسية الأولى التي استضافتها شبكة "إيه بي سي" الإخبارية بين الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، ونائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، في 10 سبتمبر 2024، وسط ترقب كبير. كانت المناظرة فرصة حاسمة لكل مرشح لتعزيز موقفه في سباق انتخابي محتدم، قبل بدء التصويت المبكر في عدة ولايات رئيسية، وقبل شهرين من موعد تصويت الناخبين الأمريكيين في الخامس من نوفمبر المقبل. وقد شهدت المناظرة تركيزاً على قضايا محورية مثل: الإجهاض، والهجرة، والاقتصاد، وأظهرت أداءً متبايناً بين المرشحين.وقد جرت المناظرة التي أدارها ديفيد موير ولينسي ديفيس، المذيعان في القناة، بشروط شبيهة بالمناظرة الأولى بين جو بايدن –قبل انسحابه من السباق الانتخابي- وترامب والتي نظمتها شبكة "سي إن إن" في يونيو الماضي، وفي مقدمتها غلق ميكروفون الطرف الآخر خلال حديث أحد المرشحين.ويبدو أن تلك المناظرة انتهت بانتصار لهاريس التي حاولت قيادة دفة الحوار منذ اللحظة الأولى لارتقائها المسرح حينما ذهبت وصافحت الرئيس السابق ترامب في أول لقاء شخصي بالنظر إلى غياب الأخير عن حضور حفل تنصيب بايدن. وقد عمدت خلال المناظرة إلى تسليط الضوء على مَوَاطن الخلل عند الرئيس السابق ترامب، الذي وصفه بعض المعلقين بعد المناظرة بأنه بدا رجلاً "عجوزاً".ملامح رئيسيةسعى المرشحان الجمهوري والديمقراطي خلال المناظرة لإظهار مواطن ضعف المنافس؛ حيث تدرب المرشحان على هذا الأمر خلال الأيام التي سبقت المناظرة. وتتمثل أبرز ملامح المناظرة فيما يلي:1- هجوم كامالا هاريس القوي على ترامب: سعت هاريس خلال هذه المناظرة لاتباع نهج استفزازي لإثارة حنق الرئيس السابق وإغضابه، ودفعه للوقوع في الخطأ؛ حيث كانت حريصة على استغلال الفرصة للضغط على ترامب في العديد من القضايا المثيرة للجدل. وقد هاجمته في أكثر من مناسبة، موضحةً ارتباطه بمشروع 2025 المحافظ "الخطير"، وهو ما نفاه ترامب. كما أشارت إلى وصف القادة العسكريين له بأنه "عار"، بينما وصفته هي بأنه "مخطئ وضعيف"، موضحةً صعوبة تصديقه أن هناك نحو 81 مليون ناخب أمريكي رفضوه من قبل، في إشارة إلى الأصوات التي حصل عليها الرئيس الحالي جو بايدن في انتخابات عام 2020 أمام ترامب. كما تطرقت لمسألة إدانة ترامب الجنائية، ووصفت تجمعاته الانتخابية بـ"المملة"، وهو ما أغضب ترامب، ودفعه للإسهاب في الحديث عن قوة أحداثه الانتخابية، حيث قال: "الناس لا يُغادرون تجمعاتي الانتخابية، لدينا أكبر التجمعات الانتخابية، وأكثرها روعة في تاريخ السياسة".2- ترديد ترامب للمزاعم بشأن تزوير الانتخابات وتسييس القضاء: ظهر ترامب بموقف دفاعي وليس هجومياً خلال المناظرة -على عكس عادته- للرد على استفزازات هاريس. ولم يتوقف الرئيس السابق عن ترديد مسألة ملاحقته من جانب إدارة بايدن قانونياً للتضييق عليه وتسييس الإدارة الأمريكية للقضاء لإخراجه من السباق الانتخابي، وكذلك سرقة وتزوير انتخابات عام 2020، مروجاً لنظرية المؤامرة بشأن مختلف القضايا، بما في ذلك حياة المهاجرين الهايتيين الذين قال نائبه جي دي فانس إنهم يأكلون الحيوانات الأليفة بولاية أوهايو، وهو ما تم كشف عدم صدقه.كما زعم أن هناك مساعي لدفع المهاجرين غير المسجلين للتصويت في الانتخابات كمحاولة من جانب الديمقراطيين للتلاعب في نتيجة الانتخابات المقبلة. وعلى صعيد آخر، تحدث ترامب عن ارتفاع معدلات الجريمة داخل الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، وهو ما نفاه موير الذي استشهد ببيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي، مؤكداً انخفاضها، وهو الأمر الذي دفع ترامب لاتهام المكتب بأنه "فاسد للغاية"، وأن تصريحاته "كاذبة".3- التركيز على قضايا الإجهاض: بينما لم يتمكن الرئيس بايدن خلال المناظرة السابقة من الدفاع بقوة عن موقف الديمقراطيين وموقف إدارته من قضية الإجهاض، نجحت هاريس في هذا الأمر، مؤكدة دفاعها الكامل عن حق المرأة في الاختيار، وضرورة السماح بإجراء عمليات الإجهاض في مختلف الولايات الأمريكية دون أن تكون هناك تبعات قانونية لذلك. كما استغل ترامب هذه النقطة لتوضيح وجهة نظره بعد الانتقادات التي طالته بسبب موقفه المتناقض من القضية، فبينما أعرب من قبل عن رفضه للإجهاض ودفاعه عن الحق في الحياة، أوضح فيما بعد أنه لن يُصوت لصالح إجراء تشريعي في فلوريدا يمنع الحق في الإجهاض. ولذلك خلال مناظرة ليلة الثلاثاء، دافع ترامب عن إجراء عمليات الإجهاض في "حالات الاغتصاب، وزنا المحارم، وإنقاذاً لحياة الأم"، مؤكداً دعمه لقرار المحكمة العليا بإلغاء حكم قضية رو ضد وايد، مشيراً إلى أن حماية الحق في الإجهاض يجب ألا تكون مسألة فيدرالية، ولكنها ترتبط بقرار الولايات.4- دفاع هاريس عن سجل بايدن في قضية الهجرة: كالعادة كانت هذه القضية حاضرة بقوة في المناظرة، وبينما أوضحت هاريس موقفها من الهجرة ملقية باللوم على الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي لعرقلة قانون الهجرة الذي كان من شأنه دعم وتعزيز حماية أمن الحدود الأمريكية، وتنظيم عمليات الهجرة على الحدود؛ لم يستغل ترامب هذه القضية التي يسلط عليها الضوء غالباً في حملته الانتخابية، حيث استخدم الوقت المخصص للحديث عن هذه النقطة للدفاع عن أحداثه الانتخابية.5- انقسام ديمقراطي-جمهوري حول معالجة الاقتصاد: استغلت هاريس هذه القضية للهجوم على ترامب، موضحة أن الرئيس السابق "لا يملك خطة"، وأنه "سيفعل ما فعله من قبل، وهو توفير تخفيضات ضريبية للمليارديرات والشركات الكبرى"، مضيفة أنها ستكون سنداً داعماً للطبقة الوسطى التي تنتمي إليها بالأساس، وذلك من خلال التخفيضات الضريبية التي سيتم منحها للشركات الصغيرة وللأسر الأمريكية، والإسكان ميسور التكلفة، فضلاً عن خطة "اقتصاد الفرص" الخاصة بها. فيما أكد ترامب أن التعريفات الجمركية التي تتراوح بين 10% إلى 20% التي ينوي فرضها على واردات الدول الأجنبية، فيما عدا واردات الصين التي ستصل تعريفتها الجمركية إلى 60%، ستعزز الاقتصاد الأمريكي، وتدعم ظروف الأمريكيين. علماً بأن تقدير معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أفاد بأن مساعي ترامب ستكبد المواطن العادي نحو 2600 دولار سنوياً.6- اتهامات متبادلة حول فوضى السياسة الخارجية: ألقت هاريس باللوم على صفقة الانسحاب الأمريكي التي وقّعها ترامب حينما كان رئيساً مع طالبان بأنها كانت سبباً في الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، معربة عن دعمها الكامل لقرار بايدن بسحب القوات الأمريكية في عام 2021. وتم التطرق للحرب الروسية الأوكرانية التي أكد ترامب من جديد قدرته على إنهائها في يوم واحد، لكنه لم يوضح لصالح أي طرف، كما اتهم هاريس بلقاء فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، وهو ما أثار استهزاء هاريس.7- الدفاع عن مكاسب الأمريكيين بشأن الرعاية الصحية: بينما استمرّت هاريس في الدفاع عن قانون الرعاية الميسرة، مروجة لجهود إدارة بايدن في خفض تكاليف بعض الأدوية الموصوفة، بما في ذلك الأنسولين، ومؤكدة أنها ستدعم استمرار قانون الرعاية الميسرة على عكس ترامب، الذي أوضح خلال المناظرة أنه سيسعى "لاستبدال قانون الرعاية الميسرة" بإجراءات أخرى تدعم الأمريكيين على غرار أنظمة الأقساط التي سعى لتطبيقها في عام 2017 عند فوزه بالرئاسة، وأوضح كذلك أنه حمى قانون "الرعاية الميسرة"، علماً بأنه سعى لتقويض هذا القانون منذ دخوله إلى المكتب البيضاوي.8- استغلال هاريس لملف العرق: وصف ترامب هاريس سابقاً بأنه لم يكن يعلم أنها "سوداء"، في محاولة لانتقاد محاولتها لربط نفسها بالناخبين الأمريكيين من أصول أفريقية للحصول على مكاسب سياسية، وهو ما استغلته هاريس قائلة إن "تعليقات ترامب حول هويتها العرقية مأساة"، وانتقدت موقفه بشأن قضايا العرق في الولايات المتحدة. بينما أكد ترامب أنه "لا يهتم بعرق منافسته".ردود الفعل أثارت هذه المناظرة مجموعة من ردود الأفعال على مختلف المستويات سواء الشعبية أو داخل الأوساط السياسية، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:1- رضا أكبر عن أداء هاريس: أظهر متوسط استطلاعات رأي أجرتها شبكة "سي إن إن" قبيل المناظرة تقدم هاريس على ترامب في مستوى الدعم الذي حازت عليه؛ حيث حصلت على 49% مقابل 48% لصالح ترامب. وفي أعقاب المناظرة، وفي استطلاع أجرته الشبكة عبر الرسائل النصية على 605 ناخبين أمريكيين مسجلين تابعوا المناظرة، قال 45% من المستطلعين إنهم ينظرون بطريقة "إيجابية" لهاريس، وأوضح 44% منهم أنهم ينظرون إليها بطريقة "سلبية". بينما قال 39% إنهم ينظرون بطريقة "إيجابية" لترامب، مقابل 51% أوضحوا أنهم ينظرون بطريقة "سلبية". وأعرب 32% عن ثقتهم في قيادة هاريس للبلاد مقابل 36% لصالح ترامب. وأعرب 42% عن تفضيلهم خطة هاريس لقيادة البلاد، مقابل 33% لصالح ترامب.2- عدم تغيير المناظرة توجهات الناخبين: كشفت نتائج استطلاع الشبكة الإخبارية الأمريكية أن المناظرة لم تُحدث تحولاً كبيراً في توجهات الناخبين لمن سيصوتون في الخامس من نوفمبر المقبل، حيث كشفت أن 82٪ من الناخبين المسجلين الذين شاهدوا المناظرة يقولون إنها لم تؤثّر على اختيارهم في التصويت للرئيس الأمريكي القادم. بينما قال 14٪ آخرون إنها جعلتهم يعيدون النظر، ولكنهم لم يغيروا رأيهم، في حين قال 4٪ إنها غيرت رأيهم حول من سيصوتون له.3- رضا شعبي صيني عن أداء هاريس: استخدم مواطنون صينيون موقع Weibo الصيني، مثنين على نجاح هاريس في المناظرة، ومتوقعين لها الفوز في الانتخابات المقبلة، ومنتقدين وصف ترامب المتكرر لها بأنها "ماركسية". علماً بأن هذا الأمر يمكن استغلاله فيما بعد من قبل حملة ترامب للإشارة إلى الدعم الصيني لهاريس، وإلى محاولات التدخل الأجنبية في الانتخابات الأمريكية.4- غضب ترامب من المحاورين: انتقد ترامب المحاورين بعد انتهاء المناظرة، موضحاً أنه حاول صد الهجوم من ثلاثة أشخاص وليس من شخص واحد فقط في إشارة لهاريس؛ حيث قال: "اعتقدت أن المنسقين كانوا غير عادلين للغاية، ولكن في الأساس كان هناك ثلاثة ضد واحد"، مشيراً إلى أنه يفكر جدياً في احتمالية خوضه مناظرة جديدة أمام هاريس. ولكنه أعرب كذلك عن رضاه عن إجاباته بشأن قضية الإجهاض، موضحاً أنه أظهر موقفه الحقيقي من القضية.5- عدم تقديم هاريس رؤية واضحة: رغم نجاح المرشحة الديمقراطية في إبراز نقاط ضعف ترامب، إلا أن بعض المحللين يرون أنها لم تقدم رؤية واضحة حول كيفية معالجة القضايا الاقتصادية الحالية بشكل يختلف جذرياً عن إدارة بايدن. كما أن اعتمادها على الأرقام والتفاصيل قد لا يكون فعالاً بما يكفي لإقناع الناخبين الذين لم يحسموا لمن سيصوتون في نوفمبر المقبل.6- تركيز ترامب على الحفاظ على شعبيته بين قاعدته الانتخابية: كانت تصريحات ترامب خلال المناظرة تهدف إلى الحفاظ على شعبيته بين قاعدته الانتخابية، حيث ركز على القضايا الاقتصادية، مجادلاً بأن إدارة بايدن-هاريس تسببت في ارتفاع التضخم وزيادة أسعار الطاقة. كما انتقد سياسات الهجرة واعتبرها فاشلة، متعهداً بالعودة إلى سياسات أكثر صرامة إذا تم انتخابه.نجاح نسبي لهاريسخلاصة القول، دخلت كامالا هاريس المناظرة بخطة واضحة لاستفزاز ترامب وإظهاره في موقف دفاعي. كانت لديها القدرة على التحكم في الحوار وإثارة نقاط خلافية. وقد أظهرت هدوءاً وثقة، واستطاعت تحجيم ترامب في العديد من القضايا الجوهرية، مثل التعامل مع وباء كوفيد-19 والانهيار الاقتصادي الذي تزامن مع فترة رئاسته. كما ألقت الضوء على ما تعتبره إخفاقات ترامب في السياسة الخارجية، مثل الانسحاب من أفغانستان. وتمكنت هاريس من استغلال ضعف ترامب في الدفاع عن سلوكه خلال اقتحام أنصاره مبنى الكونجرس في 6 يناير 2021، واستمراره في الطعن بنتائج انتخابات 2020، مما أثر سلباً على مصداقيته لدى الناخبين المعتدلين. وعلى الرغم من ذلك، يبقى ترامب قادراً على الحفاظ على دعم قاعدته الصلبة، مما يجعله منافساً قوياً في الأشهر المقبلة.

الاتجاهات الرئيسية للمناظرة الرئاسية الأولى بين ترامب وهاريس