التقت رئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني"، في 19 ديسمبر الجاري، برئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" لمناقشة مخاوف المزارعين الإيطاليين فيما يتعلق باتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي (ميركوسور). لم تكن إيطاليا الدولة الأوروبية الوحيدة التي لديها تحفظات على الاتفاقية، بل عارضتها أيضاً فرنسا وبولندا، بجانب أيرلندا والنمسا.

ورغم هذه المعارضة، أعلنت المفوضية الأوروبية والدول الأربع الأعضاء في ميركوسور (البرازيل، الأرجنتين، أوروجواي، وباراجواي)، في 6 ديسمبر الجاري،اختتام مفاوضات اتفاقية الشراكة بين التكتلين، والتي أصبحت جاهزة الآن للمراجعة القانونية والترجمة. وتشكل نهاية المفاوضات الخطوة الأولى في العملية نحو إبرام الاتفاقية.

ستلغي الاتفاقية أكثر من 90% من الرسوم الجمركية على السلع المتداولة بين الكتلتين، مما يوفر للشركات الأوروبية ما يقدر بنحو 4 مليارات يورو من رسوم الاستيراد سنوياً. علاوة على ذلك، فإن إزالة الحواجز غير الجمركية أمام التجارة من شأنها تسهيل التجارة في الخدمات، وتهدف الضمانات البيئية والعمالية إلى ضمان تلبية الاتفاقية للمعايير التنظيمية للاتحاد الأوروبي.

ويُثير الإعلان عن اختتام المفاوضات الخاصة بهذه الاتفاقية، بعد أكثر من عقدين من انطلاقها، عدة تساؤلات حول دلالات التوقيت وأهميته، وأبرز القيود التي ربما تُعرقل التوقيع على الاتفاقية التي لا تزال بحاجة إلى موافقة ما لا يقل عن 15 دولة من أصل 27 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، جنباً إلى جنب مع تداعياتها المحتملة.

عوامل مشجعة

هناك عددٌ من المتغيرات والعوامل التي ساهمت في تسهيل التوصل إلى اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور، ومن بينها:

1- أهمية المكاسب الاقتصادية المتبادلة: منذ الإعلان رسمياً عام 1999 عن التزامهما بالتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة، تردد الطرفان بسبب مخاوف دول ميركوسور من ضغوط الصادرات الصناعية من الاتحاد الأوروبي، في مقابل خشية العديد من دول الاتحاد الأوروبي من المنافسة الشديدة من المنتجين الزراعيين في ميركوسور. وبالرغم من هذه المخاوف، فقد توصل التكتلان إلى قناعة بأن الاتفاقية ستساعد في تعزيز الأمن الاقتصادي من خلال تنويع الشركاء التجاريين، كما ستوفر فرصاً لتعزيز التعاون الجيوسياسي، والاقتصادي، والمستدام، والأمني. وتتألف الاتفاقية المقترحة بين التكتلين من ركيزة سياسية وتعاونية، وركيزة تجارية. في الواقع، يُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري والاستثماري الأول لميركوسور. بلغت صادرات هذا التكتل إلى ميركوسور 56 مليار يورو من السلع في عام 2023 و28 مليار يورو في الخدمات في عام 2022.

2- الحاجة لتقليل مخاطر الحمائية التجارية الأمريكية المرتقبة: مع عودة الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025، وتهديده بفرض رسوم جمركية على السلع الأوروبية وصادرات بعض دول أمريكا اللاتينية، وجد الاتحاد الأوروبي وميركوسور أن توسيع العلاقات التجارية وتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة أمر ضروري لتوسيع قاعدة المستهلكين، والتخفيف من المخاطر التي ستتسبب فيها السياسات الحمائية التي من المتوقع أن يتبناها ترامب، والتي قد تقابلها سياسات تجارية انتقامية من الصين.

3- رغبة الاتحاد الأوروبي في موازنة النفوذ الصيني في أمريكا اللاتينية: يأتي الانخراط الأوروبي مع ميركوسور في وقت يسعى فيه التكتل الأوروبي إلى تعزيز نفوذه وحماية مصالحه في منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي التي تنشط فيها الصين بقوة. حرصت بكين على تطوير مرافق الموانئ الواسعة النطاق في تشانكاي، على ساحل المحيط الهادئ في بيرو. وإذا تم بناء الطرق وتطوير الموانئ الحيوية، فقد يوفر هذا حافزاً قوياً لزيادة التجارة الثنائية المهمة بالفعل بين ميركوسور والصين. بين عامي 2000 و2020، نما التبادل التجاري بين الصين ودول أمريكا اللاتينية بمعدل 26 ضعفاً، وذلك من 12 مليار دولار إلى 315 مليار دولار. علاوة على مشاركة 22 دول المنطقة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وكان أحدثها كولومبيا التي أعلنت في أكتوبر 2024 نيتها الانضمام للمبادرة. بالنسبة لأمريكا اللاتينية، يوفر توسيع التجارة مع الاتحاد الأوروبي بديلاً للصين، مما يعني ليس فقط مجموعة أكبر من الصادرات، ولكن أيضاً المزيد من النفوذ للمنطقة للتفاوض بشكل أكثر فاعلية مع بكين.

4- اهتمام الطرفين بتعزيز التعاون في مجال الطاقة: مع دخول العالم مرحلة من التنافس الجيوسياسي، وخاصة فيما يتعلق بالوصول إلى الموارد الطبيعية، قد تكتسب أمريكا الجنوبية أهمية متزايدة لأوروبا. تحتوي المستنقعات الملحية في شمال غرب الأرجنتين على احتياطيات مهمة من الليثيوم، وهو معدن مهم لتصنيع البطاريات للسيارات الكهربائية. إن الأرجنتين توفر أيضاً نظاماً مواتياً للاستثمار الأجنبي في هذا المورد. وقد يُعطي الاتفاق مع ميركوسور الشركات الأوروبية دفعة قوية في جهودها الخاصة لضمان الوصول إلى المعادن الضرورية للتحول الأخضر. في الوقت نفسه، تسعى دول ميركوسور إلى جذب ليس فقط الاستثمارات، ولكن أيضاً التكنولوجيا الأوروبية لتعزيز جهودها للتحول إلى الطاقة النظيفة.

ومع تعطل تدفقات النفط والغاز من روسيا الآن ومساعي أوروبا لتقليل الاعتماد عليها، فقد تراقب أيضاً الاستكشافات المهمة للغاز والنفط في بعض دول ميركوسور، مثل الأرجنتين، التي تطور حقولاً جديدة للغاز الطبيعي. كما تعمل البرازيل على تطوير إمكاناتها الهائلة من الهيدروكربونات البحرية، مما يجعلها الآن من بين أكبر عشر دول منتجة للنفط في العالم ـ وهو ما يزيد من الأسباب التي تجعل أوروبا مهتمة بتعزيز علاقاتها مع ميركوسور.

5- دعم دول ميركوسور القوي للاتفاقية: تحظى اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بدعم قوي من قبل أعضاء ميركوسور، فالبرازيل والأرجنتين وأوروجواي لديها قطاعات زراعية قوية موجهة نحو التصدير، مثل إنتاج فول الصويا والقمح والماشية، والتي تطمع في الوصول إلى السوق الأوروبية الشاسعة الغنية. أما باراجواي، الأقل نمواً بين دول ميركوسور، فهي أكثر حذراً بشأن الاتفاق، ولكن باعتبارها أصغر الدول الأعضاء في الكتلة فهي ليست في وضع يسمح لها بمنعه من المضي قدماً.

وعلى الرغم من مخاوف بعض القطاعات الصناعية داخل ميركوسور، التي تعرضت لضربات شديدة لعقود من الزمن بسبب المنافسة الصينية، فإنها تفتقر سياسياً إلى النفوذ اللازم لعرقلة الاتفاق. ستتمكن الشركات المصنعة الأوروبية الكبرى مثل فولكس فاجن من بيع المزيد من المركبات في دول ميركوسور، ولكن سيتم الحفاظ على قدر من الحماية من خلال فترة انتقالية طويلة تبلغ خمسة عشر عاماً، مع ثمانية عشر عاماً للسيارات الكهربائية.

صعوبات محتملة

من أجل إبرام اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور، هناك عدة عقبات من الضروري التغلب عليها، وذلك على النحو التالي:

1- التغيرات الحكومية في فرنسا وألمانيا: تُعاني بعض الدول الأوروبية من حالة من عدم الاستقرار السياسي. على سبيل المثال، تشهد ألمانيا وفرنسا، وهما دولتان رئيسيتان في الاتحاد، تغيراً في حكوماتها، وحتى تستقر الأوضاع فيهما سيستغرق الأمر شهوراً في أفضل الحالات، مما قد يعطل التوصل لاتفاق نهائي مع ميركوسور. في هذا السياق، يرى البعض أن إبرام الاتفاقية في ظل معارضة فرنسا المستمرة، يمكن أن يؤدي إلى زيادة المشاعر القوية بالفعل المناهضة للاتحاد الأوروبي في فرنسا، مما يدفع زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى الاقتراب من السلطة. ويحذر بعض المراقبين من مخاطر عدم الاستقرار السياسي الذي قد ينتج عن هذا الاتفاق التجاري التاريخي في فرنسا وهو بلد حساس للغاية أمام الانفتاح التجاري ولديه جناح يميني متطرف قوي.

2- الانقسامات الأوروبية العميقة: ينظر البعض للتوصل للاتفاقية باعتباره يمثل انتصاراً دبلوماسياً تشتد الحاجة إليه في أوقات تجزئة النظام متعدد الأطراف. مع ذلك، فإنه يمثل أيضاً مقامرة عالية المخاطر تضع العديد من الحكومات الأوروبية في مواقف محلية محفوفة بالمخاطر. بالإضافة إلى ذلك، تسببت الاتفاقية في تعميق الانقسامات الأوروبية. ففي حين شددت فرنسا وبولندا، حيث المصالح الزراعية قوية، على معارضتها للاتفاق، أبدت ألمانيا وإسبانيا وبلجيكا والدنمارك والعديد من الدول الأعضاء الأصغر في الاتحاد الأوروبي بالفعل دعمها له. الأمر الذي يعكس عدم توافق الدول الأعضاء في التكتل حول العديد من القضايا، والتي قد تعرقل جهود التوصل لموقف أوروبي متماسك بشأنها.

3- المعارضة القوية من المزارعين الأوروبيين للاتفاقية: في الوقت الذي احتفلت فيه رئيسة المفوضية الأوروبية "فون دير لاين" بالصفقة باعتبارها أول انتصار سياسي في فترة ولايتها الجديدة، فإن الاتفاق الذي من شأنه أن يلغي الرسوم الجمركية على السلع التي تمتد من السيارات إلى لحوم البقر، يُعارضه بشدة المزارعون الذين لديهم نفوذ كبير في بعض دول الاتحاد الأوروبي، في ظل مخاوفهم العميقة من أن تؤدي وفرة الواردات من الدواجن ولحوم البقر الرخيصة من دول ميركوسور إلى الإضرار بمصالحهم. ينصب التركيز أيضاً على التكاليف المرتبطة باضطرار المزارعين إلى الامتثال للقوانين واللوائح البيئية والتتبع وغيرها من القوانين واللوائح التي يجادلون بأن منافسيهم في أمريكا الجنوبية لن يضطروا إلى الامتثال لها.

في المقابل، يُجادل مؤيدو الاتفاقية بأنها على عكس ما يدعيه المزارعون لن تغمر الأسواق الزراعية في الاتحاد الأوروبي بالمنتجات الرخيصة من أمريكا الجنوبية، فالاتحاد الأوروبي سوف يمنح فقط حصصاً يمكن التحكم فيها، والتي سوف تتمكن دول ميركوسور من تصديرها بتعريفات جمركية أقل من ذي قبل. علاوة على أن تقديم التكتل الأوروبي دعماً للمزارعين بمبلغ 55 مليار يورو سنوياً، وهذا مبلغ كبير للغاية وربما سيزيد في المستقبل، يمكن أن يعزز من قدرتهم على تعويض أي خسائر أو أضرار قد يتعرضون لها.

4- ضغوط الجماعات البيئية الأوروبية: تُشكل اتفاقية الشراكة الأوروبية مع ميركوسور أكبر صفقة تجارية تفاوض عليها الاتحاد الأوروبي على الإطلاق ولديها القدرة على خفض رسوم الاستيراد التي تزيد على 4 مليارات يورو سنوياً على تجارة الاتحاد الأوروبي مع اقتصادات أمريكا الجنوبية، مما يعطي دفعة لصناعة السيارات الأوروبية والقطاعات الأخرى. في المقابل، يرى دعاة حماية البيئة في الاتحاد الأوروبي أن إنتاج لحوم البقر في أمريكا الجنوبية يرتبط بإزالة غابات الأمازون المطيرة والضمانات البيئية الأقل تنفيذاً بشكل عام. يعتقد النشطاء البيئيون أن الاتفاقية تم تصميمها لتعزيز التجارة في المنتجات التي تؤدي إلى تدمير الغابات والاستيلاء على أراضي السكان الأصليين والاستخدام المكثف للمبيدات الحشرية وانبعاثات الكربون وانتهاكات حقوق الإنسان.

رداً على ذلك، قال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أولوف جيل إن نهج الكتلة تجاه الصفقة "يجسد كيف يمكن للاتفاقيات التجارية أن تعزز بشكل فعال جهود المناخ العالمية، وربط التعاون الاقتصادي بالمسؤولية البيئية". وأضاف جيل: "سيسمح هذا للاتحاد الأوروبي بتعليق الاتفاقية إذا لم يتم احترام معايير اتفاقية باريس، مما يعزز دور اتفاقيات التجارة في دعم أهداف المناخ". وسعياً لجعل الاتفاقية أكثر قبولاً في أوروبا، وافق ميركوسور على تشديد المتطلبات البيئية، بما في ذلك الالتزام بوقف إزالة الغابات بشكل غير قانوني بحلول عام 2030.

تداعيات مرتقبة

يُشير الجدل الدائر بشأن أهمية اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور إلى أنه ستكون لها نتائج مهمة تتجاوز التكتلين المهمين، لتشمل مناطق وتكتلات أخرى في العالم، كما يتبين فيما يلي:

1- المساهمة في تشكيل مستقبل التجارة العالمية: بالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي وميركوسور يشكلان أكثر من 700 مليون نسمة وحوالي 20 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإن اتفاقية الشراكة بينهما ستفضي إلى إنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم. وبالرغم من أن التصديق الكامل على الصفقة سيواجه تأخيرات وتعديلات محتملة بسبب ضغوط جماعات الضغط الزراعية ودعاة حماية البيئة، ستظل الاتفاقية عاملاً رئيسياً يجب مراقبته نظراً لقدرتها على إعادة تعريف التجارة العالمية، والتأكيد من جديد على قيمة التعاون الاقتصادي متعدد الأطراف في ظل عصر الحمائية التجارية المتزايدة.

2- تهديد تماسك الاتحاد الأوروبي: يتعرض الاتحاد الأوروبي لمخاطر عديدة من المنظور العالمي. تشكل الحرب في أوكرانيا تهديداً مالياً وعسكرياً مستمراً. ومن المرجح أن تتدهور العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة في عهد ترامب. ولهذا السبب، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتحمل فشل الاتفاق مع ميركوسور. إذا تمكن ماكرون وحلفاؤه والمزارعون من إفشال هذا المشروع، فإن هذا من شأنه التشكيك في مصداقية الاتحاد الأوروبي وتماسكه على المستوى العالمي. يقول بعض المراقبين إن الفشل ستكون له أيضاً تداعيات جيوسياسية، مما يضعف روابط أمريكا الجنوبية مع أوروبا، ويعزز روابطها مع الصين والمحيطين الهندي والهادئ.

ويخشى البعض أيضاً من أن الاتفاقية مع ميركوسور قد تؤجج بشكل حاد الخلافات بين فرنسا وألمانيا وبين فرنسا والمفوضية الأوروبية، بالنظر إلى أن التفاوض على الصفقات التجارية هو أحد أهم الاختصاصات الموكلة إلى المفوضية الأوروبية نيابة عن جميع دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة. ويُثير استخدام فرنسا المتكرر لحق النقض ضد صفقة ميركوسور غضب الزعماء الألمان إلى درجة أنهم يشككون في الهدف من تعامل بروكسل مع التجارة، بل ويشير إلى أنه قد يكون من المنطقي أن تستعيد برلين السيطرة على سياستها التجارية. مثل هذا التراجع الجذري للصلاحيات من شأنه أن يُثير تساؤلات كبرى حول سبب وجود الاتحاد الأوروبي.

3- إبراز دور إيطاليا: لا يزال بإمكان أقلية من أربع دول على الأقل تمثل 35% على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي استخدام حق النقض (الفيتو) ضد الاتفاقية في تصويت سيحدث بعد أن يخضع النص النهائي للاتفاق لفحوصات قانونية وترجمة، وهي عملية قد تستغرق عدة أشهر. كما أن الموافقة عليها بأغلبية الأصوات في البرلمان الأوروبي ستكون ضرورية لدخولها حيز التنفيذ. تُعد بولندا الدولة الكبيرة الوحيدة التي يمكن لفرنسا الاعتماد عليها حتى الآن لمعارضة الصفقة، بينما تعارضه أيرلندا والنمسا أيضاً. للوصول إلى هذه النسبة، ستحتاج باريس إلى حليف كبير آخر، وإيطاليا هي المرشح الوحيد.

في هذا السياق، يرى بعض المراقبين أنه بينما لا تزال باريس تُعارض الاتفاق بشكل جذري، فإن إيطاليا مستعدة لدعمه إذا حصلت على تنازلات، مثل تشديد الرقابة الصحية على المنتجات المستوردة، فضلاً عن توفير الدعم المالي لمزارعيها في مواجهة منافسة منتجات بلدان ميركوسور. يعزز هذا الرأي ما خلصت إليه دراسة أُعدت بتكليف من وزارة الخارجية الإيطالية في عام 2020، من أن الاتفاقية بشكل عام ستكون مفيدة للاقتصاد الإيطالي، فضلاً عن تصريحات رئيسة الوزراء "جورجيا ميلوني" التي أكدت فيها أن إيطاليا تدرس الاتفاقية، ولن توقع عليها إلا إذا كانت هناك "ضمانات ملموسة" لحماية المزارعين.

4- تعزيز مكانة ميركوسور: في مواجهة أوروبا المنقسمة بشأن الصفقة التجارية، فإن أمريكا الجنوبية تبدو موحدة ومنظمة. قال دبلوماسيون إن البرازيل تتوقع أن تسرع ميركوسور مفاوضات التجارة الحرة بعد التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. تتصدر الاتفاقيات التجارية الجديدة الأكثر ترجيحاً لميركوسور عام 2025 الاتفاقات مع دولة الإمارات ورابطة التجارة الحرة الأوروبية المكونة من أربع دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي. أكدت النرويج، التي تعد جزءاً من الرابطة الأوروبية، أنها حريصة على توقيع صفقة تجارية مع ميركوسور في النصف الأول من عام 2025. كما توصلت سنغافورة إلى اتفاق مع ميركوسور عام 2024، وينتظر ترجمته حتى يمكن إرساله إلى رئيس البلاد والمشرعين للتصديق عليه. إذا تحققت هذه الاتفاقيات، فإنها ستشكل انتعاشاً لميركوسور، التي تضم أكبر اقتصادين في أمريكا الجنوبية وهما البرازيل والأرجنتين، لكنها عانت منذ فترة طويلة من الانقسامات الداخلية والشكوك بشأن فعاليتها.

من جملة ما سبق، يمكن القول إن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور تمثل خطوة مهمة طال انتظارها، لكن إبرام الاتفاقية بشكل نهائي من المرجح أن يواجه عقبات عديدة. وفي المجمل، ستختبر الاتفاقية مرونة الحكومات الأوروبية ووحدة الاتحاد الأوروبي نفسه. وعلى المدى الطويل، فإن لديها القدرة على إعادة تشكيل العلاقة بين أوروبا وأمريكا الجنوبية، وتوفير إطار عمل لتعاون أعمق بشأن القضايا الرئيسية، مثل التخفيف من آثار تغير المناخ، وتعزيز حقوق الإنسان.

ما احتمالات التوصل إلى اتفاق نهائي بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور؟