د. منى سليمان


        
<p>اختُتمت يوم 19 يوليو 2023 القمة الرئاسية الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي الست ودول آسيا الوسطى الخمس، التي عُقدت لمدة يوم واحد بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وكان من أهم نتائجها توثيق التعاون الاستراتيجي بين الإقليمَين (الخليج العربي، وآسيا الوسطى) في إطار مؤسسي، والاتفاق على عقد القمة بشكل دوري مرة كل عامين؛ حيث عكست القمة مساعي الطرفين إلى تطوير العلاقات بينهما على النحو الذي يحقق المصالح المشتركة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مخرجات رئيسية</span></strong></p>



<p>استقبلت مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية ممثلي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الست، ورؤساء دول آسيا الوسطى (كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجيكستان)، ورأس القمةَ وليُّ العهد السعودي "محمد بن سلمان"، وعُقدت تحت شعار "التنمية والاستقرار في المنطقتين". وتعد هذه القمة تتويجاً للتعاون الاستراتيجي بين المنطقتين، الذي أُقِر بعد عقد الاجتماع الاستراتيجي الأول من نوعه لوزراء الخارجية الخليجيين ونظرائهم من دول آسيا الوسطى بمقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بالرياض في 7 سبتمبر 2022. ومهد الاجتماع لعقد القمة الأولى بين الإقليمين لتتخذ إطاراً مؤسسياً يوثق الشراكة الاستراتيجية بينهم. وبوجه عام، انطوت القمة على عدد من المخرجات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تأكيد التوافق بين دول الخليج وآسيا الوسطى: </strong>سبق عقدَ القمة الأولى الخليجية الآسيوية عقدُ الاجتماع التشاوري الثامن عشر لدول مجلس التعاون الخليجي بجدة، الذي أكد تعزيز التكامل والتعاون المشترك بين الطرفين؛ ما يوضح وجود توافق خليجي على أهمية تعزيز التعاون بين دول الخليج العربي وآسيا الوسطى، كما عُقدت عدة لقاءات ثنائية على هامش القمة؛ حيث عقد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" لقاءات مع رؤساء دول آسيا الوسطى؛ كلٌّ على حدة؛ إذ التقى "سردار بيردي محمدوف" رئيس تركمانستان، و"قاسم جومارت توكاييف" رئيس كازاخستان، و"إمام علي رحمان" رئيس طاجيكستان، و"صادير جباروف" رئيس قيرغيزستان، و"شوكت ميرضيائيف" رئيس أوزبكستان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي سياق ذي صلة، أكد نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء حاكم دبي صاحب السمو الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، في كلمته أمام القمة، أن "القمة بحثت سبل تعزيز العلاقات بين الكتلتين الخليجية والآسيوية؛ للارتقاء بها إلى مستوى الشراكة، وتطوير آليات تضمن استدامة التشاور والحوار. وتمثل القمة فرصة لتوثيق روابط التعاون بين دوله؛ لأن منطقة الخليج العربي نقطة الوصل بين دول آسيا الوسطى والمنطقة العربية"، كما دعا إلى تبني نهج متزن مبني على الحوار والدبلوماسية وفق القانون الدولي؛ لمواجهة التحديات الدولية المشتركة باعتبار ذلك ضماناً لأمن الطاقة والأمن الغذائي والتغير المناخي والأوبئة والنزاعات والصراعات المختلفة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– اعتماد خطة العمل المشتركة:</strong> صدر بيان مشترك للقمة كان أبرز بنوده هو اعتماد خطة العمل المشتركة بين مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى لأربع سنوات (2023– 2027)، وهي القمة التي تشمل مجالات متنوعة، مثل الحوار السياسي والأمني، والتعاون الاقتصادي والاستثماري، وتعزيز التواصل بين الشعوب، وإقامة شراكات فعالة بين القطاعات المختلفة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– التشديد على أهمية مشاريع النقل المشتركة:</strong> شدد البيان المشترك للقمة على ضرورة تطوير طرق النقل المتصلة بين الإقليمين، وبناء شبكات لوجستية وتجارية قوية، وتطوير أنظمة فعالة تسهم في تبادل المنتجات، وتعزيز التعاون في مجال طاقة الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي والابتكار، والتكنولوجيا الخضراء.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– منح أولوية للتعاون الاقتصادي بين الطرفين:</strong> كشفت القمة عن اهتمام كبير من الطرفين بضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي؛ فعلى سبيل المثال، ذكر رئيس جمهورية كازاخستان قاسم جومارت توقاييف، في كلمته بالقمة؛ إن "علينا توسيع نطاق تعاوننا الاقتصادي والاستثماري معاً"، وأضاف: "إننا نعمل على تنويع طرق نقل الطاقة والسلع، ونستهدف زيادة صادراتنا إلى دول الخليج بقيمة 350 مليون دولار"، كما اقترح رئيس جمهورية طاجيكستان "إمام علي رحمان" إنشاء صندوق خليجي للاستثمار في آسيا الوسطى؛ وذلك فيما صرح رئيس تركمانستان "سردار بيردي محمدوف" بأن مجالات الطاقة والنقل والتجارة هي "الأكثر أولويةً بالنسبة إلينا"، واقترح إنشاء غرفة تجارية مشتركة بين دول آسيا الوسطى ومجلس التعاون الخليجي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– طرح قضية مكافحة الإرهاب: </strong>أكد البيان المشترك للقمة إدانة الإرهاب، أياً كانت مصادره، ورفض جميع أشكاله ومظاهره، وتجفيف مصادر تمويله، مُبيناً العزم على تعزيز الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف، ومنع تمويل وتسليح وتجنيد الجماعات الإرهابية لجميع الأفراد والكيانات، والالتزام بمواصلة دعم كل الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة المنظمات الإرهابية، والتصدي لجميع الأنشطة المهددة للأمن والاستقرار. <strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– تحديد أجندة الفعاليات القادمة:</strong> اتفق القادة في الاجتماع على عقد القمة القادمة في مدينة "سمرقند" الأوزبكية عام 2025، على أن يُعقَد منتدى الاستثمار بين دول الخليج ودول آسيا الوسطى بنهاية العام في السعودية، ويُعقَد عام 2024 بدولتي تركمانستان وقيرغيزستان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مسار التعاون</span></strong></p>



<p>تعكس القمة بين دول مجلس التعاون الخليجي ورؤساء دول آسيا الوسطى عدداً من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تزايد الاهتمام بمنطقة آسيا الوسطى: </strong>تنبع أهمية القمة من الأهمية الاستراتيجية لإقليم آسيا الوسطى الذي لم يَحْظَ بالاهتمام العربي الكافي لفترة طويلة، رغم انعكاسات وتداعيات الأمن القومي به على أمن دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية ككل، لا سيما بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان في أغسطس 2021، وإعادة انتشار التنظيمات الإرهابية بها، وبدء الحرب الأوكرانية في فبراير 2022 التي حوَّلت إقليم آسيا الوسطى والقوقاز إلى منطقة صراع ونفوذ بين موسكو وواشنطن.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تنامي الأهمية الاستراتيجية لدول آسيا الوسطى:</strong><strong> </strong>تعد منطقة آسيا الوسطى من المناطق الهامة؛ نظراً إلى موقعها الجغرافي الذي يتوسط القوى الإقليمية الآسيوية الهامة ويتصل بها جغرافياً دول رئيسية مثل (الصين، روسيا، الهند)، كما ترتبط جغرافياً بأفغانستان التي أصبحت مصدر تهديد إرهابي للمنطقة بعد سيطرة حركة "طالبان" الأفغانية على الحكم في أغسطس 2021.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما تمتلك دول المنطقة ثروة نفطية وطبيعية هائلة غير مستغلة؛ حيث تبلغ مساحة الدول الخمس لآسيا الوسطى أربعة ملايين كيلومتر مربع، وتملك نحو 27% من إجمالي احتياطيات النفط العالمي، بينما تملك كازاخستان وحدها أكبر احتياطي يورانيوم في العالم، بينما تملك طاجيكستان وحدها نحو 60% من منابع المياه في آسيا الوسطى، بينما تحتل تركمانستان المركز السادس عالمياً في احتياطيات الغاز الطبيعي، وتعد أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال في آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– الاتصال الثقافي التاريخي بين منطقة الخليج وآسيا الوسطى: </strong>ثمة بُعد ثقافي هام للمنطقة؛ حيث إنه معظم سكانها من الأغلبية الإسلامية، وتلتزم دولها بشعائر الدين الإسلامي، وهي أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي؛ ما يربطها ثقافياً بدول الخليج العربي التي لها نفوذ وتأثير كبير بالمنظمة، لا سيما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– الارتباط بين الأمن القومي الخليجي والآسيوي:</strong><strong> </strong>مما سبق نجد أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الأمن القومي لدول آسيا الوسطى والخليج العربي؛ حيث يسعى الطرفان إلى تحييد أي ارتدادات أمنية محتملة لما يحدث داخل أفغانستان، كما يعطي الطرفان أولوية كبيرة لمواجهة التهديدات الإرهابية، وهو الأمر الذي يستدعي التعاون بينهما من أجل الحفاظ على استقرار وأمن أفغانستان ومنطقة آسيا الوسطى ككل، وكذلك محاربة الجريمة المنظمة بتلك المنطقة؛ حيث تنتشر عمليات الاتجار بالبشر والمخدرات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تبادل الدعم الدولي بين الطرفين: </strong>معظم دول آسيا الوسطى أعضاء بعدة منظمات آسيوية إقليمية؛ منها (منظمة شنجهاي للتعاون)، التي تحظى بعض دول الخليج بصفتي مراقب وشريك للحوار فيها، كما رشحت كازاخستان والسعودية والإمارات لعضوية مجموعة "البريكس" التي تضم (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) المقرر عقد قمتها المقبلة في أغسطس 2023 بجنوب أفريقيا، وستنظر في توسعها وضم دول جديدة إليها؛ ولذا فإن التعاون الدولي بين الرياض وأبوظبي والأستانة تحديداً، سيكون هاماً للغاية لتنسيق المواقف بينها وتبادل الدعم الدولي لكلٍّ منها، لتحظى بعضوية تلك المنظمات الدولية التي تتصاعد أهميتها اقتصادياً وسياسياً في النظام الدولي حالياً.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>مما سبق، نجد أن نجاح القمة الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى، إنما يحقق مصالح الطرفين، ويعزز التعاون بين الطرفين، ويقدم فرصاً جديدة لدول الخليج لتعزيز ارتباطها بمنطقة آسيا الوسطى لا سيما مع الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها المنطقة، وتشارك الطرفان في عدد من المصالح السياسية والاقتصادية وكذلك الأمنية. </strong><strong></strong></p>

      

دلالات انعقاد قمة دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى