د. أحمد عسكر

اعتمد مجلس الأمن الدولي في 2 ديسمبر 2023 بالإجماع القرار رقم 2714 – وهو القرار الذي صاغته بريطانيا – الذي رفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال، الذي تم فرضه لأول مرة على البلاد في يناير 1992 بهدف وقف تدفق الأسلحة لأمراء الحرب عقب انهيار نظام سياد بري. ويكتسب هذا القرار أهمية كبيرة؛ إذ إنه لطالما طالبت الحكومة الصومالية، على مدار السنوات الماضية، برفع القيود عن إمدادات الأسلحة التي استمرت أكثر من ثلاثة عقود، وهو ما ارتبط بتعقد السياق الأمني في المشهد الصومالي بفعل تصاعد نشاط حركة الشباب المجاهدين في أنحاء البلاد، وتمددها إلى الجوار الإقليمي، لا سيما إثيوبيا وكينيا؛ ما دفع مجلس الأمن إلى اعتماد قرار آخَر في الجلسة نفسها يقضي بإعادة فرض حظر الأسلحة على مقاتلي الحركة في البلاد.كما يتزامن هذان القراران مع استمرار العملية العسكرية الشاملة التي يشنها الجيش الصومالي ضد عناصر حركة الشباب في أنحاء البلاد منذ أغسطس 2022؛ وذلك في إطار المساعي الصومالية لطرد حركة الشباب قبل مغادرة قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) المقرر لها في ديسمبر 2024، وهو ما يفتح المجال أمام المزيد من التكهنات حول مستقبل الصومال في ضوء هذه التطورات الجوهرية خلال المرحلة المقبلة.دلالات كاشفة تحمل هذه الخطوة العديد من الدلالات الكاشفة على الصعيدين المحلي والدولي، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:1– نجاح الدبلوماسية الصومالية: أسهمت محاولات الحكومات الصومالية المتعاقبة على مدى السنوات السابقة، بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين في إقناع المجتمع الدولي بضرورة رفع حظر الأسلحة عن الجيش الصومالي؛ من أجل تعزيز المواجهة مع الإرهاب المتنامي في البلاد، وهو ما انعكس في تصويت 14 دولةً عضواً من أصل 15 عضواً بمجلس الأمن لصالح القرار، وما صاحبه من ترحيب إقليمي ودولي بهذه الخطوة.2– تعزيز المواجهة مع حركة الشباب المجاهدين: يدرك المجتمع الدولي أهمية تحمل الجيش الصومالي المسؤولية الأمنية في البلاد، ومن ثم الدفع نحو تعزيز قدراته العسكرية والتسليحية من أجل مواجهة التهديدات الأمنية في البلاد، بما في ذلك تصاعد نشاط حركة الشباب التي لم تستطع القوات الصومالية القضاء عليها منذ انطلاق العملية العسكرية الشاملة في العام الماضي. وقد يسمح استئناف حصول الصومال على المزيد من الأسلحة بتعزيز قدرات القوات الأمنية الصومالية لحماية أمن البلاد واحتواء أي مخاطر مهددة لها.3– التخوف من الفراغ الأمني في البلاد: يشكل العامل الأمني مفتاح عملية إعادة بناء الدولة في الصومال باعتباره ضامناً حقيقياً للاستقرار الداخلي الذي غاب عن البلاد لعقود مضت. ومع استئناف الانسحاب التدريجي للقوات الأفريقية ضمن بعثة أتميس بخروج نحو 3000 جندي من ثماني قواعد عسكرية بحلول نهاية ديسمبر الحالي وتسليم المسؤولية الأمنية للقوات الصومالية، واقتراب الانسحاب النهائي للقوات الأفريقية المزمع في ديسمبر 2024، تتزايد المخاوف من عدم قدرة الجيش الصومالي على ملء الفراغ الأمني، بما يمنح الحركة الفرصة لتوسيع نفوذها والسيطرة على رقعة جغرافية أكبر؛ الأمر الذي يهدد مستقبل الصومال ويشكل تهديداً وجودياً لأمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي خلال المرحلة المقبلة.4– الدعم الإقليمي للصومال: عزز الصومال، خلال الفترة الأخيرة، من تحركاته على الصعيد الإقليمي من أجل عملية الحشد والتعبئة للضغط على المجتمع الدولي؛ من أجل رفع حظر الأسلحة المفروض على مقديشو لأكثر من 31 عاماً، وهو ما عبَّر عنه تضامُن إثيوبيا مع الصومال في دعواتها المتكررة لمجلس الأمن الدولي للنظر في طلب الحكومة الصومالية؛ وذلك في خضمِّ زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى أديس أبابا في سبتمبر 2022.5– ثقة المجتمع الدولي بالحكومة الصومالية: يبدو أن المجتمع الدولي بات ينظر إلى حكومة الرئيس حسن شيخ محمود بإيجابية، خاصةً مع النجاحات التي تحرزها القوات الصومالية في عمليتها العسكرية الشاملة ضد عناصر حركة الشباب في وسط وجنوب البلاد – ولو بشكل نسبي – بالإضافة إلى تحركات حسن شيخ محمود على المستويَين الإقليمي والدولي لتطوير علاقات الصومال مع العالم الخارجي، بما يعزز ثقته بها وينعكس بطبيعة الحال على مكانتها الإقليمية والدولية؛ الأمر الذي أسهم في تمرير القرار الأممي الأخير لصالح الصومال.تداعيات محتملة يطرح قرار مجلس الأمن بشأن رفع حظر الأسلحة عن الصومال جملة من التداعيات المحتملة محلياً وإقليمياً ودولياً، ويتمثل أبرز تلك التداعيات في:1– ارتفاع شعبية النظام الصومالي الحاكم: من المتوقع أن تزداد أسهم الرئيس حسن شيخ محمود وحكومته لدى الرأي العام الصومالي، بفضل نجاحه في إقناع المجتمع الدولي بإصدار القرار الأممي الأخير، وهو ما قد يسهم في تسكين بعض الملفات الضاغطة على النظام في الداخل الصومالي، مثل الملف الاقتصادي، كما يعزز نفوذه الداخلي في مواجهة بعض الولايات الصومالية خلال الفترة المقبلة في ضوء التوترات المستمرة بين الطرفين.2– تعزيز القدرات العسكرية للصومال: يمثل القرار الأممي فرصة جيدة للحكومة الصومالية لإعادة بناء الجيش الصومالي، بما في ذلك رفع كفاءة عناصره القتالية والتسليحية؛ ما يعزز قدرات البلاد على مواجهة الإرهاب بنفسها، والدفع نحو القضاء نهائياً على مخاطر حركة الشباب في البلاد أو على الأقل تشكيل المزيد من الضغوط عليها، بما يسهم في تحجيم تمددها في الداخل والخارج خلال الفترة المقبلة تمهيداً لتصفيتها.وإن كان هناك تخوف في المقابل من سقوط السلاح مستقبلاً في يد حركة الشباب لأسباب مختلفة، ومنها الإغراءات المادية التي تُقدِّمها لبعض العناصر العسكرية أو هجمات الحركة على القواعد والمواقع العسكرية الحكومية، والاستيلاء على الأسلحة والمعدات العسكرية منها أو من المخازن غير الآمنة، وهو ما قد يشكل تهديداً لأمن واستقرار الصومال خلال المرحلة المقبلة.3– توسيع دائرة المواجهة مع حركة الشباب: من شأن قرار مجلس الأمن بخصوص الصومال أن يسهم في رفع معنويات عناصر الجيش الصومالي؛ ما قد ينعكس على إحراز المزيد من التقدم العسكري خلال العملية العسكرية الشاملة المستمرة في أنحاء الصومال، وتوسيع دائرة المواجهة مع عناصر الحركة بهدف التخلص منها واستعادة السيطرة على الأراضي التي تقع ضمن مناطق نفوذها في وسط وجنوب البلاد.4– تنامي مخاوف بعض الولايات الصومالية: قد تشعر بعض حكومات الأقاليم الصومالية بالخطر نتيجة التفوق العسكري المحتمل للحكومة المركزية بعد رفع الحظر؛ وذلك في ضوء تذبذب العلاقات بين المركز والأقاليم في بعض الأحيان. وقد عبرت حكومة إقليم أرض الصومال – الذي أعلن استقلاله من جانب واحد في عام 1991 – عن معارضتها القرار الأممي بحجة افتقار الحكومة الفيدرالية الصومالية لآليات رقابة الأسلحة، وتداعيات ذلك السلبية على أمن القرن الأفريقي، وهو ما يعكس حقيقة تخوفها من اختلال ميزان القوة العسكرية لصالح الحكومة الفيدرالية، وتزايد احتمالات شنها حرباً لإعادة ضم الإقليم إلى الصومال مجدداً، خاصةً أن من أبرز أولويات الرئيس حسن شيخ محمود عقب توليه السلطة في مايو 2022 هي الحفاظ على وحدة الصومال وتماسكه.5– قلق بعض الأطراف الإقليمية: تخشى بعض دول الجوار الإقليمي، مثل إثيوبيا وكينيا، وجود صومال قوي مستقر بجوارهما، وهو تخوف مشترك بينهما، وما قد يشكله من تهديد لنفوذهما الإقليمي في المنطقة – مع التسليم بمواقفهما الإيجابية الداعمة للحكومة الصومالية خلال الفترة الأخيرة ظاهرياً – والمخاوف من مطالبة الحكومة الصومالية لهما بعودة بعض المناطق التي يسيطر عليها البلدان إلى السيادة الصومالية، مثل إقليم أوجادين (الإقليم الصومالي في إثيوبيا) ومقاطعة شمال شرق كينيا؛ لذلك تحاول كل من أديس أبابا ونيروبي بشكل أساسي الحفاظ على علاقات ودية مع الحكومة الصومالية بما يحول دون فتح هذا الملف خلال المرحلة المقبلة.6– سرعة انسحاب قوات أتميس: قد يؤدي تعزيز الصومال قدراته العسكرية بناء على قرار مجلس الأمن الأخير إلى سرعة انسحاب قوات أتميس بحد أقصى في موعدها المحدد المقرر في ديسمبر 2024 دون مطالبة من جانب الحكومة الصومالية بتمديد وجودها في الداخل الصومالي لفترة أطول. ويرتهن ذلك بقدرة الجيش الصومالي على تعزيز قدراته ورفع كفاءته لكي يتحمل مسؤوليته الأمنية بشكل كامل خلفاً لأتميس بحلول عام 2025، وربما يتطلب ذلك أيضاً تكثيف الدعم الإقليمي والدولي لكي يتجاوز الصومال هذه المرحلة لاستعادة الاستقرار بعد سنوات من الاضطرابات الأمنية.7– الصومال ساحة للتنافس الدولي: ربما يلعب هذا القرار دوراً في تدافع العديد من القوى الدولية الفاعلة باتجاه الصومال، من أجل الترويج لصادراتها التسليحية في المشهد الصومالي لجميع الأطراف الفاعلة هناك بما في ذلك الحكومة المركزية وبعض العشائر والميليشيات المحلية حتى حركة الشباب التي تمتلك قدرات مالية فائقة؛ وذلك في حالة استمرار السياق الأمني المضطرب في الداخل الصومالي.وإجمالاً، يُفترض أن ينعكس قرار مجلس الأمن برفع حظر السلاح عن الصومال إيجاباً على مستقبل البلاد، لا سيما تعزيز الاستقرار الأمني وانعكاساته على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية هناك، إلا أن ذلك يظل مرهوناً بمسارعة الحكومة الصومالية بإعادة تأهيل وتسليح الجيش الصومالي، ورفع قدرات عناصره القتالية والتدريبية، والمضي قدماً نحو تحجيم نشاط حركة الشباب المجاهدين في الداخل الصومالي، بالإضافة إلى توافر الدعم الدولي للصومال لتحقيق تلك الأهداف؛ حتى لا يتقهقر للوراء مجدداً، بما يعيد إلى الأذهان فترة ما بعد انهيار نظام سياد بري، وما قد يترتب عليه من تمدد حركة الشباب في الداخل والخارج، وما ينطوي عليه من تهديد لأمن واستقرار القرن الأفريقي مستقبلاً.

التداعيات المحتملة لرفع مجلس الأمن حظر التسلح عن الصومال