عمرو عبدالعاطي

انطلق في 4 سبتمبر 2024 منتدى التعاون الصيني–الأفريقي التاسع لمدة ثلاثة أيام، وهو المنتدى الذي يصفه المسؤولون الصينيون بأنه أكبر حدث دبلوماسي استضافته بكين في السنوات الأخيرة؛ حيث يعد أول تجمع كبير بين القادة الصينيين والأفارقة في بكين منذ عام 2018. ويهدف المنتدى إلى تأكيد كون بكين شريكاً رئيسياً لدول القارة، رغم تباطؤ الإقراض الصيني من أجل تنميتها، وتعزيز العلاقات الصينية–الأفريقية في وقت تتزايد فيه الإضرابات السياسية والاقتصادية حول العالم. وعلى مدار العقدين الماضيين، أثمرت دبلوماسية الصين مع الدول الأفريقية؛ حيث ارتفعت لتصبح أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن خُمس صادرات أفريقيا تذهب إلى الصين، ويشمل الجزء الأكبر منها المعادن والمنتجات المعدنية والوقود. وبالنسبة إلى الدول الأفريقية، تُعد بكين أيضاً أكبر مصدر للسلع والآلات المصنعة في الصين.دلالات رئيسيةيحمل انعقاد المنتدى في السياق الدولي الحالي بعض الدلالات التي يتمثل أبرزها فيما يلي: 1– تصاعد الحضور الصيني في أفريقيا: تُعد القارة الأفريقية – بما تتضمنه من احتياطيات من المعادن الاستراتيجية الضرورية لجهود التحول إلى الطاقة النظيفة، وبما تمتلكه من سوق استهلاكية كبيرة، و54 صوتاً في الأمم المتحدة – محوراً للتنافس بين الصين والقوى الدولية الأخرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بكين تفوقت عليها في بناء نفوذها بالقارة من خلال الانخراط في مشاريع بناء البنية التحتية التي تتراوح بين محطات الطاقة والسدود والطرق عبر مجموعة من الدول الأفريقية، لتصبح القوة الدولية الأكثر نفوذاً وتأثيراً.وقد انعكس ذلك في نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "إيتشيكويتز فاميلي"، وصدر في 3 سبتمبر 2024، وأكد أن الصين لا تزال القوة الدولية الرئيسية التي لها أكبر تأثير إيجابي على شباب القارة؛ ما يشير إلى القيود أمام الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز مكانتها في القارة؛ حيث يعتبر 82% من الشباب الأفارقة تأثير بكين على القارة إيجابياً، مقابل 79% لواشنطن.2– عدم ارتباط قروض الصين بمشروطيات سياسية: على عكس سياسة القروض التي تقدمها المؤسسات التمويلية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي تتضمن مشروطيات تتعلق بضرورة اتخاذ الدول المتلقية لها خطوات تتعلق بالبيئة، وقضايا الديمقراطية، والإصلاح السياسي، وحقوق الإنسان؛ فإن سياسة الإقراض الصينية لا تتضمن تلك الشروط؛ ما يجعلها تلقى ترحيباً كبيراً من الدول الأفريقية.وقد ارتفعت قروض الصين إلى أفريقيا عبر بنوكها الحكومية من 98.7 مليون دولار في عام 2000 إلى ذروتها في عام 2016 لتصل إلى 28.8 مليار دولار، وفقاً لمركز سياسة التنمية العالمية بجامعة بوسطن؛ ما جعل بكين أكبر دائن لأفريقيا في العالم. ورغم انخفاض تلك الأرقام في السنوات التالية، وخلال جائحة كورونا، فإنها عادت لترتفع إلى 4.6 مليار دولار في العام الماضي، وقد أكسبتها تلك القروض نفوذاً غير مسبوق في القارة.3– تنامي شراكات صينية مع دول الجنوب العالمي: تسعى الصين – مع احتدام سياسات منافسة القوى العظمى التي أضحت تسيطر على السياسات الأمريكية، وجهود الإدارات الأمريكية الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة لإعادة تشكيل تحالفاتها حول العالم، لتكون أكثر تركيزاً على التحدي الذي يمثله الصعود الصيني للقوة والنفوذ الأمريكيين عالمياً – إلى أن تكون قائدة لدول الجنوب العالمي، بينما يتراجع اهتمام الأخيرة أمريكياً ليكون أكثر دعماً للرؤية الصينية للتحولات الدولية، ودعم المصالح والسياسات الصينية في المؤسسات الدولية والتصويت داخلها بما يتفق مع الرؤية الصينية للمشكلات والقضايا العالمية، التي تختلف في كثير من الأوقات عن الرؤية الغربية والأمريكية. ويأتي انعقاد المنتدى، الذي يهدف إلى تعزيز النفوذ الصيني في القارة الأفريقية، في إطار الاستراتيجية الصينية لقيادة دول الجنوب العالمي.4– بحث الصين عن أسواق جديدة للطاقة الخضراء: تُحدِث الصين تحولات في خريطة استثماراتها بالقارة الأفريقية بحيث لا تعتمد فقط على مشاريع البنية التحتية الأساسية، واستيراد المعادن المهمة لتقنيات الطاقة الخضراء لجعل القارة سوقاً لإنتاجها الغزير للتكنولوجيا الخضراء مثل الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية، وقد ترحب الدول الأفريقية التي تتصارع مع نقص الطاقة وتهديد المناخ بهذه الخطوة. ويأتي التحرك الصيني للتركيز على التقنيات الخضراء في علاقاتها مع الدول الأفريقية، بينما تواجه تعريفات جمركية كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وكندا؛ حيث تتحرك تلك الأسواق لمنع ما تراه طوفاناً من المنتجات المدعومة بشكل غير عادل.وتشكل الاستثمارات الصينية في تصنيع التكنولوجيا الخضراء ثلاثة أرباع الاستثمار العالمي. وقد حوَّلت هذه الاستثمارات الضخمة الصين إلى أكبر مورد في العالم وأقل تكلفة للعديد من التقنيات والمعادن الحيوية اللازمة لانتقال الطاقة النظيفة. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، أنتجت شركات صناعة السيارات الصينية أكثر من نصف السيارات الكهربائية التي تم بيعها في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي. وتتركز أيضاً الطاقة الإنتاجية العالمية للسيارات الكهربائية والبطاريات ذات الاستخدام الصناعي وتوربينات الرياح والألواح الشمسية في الصين.أزمات متعددةرغم نجاح الصين خلال العقدين الأخيرين في تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري بالقارة الأفريقية، واللقاءات المتعددة مع الدول الأفريقية على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، فإنها تواجه راهناً جملة من التحديات التي يتمثل أبرزها فيما يلي:1– استمرار فخ الديون الصينية لدول القارة: رغم مساعدة القروض الصينية الدول الأفريقية في مشاريع البنية التحتية الرئيسية، ولا سيما محطات الطاقة الكهرومائية، والطرق، وخطوط السكك الحديدية؛ فإنها أثقلت ميزانيات عدد من دول القارة، وتخلف بعضها عن سداد ديونها؛ ما أدى إلى عمليات إعادة هيكلة مطولة، بعد أن فشل كثير من المشروعات المدعومة من الصين في تحقيق التوقعات المرجوة منها، وهو ما تفاقم بسبب جائحة فيروس كورونا.فقد أعاد تخلف زامبيا عن سداد ديونها في عام 2020 تسليط الضوء على دور الصين في تمويل الدول الأفريقية، كما تخلفت غانا أيضاً عن سداد ديونها، ولا يزال هناك أكثر من 10 دول أفريقية أخرى معرضة بشكل كبير لأزمات الديون. وتتحمل أنجولا أكبر حصة من الديون الصينية؛ إذ تدين الآن لبكين بنحو 17 مليار دولار، أي أكثر من ثلث إجمالي ديونها الخارجية.وفي معالجة تعثر العديد من الدول الأفريقية عن سداد ديونها، تبنت الحكومة الصينية استراتيجية جديدة تركز على الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بما يسمح للحكومات الأفريقية التي تعاني من نقص السيولة بالاستمرار في الاقتراض دون زيادة ديونها السيادية المعلنة رسمياً.2– ضغوط أفريقية لمزيد من الاستثمارات الصينية: يسعى القادة الأفارقة إلى إحداث تحولات في علاقاتهم مع الصين بحيث لا تعد مقتصرة على إثقال كاهل ميزانياتهم بالديون الصينية، وإلى مزيد من الاستثمار والتجارة مع بكين لتعزيز اقتصادات الدول الأفريقية، وعدم اقتصار التجارة الصينية الأفريقية على تبادل المواد الخام الأفريقية بالسلع الصينية، وسيضغطون خلال المنتدى من أجل تحقيق تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج في عام 2021 باستيراد منتجات بقيمة 300 مليار دولار من أفريقيا. وقد قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إنه سيعمل خلال اجتماعه الثنائي مع الرئيس الصيني جين بينج على التركيز على جهود تضييق العجز التجاري ومعالجة هيكل التجارة بين البلدين.3– منافسة غربية لتمويل البنية التحتية الأفريقية: بعد فترة من ترك القوى الغربية – وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية – الساحة مواتية للصين للهيمنة على تمويل مشاريع البنية التحتية في الدول الأفريقية في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، أضحت الدول الغربية تركز على منافسة الصين في القارة؛ حيث أطلقت واشنطن وشركاؤها الأوروبيون في السنوات الأخيرة جهودها الخاصة لتمويل البنية التحتية في أفريقيا، التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها مدفوعة بقلقها بشأن تزايد النفوذ الواسع لبكين في القارة، ووصولها إلى المعادن الحيوية الأفريقية الأساسية لتصنيع التكنولوجيا الخضراء.4– عدم اكتمال المشاريع الصينية ببعض دول القارة: انخرطت الحكومة الصينية منذ تدشين مبادرة "الحزام والطريق" في عام 2013 في مشاريع البنية التحتية الرئيسية في دول القارة، ولكن بعد عقد لا تزال بعض تلك المشروعات غير مكتملة، مثل مشروع السكك الحديدية في كينيا، الذي تبلغ تكلفته 3.8 مليار دولار، وهو ما تنظر إليه عدد من الدول الأفريقية على أنه تجسيد لعدم وفاء الحكومة الصينية بالتزامات مبادرة "الحزام والطريق".ختاماً، يُعقد منتدى التعاون الصيني الأفريقي لعام 2024 على خلفية اتجاهين مهمين؛ يتمثل أولهما في المنافسة بين القوى الدولية الكبرى في ظل هيمنة سياسات منافسة القوى العظمى على استراتيجياتها الدولية وتعزيز نفوذها في دول الجنوب العالمي، الذي أضحى فاعلاً دولياً مؤثراً في التحولات الدولية راهناً، وينصرف ثانيهما إلى تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والانقسام الواضح بشكل متزايد بين الشمال والجنوب حول قضايا دولية مختلفة.

دلالات انعقاد منتدى التعاون الصيني–الأفريقي التاسع ببكين