عمرو عبدالعاطي

في إجراء غير مسبوق، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن إقالة عدد من قيادات الجيش الأمريكي، أبرزهم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون، الذي كان أول أسود يشغل المنصب، وتم تعيينه في هذا المنصب من قِبَل الرئيس السابق جو بايدن في عام 2023. وقد تزامنت هذه الإقالة مع إعلان وزير الدفاع بيت هيجسيث، عن إقالة الأدميرال ليزا فرانشيتي أول امرأة تقود القوات البحرية، وقد تم تعيينها وفقاً للأوامر التنفيذية التي تعزز التنوع والمساواة في الجيش، والجنرال جيمس سلايف نائب رئيس أركان القوات الجوية. وقد قال هيجسيث إنه سيستبدل كبار المحامين في الخدمات العسكرية؛ لأنه لا يعتقد أنهم "مناسبون" لتقديم التوصيات عند إصدار الأوامر القانونية. دلالات الإقالاتيكمن وراء قرار الرئيس الأمريكي ووزير الدفاع إقالة عدد من كبار قادة الجيش الأمريكي، ومسؤولين مدنيين وقانونيين بالبنتاجون؛ جملة من الدلالات يتمثل أبرزها فيما يلي:1– معاقبة المسؤولين عن إخفاق عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان: مع الانتقادات المتعددة التي وجهها الرئيس الأمريكي لعملية الانسحاب من أفغانستان في أغسطس 2021 خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، التي اعتُبرت فشلاً استراتيجياً أدى إلى تداعيات كارثية على صورة الولايات المتحدة عالمياً؛ أعلن مع عودته إلى البيت الأبيض عن عزمه محاسبة كبار المسؤولين العسكريين الذين شاركوا في إدارة الانسحاب، معتبراً أنهم ارتكبوا "إخفاقات فادحة"، وقد بدأ بالفعل بإقالة عدد من كبار القادة في وزارة الدفاع، منهم رئيس هيئة الأركان المشتركة وكبار قادة البحرية والقوات الجوية، كجزء من عملية تطهير واسعة تهدف إلى استبدال القيادات التي يراها مسؤولة عن الفشل. وقال وزير الدفاع: "نحن نقوم بمراجعة كاملة لكل جانب مما حدث مع الانسحاب الفاشل لأفغانستان، ونخطط للمساءلة الكاملة".&nbsp;2– فرض سيطرة أكبر على المؤسسة العسكرية: تأتي إقالات عدد من القيادات بوزارة الدفاع الأمريكية في إطار توجه إدارة ترامب نحو فرض سيطرة أكبر على الجيش الأمريكي، وضمان توافق القادة العسكريين مع رؤيته الاستراتيجية القائمة على مبدأ "أمريكا أولاً"، خصوصاً فيما يتعلق بالسياسة الدفاعية الأمريكية في الخارج، لا سيما في ظل الخلافات الفكرية بينه وبين بعض القادة المقالين، مثل موقف براون المؤيد لسياسات التنوع داخل الجيش، التي يعارضها ترامب.وتؤيد الإقالات أيضاً نهج الرئيس الأمريكي الذي يتبعه منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض، القائم على أن الولاء المطلق هو المحدد الرئيسي لتولي المناصب العليا في وزارة الدفاع، بدلاً من تقديم أفضل مشورة عسكرية للرئيس، وهي الوظيفة التي من المفترض أن تكون الوظيفة الأساسية لتلك المناصب؛ ما قد يؤدي إلى عزوف الكفاءات عن الخدمة العسكرية ويؤثر على استقرار المؤسسة الدفاعية.3– إحداث تغييرات هيكلية في وزارة الدفاع: تأتي الإقالات والتغييرات المتوقعة في قيادات الجيش الأمريكي وسط خطط لإجراء تعديلات جذرية في ميزانية الدفاع، وإعادة توزيع القوات الأمريكية عالمياً، مع التركيز على تقليل الوجود العسكري في بعض المناطق، وتعزيز القدرات الدفاعية على الحدود الأمريكية. وتشمل هذه التغييرات أيضاً إلغاء برامج التنوع والشمول داخل الجيش، وهو ما يعتبره ترامب من مظاهر "الاستيقاظ السياسي"، فضلاً عن إعادة هيكلة الطاقم المدني في البنتاجون؛ لضمان توافقه مع سياساته الجديدة. هذه التحركات تثير جدلاً واسعاً حول مدى تأثيرها على جاهزية الجيش واستقلاليته عن التأثيرات السياسية.4– استخدام الجيش لتنفيذ سياسات ترامب الداخلية: أثارت إقالة ترامب عدداً من كبار القادة العسكريين مخاوف بين الديمقراطيين بشأن نواياه في استخدام الجيش لتحقيق أهداف سياسية داخلية، خاصةً فيما يتعلق بملف الهجرة غير الشرعية؛ فقد أعرب السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال عن قلقه من أن هذه الإقالات قد تكون تمهيداً لإشراك القوات المسلحة في تنفيذ سياسات ترامب الصارمة على الحدود، مشيراً إلى أن الرئيس لطالما عبَّر عن رغبته في توظيف الجيش لتعزيز إجراءات الهجرة غير الشرعية.5– معارضة سياسات التنوع والشمول بالجيش: تعكس الإقالات الواسعة التي نفذها الرئيس دونالد ترامب، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، رفضاً واضحاً لسياسات التنوع والشمول داخل المؤسسة العسكرية؛ إذ استهدفت عملية التطهير قادة بارزين دافعوا عن هذه السياسات باعتبارها ضرورية لتعزيز كفاءة الجيش وجذب الكفاءات من مختلف الخلفيات، كما أن الإقالات طالت قادة عسكريين لم يُظهِروا معارضة علنية لهذه المبادئ؛ ما يشير إلى أن العامل الحاسم في استبدالهم لم يكن الأداء المهني، بل مدى توافقهم مع توجهات الإدارة التي ترى في سياسات التنوع تهديداً للعقيدة العسكرية التقليدية.تؤكد هذه الخطوة أن ترامب وهيجسيث يسعيان إلى إعادة تشكيل الجيش وفق معايير أيديولوجية، تُقصي المبادئ التي سعت الإدارات السابقة إلى ترسيخها، وتُعيد المؤسسة العسكرية إلى نموذج أكثر تقليديةً يرفض الاعتراف بأهمية التنوع في تعزيز فاعلية الجيش؛ إذ سبق لهيجسيث أن صرَّح بأن براون وصل إلى منصبه "بسبب لون بشرته"، كما وصف فرانشيتي بأنها "تعيين قائم على التنوع لا على الكفاءة"؛ ما يعكس موقفاً متشدداً ضد أي تغييرات تعكس التنوع داخل الجيش الأمريكي. ولا تُهدد هذه التوجهات فقط بتقويض الإنجازات التي تحققت في دمج مختلف الفئات داخل الجيش، بل قد تؤثر أيضاً على معنويات القوات المسلحة وعلاقتها بالمجتمع الأمريكي، الذي أصبح أكثر تنوعاً وانفتاحاً خلال العقود الأخيرة.6– تقليل القيود القانونية على العمليات العسكرية في الخارج: تعكس الإقالات الجماعية في صفوف كبار القادة العسكريين رغبة إدارة ترامب في تقليل القيود القانونية على العمليات العسكرية، خاصةً فيما يتعلق بقوانين الحرب والمساءلة داخل الجيش؛ فقد شملت الإقالات المستشارين القانونيين الرئيسيين في الجيش، المعنيين بتطبيق القوانين العسكرية، والتأكد من التزام القوات المسلحة بالمعايير القانونية الدولية. وتثير هذه الخطوة المخاوف من أن ترامب وهيجسيث يسعيان إلى إعادة صياغة النهج القانوني داخل الجيش بطريقة تُقلِّص دور المحاسبة، وتعزز حرية القادة الميدانيين في اتخاذ قرارات قد تتعارض مع المبادئ القانونية المتعارف عليها دولياً.ويعزز هذه المخاوف سجل ترامب السابق في العفو عن عسكريين متهمين بارتكاب جرائم حرب خلال ولايته الأولى، ودعمه ضباطاً طُردوا من الخدمة بسبب انتهاكات قانونية، كما أن تصريحات هيجسيث التي وصف فيها المستشارين القانونيين للجيش بـ"العقبات البيروقراطية"، توحي بأن الإدارة تسعى إلى تهميش الضوابط القانونية التي تحكم استخدام القوة العسكرية. ولا يهدد هذا التوجه فقط سمعة الجيش الأمريكي كمؤسسة تلتزم بالقانون الدولي، بل قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على العلاقات مع الحلفاء، ويعزز الاتهامات بأن واشنطن لم تعد تأخذ قوانين الحرب بجدية؛ ما قد يعرِّض القوات الأمريكية لمخاطر قانونية ودبلوماسية متزايدة في المستقبل.7– غضب ديمقراطي من تسييس وزارة الدفاع: أثارت قرارات الرئيس دونالد ترامب بإقالة عدد من كبار القادة العسكريين غضباً واسعاً في الأوساط الديمقراطية؛ حيث اعتبرها نواب بارزون في الكونجرس محاولة غير مسبوقة لتسييس المؤسسة العسكرية وإخضاعها لاختبارات الولاء السياسي؛ فقد انتقد السيناتور جاك ريد كبير الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، هذه الإقالات، محذراً من أنها تقوض الاحترافية والثقة داخل الجيش الأمريكي، وتخلق بيئة من عدم الاستقرار في وزارة الدفاع، كما شدد على أن استبدال القادة العسكريين من دون مبررات واضحة، خاصة أولئك الذين تم تعيينهم وفق معايير مهنية، يبعث رسالة خطيرة حول استقلالية الجيش عن الضغوط السياسية.ومن جانبه، وصف النائب الديمقراطي سيث مولتون – وهو من قدامى المحاربين – قرارات ترامب بأنها "غير أمريكية وغير وطنية"، محذراً من أنها تعرض الأمن القومي للخطر وتضعف معنويات القوات المسلحة، وأكد أن الجيش الأمريكي لطالما التزم بمبدأ الحياد السياسي، وأن استخدام الإقالات لتصفية الحسابات الأيديولوجية يشكل سابقة خطيرة. كما أعرب ديمقراطيون آخرون عن قلقهم من أن هذه التغييرات تأتي في إطار حملة أوسع لتفكيك سياسات التنوع والشمول داخل الجيش؛ ما يعكس توجهاً نحو فرض أجندة سياسية ضيقة على المؤسسة العسكرية التي يجب أن تبقى مستقلة عن التجاذبات الحزبية.8– تأكيد جمهوري لحق الرئيس في الإقالات: في مقابل الانتقادات الديمقراطية لإقالات قيادات بالجيش، أكد العديد من الجمهوريين في الكونجرس حق الرئيس دونالد ترامب في إقالة كبار القادة العسكريين، معتبرين أن هذه الصلاحية تندرج ضمن سلطات القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ فقد أشار السيناتور مايك راوندز إلى أن الرئيس لديه السلطة الكاملة لاختيار من يشغل منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة، مضيفاً أنه رغم اعتقاده أن الجنرال براون قام بعمل جيد، فإن لترامب الحرية في أن يستبدل به مَن يراه مناسباً. ومن جهته، قارن السيناتور ثوم تيليس هذه الإقالات بتغييرات أجراها رؤساء سابقون، مثل باراك أوباما خلال الحرب في أفغانستان؛ ما يوحي بأن قرارات ترامب ليست سابقة غير معهودة.كما شدد السيناتور جوش هاولي على أن للرئيس الحق في تشكيل فريقه العسكري وفق رؤيته الخاصة، معتبراً أن إقالة براون قد تكون جزءاً من استراتيجية لتجديد القيادة العسكرية. وفي السياق ذاته، اعتبر بعض الجمهوريين، مثل النائب ديريك فان أوردن، أن إقالة القادة العسكريين ضرورية لتغيير قيادة وزارة الدفاع بالكامل، مشيراً إلى أن كبار المسؤولين العسكريين في عهد الرئيس جو بايدن لم يكونوا مؤهلين لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المطلوبة.9– تأثيرات على كفاءة الجيش الأمريكي ومعنويات العسكريين: قد تؤدي إقالات ترامب لعدد من كبار القادة العسكريين إلى تراجع معنويات الجيش الأمريكي وإضعاف كفاءته، خاصةً إذا اعتُبرت القرارات ذات دوافع سياسية أكثر من كونها مبنيةً على الأداء المهني؛ إذ يرى منتقدو الإقالات أن استبدال قادة يُنظر إليهم على أنهم أكثر ولاءً للرئيس مكانَ قادة بارزين آخَرين، قد يخلق حالة من عدم الاستقرار داخل الجيش، ويدفع الضباط والجنود إلى التشكيك في مدى استناد الترقيات والتعيينات إلى الكفاءة والجدارة المهنية، كما أن مثل هذه الخطوات قد تؤثر سلباً على قدرة الجيش على جذب الكفاءات والاحتفاظ بها؛ حيث قد يتردد القادة العسكريون المستقبليون في تولي مناصب قيادية إذا شعروا أن مستقبلهم المهني مرهون بالولاء السياسي بدلاً من الخبرة الاستراتيجية والقدرة العملياتية.إخفاقات مزدوجةتكشف الإقالات الجماعية التي نفذها الرئيس دونالد ترامب في صفوف كبار القادة العسكريين عن مساعٍ واضحة لتسييس الجيش الأمريكي؛ إذ لم تأتِ هذه الخطوة نتيجة إخفاقات عسكرية أو عملياتية، بل بدت مدفوعة باعتبارات سياسية وأيديولوجية؛ فقد شملت الإقالات شخصيات بارزة مثل رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون، وقادة في القوات البحرية والجوية، إضافة إلى المستشارين القانونيين الرئيسيين في الجيش، وهو ما يثير القلق بشأن محاولة الإدارة فرض رؤية موالية للبيت الأبيض على المؤسسة العسكرية، بدلاً من الحفاظ على استقلاليتها المهنية. ويشير هذا النهج إلى رغبة ترامب في تشكيل قيادة عسكرية أكثر انسجاماً مع توجهاته السياسية، بدلاً من الاعتماد على معايير الكفاءة والخبرة العسكرية.والأمر الأكثر إثارةً للجدل هو أن عمليات الإقالة استهدفت قادة عُرفوا بدعمهم سياسات التنوع والشمول، وهو ما يعكس عداء الإدارة لهذه المبادئ داخل المؤسسة العسكرية، كما أن استهداف كبار المستشارين القانونيين في الجيش يعزز الشكوك بأن البيت الأبيض يسعى إلى تقليل القيود القانونية على العمليات العسكرية، وربما يعيد صياغة مبادئ قوانين الحرب والمساءلة داخل الجيش. ولا يُعيد هذا التوجه تشكيل القيادة العسكرية فقط، بل يهدد بتحويل الجيش إلى أداة سياسية تخدم أجندة الرئيس؛ ما قد يُضعف تقاليد الحياد المؤسسي التي ميَّزت الجيش الأمريكي لعقود، ويؤثر على علاقته المستقبلية بالكونجرس وبالمجتمع الأمريكي.

دلالات إقالة ترامب ووزير الدفاع قيادات بالجيش الأمريكي