 شيماء محمود

تمر السنغال بتحولات سياسية متصاعدة خلال الآونة الأخيرة، ولعل آخرها إعلان "التحالف من أجل شفافية الانتخابات" (ATEL) تنظيم تظاهرة حاشدة في 27 سبتمبر 2024 بغية زيادة الضغوط على الحكومة؛ لضمان إجراء الانتخابات التشريعية حرة ونزيهة، التي من المزمع إجراؤها في 17 نوفمبر 2024؛ وذلك عقب قيام الرئيس السنغالي بحل "الجمعية الوطنية" التي تهيمن عليها المعارضة السياسية كخطوة استباقية ووقائية لإجراء محتمل متعلق بسحب الثقة من الحكومة من قِبل البرلمان. وتأتي هذه التطورات في إطار توترات واسعة النطاق بين الحكومة والمعارضة، وهي التوترات التي قد ينتج عنها جملة من التداعيات المصاحبة للانتخابات البرلمانية المقررة.توترات مشتعلةثمة عدد من المؤشرات الدالة على تفاقم وتيرة التوترات السياسية بين النظام الحاكم والمعارضة السياسية في السنغال خلال الآونة الأخيرة، وهي المؤشرات المتمثلة فيما يلي: 1– تجميع المعارضة صفوفها ضد النظام الحاكم: تبلور ذلك من خلال تشكيل المعارضة السياسية في 22 أغسطس 2024 ائتلافاً موسعاً تحت مسمى "كتلة الليبراليين والديمقراطيين" (BLD) bloc of liberals and democrats، وهو الائتلاف الذي يضم عدداً كبيراً من الأحزاب والحركات السياسية المعارضة للنظام الحاكم بقيادة "باسيرو ديوماي فاي"؛ حيث اشتمل على نحو (40) حزباً سياسياً؛ من أبرزها "التحالف من أجل الجمهورية" (APR)، وهو الحزب الذي ينتمى إليه الرئيس السنغالي السابق "ماكي سال"، وحزب "ريومي" Rewmi الذي يقوده "إدريسا سيك"، الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين 2002 و2004 في عهد الرئيس الأسبق "عبد الله واد"، وشارك للمرة الرابعة على التوالي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة المنعقدة في عام 2024، كما أنه كان يعد من أبرز معارضي الرئيس السابق "ماكي سال" قبل أن ينضم إليه ويسانده لاحقاً، ويضاف إلى ذلك "الحزب الليبرالي – الديمقراطي"، واتحاد الوسطيين في السنغال (UCS).والجدير بالذكر أن الإعلان التأسيسي للائتلاف الجديد قد أشار إلى أن الهدف الرئيسي له يتمثل في تجميع الموارد البشرية والمادية والمالية لإنشاء تكتل معارض للحكومة، وهو التكتل الذي يجسد في الأساس تكتلاً أيديولوجياً مختلفاً عن النظام الحاكم في المقام الأول، كما أنه تكتل انتخابي مؤثر في الانتخابات التشريعية المقبلة في الدولة؛ وذلك من أجل الحصول على الأغلبية البرلمانية لإدخال النظام الحاكم في حالة تعايش مع المعارضة السياسية.2– إعلان الرئيس السنغالي حل الجمعية الوطنية: ففي إطار خطاب رسمي متلفز في 12 سبتمبر 2024، أشار الرئيس السنغالي إلى تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في 17 نوفمبر 2024. وتأتي هذه الخطوة – التي تهدف إلى منحه أغلبية برلمانية مستقرة – عقب فترة من التوترات بين النظام الحاكم والمعارضة نتيجة تباعد المواقف السياسية بين الطرفين منذ وصول الرئيس الحالي" باسيرو ديوماي فاي" إلى السلطة في أبريل 2024؛ حيث رفض رئيس الوزراء "عثمان سونكو" الإدلاء ببيان السياسة العامة في مطلع يوليو 2024 انطلاقاً من أن اللوائح الداخلية السارية في البرلمان لا تلزمه بذلك منذ إلغاء منصب رئيس الوزراء في عام 2019؛ فعلى الرغم من عودة منصب رئيس الوزراء إلى العمل في عام 2021، فإن الأحكام المتعلقة بهذا المنصب لم تعد إلى النظام الداخلي في البرلمان؛ علماً بأن المادة (55) من الدستور تقضي بأن يعلن رئيس الوزراء بيان سياسة الحكومة الذي يحدد السياسات الرئيسية والخطط وأولويات الإدارة السياسية أمام الجمعية الوطنية في موعد لا يتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ تعيينه وفقاً للأحكام الواردة في اللوائح الداخلية للجمعية الوطنية.وقد تفاقمت هذه التوترات مع رفض البرلمان السنغالي، في مطلع سبتمبر 2024، تعديل الدستور الذي طلبه الرئيس "فاي" من أجل إلغاء المجلس الأعلى للجماعات المحلية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مؤكداً أن التعديل المقترح شعبوي وغير ضروري وخطير، مشدداً على أهمية المؤسسات المستهدفة. وقد أدان الرئيس هذا القرار الذي أكد أنه يدل على القطيعة العميقة بين نواب الأغلبية والتطلعات الشعبية التي تم التعبير عنها بشكل كبير خلال الانتخابات الرئاسية في مارس 2024، والتي تعهد في إطارها بالتزامات حازمة بإعادة تنظيم مؤسساتي لأجهزة الدولة وترشيد النفقات، وهو ما يستلزم بالضرورة ترشيداً منهجياً لاختصاصات هذه الأجهزة.والجدير بالذكر أن الرئيس السنغالي قد أصدر مرسوماً يقضي بإنهاء مهام كل من رئيسة المجلس الأعلى للجماعات المحلية "آمناتا مبينع نداي" ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي "عبد الله داوودا ديالو"، وهي الخطوة التي أدت إلى إعلان "عبدو مبو" رئيس المجموعة البرلمانية "بينو بوك ياكار" عزم مجموعته تقديم اقتراح في جلسة استثنائية بسحب الثقة لإسقاط الحكومة التي تم اتهامها باستخدام هذه الإجراءات لعقد انتخابات تشريعية مبكرة وحماية رئيس الوزراء من إعلان السياسة العامة.3– تشكيل المعارضة السياسية منصة مخصصة للانتخابات: حيث أنشأ المعارضون السنغاليون منصة تسمى التحالف من أجل شفافية الانتخابات (ATEL)، وقد وقَّع نحو (100) شخصية سياسية معارضة على الميثاق التأسيسي لإنشاء هذا الهيكل الذي يهدف إلى النضال من أجل عملية انتخابية شفافة ونزيهة في 17 نوفمبر 2024. والجدير بالذكر أن أعضاء هذا التحالف الجديد قد استنكروا عدم التشاور حول اختيار موعد لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وأكدوا أن تنظيم الانتخابات ليس من اختصاص الحزب أو الائتلاف الحاكم فقط، وأشاروا إلى أن الدستور يتطلب مشاركة جميع أصحاب المصلحة.4– إعلان المعارضة تنظيم تظاهرات للضغط على الحكومة: وقد جاء ذلك في إطار تصريح التحالف من أجل شفافية الانتخابات، الذي يضم في إطاره ائتلاف "بينو بوك ياكار" الحاكم السابق، وأحزاباً كانت متحالفة سابقاً مع الحزب الحاكم الحالي "باستيف" في 19 سبتمبر 2024، بأنه سوف ينظم تظاهرة حاشدة في 27 سبتمبر 2024 لزيادة الضغوط على الحكومة؛ لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وتتضمن شكاوى هذا التحالف الجديد في نقص المعلومات المقدمة من جانب الحكومة بشأن الانتخابات المقبلة، وفشلها في التشاور مع الأحزاب السياسية بشأن العملية الانتخابية، فضلاً عن الافتقار إلى التنظيم، والسرعة في الإعداد للانتخابات بطريقة قد تصب في مصلحة الحزب الحاكم.5– توجيه الأحزاب المعارضة إدانات واسعة للحزب الحاكم: وقد تبلور ذلك في إطار تصريح زعيمة "حركة العمل للجيل القادم من المواطنين" والمرشحة للانتخابات الرئاسية الأخيرة "أنتا بابكر دياك" في 13 سبتمبر 2024 الذي أكدت خلاله حاجة الدولة إلى حلول ملموسة، لا إلى مناورات سياسية، كما انتقدت مجموعة "بينو بوك ياكار" البرلمانية قرار الرئيس حل الجمعية الوطنية، واتهمته في بيان وقعه رئيسها "عبدو مبو" السلطات الجديدة بالرغبة في وضع حد للديمقراطية وتثبيت الدكتاتورية، وحثت المجموعةُ المواطنين على الوقوف ضد ما تصفه "العودة إلى حقبة ماضية" وخطر تأسيس دكتاتورية، داعيةً إلى هزيمة كبيرة للنظام في الانتخابات التشريعية المقبلة.تداعيات محتملةثمة عدد من التداعيات المحتملة المرتبطة بتفاقم وتيرة الخلافات السياسية بين النظام الحاكم والمعارضة السياسية في السنغال خلال الآونة الأخيرة، وهي التداعيات المتمثلة فيما يلي: 1– توسع أحزاب المعارضة في تشكيل تحالفات قبل الانتخابات: وذلك على غرار التحالفات التي تم تشكيلها خلال الآونة الأخيرة وعلى رأسها "كتلة الليبراليين والديمقراطيين"؛ وذلك بهدف تأمين الأغلبية البرلمانية. والجدير بالذكر في هذا الصدد أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة كانت قد أجريت آخر مرة في 31 يوليو 2022، وكان من المفترض أن تجرى الانتخابات التالية في يوليو 2027. ومن المرجح في حالة نجاح المعارضة في تأمين الأغلبية البرلمانية، استمرار التوترات بين الحكومة والبرلمان؛ الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى استمرار حالة عدم التعايش بين الجانبين.2– محاولة الرئيس السابق "سال" دعم تحالفاته: وذلك من خلال استقطاب المزيد من العناصر الفاعلة لتعزيز فرصه في "الجمعية الوطنية" بعد إجراء الانتخابات التشريعية. ولعل هذا ما اتضح من إعلان الحزبين الحاكمين السابقين في السنغال، في 22 سبتمبر 2024، للرئيسين السابقين "ماكي سال" (التحالف من أجل الجمهورية) و"عبد الله واد" (الحزب الديمقراطي السنغالي) تشكيل ائتلاف للمشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة في 17 نوفمبر المقبل، وهو ما قد يشكل تحدياً أمام الرئيس السنغالي "فاي"، وخاصةً أن الحزبين – التحالف من أجل الجمهورية والحزب الديمقراطي السنغالي – قد حصلا على 106 من 165 مقعداً في الجمعية الوطنية المنتهية ولايتها.3– إمكانية تأمين الحزب الحاكم الأغلبية في الانتخابات التشريعية المقبلة: يدعم ذلك الشعبية التي يحظى بها الحزب الحاكم، ووجود الرئيس السابق "ماكي سال" في إطار أبرز الائتلافات المعارضة الحالية؛ الأمر الذي يمكن أن يعزز بدوره من تصاعد وتيرة الرفض المجتمعي لهذا الائتلاف في ضوء السياسات والممارسات التي شهدتها فترة حكمه (2012–2024)، بالإضافة إلى احتمالية مواجهة الرئيس السابق إجراءات قانونية، وخاصة بشأن اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ حيث يُتهم بالمسؤولية عن مقتل أكثر من (80) شخصاً خلال الاحتجاجات السياسية التي ميزت فترة ولايته، كما يواجه شكوكاً بالاختلاس والثراء غير المشروع؛ فوفقاً لمصدر مقرب من النظام الجديد نقلاً عن صحيفة "سيني نيوز" السنغالية، جمع الرئيس السابق ثروة كبيرة تقدر بنحو (1000) مليار فرنك أفريقي في شكل أصول مالية وعقارات.ويضاف إلى ما سبق انقسام صفوف المعارضة، وهو ما تجلى من خلال إعلان الرئيس السنغالي السابق "ماكي سال" في 2 سبتمبر 2024 حل الائتلاف الحاكم السابق "بينو بوك ياكار" Benno Bokk Yakaar المهيمن على المشهد السياسي الداخلي منذ نشأته في عام 2012 حتى الانتخابات السابقة التي فازت بها المعارضة، وكذلك تخلي بعض المسؤولين السابقين عن الرئيس السابق وانضمامهم إلى صف الرئيس الحالي. ويأتي على رأس هؤلاء المسؤولين رئيسة الوزراء السابقة "أميناتا توري" التي قام الرئيس "باسيرو ديوماي فاي" بتعيينها ممثلة عليا لرئيس الجمهورية في 27 أغسطس 2024، ويأتي ذلك نتيجة مساعدتها له في انتخابه في مارس الماضي.4– تفاقم التوتر بين المعارضة السياسية والنظام الحاكم: يرجح ذلك رفضُ الرئيس "فاي" ورئيس وزراء "عثمان سونكو" إجراء أي مفاوضات مع المعارضة؛ حيث أشارا إلى أن مثل هذه المفاوضات ستكون لها "تكلفة سياسية باهظة"، كما أن ملف الملاحقات القضائية ضد مسؤولي النظام السابق المتهمين بالتسبب في وفاة متظاهرين خلال فترة حكم "ماكي سال"، سيظل من القضايا الحساسة التي قد تؤثر على المفاوضات السياسية المستقبلية.وختاماً يمكن القول إن التوترات السياسية التي تشهدها السنغال خلال الآونة الأخيرة، تعد كاشفة لأزمة التعايش بين بقايا النظام القديم برئاسة الرئيس السباق "ماكي سال" الذي يحاول ممارسة دور في إطار المشهد السياسي المستقبلي من جانب وبين النظام الحاكم الحالي بقيادة الرئيس "باسيرو فاي" من جانب آخر. وتطرح الرؤية المستقبلية ارتباط استقرار الأوضاع السياسية في المرحلة المقبلة بمدى قدرة النظام الحاكم على فتح خطوط اتصال فاعلة مع المعارضة السياسية؛ لبناء توافقات حول القضايا الرئيسية العالقة؛ وذلك بصرف النظر عما ستسفر عنه نتائج الانتخابات التشريعية القادمة.

ما مآلات تزايد التوترات السياسية في السنغال؟