نريمان عبد الفضيل

في خطوة تصعيدية جديدة بين الولايات المتحدة والصين، وجَّه وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث اتهامات للحكومة الصينية بمحاولة السيطرة على منطقة الهندو–باسيفيك؛ وذلك خلال حضوره منتدى شانجريلا للأمن والحوار في سنغافورة؛ حيث أكد خلال المنتدى أن بكين تستعد لاستخدام القوة العسكرية من أجل غزو تايوان، بجانب أنها تسعى جاهدةً إلى إحداث تغييرات في موازين القوى في هذه المنطقة؛ لذلك طالب حلفاء الولايات المتحدة من الدول الآسيوية بتعزيز تعاونها معها لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة.أسباب مؤثرةتعددت الأسباب التي دفعت وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث إلى توجيه الكثير من الاتهامات إلى الصين بمحاولة الهيمنة على منطقة الهندو–باسيفيك وبسط نفوذها عليها. وهذه الأسباب قد يكون بعضها اقتصادياً واستراتيجياً وعسكرياً، وهي الأسباب التي يمكن توضيحها فيما يلي:1– تعزيز الصين وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي: تبني بكين جزراً اصطناعية في بحر الصين الجنوبي، وقد حوَّلتها إلى قواعد عسكرية مزوَّدة بصواريخ، رغم اعتراض دول الجوار. وقد اتهم وزير الدفاع الأمريكي الصين بشن هجمات سيبرانية من أجل مضايقة الدول المجاورة لها؛ وذلك من أجل تحقيق الهدف الذي تسعى إليه، وهو إحداث تغيير في موازين القوى في منطقة الهندو–باسيفيك لصالحها؛ حيث إنها على الرغم من رفض القضاء الدولي مطالبها بالسيادة الكاملة على بحر الصين الجنوبي، فإنها ما زالت تسعى من أجل بسط نفوذها عليه؛ نظراً إلى أهميته الكبيرة؛ حيث إنه من أهم الممرات المائية، ويمر عبره نحو 60% من التجارة العالمية.2– ممارسة بكين الضغوط العسكرية على تايوان: اعترض وزير الدفاع على الأوامر التي أعطاها الرئيس الصيني شي جين بينج لجيشه بالاستعداد والتدريب من أجل ضم تايوان عام 2027؛ وذلك انطلاقاً من أن بكين تعتبر أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأنها ستعمل بكل طاقتها من أجل إعادة توحيد أراضيها، وتعهدت باستخدام القوة لتحقيق ذلك إذا لزم الأمر؛ لذلك أجرت الكثير من المناورات العسكرية الواسعة النطاق في محيط الجزيرة، وهي المناورات التي شملت على وجه الخصوص محاكاة الغزو والحصار، بالإضافة إلى أن هيجسيث أكد خلال المنتدى الأمني أن الجيش الصيني يعمل على بناء قدرات عسكرية فعلية من أجل اجتياح الجزيرة، وأنه بدأ التدريب الفعلي لتحقيق ذلك الأمر.3– توسع الصين في مبادرة الحزام والطريق: رأى وزير الدفاع الأمريكي أن الصين تعمل على زيادة استثماراتها الاقتصادية والتجارية في منطقة الهندو–باسيفيك بحجة مبادرة الحزام والطريق التي تتبناها؛ وذلك من خلال إبرامها شراكات استراتيجية مع عدد من الدول الصغيرة في المحيط الهادئ عن طريق المنح والقروض ومشاريع البنية التحتية، فضلاً عن تأمينها الكثير من الطرق التجارية البحرية حتى تكون تحت سيطرتها وتخدم مصالحها. وتلك التوسعات زادت مخاوف الولايات المتحدة، واعتبرتها خطوات جدية نحو هيمنة الصين على منطقة الهندو–باسيفيك.4– الترويج لعدم وفاء بكين بالتزامها مع واشنطن في محادثات جنيف: قد تكون من الأسباب التي دفعت وزير الدفاع الأمريكي إلى توجيه الاتهامات إلى الصين؛ أنه يريد التضامن مع رئيسه الأمريكي؛ وذلك لأن تصريحه جاء عقب تصريح دونالد ترامب بساعات قليلة؛ حيث هدد عبر صفحته على تروث سوشيال بتجديد الحرب التجارية مع الصين؛ وذلك لأنها انتهكت الاتفاق التجاري المعقود بينهما في جنيف في مايو الماضي، الذي كان يهدف إلى خفض التصعيد بين الدولتين فيما يخص الرسوم الجمركية التي شنها ترامب على الصين منذ توليه منصبه في البيت الأبيض، والتي بلغت نسبتها نحو 145%؛ لذلك صرح ترامب عبر منصته تروث سوشيال قائلاً: "إن الصين – وهو أمر قد لا يفاجئ البعض – انتهكت اتفاقها معنا بشكل كامل".5– أهمية منطقة الهندو–باسيفيك للولايات المتحدة: تمثل منطقة المحيطين أهمية كبيرة للولايات المتحدة؛ فهي مركز استراتيجي لمصالحها الأمنية والاقتصادية؛ لذلك فإنها تعتبر المنطقة أولوية بالنسبة إليها، وأن أي تحرك للصين في هذه المنطقة تعتبره واشنطن تحدياً مباشراً لهيمنتها ولنظامها الليبرالي؛ لذلك أكد وزير الدفاع الأمريكي خلال المنتدى الأمني أن إدارة ترامب لن تسمح للصين بأن تهيمن على هذه المنطقة، وهو بذلك يرسل رسالة طمأنينة إلى الدول الموجودة في هذه المنطقة والحليفة للولايات المتحدة، التي أصابها القلق بشأن نفوذ الصين المتنامي في هذه المنطقة؛ لذلك طالب الدول الحليفة للولايات المتحدة والمضادة للصين بأن تعزز تعاونها مع واشنطن، سواء التعاون العسكري أو التعاون الاقتصادي؛ من أجل مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في تلك المنطقة الاستراتيجية.تداعيات محتملةسيؤدي تصعيد التصريحات الأمريكية ضد الصين لمحاولة الهيمنة على منطقة الهندو–باسيفيك، إلى تداعيات عدة يمكن توضيحها فيما يلي:1– توتر العلاقات الاقتصادية والسياسية بين واشنطن وبكين: من المُتوقَّع أن تشهد العلاقات بين واشنطن وبكين توتراً ملحوظاً في الفترة المقبلة؛ فقد يشمل هذا التوتر تصعيد الحرب التجارية التي شنَّها الرئيس الأمريكي على الصين بعد تعليقها بموجب الاتفاق التجاري الذي عُقِد في جنيف في مايو الماضي، وإن قام ترامب بذلك فإن الصين سترد أيضاً برسوم جمركية مضادة على كل المنتجات الأمريكية، وهو ما يؤثر على الشعبين الأمريكي والصيني؛ نظراً إلى ما سيعانيه الجانبان من ارتفاع في الأسعار، بجانب أن من المُتوقَّع أيضاً أن تشهد العلاقات السياسية توتراً أيضاً نتيجة الاتهامات التي وجَّهها هيجسيث للحكومة الصينية. وهذا الأمر جعل الصين ترد وترفض هذه الاتهامات، وتصفها بأنها "استفزازية وتحريضية"، فضلاً عن تحذيرها واشنطن بـ"البعد عن اللعب بالنار"، وهو ما يجعل الأمر يزداد سوءاً في الأيام المقبلة.2– تعزيز الولايات المتحدة تحالفاتها مع الدول المعارضة للسياسات الصينية: من المحتمل أن تعزز الولايات المتحدة تعاونها مع الدول التي ترفض السياسات التي تنتهجها بكين في منطقة الهندو–باسيفيك، مثل الفلبين واليابان، وأن تعقد معها الكثير من الاتفاقيات التي من شأنها تضييق الخناق على الصين في المنطقة، بجانب قيامها بتحفيز تحالفاتها العسكرية مع الدول الحليفة لها في المنطقة، مثل تحالف كواد QUAD (وهو تحالف رباعي بين الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، يهدف إلى مواجهة النفوذ الصيني في منطقة الهندو–باسيفيك)، فضلاً عن اتفاقية أوكوس AUKUS (وهو اتفاق دفاعي بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة لتعزيز الوجود العسكري الغربي في المنطقة).3– دفع الدول الآسيوية الحليفة للولايات المتحدة نحو زيادة إنفاقها الدفاعي: وفي هذا السيناريو، من المُرجَّح أن تستجيب الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة لنصيحة وزير الدفاع الأمريكي بالسير على خطى الدول الأعضاء في حلف الناتو بزيادة إنفاقها الدفاعي إلى نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي؛ وذلك من أجل أن تكون قادرة على الدفاع عن أمنها القومي ضد النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة. والذي يجعل من المرجح أن تقوم هذه الدول بذلك ما أكدته أيضاً مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، خلال المنتدى الأمني قائلةً: "إن بعض دول القارة أدركت منذ زمن أننا نحتاج إلى الاستثمار في الدفاع. وأعتقد أن قيامنا بالمزيد هو أمر جيد، لكن ما أريد التشديد عليه أن أمن أوروبا وأمن الهادئ مترابطان ترابطاً كبيراً".4– نشوب صراعات بالوكالة في منطقة الهندو–باسيفيك: من المحتمل أن تستمر الصراعات في المنطقة بين الولايات المتحدة والصين، ولكن بالوكالة، من خلال استمرار واشنطن في تقديم الدعم العسكري للكثير من الدول الحليفة لها، مثل تايوان، من أجل مواجهة بكين. وفي المقابل تقوم الأخيرة بزيادة تحركاتها المضادة لواشنطن من خلال التحالفات والاتفاقيات الاقتصادية، وهو ما قد يؤدي إلى استمرار التوترات بين الطرفين من دون اندلاع حرب شاملة، فضلاً عن تسببها في اضطراب الأسواق الإقليمية والعالمية.5– بقاء احتمالية عودة واشنطن وبكين إلى الحوار المشترك: من المُرجَّح أن تلجأ الولايات المتحدة والصين إلى تهدئة التوترات بينهما والجلوس على طاولة المفاوضات من أجل وضع قواعد وأسس جديدة بينهما حتى تتجنَّبا النزاعات العسكرية بينهما، فضلاً عن تجنُّب الحروب التجارية التي قد تحدث نتيجة توتر العلاقات بينهما، وهو ما قد يدفعهما نحو إبرام اتفاقيات تعاون مشترك في مجالات معينة، مثل التجارة والتكنولوجيا والأمن السيبراني. وكل هذه الأمور من شأنها أن تخفف حدة التوترات بين القوتين العظميَين، وهو ما سيعود بالإيجاب على استقرار المنطقة.&nbsp;مواجهة بكينوختاماً، يمكن القول إن الهدف الرئيسي من الاتهامات التي وجَّهها وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث خلال منتدى شانجريلا الأمني في سنغافورة، الذي يُعَد من أكبر المؤتمرات الأمنية في آسيا، هو تشجيع الدول الموجودة في منطقة الهندو–باسيفيك على زيادة ميزانية الإنفاق الدفاعي الخاصة بها من أجل الاعتماد بشكل أكبر على الولايات المتحدة في مجال الأمن؛ وذلك لأن الولايات المتحدة تريد تضييق الخناق على الصين من الناحية العسكرية، بجانب تضييق الخناق الاقتصادي عليها من خلال فرض الرسوم الجمركية الباهظة عليها؛ وذلك حتى لا تستطيع منافستها، فتستمر الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي.

تداعيات اتهامات وزير الدفاع الأمريكي للصين بمحاولة الهيمنة على منطقة الهندو–باسيفيك