ياسمين أيمن

استكمالاً للنهج الذي تتبعه إدارة كفاءة الحكومة تحت قيادة الملياردير إيلون ماسك، وبدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة هيكلة المؤسسات الأمريكية، وتقليص أعداد الموظفين والنفقات؛ طرحت وزارة الخارجية الأمريكية، تحت قيادة ماركو روبيو، رؤية جديدة لإعادة تطوير وهيكلة وزارة الخارجية الأمريكية، وهو الأمر الذي جابَهَ ردود فعل منقسمة؛ فبينما اتجه الجمهوريون نحو دعم هذه الرؤية، كانت هناك معارضة ديمقراطية لها؛ بسبب التخوفات المرتبطة بتأثير عملية إعادة الهيكلة والتنظيم على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى العالمي، التي يرون أنها تأثرت بالفعل من جراء بعض الخطوات التي نفَّذتها الإدارة الأمريكية الراهنة، ويؤكدون أن لهذه العملية مجموعة من التداعيات المختلفة.تداعيات الهيكلةتأتي عملية إعادة التنظيم المنشودة في ظل انتقاد ترامب ووزير الخارجية الشكلَ الحالي للوزارة؛ حيث قال الأخير في بيان إن الوزارة باتت تتسم بـ"التضخم والبيروقراطية وغياب القدرة على القيام بمهمة الدبلوماسية المتمثلة في خلق مكانة للولايات المتحدة بين القوى العظمى"، ولكن بخلاف هذه الآراء التي تفسر أسباب طرح الخطة، فإن من المتوقع أن تكون لعملية إعادة الهيكلة مجموعة من التداعيات على مختلف الأصعدة، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:1– تراجع مكانة الولايات المتحدة عالمياً: هناك تخوفات من تراجع مكانة الولايات المتحدة على المستوى العالمي بفضل مساعيها إلى تقليص دورها السياسي والدبلوماسي والانكفاء على الذات بصورة أكبر لتحقيق شعار "أمريكا أولاً"، مع السماح لقوى أخرى مثل روسيا والصين باحتلال الفراغ الذي ستُخلِّفه الولايات المتحدة، وهو ما أثارته السيناتور الديمقراطية عن ولاية نيو هامبشاير "جين شاهين" العضوة البارزة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ؛ حيث أكدت ضرورة "أن يتم موازنة أي تغييرات في وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بعناية مع التكاليف الحقيقية على الأمن والقيادة الأمريكية"، بحيث لا تتضرر سمعة الولايات المتحدة عالمياً، مشيرةً إلى ضرورة تنفيذ أي إصلاحات مطلوبة "بحذر"، وبـ"التنسيق مع الكونجرس".2– حفاظ ترامب على دعم اليمينيين والجمهوريين: نالت هذه الخطة، فور الإعلان عنها، رضا اليمينيين والجمهوريين الداعمين لتقليص أعداد موظفي وزارة الخارجية وتعديل منهجية عملها، وهو ما من شأنه الإبقاء على شعبية ترامب بين الجمهوريين واليمينيين، خاصةً أنه يُطبِّق خطوات تنال رضاهم. وفي هذا الصدد، أعرب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري جيم ريش، عن دعمه للخطة، موضحاً أنها تتماشى مع ما طرحه جانب أعضاء الكونجرس من أفكار، وخاصةً ما يتعلق بالقضاء على التوجُّهات التقدمية بالوزارة، والتركيز عوضاً عن ذلك على القيام بالمهام الدبلوماسية التي تُحقِّق الأهداف المتعلقة بحماية الأمن القومي الأمريكي، فيما قال النائب الجمهوري برايان ماست رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، خلال بيانٍ: "إن إعادة التنظيم هذه ستجعل وزارة الخارجية أكثر مرونةً وفاعليةً، وتضمن أن كل دولار وكل دبلوماسي يضع أمريكا في المقام الأول".3– تراجع دور واشنطن في حماية مبادئ حقوق الإنسان: من شأن موافقة الكونجرس على عملية إعادة هيكلة وتقليص المكاتب التابعة لوزارة الخارجية، أن تسمح بتراجع مكانة واشنطن ودورها المتعلق بحماية حقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم، خاصةً أن من البنود التي عُرضت في الخطة المنشورة، إغلاق عدد كبير من المكاتب المختصة بحقوق الإنسان والتابعة للوزارة في مختلف أنحاء العالم، ومنها مكتب قضايا المرأة العالمية، ومكتب التنوع والشمول التابع له؛ ما يعني تراجع التركيز كذلك على القضايا المتعلقة بحقوق المرأة. ومن المُقرَّر تقليص عدد مكاتب وزارة الخارجية في المجمل من 734 مكتباً إلى 602، كما أن هناك بعض المنصات الإعلامية – ولو أن ذلك لم يُذكر علناً في الخطة – أوضحت أن من المقرر "تقليص التقارير السنوية التي تُصدِرها الوزارة بشأن حقوق الإنسان الدولية إلى الحد الذي يقتضيه القانون فقط"، وهو ما يؤكد فكرة تراجع الدفاع الأمريكي عن حقوق الإنسان.4– تعزيز انتشار الشمولية وتراجع الحديث عن الديمقراطية: من الأفكار المطروحة في الخطة الجديدة كذلك إدماج وإلغاء مكاتب تقع تحت إدارة وكيل وزارة الخارجية للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما من شأنه أن يسمح بتراجع الدفاع الأمريكي عن القضايا المتعلقة بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، في مقابل السماح للأنظمة الأكثر "استبداداً" – حسبما تصفها المنصات الإخبارية الأمريكية، على غرار الصين وروسيا – بترويج ونشر أفكارها المتعلقة بتقويض حرية الرأي والتعبير، وتقديس حكم الفرد. ولكن في هذا الشأن، أوضح وزير الخارجية أن اختصاصات وكيل وزارة الخارجية للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، "ستقع تحت إشراف منسق جديد مُكلَّف بإعادتها إلى مهمتها الأصلية المتمثلة في تعزيز حقوق الإنسان والحريات الدينية، لا الترويج للقضايا المتطرفة على حساب دافعي الضرائب"، مؤكداً أن القضايا التي كان يتم تداولها لم تكن تتعلق بالمفاهيم الحقيقية لحقوق الإنسان أو الديمقراطية.5– تباطؤ العمليات والبرامج المُنفَّذة في السفارات والوكالات الأمريكية: بالرغم من تأكيد نائب وزير الخارجية كريس لاندو أن خطة إعادة التنظيم "لن تؤدي إلى أي تغييرات في برامج الوزارة الجارية، ولن تؤثر على أي سفارات أو مراكز أو عمليات في الخارج"، لكن من المقرر تدشين بديل عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تحت مسمى مكتب "تنسيق المساعدات الخارجية والشؤون الإنسانية" التي كانت تنفِّذ عدداً كبيراً من البرامج التي تم إلغاء 80% منها. وهناك نصوص في الخطة تتعلَّق بتخفيض أعداد الموظفين في وزارة الخارجية – الذين يصلون إلى 80 ألف موظف – بنسبة 15%، وهو ما من شأنه أن يؤثر على أعداد الموظفين الموجودين في السفارات والمكاتب والوكالات التابعة لوزارة الخارجية في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يعني زيادة الضغط على الموظفين الموجودين الذين يقدمون الخدمات للمواطنين الأمريكيين الموجودين في الخارج، أو تنفيذ البرامج الموكلة إليهم من جانب وزارة الخارجية في مختلف الدول؛ ما قد يؤثر على سرعة إتمام مختلف العمليات والمهام الخارجية.6– زيادة مستوى الحديث عن مفهوم الأمن التقليدي بدلاً من الإنساني: تشير خطة إعادة الهيكلة إلى تركيز الإدارة الراهنة على مفهوم الأمن التقليدي المرتبط بتأمين حدود الدول وتسليحها بدلاً من مفهوم الأمن الإنساني الذي يركز في المقام الأول على أمن البشر والمجتمعات، خاصةً مع التوجه نحو إلغاء مكتب العدالة الجنائية العالمية المعني بالتحقيق في جرائم الحروب، الذي يدير برنامج مكافآت العدالة الجنائية العالمية؛ حيث تتضاءل أهمية مسألة التحقيق في جرائم الحرب، وهو ما من شأنه أن يسمح بانتهاكات أكبر، وعدم خوف من المحاسبة أو العقوبات من جانب القوى الدولية المختلفة، ومنها إسرائيل التي تستمر في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، كما أن غلق مكتب عمليات الصراع والاستقرار الذي يعمل كآلية إنذار مبكر تُحذِّر من حدوث الصراعات الخارجية، وتصميم منصب جديد تحت مسمى "مساعد الوزير لشؤون التهديدات الناشئة"، الذي سيكون مسؤولاً عن "رفع تقاريره إلى وكيل وزارة الخارجية لشؤون ضبط الأسلحة والأمن الدولي"، يعزز فكرة التركيز على التهديدات الناجمة عن الأسلحة التقليدية.7– تراجع مستويات الموظفين الموجودين في المكاتب والوكالات التابعة لوزارة الخارجية: من ضمن الخطة المعلنة "إلغاء مكتب مدير معهد الخدمة الخارجية، المعني بالتدريب اللغوي وغيره من تقديم الدعم التعليمي لموظفي الخدمة الخارجية"، وهو ما من شأنه أن يسمح بتراجع مستويات الموظفين الذين يتم تعيينهم في مختلف المكاتب والوكالات التابعة لوزارة الخارجية في مختلف أنحاء العالم، بما سيسمح بتأثر الدبلوماسية الأمريكية سلباً.8– زيادة احتمالية تراجع مكانة الدبلوماسية الرقمية أو السيبرانية: هناك تخوفات من تراجع مكانة الدبلوماسية الرقمية أو السيبرانية التي سعت واشنطن إلى تعزيزها خلال السنوات الأخيرة؛ حيث سيرفع مكتب الفضاء الإلكتروني والسياسة الرقمية تقاريره إلى وكيل الوزارة للنمو الاقتصادي بدلاً من نائب وزير الخارجية، وهو ما يعني النظر إلى مفهوم الدبلوماسية السيبرانية أو الرقمية من زاوية اقتصادية بحتة، بينما سيكون هناك مكتب آخر خاص بالتهديدات الناشئة حسب ما سلف ذكره، وستقع شؤون "الأمن السيبراني وانتشار الذكاء الاصطناعي" داخل نطاق عمله، بما قد يعني وجود تداخل في اختصاصات المكاتب، وتفتُّت أهدافها، ومن ثم تقويض قدرة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها المتعلقة بالأمن السيبراني والتعاون التكنولوجي.تحول ضخمخلاصة القول: تشير الخطة المطروحة التي تتطلب موافقة المشرعين في الكونجرس إلى مساعي ترامب وفريقه نحو إعادة هيكلة كلية لمختلف المؤسسات التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، بحيث تصب كافة الأهداف في النهاية كفة تحقيق المصالح الأمريكية الخاصة بأجندة "أمريكا أولاً". ولكن الفكرة الرئيسية ترتبط بأن إدارة ترامب طوال الفترة الماضية لم تُظهِر احتراماً أو قبولاً واضحاً لتوجهات المشرعين أو المحاكم الأمريكية. ومن ثم، فإنها قد تتجه نحو إجراء تغييرات أكثر جذريةً في الوزارة تؤثر سلباً على مكانة واشنطن العالمية.

تداعيات خطة إعادة هيكلة وزارة الخارجية الأمريكية على الدور العالمي لواشنطن