نريمان عبد الفضيل

التقت رئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني" الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" في منتجعه مارالاجو بولاية فلوريدا الأمريكية؛ وذلك لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين قبل تنصيب "ترامب" في 20 يناير 2025؛ حيث شمل اللقاء الحديث عن عدة قضايا؛ منها الإفراج عن الصحفية الإيطالية المحتجزة في إيران "سيسيليا سالا"، والحرب التجارية التي توعَّد بها "ترامب" خلال حملته الانتخابية من خلال زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الأوروبية، والضغوط لزيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأوروبية الأعضاء بحلف شمال الأطلسي "الناتو"، فضلاً عن الدعم الأمريكي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وغير ذلك من القضايا.عوامل دافعةثمة مجموعة من الأسباب دفعت رئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني" للقاء الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" في منتجعه بولاية فلوريدا قبل تنصيبه بأيام، ومن أبرزها ما يلي:1– الرغبة في توطيد العلاقات بين الولايات المتحدة وإيطاليا: تسعى "ميلوني" من خلال لقائها بـ"ترامب" إلى توطيد العلاقات بين الولايات المتحدة وإيطاليا، وهو ما ظهر جلياً منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 5 نوفمبر 2024؛ فقد بادرت إلى الاتصال به لتهنئته، وأكدت خلال المكالمة قوة التحالف والشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بجانب الصداقة التاريخية العميقة التي تربط روما وواشنطن، كما أعربت عن استعدادها للعمل والتنسيق الوثيق لتعزيز العلاقات الثنائية القائمة على القيم والمبادئ المشتركة.وتأتي زيارتها تأكيداً لهذا التوجه؛ حيث تعد "ميلوني" رابع زعيم دولي يزور "ترامب" قبل دخوله البيت الأبيض، بعد كلٍّ من الرئيس الأرجنتيني "خافيير ميلي"، ورئيس وزراء المجر "فيكتور أوربان"، ورئيس وزراء كندا المستقيل "جاستن ترودو"، وقد وصفها "ترامب" خلال اللقاء بالصديقة، وهو ما يعزز فرص تطوير العلاقات الثنائية بشكل إيجابي بين البلدين.2– الاضطلاع بدور الوسيط بين الاتحاد الأوروبي و"ترامب": من المحتمل أن تلعب "جورجيا ميلوني" دور الوسيط بين أوروبا والرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب"؛ نظراً إلى كونها واحدة من أقرب حلفائه بين قادة الاتحاد الأوروبي. ويعود هذا التقارب إلى توافقهما في الأفكار اليمينية المحافظة، التي شكلت أساساً متيناً للعلاقة بينهما.ويعزز هذا الدور تصريح "ترامب" خلال لقائه بها؛ حيث قال: "أنا هنا مع امرأة رائعة؛ رئيسة وزراء إيطاليا. لقد اجتاحت أوروبا حقاً وكل من حولها. سنتناول العشاء الليلة، وأنا مستعد للعمل مع ميلوني.P إذ تعكس هذه الكلمات تقدير "ترامب" لـ"ميلوني"، واستعداده للتعاون الوثيق معها؛ ما يجعل من المرجح أن يعتمد عليها كقناة اتصال لتعزيز التفاهم بين إدارته وبين الاتحاد الأوروبي.3– السعي إلى منع الحرب التجارية بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن: قد يكون من أهداف زيارة "جورجيا ميلوني" منع اندلاع حرب تجارية وعد بها الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" خلال حملته الانتخابية، وهي الحرب التي تضمنت فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات الأوروبية. وتُدرك "ميلوني" أن تعزيز التعاون مع "ترامب" قد يسهم في تجنب هذه الأزمة الاقتصادية.وقد برز هذا التوجه في تصريحاتها السابقة التي قالت فيها: "من الضروري الحفاظ على نهج عملي وبنَّاء ومنفتح مع إدارة ترامب، من خلال استغلال مجالات التعاون المحتمل المثمر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومحاولة منع النزاعات التجارية التي لن تكون مفيدة بالتأكيد لأي طرف".4– التباحث حول قضية زيادة الإنفاق الدفاعي لأعضاء الناتو: تأتي زيارة "جورجيا ميلوني" في ظل مخاوف أوروبية من تنفيذ "دونالد ترامب" لوعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، والتي تضمنت مطالبة دول حلف الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو أكثر من ضعف الهدف الحالي للتحالف البالغ 2%. وقد كان "ترامب" دائم التشديد على أن هذه الزيادة شرط أساسي لتعزيز الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء.ويُرجح أن تكون "ميلوني" قد استغلت زيارتها لمناقشة هذا الملف المهم، في محاولة لإقناع "ترامب" بتخفيف هذا المطلب المرتفع؛ نظراً إلى التداعيات الاقتصادية الكبيرة التي قد تنجم عن الالتزام به. ويعكس ذلك حرصها على تحقيق توازن بين الحفاظ على استقرار الإنفاق الأوروبي وتعزيز الالتزامات الدفاعية المشتركة داخل الحلف.5– دفع جهود الإفراج عن الصحفية الإيطالية "سيسيليا سالا": تناول اللقاء بين "جورجيا ميلوني" و"دونالد ترامب" قضية الصحفية الإيطالية "سيسيليا سالا"، التي احتجزتها السلطات الإيرانية في 19 ديسمبر 2024 بتهمة التجسس. ويأتي اعتقالها بعد ثلاثة أيام من توقيف رجل الأعمال الإيراني "محمد عابديني" في مطار "مالبينسا" بمدينة ميلانو، استجابةً لمذكرة أمريكية تتهمه بتوريد أجزاء طائرات بدون طيار تقول واشنطن إنها استُخدمت في هجوم وقع عام 2023 وأسفر عن مقتل ثلاثة عسكريين أمريكيين في الأردن.إذ سعت "ميلوني"، خلال اللقاء، إلى حشد دعم "ترامب" للإفراج عن "سيسيليا سالا"، مقترحةً مقايضة دبلوماسية تتمثل في عدم تسليم "عابديني" للولايات المتحدة؛ وذلك بمحاولة إقناع واشنطن بعدم تقديم طلب رسمي لتسليمه قبل انتهاء المهلة القانونية المقررة بنهاية يناير 2025، في إطار مساعٍ لتجنب تأزم العلاقات وزيادة التوتر الدولي.تبعات محتملةثمة العديد من التداعيات المحتملة للقاء رئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني" بالرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" في ولاية فلوريدا، وهو ما يتضح فيما يلي:1– تخوف دول أوروبية من تبعات العلاقة بين "ترامب" و"ميلوني": من المتوقع تخوُّف بعض الدول الأوروبية على مصالحها التجارية والاقتصادية عقب لقاء "ميلوني" و"ترامب" والتقارب الشديد بينهما، الذي جعل "ترامب" يصفها بالصديقة. ومن الدول الأوروبية التي شعرت بالخوف باريس؛ حيث أشارت صحيفة "لوبوان" الفرنسية إلى قلق باريس من مسار العلاقة بين "ميلوني" و"ترامب". وأوضحت الصحيفة أن هذا التقارب قد يجعل فرنسا عرضةً لضغوط أمريكية؛ ما قد يعزز المصالح الأمريكية على حساب مواقف الاتحاد الأوروبي ووحدة سياساته.2– استجابة "ترامب" لطلب "ميلوني" بشأن "سيسيليا سالا": من المتوقع أن يستجيب "ترامب" عقب لقائه رئيسة الوزراء الإيطالية لطلبها بشأن المقايضة مع إيران لتسليمها "عابديني" الذي أُلقي القبض عليه في مطار مالبينسا بميلانو، مقابل الإفراج عن الصحفية الإيطالية "سيسيليا سالا"، وخاصةً بعد نشر معلومات تفيد بأنها سجينة في سجن "إيفين" المعروف بقسوة ظروفه، كما أنها تقبع في زنزانة انفرادية.&nbsp;3– عدم زيادة الإنفاق الدفاعي لإيطاليا في حلف الناتو: من المحتمل أن تكون "ميلوني" قد نجحت خلال لقائها بـ"ترامب" في الحصول على استثناء لبلادها من زيادة الإنفاق الدفاعي الذي يبلغ 5%، والذي وعد "ترامب" بتنفيذه على الدول الأعضاء في حلف الناتو بعد تنصيبه في 20 يناير، أو أن تحصل على ثبات في الميزانية الدفاعية التي تدفعها بلادها للحلف؛ وذلك لأن إنفاق الحكومة الإيطالية على ميزانية الدفاع لا يتجاوز 1.5؛ أي أقل من 2% التي حددها حلف شمال الأطلسي، وهي النسبة التي كان "ترامب" يشدد عليها كشرط أساسي للمساهمة في تعزيز الدفاع المشترك في ولايته الأولى.4– إقناع "ترامب" بمواصلة الدعم الأمريكي لأوكرانيا: من التداعيات المحتملة للقاء "جورجيا ميلوني" و"دونالد ترامب" أن تتمكن "ميلوني" من إقناعه بالعدول عن تعهده خلال حملته الانتخابية بتقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا؛ فقد تسعى "ميلوني" إلى إقناع "ترامب" بضرورة استمرار المساعدات الأمريكية لكييف؛ نظراً إلى اعتبارها هذه المساعدات ركيزة أساسية في التصدي للنفوذ الروسي، لا سيما أن روما تعد من أبرز الداعمين لأوكرانيا في الصراع؛ حيث التقت "ميلوني" الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" نحو 12 مرة منذ اندلاع الحرب؛ ما يعكس التزام إيطاليا الراسخ بدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا.تأمين المصالح وختاماً، يمكن القول إن زيارة "جورجيا ميلوني" للرئيس "دونالد ترامب" تحمل أبعاداً استراتيجية مهمة، تهدف إلى حماية المصالح الإيطالية، وتعزيز التعاون الثنائي بين روما وواشنطن، بجانب المساهمة في تهدئة التوترات المحتملة على المستويَين الأوروبي والدولي، كما تشكل قضية الصحفية الإيطالية "سيسيليا سالا" محوراً أساسياً في زيارة "ميلوني" لـ"ترامب"؛ حيث تسعى "ميلوني" إلى استثمار هذا اللقاء للدفع باتجاه حل دبلوماسي يضمن الإفراج عنها، من خلال مقايضة سياسية مع إيران.

ما التداعيات المحتملة لزيارة "جورجيا ميلوني" لـ"دونالد ترامب"؟