د. منى سليمان

كشفت مصادر صومالية، في 24 إبريل 2025، عن نشر تركيا 500 جندي في مقديشو، كمرحلة أولى ضمن خطة لإرسال 2500 جندي لاحقاً، بناء على طلب الحكومة الصومالية وبغية دعم قوات الأمن الصومالية وحماية المقرات الحكومية والبنية التحتية بالعاصمة، عقب تصاعد هجمات "حركة الشباب" الإرهابية منذ بداية العام الحالي وسيطرتها على مدن استراتيجية بوسط البلاد وتنفيذها محاولتين لاغتيال الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود"، وذلك بعد عامين من الهدوء النسبي بالبلاد عقب تراجع هجمات الحركة، ويأتي الانتشار العسكري التركي بالصومال تفعيلاً لاتفاق التعاون الأمني الموقع بينهما في فبراير 2024، كما أنه سيعزز الدور التركي بالصومال والقرن الأفريقي، بيد أنه سيواجه عدداً من التحديات الجيوسياسية وفق المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة. دوافع متعددةيرتبط نشر قوات تركية بالصومال بعدد من الدوافع الرئيسية المتمثلة فيما يلي: 1- التوسع في نشاط حركة الشباب في الصومال: صعدت حركة "الشباب" الإرهابية من نشاطها بالصومال خلال الربع الأول من العام الحالي ونجحت في السيطرة على بعض المناطق مثل بلدة "عدن يابال" التي تقع على بعد 245 كم تقريباً شمال العاصمة مقديشو، حيث يقع مركز عسكري للحكومة الصومالية، وتم في 18 مارس الماضي الإعلان عن إحباط محاولة الحركة لاغتيال الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود"، ثم في 5 أبريل 2025 كررت الحركة المحاولة عبر إسقاط قذائف "هاون" بالقرب من القصر الرئاسي بالعاصمة الصومالية مقديشو، وأعلنت الحركة السيطرة على بلدات رئيسية بوسط البلاد، مما سمح للحركة بإعادة الربط بين مناطق نفوذها في وسط وجنوب الصومال وتهديد الطرق الرئيسية التي تربط العاصمة مقديشو بتلك المناطق، ويعد هذا أكبر توسع تنفذه الحركة منذ عام 2022، مما سيؤدي لزيادة الضغط الاقتصادي والعسكري على العاصمة وربما شن هجوم للسيطرة عليها. 2- تأمين المنشآت الحيوية التركية: أعلنت مصادر تركية أن أنقرة أرسلت 300 جندي كوماندوز تركي لحماية المنشآت التركية والمساعدة في تدريب القوات الصومالية ولتأمين المواقع الاستراتيجية في مقديشو بما فيها المنشآت الحكومية والبنى التحتية الحيوية، كما تم إرسال 200 فرد إضافي لتعزيز عمليات الطائرات المسيرة المسلحة، ومن المقرر أن يتم إرسال 2500 جندي تركي للصومال، وربما يصل العدد الإجمالي إلى 5 آلاف جندي بنهاية العام الحالي، لدعم قوات الأمن الصومالية وذلك رغم إعلان مقديشيو في 23 إبريل 2025 عن مقتل وإصابة عدد من عناصر حركة "الشباب" بهجوم عسكري بمنطقة "أبوري" في محافظة هيران، وأعلن قائد الكتيبة الثامنة في الفرقة 60 بالجيش الصومالي العقيد "حسن علي سنويني" أن "الجيش يواصل مطاردة فلول العناصر المسلحة التي فرت عقب العملية"، كما تم القضاء على 35 عنصراً من الحركة بمحيط مدينة بيدوا، بعد محاولتهم مهاجمة قاعدة عسكرية بالمدينة، إلا أن قدرات قوات الأمن الصومالية ما زالت بحاجة لدعم وتدريب خارجي وهو ما تقدمه القوات التركية لها، من خلال تدريب الجنود داخل القاعدة العسكرية التركية.3- تعزيز التواجد العسكري التركي بالصومال: افتتحت تركيا عام 2017 قاعدة عسكرية (تركسوم) بالصومال، وهي أكبر قاعدة عسكرية تركية في أفريقيا (يوجد بها 300 جندي تركي) تقع قرب مطار "مقديشيو" على ساحل المحيط الهندي، تبلغ مساحتها (4 كم2) بتكلفة 50 مليون دولار، ضمت 3 مدارس عسكرية، ومخازن للأسلحة والذخيرة، ومباني سكنية، وهي قادرة على استقبال قطع بحرية وطائرات عسكرية إلى جانب قوات كوماندوز، وتعد أكبر قاعدة عسكرية تركية بالخارج، وأعلنت أنقرة أن هدفها هو إعادة بناء الجيش الصومالي لمحاربة الإرهاب، كما تخطط تركيا لإنشاء مركز لاختبار الصواريخ الباليستية في منطقة (شبيلي الوسطى) شمال مقديشو، كما أن إرسال المزيد من القوات التركية للصومال سيعزز تواجدها العسكري بالبلاد، وسيؤدي لتعزيز الدور التركي في حفظ الأمن الإقليمي بالقرن الأفريقي.4- تفعيل الاتفاق الإطاري التركي الصومالي: أبرمت أنقرة ومقديشو اتفاق شراكة شاملاً في فبراير 2024 باسم "الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي ومكافحة الإرهاب"، والاتفاق شمل تعزيز التعاون العسكري عبر تكثيف التدريبات المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون لمحاربة الإرهاب، وتقديم التدريب والمعدات للقوات المسلحة الصومالية، وسيؤدي ذلك لتوسيع دائرة التعاون العسكري والتدريب التركي للجيش الصومالي وبناء القدرات الدفاعية والأمنية له، كما وافق البرلمان التركي في يوليو 2024 على مقترح الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" السماح بنشر قوات تركية في الصومال مدة عامين قادمين لدعم جهود الحكومة الصومالية في مكافحة الإرهاب، مما يضيف إطاراً شرعياً قانونياً لنشر قوات تركية في الصومال حتى عام 2026 قابلة للتمديد.5- الحفاظ على المصالح التركية: شهد العقد الماضي طفرة في حجم التبادل التجاري بين أنقرة ومقديشو، كما تقوم أنقرة بإدارة الموانئ البحرية والجوية الرئيسية بمقديشو وتشارك الشركات التركية في تطوير البنية التحتية وبناء المدارس والمساجد وترميم الآثار العثمانية بمقديشو، كما تم الإعلان عن خطة تركية لإنشاء قاعدة فضائية بالصومال لإطلاق الأقمار الصناعية منها لقربها من خط الاستواء، جدير بالذكر أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" عقد اجتماعاً في أبريل 2025 مع نظيره الصومالي "حسن شيخ محمود"، على هامش "منتدى أنطاليا الدبلوماسي" الرابع، وأكدا على استمرار التعاون الاستراتيجي بين الدولتين وتفعيل الاتفاقيات الموقعة بينهما. 6- توفير موارد الطاقة لتركيا: وقعت أنقرة عام 2020 اتفاقية للتنقيب عن الغاز والبترول في المياه الصومالية، ثم أعلنت أنقرة في أكتوبر 2024 عن إرسال سفينة الأبحاث "الريس عروج" لاستكشاف موارد الطاقة قبالة السواحل الصومالية لاستكشاف وتطوير النفط في البر والبحر، وفي أبريل 2025 تم الكشف عن توقيع مؤسسة النفط التركية "تباو" (TPAO) وهيئة النفط الصومالية على اتفاقية لبدء التنقيب عن النفط والغاز في 3 حقول برية صومالية، حيث تحصل تركيا على 90% من الإنتاج النفطي الصومالي، وتسعى أنقرة للاستفادة من موارد النفط والغاز الصومالية ولا سيما في ظل توقع المزيد من الاحتياطيات النفطية بها والتحكم في الاقتصاد الصومالي، وتقديم تركيا كدولة رائدة في التنقيب عن موارد الطاقة للدول الأفريقية مما سيؤدي لتلبية احتياجات أنقرة من الطاقة في ظل محدودية مواردها. 7- الترويج للمنتجات الدفاعية التركية: تتبع تركيا استراتيجية هامة عبر الترويج لبيع منتجاتها الصناعية الدفاعية، ومنذ عام 2022 بدأت الحكومة الصومالية استخدام المسيرات التركية لمحاربة حركة "الشباب" الإرهابية من طراز (بيرقدار TB2)، وأعلنت عن استخدام القوات الخاصة التركية بالصومال لبنادق (MPT-76) التركية الصنع والتي يصل مداها إلى 200م، ثم نقلت أنقرة طائرتين من طراز (أكينجي) للصومال الذي يتميز بالقدرة على التحليق على ارتفاعات عالية لفترات طويلة. كما تعمل أنقرة على بيع صفقة مسيرات من طراز (T129 ATAK) للصومال وهي مروحية هجومية متعددة المهام بمحركين متعددة الاستخدامات في جميع الأحوال الجوية بغية تعزيز قدرات القوات الجوية الصومالية، ونجاح تلك المنتجات في الصومال سيساهم في انتشارها في عدد من الدول الأفريقية التي تواجه تنظيمات إرهابية وحالات من عدم الاستقرار. تحديات جيوسياسيةنظراً لأهمية الموقع الاستراتيجي للصومال بمنطقة القرن الأفريقي وتطور المتغيرات الإقليمية والدولية فإن نشر تركيا لقوات خاصة فيها لمحاربة الإرهاب سيواجه عدداً من التحديات، منها:1- إمكانية استهداف حركة الشباب للمصالح التركية: كلما عززت تركيا تواجدها العسكري في الصومال تضاعفت احتمالات تعرض جنودها ومصالحها الاستراتيجية لهجمات إرهابية انتقامية من حركة "الشباب"، لا سيما وأن الأخيرة سبق وأن استهدفت منشآت تركية. ففي يناير 2021 نفذت الحركة هجوماً على موظفين بشركة تركية في الصومال، وهو ما أفضى إلى مقتل تركيين، كما أعلنت الحركة عام 2024 رفضها الاتفاق الإطاري للتعاون بين أنقرة ومقديشو، مما يُنذر بتكرار هجمات الحركة ضد المصالح التركية بالصومال، مما سيحول تركيا إلى فاعل رئيسي بخريطة التفاعلات الداخلية بالصومال.2- التنافس مع الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب: تقوم بعثة أفريقية وأوروبية بدعم الجهود الصومالية لمكافحة الإرهاب، حيث عقد حفل بمقديشو في أبريل 2025 لتسليم 100 عنصر من قوات الشرطة الخاصة الصومالية المدربة والمجهزة من قِبَل بعثة الاتحاد الأوروبي (EUCAP) إلى الحكومة الصومالية، كما قامت واشنطن بشن عدد من الغارات الجوية ضد "حركة الشباب" ما أسفر عن مقتل عدد من عناصرها. وفي أبريل 2025 قصفت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) قوارب بحرية كانت محملة بمعدات عسكرية متطورة كانت في طريقها إلى الحركة، ولذا يجب على أنقرة تنسيق عملياتها لمكافحة الإرهاب بالصومال مع البعثات الأخرى لتجنب أي تضارب بينهم. 3- التحفظ الإقليمي على الدور التركي بالقرن الأفريقي: يأتي القرار بإرسال قوات تركية للصومال في إطار مساعي أنقرة لتعزيز وجودها العسكري ونفوذها الاستراتيجي بالصومال والقرن الأفريقي، الذي تتصاعد أهميته الاستراتيجية حيث يتصل جغرافياً بعددٍ من الممرات الإقليمية، وهو ما سيُعزز الدور التركي الإقليمي بالمنطقة، وربما تتحفظ الدول المعنية بالأمن والاستقرار بالقرن الأفريقي، وتلجأ لعرقلة مساعي تركيا لإرساء الاستقرار في الصومال.4- احتمالية الاعتراف الأمريكي "بأرض الصومال": ثمة تغير ملحوظ بالموقف الأمريكي من الصومال، حيث أوضح نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي "كريستوفر لاند" في إبريل 2025، أن "واشنطن تدرس إقامة علاقات دبلوماسية مباشرة مع أرض الصومال"، مما سيؤدي للاعتراف الأمريكي وربما الدولي بها وهو ما سيسفر عنه تقسيم الصومال، حيث عرضت "أرض الصومال" على واشنطن إبرام صفقة للحصول على اعتراف دولي بها مقابل تأجير ميناء بحري ومطار لواشنطن، الأمر الذي سيمثل تحدياً للموقف التركي الرافض للاعتراف بالإقليم الانفصالي، ويمثل تهديداً للتواجد العسكري التركي بالصومال، وسيكون على أنقرة التعامل مع التعقيدات السياسية والعسكرية الناجمة عن هذا الاعتراف. خلاصة القول، يبدو أن تركيا تسعى من خلال نشرها قواتها في الصومال إلى تقديم المزيد من الدعم إلى مقديشو، وخاصة في ضوء التهديدات الكبيرة التي تمثلها حركة الشباب، ونشر القوات التركية بالصومال سيساهم في تعزيز الدور التركي كفاعل إقليمي بمنطقة القرن الأفريقي، ويربط الأمن القومي للمنطقة والبحر الأحمر بالأمن القومي التركي، وسيبقى أمام أنقرة عدد من التحديات التي سيتوجب عليها معالجتها للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية بالصومال.

دوافع إرسال تركيا قوات للصومال لمكافحة الإرهاب