ياسمين أيمن


        
<p>نجح الدعم العسكري والاستخباراتي الذي قدمته إدارة الرئيس الأمريكي؛ "جو بايدن"، لأوكرانيا خلال الأشهر الستة الماضية عقب شن روسيا عمليات عسكرية ضد الأراضي الأوكرانية، في 24 فبراير 2022، في تحسين قدرات كييف للدفاع عن أراضيها، وتحقيق انتصارات عدة على الأرض ضد القوات الروسية. فمنذ بداية سبتمبر 2022، بدأت القوات الأوكرانية في التقدم، خاصة في المناطق الشمالية والجنوبية من البلاد، وأجبرت القوات الروسية على الانسحاب من أجزاء معينة من البلاد وتحديداً من 6000 كيلومتر مربع في الأراضي الواقعة شرق وجنوب أوكرانيا، وهو الأمر الذي وصفه "جون كيربي" المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، بأنه "تحول في زخم" الحرب، مشيراً إلى أن نتائجها النهائية غير متوقعة. وأكد استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><span class="has-inline-color has-vivid-red-color"><a><strong>انعكاسات إيجابية </strong></a>&nbsp;</span></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>في إطار رغبتها في عكس مسار الحرب التي كانت في صالح روسيا منذ فبراير 2022، ورغبتها في تطويق الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، اقتصادياً وعسكرياً، قدمت الولايات المتحدة إلى أوكرانيا منذ بداية العمليات العسكرية الروسية ضد أراضي الأخيرة أكثر من مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية من الأسلحة والذخيرة إلى القوات الأوكرانية. كما اتحدت مع حلفائها الأوروبيين لفرض عقوبات على الاقتصاد الروسي والقادة الروسيين، ونشرت أكثر من 20 ألف جندي أمريكي، في فبراير 2022، في أنحاء أوروبا، وتعهدت بنشر قوات إضافية في يونيو الماضي، وهو ما كان له انعكاسات إيجابية على واشنطن بشكل خاص، وحلف شمال الأطلسي (حلف الناتو) بشكل عام. ويمكن الإشارة لتلك الانعكاسات فيما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– تأكيد الدور القيادي الأمريكي:</strong> كشفت الحرب الروسية–الأوكرانية لدول القارة الأوروبية أنها لا يمكنها العمل بمعزل عن الولايات المتحدة والاستقلال عنها؛ حيث أكَّدت الحرب أن أمن أوروبا لا يمكن تحقيقه في غياب الدور القيادي الأمريكي؛ وذلك بسبب فشل الاتحاد الأوروبي والمنظمات الإقليمية، على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، في مواجهة الغزو الروسي وتبعاته بشكل مستقل عن واشنطن، أو دون اللجوء إلى المساعدات التي تقدمها، فضلاً عن ظهور محورية الدعم الأمريكي لأوكرانيا في إطالة أمد الصراع واستنزاف روسيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>– إظهار أهمية التحالفات الاستراتيجية:</strong> أسهمت الحرب في إعادة حلف الناتو إلى مهمته الأصلية التي تتمثل في "احتواء روسيا التوسعية"، والانغماس في المزيد من التعاون مع الشركاء الآسيويين، مع تبني موقف واحد إزاء الصين وروسيا، فضلاً عن تأكيدها أهمية الحوار الأمني الرباعي الذي يتضمن الهند والولايات المتحدة وأستراليا واليابان، واتفاقية أوكوس AUKUS بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا. وبالرغم من أهمية تلك التحالفات في الوقت الراهن، لكن الحفاظ عليها قد يكون صعباً على المدى الطويل، في ظل التداعيات الاقتصادية المتفاوتة للحرب الروسية في أوكرانيا، وخاصة ما يتعلق بالبحث عن بدائل جدد لإمداد الدول الأوروبية بالنفط والغاز بعد انقطاع الإمدادات الروسية، واشتداد الخطر مع اقتراب فصل الشتاء ودخول الدول الأوروبية في مأزق أمام حاجتها المتزايدة للحصول على الغاز من أجل التدفئة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– إضعاف روسيا عسكرياً واقتصادياً:</strong> من المؤكد أن استمرار موسكو في تلك الحرب يستنزف مواردها الاقتصادية والعسكرية، ويدفعها إلى تكبد المزيد من الخسائر العسكرية يومياً؛ لأنه بالرغم من تقدمها داخل أوكرانيا خسرت الكثير على المستوى العسكري الذي ستكون في حاجة إلى إعادة بنائه بعد انتهاء الحرب، لكنه سيكون أمراً صعب الحدوث، خاصة أنها خسرت عائداتها الاقتصادية من تصدير النفط والغاز إلى أوروبا. كما أنها لن تتحمل العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها، بجانب أنها تفتقر إلى التقنيات الخاصة بصناعة أشباه الموصلات التي تؤهلها لصنع أسلحة متطورة، فضلاً عن أن القبول بانضمام السويد وفنلندا إلى دول حلف الناتو سيدعم ثقل الحلف عسكرياً؛ ما يعني أن تهديد موسكو ضد أوروبا سيتراجع؛ ما سينعكس بصورة إيجابية على الولايات المتحدة التي لن يكون عليها تلبية الالتزامات الأمنية نفسها تجاه أوروبا، وسيترك هذا المجال لأوروبا لإعادة تأهيل نفسها على المستوى العسكري، بينما ستركز واشنطن بدرجة أعلى على آسيا ومواجهة التحدي الصيني.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4</strong><strong>–</strong> <strong>تعزيز القدرات الداخلية الأمريكية:</strong> دفعت تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على الداخل الأمريكي، إلى تعاون الإدارة الأمريكية والكونجرس ذي الأغلبية الديمقراطية بالتحرك نحو تعزيز قدرات الولايات المتحدة الداخلية على مختلف الأصعدة؛ فعلى سبيل المثال تم تمرير قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم الذي يهدف إلى تعزيز عملية تصنيع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة؛ حتى لا تتأثر باضطرابات سلاسل التوريد العالمية، وللحفاظ على الصناعات المختلفة التي تحتاج إلى الرقائق الإلكترونية على غرار الصناعات الدفاعية. والجدير بالذكر أن تلك الخطوات قابلتها تحركات صينية مناظرة لتعزيز الاكتفاء الذاتي، ودرء أي خطر من وقوع حرب مستقبلية في تايوان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">اعتبارات جديدة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>أوضحت الحرب الروسية-الأوكرانية أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة رسم استراتيجيتها الكبرى، بحيث لا تنغمس في التركيز على أمن أوروبا وأوكرانيا، وتترك الأطراف الأخرى القادرة على قلقلة اقتصاد العالم أجمع، وقلب قواعد القانون الدولي، وتحديداً الصين. وفيما يلي يمكننا الإشارة إلى نقاط موجزة أظهرت الحرب أن واشنطن بحاجة إلى أخذها في الاعتبار، وهي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– محاولة جذب دول الجنوب: </strong>انتصار روسيا في الحرب من شأنه أن يهدم بعض قواعد النظام العالمي التي حرصت الدول على بنائها منذ انتهاء الحرب الباردة؛ ولذلك تسعى الولايات المتحدة حثيثاً لجذب دول العالم المختلفة للاصطفاف بجانبها، وعدم دعم روسيا، وهو الأمر الذي تواجه فيه صعوبات جمة بسبب اتهامها بالنفاق والكيل بمكيالين في ظل سمعتها السابقة في الحرب على العراق وأفغانستان وفيتنام، وفي ظل عدم قدرتها على زحزحة الدول المختلفة، مثل الهند – بالرغم من الشراكة بينهما – عن موقفها المتعلق بدعم روسيا في حقها في حماية أمنها من تهديدات حلف الناتو، فإنها تحتاج إلى تكثيف جهودها لجذب بقية الدول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وهو ما يتطلب تقديم مزيد من الدعم المادي لها، وغض الطرف عن بعض الانتقادات التي توجهها لها إزاء مختلف القضايا، وخاصة المتعلقة بحقوق الإنسان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>– السعي إلى التركيز بدرجة أكبر على آسيا:</strong> بالرغم من تأكيدات الولايات المتحدة المستمرة حرصها على الدفاع عن حلفائها في أوروبا، فإنها طالبتهم في أكثر من مناسبة، وخاصة إبان فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بتحمل مسؤولية أنفسهم، ودفع نصيبهم العادل في حلف الناتو، وعدم إلقاء مسؤولية الحماية الكلية على واشنطن، ولكن تتصرف إدارة بايدن بنهج مغاير، وتستمر في تأكيد قدرة أوروبا على الاعتماد عليها في توفير الدعم والحماية، وهو أمر يشل قدرة واشنطن على الاهتمام والتركيز بدرجة أكبر على بناء التحالفات داخل آسيا لمواجهة النفوذ الصيني المتصاعد، الذي قد يقوض أمن واستقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ ولهذا فإنها إذا أرادت ذلك فسيكون عليها الانفصال عن أوروبا وتحميلها مسؤولية نفسها نسبياً، وسيكون على أوروبا بعد الحرب التي أثبتت أن القوة العسكرية الصلبة لا زالت مهمة وحاسمة ولا يمكن الاستغناء عنها، إعادة بناء نفسها عسكرياً، وهو ما سيسمح بترك متنفس أكبر لواشنطن للتركيز على التهديدات الآسيوية الصاعدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– التصدي للشراكة بلا حدود بين روسيا والصين:</strong> اتفقت الصين وروسيا في فبراير الماضي على شراكة بلا حدود بين الطرفين، وهو ما إن تم استغلاله بصورة صحيحة داخل آسيا فسيضع الولايات المتحدة في موقف حرج؛ فبالرغم من أن بكين لم تقدم الكثير لموسكو لمساعدتها على مواجهة الغرب، فإن خروج موسكو ضعيفة من الحرب الأوكرانية سيدفعها إلى الاحتماء بالصين، ودعم خطواتها داخل آسيا، وهو أمر يجب الانتباه إليه من جانب إدارة "بايدن" التي سيكون عليها التحرك في اتجاهات متوازية لتعزيز التحالفات مع دول آسيا، وعلى رأسها اليابان وكوريا الجنوبية، وتحجيم النفوذ الصيني هناك، مع الاستمرار في تقديم الدعم لأوكرانيا في الحرب؛ لأن استمرارها في مجابهة روسيا سيستزف الأخيرة، ويجعلها أكثر ضعفاً، ومن ثم ستقل خطورتها على أوروبا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4</strong><strong>– الاهتمام بالتكتل الاقتصادي لإضعاف الخصوم:</strong> أظهر الموقف الاقتصادي الموحد الذي تبنته الدول الأوروبية والولايات المتحدة ضد روسيا أهمية الأدوات الاقتصادية في الحروب فيما يتعلق بإضعاف الخصوم. وفي ضوء ذلك، فإن الموقف الاقتصادي الموحد أمر يجب على واشنطن أن تعمل على بنائه مع شركائها في أوروبا وآسيا ومختلف أنحاء العالم إذا ظهرت أي حرب مستقبلية جديدة، وخاصة إذا كانت مع الصين، لا سيَّما أن الشراكة الاقتصادية الصينية المتنامية مع مختلف أنحاء العالم ستكون قادرة على شل قدرات واشنطن، وتحجيم دورها في الصراع العالمي. والحيلولة دون حدوث ذلك يتطلب من الولايات المتحدة أن تكون أكثر انخراطاً على عدة مستويات، كما سيتطلب منها ومن حلفائها في أوروبا دعوة الدول الآسيوية المهمة للانخراط في الحوارات الاستراتيجية الاقتصادية للاتفاق على معايير موحدة يمكن تطبيقها بشأن التجارة والاستثمار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولكن هذا الأمر سيحتاج إلى وقت طويل بالنظر إلى عدم ميل الدول المختلفة في إفريقيا وآسيا إلى عزل روسيا أو الانفصال عنها بسبب مخاوفها من أزمة الأمن الغذائي، حتى إن إندونيسيا رفضت مطالب الغرب بعدم استضافة موسكو في قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها في نوفمبر القادم، التي من المتوقع أن يحضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرة إلى رغبتها في البقاء بعيداً عن التنافس بين القوى الكبرى.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">توازنات متغيرة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، </strong><strong>يمكن القول إن الحرب الروسية–الأوكرانية كانت لها انعكاسات واسعة على مختلف دول العالم وكان على رأسها شعور الأنظمة الديمقراطية بضرورة ووجوب الوحدة لمواجهة تهديدات الأنظمة الاستبدادية. وعلى نطاق أضيق، تدفع الحرب الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها التي تطبقها على مستوى العلاقات الخارجية، التي تحتاج منها إلى انخراط متوازن في مختلف أنحاء العالم لتحجيم النفوذ الصيني المتنامي، وضبط رغبات روسيا التوسعية. ولكن سيظل التحدي الرئيسي لواشنطن هو عدم اليقين الذي يميز العلاقات الدولية المعاصرة، بمعنى عدم القدرة على التنبؤ بما سيحدث خلال الفترات القادمة؛ لأن المصالح والتوازنات تتبدل بين فينة وأخرى.</strong></p>

      

كيف تحولت سياسة واشنطن في ظل الحرب الأوكرانية على مدى نصف عام؟