د. أحمد عسكر

أصدر الرئيس السنغالي المنتخب باسيرو ديوماي فاي قراراً في 2 أبريل 2024 بتعيين عثمان سونكو زعيم حزب باستيف المنحل، رئيساً للوزراء، في أول إجراء لباسيرو بعد تنصيبه رئيساً خامساً للبلاد؛ وذلك عقب فوزه على منافسه أمادو با مرشح الائتلاف الحاكم السابق.ولم تكن هذه الخطوة مفاجئة، في ضوء التحالف القوي الذي ظهر عليه معسكر سونكو/باسيرو خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، خاصةً بعد استبعاد سونكو من الترشح لها، والاعتماد على باسيرو في قيادة الخطة البديلة بدعم من سونكو مهندس مشروع باستيف الذي دشنه على مدار العقد الأخير.ومع ذلك، يعد هذا القرار بمنزلة اختبار لقدرة تحالف سونكو/باسيرو على معالجة التحديات الداخلية التي تواجه البلاد في العديد من الملفات الشائكة، وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسنغاليين، وإعادة تموضع السنغال كقوة إقليمية بارزة في غرب أفريقيا، وعلى الصعيد الدولي، لا سيما أن سقف التوقعات لدى الرأي العام السنغالي يبدو مرتفعاً تجاه مشروع المعارضة السنغالية التي انتقلت إلى سدة الحكم، وهو ما يمثل ضغطاً على النخبة الحاكمة الجديدة خلال الفترة المقبلة.دلالات حاكمةيحمل قرار باسيرو العديد من الدلالات الكاشفة بشكل واضح عن تحولات المشهد السياسي السنغالي في ظل صعود النظام الحاكم الجديد بالبلاد، ويتمثل أبرز تلك الدلالات فيما يلي:1– نفوذ سونكو القوي في المشهد السياسي: وذلك باعتباره مهندس الانتخابات الأخيرة التي أطاحت بمرشح الحزب الحاكم لصالح مرشح حزب باستيف الذي يتزعمه سونكو؛ ما جعل البعض يدرك أن سونكو هو الرجل القوي في النظام الجديد، وأنه سيكون له دور بارز في مستقبل البلاد، خاصةً بعدما ظهر عقب فوز باسيرو مباشرةً تحت حراسة قوات الدرك الوطني، وصولاً إلى قرار توليه منصب الوزير الأول في الحكومة الأولى للرئيس المنتخب باسيرو.2– دور سونكو في تعزيز شرعية باسيرو: يدرك الرئيس الجديد أن وجود سونكو بجواره في صدارة المشهد السياسي، يعزز الشرعية السياسية للنظام الحاكم الجديد لدى قطاعات كبيرة من الشعب السنغالي، في ضوء الشعبية الجارفة التي يتمتع بها سونكو، والتي انعكست في حصول تحالف ديوماي على أكثر من 54% من أصوات الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة؛ ما يعني أن سونكو يمثل ورقة رابحة للرئيس باسيرو، على الأقل خلال مرحلة زمنية معينة؛ حتى يتسنى له تثبيت أركان حكمه الجديد في البلاد؛ ما يجعله حريصاً على الاحتفاظ بدعم سونكو لأطول فترة ممكنة.3– استمرار الحماس حول مشروع باستيف: يضمن استمرار معسكر سونكو/باسيرو في المرحلة المقبلة بقوته التي برزت خلال السباق الرئاسي الأخير المضي قدماً نحو تنفيذ مشروعهما الذي يحمل شعار "من أجل سنغال ذات سيادة وعادلة ومزدهرة"، كما يضمن استمرار الالتفاف الشعبي حول تحالف ديوماي خلال الفترة المقبلة، بما يعزز نفوذه السياسي في الداخل السنغالي، وهو ما عبر عنه سونكو بشأن أهمية تعاونه مع باسيرو والتزامه بعدم السماح للرئيس وحده بتحمل المسؤولية الثقيلة، وأن تنفيذ مشروع باستيف يمثل مسؤولية مشتركة بينهما.4– رغبة باسيرو الجادة في التغيير: هناك إدراك جمعي لدى تحالف ديوماي بأن التعاطي مع أزمات السنغال ومعالجة جميع التحديات والملفات الشائكة التي خلَّفها الائتلاف الحاكم السابق على المستويين المحلي والدولي، إنما تقتضي الالتفاف حول مشروع المعارضة من أجل إحداث التغيير الذي تجلت بوادره في التصويت لمرشح المعارضة على حساب مرشح النظام الحاكم السابق، وهو ما يعني ضرورة تضافر كل الجهود من أجل تحول جوهري في مستقبل البلاد وعدم إقصاء أحد، خاصةً أن انتصار باسيرو لم يكن انتصاراً لشخص واحد، بل كان انتصاراً لمشروع متكامل يسعى مع حليفه الرئيسي سونكو إلى تنفيذه في البلاد.5– الاستعداد لمعركة الانتخابات التشريعية: يسعى الرئيس باسيرو إلى ضمان أغلبية برلمانية لتحالف ديوماي في الجمعية الوطنية؛ خوفاً من عرقلة أغلبية الائتلاف الحاكم السابق لقرارات السلطة الجديدة خلال الفترة المقبلة. يأتي ذلك في ضوء التكهنات بشأن حل الجمعية الوطنية من قبل الرئيس الجديد عند انتهاء فترة عامين بعد تنصيبها؛ أي في غضون خمسة أشهر؛ ما يعني حاجة باسيرو إلى دعم سونكو في الحملة الانتخابية ليضمن الأغلبية البرلمانية، بما يعزز نفوذه السياسي وإحكام سيطرته على المشهد السياسي السنغالي خلال فترة ولايته الأولى تمهيداً لاحتمال التمديد لولاية ثانية.6– استعادة الثقة في الديمقراطية السنغالية: يعزز صعود كل من باسيرو فاي وعثمان سونكو إلى صدارة المشهد السياسي السنغالي، استعادة الشعب السنغالي ثقته في النموذج الديمقراطي لبلادهم، خاصةً بعدما واجه انتكاسة منذ شهرين عقب قرار الرئيس السابق ماكي سال تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقرراً لها في 25 فبراير 2024، قبل أن يتدخل المجلس الدستوري في البلاد ليعلن إقامة الانتخابات في 25 مارس 2024 التي شهدت صعود مرشح المعارضة إلى سدة الحكم في البلاد.تداعيات محتملةهناك عدد من التداعيات المحتملة على تولي عثمان سونكو رئاسة الوزراء في السنغال، خاصةً على الصعيدين المحلي والدولي خلال الفترة المقبلة، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:1– تحسين صورة النظام الجديد: من المتوقع أن يوظف باسيرو شعبية وزيره الأول عثمان سونكو لصالح تعزيز شعبيته وشرعيته السياسية في الداخل السنغالي خلال المرحلة الأولى من حكمه، لا سيما أن النظام السابق قد خلَّف تركة ثقيلة للنظام الجديد على مستويات مختلفة داخلية وخارجية؛ ما يعني ضغطاً على نظام باسيرو الذي ربما يواجه تساؤلات الرأي العام عن منجزاته بعد فترة وجيزة من بداية حكمه، خاصةً على الصعيد الاقتصادي.2– تماسك تحالف ديوماي: يمتلك سونكو القدرة على الحفاظ على النظام الجديد باعتباره مهندس مشروعه المزمع تنفيذه خلال الفترة المقبلة. وفي إطار الثقة المتزايدة التي يضعها باسيرو في معلمه سونكو، لا سيما أنهما يملكان رؤية واحدة حول مستقبل السنغال، ربما ينعكس ذلك على تماسك التحالف الحاكم الجديد لأطول فترة ممكنة، وإن كان مشروطاً باستقرار العلاقة بين رأسَي هذا التحالف: باسيرو وسونكو خلال المرحلة المقبلة.3– ضمان أغلبية برلمانية: ربما يضطر نظام باسيرو إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في البلاد، في ضوء حرصه على الحصول على أغلبية تضمن له عدم عرقلة مشروعه القومي، ومن المؤكد أن يتولى سونكو هندسة تلك الانتخابات؛ من أجل ضمان أغلبية برلمانية موالية لتحالف ديوماي، بما يعزز نفوذه السياسي في البلاد خلال الولاية الأولى لباسيرو.4– توسع نفوذ سونكو في الداخل السنغالي: ويرتبط ذلك بمدى قدرة سونكو على تحقيق نتائج إيجابية في الملفات ذات الأولوية في وقت زمني قصير؛ الأمر الذي سوف يعزز شعبية سونكو على نطاق واسع في المجتمع السنغالي. وربما يمثل ذلك قلقاً متزايداً لدى باسيرو، بما قد يدفع نحو توتر العلاقة بينهما، وصولاً إلى تفكك التحالف بينهما في مرحلة مقبلة، وهو ما قد تنعكس آثاره سلباً على تماسك تحالف ديوماي.5– زيادة ثقة باسيرو في إدارة الملفات الخارجية: قد يحتمي باسيرو بحليفه سونكو في التصدي لردود الفعل داخلياً وخارجياً من جراء تحركاته الخارجية بشأن بعض الملفات الشائكة، لا سيما أن تصريحات باسيرو خلال حملته الانتخابية قد عكست إصراره على إعادة النظر في بعض الملفات، مثل اتفاقيات الغاز الطبيعي والمصايد مع العالم الخارجي، إضافة إلى موقفه من العلاقات السنغالية الفرنسية خلال السنوات الماضية.مخاوف قائمةبالرغم من حالة التفاؤل التي تسود المشهد السياسي السنغالي عقب تولي عثمان سونكو رئاسة أول حكومة في الولاية الجديدة للرئيس باسيرو فاي، بما يعكس قوة وتماسك معسكر سونكو/باسيرو، فإن هذه الخطوة تستدعي بعض الإشكاليات:1– التخوف من التنازع بين سونكو وباسيرو: تظل هناك تخوفات من وجود رأسيْن في النظام الحاكم الجديد في ضوء طبيعة العلاقة التي تربط سونكو وباسيرو الذي يعتبر الأول معلماً له، وأنه بالرغم من حالة التفاهم بينهما قد يتنازع الطرفان نتيجة الخلاف بينهما حول قضية أو مسألة ما مستقبلاً.2– الشكوك حول آلية إبعاد سونكو من منصبه مستقبلاً: كما أن رئيس الوزراء قد يتعرض في أي وقت للانتقاد أو للإقالة أو التغيير؛ ما يعني الإطاحة بسونكو من المشهد السياسي، إلا إذا استعان باسيرو بحليفه الرئيسي في منصب آخر مثل رئيس الجمعية الوطنية على سبيل المثال، أو نائبه الأول.3– إمكانية تزايد الضغوط الخارجية على النظام السنغالي: على الصعيد الدولي، تظل المخاوف الدولية والإقليمية قائمة من توجهات معسكر باسيرو/سونكو على المستوى الخارجي، وهو التوجهات التي تعكس رغبة واضحة في إعادة صياغة العلاقات السنغالية مع العالم الخارجي بما يضمن تعظيم المكتسبات الاستراتيجية والمصالح الحيوية للدولة السنغالية في المحيطين الإقليمي والدولي. كما تتزايد المخاوف لدى الجانب الفرنسي من تحول محتمل في توجهات السياسة السنغالية إزاء باريس، في ضوء الخطاب السياسي لكل من باسيرو وسونكو خلال الحملة الانتخابية قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو ما قد يترتب عليه توتر العلاقات بين البلدين، بما يعني تراجعاً جديداً للنفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا في مقابل احتمال صعود قوى فاعلة أخرى ربما تستطيع استمالة النظام الحاكم الجديد في السنغال، مثل الصين وروسيا.إجمالاً، ينتظر عثمان سونكو – بعد تحوله من مقعد المعارضة إلى مقعد السلطة الحاكمة رئيساً للوزراء في السنغال – إرث ثقيل قد خلفه النظام السابق بقيادة ماكي سال الذي أهمل العديد من الملفات والقضايا الداخلية والخارجية، التي باتت معالجتها تمثل أولوية بالنسبة إلى الحكومة الجديدة، وإن كان سونكو يمتلك بعض نقاط القوة، مثل كونه مدعوماً شعبيّاً بدرجة كبيرة، إضافة إلى امتلاكه مشروعاً متكاملاً يسعى إلى تنفيذه في البلاد، وهو ما يوفر له دعماً قوياً من شأنه توسيع نفوذه السياسي بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، وربما يعزز التكهنات – وإن كانت مبكرة للغاية – حول صعوده إلى رأس السلطة في البلاد خلال السنوات المقبلة.

دلالات اختيار عثمان سونكو رئيساً للوزراء بالسنغال