أ.د حمدي عبد الرحمن حسن

يقول المثل الأفريقي: "إذا أردت أن تسير مسرعاً، فاركض وحدك. أما إذا أردت أن تذهب بعيداً، فخذ شخصاً آخر معك". بهذا المنطق حاولت إيطاليا إغراء القادة الأفارقة بالعمل معاً من أجل تحقيق أهداف خطة ماتي. تم تسمية الخطة نسبة إلى مؤسس مجموعة الطاقة الإيطالية ENI إنريكو ماتي الذي دعا في الخمسينيات من القرن الماضي إلى دعم إيطاليا حكومات شمال أفريقيا من أجل تطوير مواردها الطبيعية. وقد عقدت القمة الإيطالية الأفريقية التي طال انتظارها يوم 28 يناير 2024، بمشاركة 25 من زعماء الدول الأفريقية. وخلال الحفل الافتتاحي تم الإعلان بالفعل عن "خطة ماتي" لأفريقيا التي تعد مشروعاً طموحاً للغاية، يهدف إلى إقامة علاقات على جبهة إمدادات الطاقة (تكون شركة إيني في الصف الأمامي). إنها خطة من أجل بناء شراكات متبادلة المنفعة ودعم أمن الطاقة في البلدان الأفريقية ومنطقة البحر الأبيض المتوسط كما قالت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في دبي في ديسمبر الماضي.وقد التزمت إيطاليا – التي تتولى رئاسة مجموعة السبع في النصف الأول من هذا العام – بجعل التنمية الأفريقية موضوعاً رئيسياً على قائمة أجندتها. إنها المرة الأولى التي يتم فيها رفع مستوى المؤتمر الإيطالي الأفريقي، الذي كان يعقد حتى الآن على المستوى الوزاري، إلى مستوى قمة رؤساء الدول والحكومات، وهو أول حدث دولي يقام في إيطاليا منذ بداية رئاسة مجموعة السبع. ولعل ذلك يؤكد الأهمية التي توليها إيطاليا للشراكة مع دول القارة الأفريقية.تحاول رئيسة الوزراء "ميلوني" – التي طالما انتقدت السياسة الفرنسية في أفريقيا قبل توليها منصبها رسمياً – أن تجعل خطة "ماتي" عماد سياستها الأفريقية الجديدة. ولعل ذلك يرجع بشكل كبير إلى أن 40% من وارداتها من الغاز الطبيعي تأتي من أفريقيا، كما أن 80% من المهاجرين غير الشرعيين يقدمون إلى إيطاليا عن طريق موانئ شمال أفريقيا. وعليه فإن إيطاليا تحاول أن تمسك بزمام المبادرة للعمل مع الأفارقة بدلاً من الاكتفاء بسياسات رد الفعل. بالإضافة إلى ذلك تحاول خطة ماتي تصحيح أخطاء الماضي الاستعماري في أفريقيا؛ وذلك من خلال توكيد طابع المنفعة المشتركة وإبعاد صفة الأبوية والاحتواء عنها؛ فمعظم المبادرات الغربية التي تتعامل مع أفريقيا تستهدف احتواء النفوذين الروسي والصيني بشكل أساسي. ويبدو أن تصور إنريكو ماتي بأن أفريقيا تعد ساحة نزال كبرى جديدة بين الشرق والغرب لا يزال يتسم بقدر كبير من الصحة؛ ففي الوقت الذي عززت فيه الصين نفوذها من خلال مبادرة الحزام والطريق، تسعى الولايات المتحدة إلى تأسيس مشروع ممر لوبيتو على المحيط الأطلسي، كما أن جولة بلينكن الأفريقية الرابعة أعادت إحياء الرابطة الأطلسية، ولكن هذه المرة بين دول الشمال الأوروبية ودول جنوب الأطلسي، ولا سيما الأفريقية منها.إن تركيز ميلوني الأخير على تعزيز العلاقات الإيطالية مع أفريقيا يعتمد على الجهود السابقة التي بذلها رؤساء الوزراء الإيطاليون. في عام 2007، دخل رومانو برودي التاريخ بصفته أول رئيس وزراء إيطالي يزور الاتحاد الأفريقي؛ ما يشير إلى اهتمام إيطاليا بالتعامل مع القارة. وفي وقت لاحق، كثف ماتيو رينزي هذه الجهود، ونفذ مبادرات أخرى مثل فتح خمس سفارات جديدة في جميع أنحاء أفريقيا، وتنفيذ قانون جديد بشأن مساعدات التنمية بين عامي 2014 و2016. وكانت زيارات رينزي إلى سبع عواصم أفريقية تهدف إلى تعزيز التعاون، وجذب الاستثمار، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية. ومع ذلك، فإن ما يميز ميلوني عن أسلافها هو إدراكها حقيقة مفادها أن المشاركة الإيطالية المستدامة في أفريقيا تتطلب استراتيجية شاملة طويلة الأجل تدعمها أدوات سياسية واضحة. ويعترف هذا النهج الاستراتيجي بأن نفوذ إيطاليا في أفريقيا لا يمكن تعظيمه إلا من خلال مبادرات متسقة ومحددة بشكل جيد على مدى فترة ممتدة.ومع ذلك تواجه خطة ماتي عدة تحديات، تنبع في المقام الأول من الافتقار إلى الوضوح والتوجه الاستراتيجي؛ إذ إنه على الرغم من الاعتراف بضرورتها، فإن المكونات الأساسية للاستراتيجية وأدوات السياسة تظل غامضة وغير محددة. إن التأخير في إنشاء هيكل إداري للخطة، مع وجود ميزانية مخصصة، ولكن بدون إطار تنفيذ ملموس، يؤدي إلى تفاقم حالة عدم اليقين المحيطة بأهدافها وتمويلها. علاوة على ذلك، فإن تركيز الخطة على البدء بسياسة الاستثمار في الطاقة الأحفورية الأفريقية مع الضغط على الاقتصاد الإيطالي لحمله على التخلص من الوقود الأحفوري، يبدو غير متسق بشكل ظاهر للعيان، وهو الأمر الذي يتطلب المزيد من التفكير المدروس. وينبغي لخطة ماتي أن تركز، بدلاً من ذلك، على تطوير المزيد من إمدادات الطاقة النظيفة التي تعود بالنفع على إيطاليا والدول الشريكة لها، على غرار صفقة الهيدروجين الأخضر الجديدة التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع ناميبيا على سبيل المثال، وخاصة في ضوء التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة.وربما يفتقر هذا النهج الإيطالي الجديد إلى الرؤية الاستراتيجية ويفشل في معالجة احتياجات الطاقة المتطورة والمخاوف البيئية لكل من إيطاليا والدول الشريكة لها. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج العديد من الدول الأفريقية المرتبطة بإيطاليا، سواء من خلال العلاقات التاريخية مثل إثيوبيا وموزمبيق أو مجتمعات المهاجرين مثل السنغال، إلى دعم أكثر شمولاً يتجاوز صفقات الطاقة، كما تزيد حالة عدم الاستقرار السياسي والصراعات الداخلية ومحدودية قدرة الدولة في بعض المناطق من تعقيد جدوى جذب استثمارات القطاع الخاص في أسواق الطاقة. وبدلاً من ذلك، ينبغي لصناع السياسات الإيطاليين إعطاء الأولوية للاستثمار في جهود الوساطة لمعالجة الصراعات الأساسية وتعزيز الاستقرار، وهو أمر بالغ الأهمية لإدارة تدفقات الهجرة ومواجهة التأثيرات السلبية. ومع ذلك، فإن موارد الميزانية المحدودة لإيطاليا تشكل عقبة كبيرة أمام التنفيذ الفعال لخطة ماتي.&nbsp;وفي غياب التمويل الكافي فإن التزامات إيطاليا تجاه أفريقيا قد تبدو غير صادقة وغير جديرة بالثقة، وخاصة بالمقارنة بمبادرات المساعدات الدولية الأخرى. وللتغلب على هذا التحدي، يتعين على إيطاليا إعطاء الأولوية لمخصصات الميزانية لمساعدات التنمية والالتزام ببرنامج طويل الأمد لتحقيق هدف الأمم المتحدة المتمثل في تخصيص 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي لمساعدات التنمية بحلول عام 2030. وهذا من شأنه أن يظهر التزام إيطاليا الحقيقي بدعم التنمية الأفريقية وتعزيز مكانتها كشريك موثوق به على الساحة العالمية.

هل تنجح إيطاليا في تعزيز حضورها بأفريقيا؟