د. صدفة محمد محمود


        
<p>اجتمع رؤساء الأرجنتين والبرازيل وباراجواي وأوروجواي، في يومي 3 و4 يوليو الجاري في مدينة بويرتو إجوازو الأرجنتينية، لحضور قمة ميركوسور والدول المرتبطة بها الـ62. خلال هذا الحدث، جرى نقل الرئاسة المؤقتة للكتلة من الأرجنتين إلى البرازيل للأشهر الستة المقبلة. وناقشت القمة عدة قضايا، لعل من أبرزها طلب الاتحاد الأوروبي الأخير الامتثال لاتفاقية باريس بشأن تغير المناخ باعتبار ذلك شرطاً للتصديق على اتفاقية تجارية مع دول تجمع ميركوسور، الذي يُمثِّل 62% من سكان أمريكا الجنوبية و67% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أهداف طموحة</span></strong></p>



<p><strong>ارتبط انعقاد قمة تجمع ميركوسور برغبة الدول الأعضاء في تحقيق مجموعة من الأهداف والانجازات، من أبرزها:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تعميق التكامل والاستقلال الإقليمي:</strong> اكتسب انعقاد هذه القمة أهمية خاصة بالنسبة إلى دول ميركوسور، التي تسعى إلى تعزيز أواصر التعاون المشترك، في الوقت الذي تواجه فيه تحديات عميقة بفعل الحرب الأوكرانية وتباطؤ معدل النمو العالمي. ومع تولي البرازيل الرئاسة المؤقتة لميركوسور، أولت اهتماماً واضحاً بإعادة تأكيد أولوية التكامل، الذي تعتبره حكومة "لولا دا سيلفا" عاملاً أساسياً لتحقيق التنمية الاقتصادية للبلاد. من هذا المنطلق، جاء إعلان أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية التزامه بقيادة الجهود لتعزيز نظام الدفع بالعملات المحلية، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة بين دول ميركوسور، إضافة إلى تجديد الرئيس البرازيلي دعوته إلى تبني عملة مشتركة لتسهيل التجارة بين بلدان المنطقة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تبني رد حازم بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي:</strong><strong> </strong>كان البند الرئيسي على جدول الأعمال هو مطالبة الاتحاد الأوروبي، دول ميركوسور بالامتثال لاتفاقية باريس بشأن تغير المناخ باعتبار ذلك شرطاً للتصديق على اتفاق تجاري تم التوصل إليه في عام 2019، بعد عقدين من المفاوضات. ومن شأن الاتفاق أن يلغي الرسوم الجمركية على نحو 90% من صادرات ميركوسور إلى الاتحاد الأوروبي، ويسمح للشركات في كلتا الكتلتين بتقديم عطاءات للحصول على عقود حكومية. مع ذلك، لا تزال هناك خطوات كبيرة يتعيَّن اتخاذُها قبل إنفاذها؛ إذ يجب على كل دولة من الدول الأعضاء الـ31 التصديق على المعاهدة بشكل فردي من خلال برلماناتها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد توقف تصديق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الاتفاقية بسبب مخاوفها بشأن الحماية البيئية لدول ميركوسور، خاصةً في غابات الأمازون المطيرة. بالنسبة إلى ميركوسور، تُقدِّم الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي فوائد مهمة مع سوق تضم نحو 450 مليون مستهلك؛ حيث يعد الاتحاد بالفعل شريكه التجاري الثاني. وبحسب البيانات الرسمية، صدرت ميركوسور في عام 2022 بضائع إلى الاتحاد الأوروبي بقيمة 62 مليار و 928 مليون دولار، واستوردت من الاتحاد الأوروبي بنحو 57 مليار و 215 مليون دولار. &nbsp;57215 مليون دولار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تنشيط العلاقات التجارية مع الشركاء:</strong> مثَّلت القمة فرصة حاسمة لإعادة العلاقات الدبلوماسية والشراكات مع بقية دول أمريكا اللاتينية، خاصةً الحوارات الجارية بين ميركوسور وكلٍّ من جمهورية الدومينيكان والسلفادور، بالإضافة إلى تشيلي وكولومبيا وبوليفيا التي تسعى للانضمام إلى التجمع. وبالإضافة إلى الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ناقش قادة الدول الأعضاء إمكانية إبرام معاهدة مع الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة (EFTA)، التي تضم النرويج وسويسرا وأيسلندا وليختنشتاين، وهي دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي. علاوةً على ذلك، كان الاتفاق التجاري مع سنغافورة مدرجاً أيضاً على جدول أعمال القمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– ترسيخ القيادة الإقليمية للبرازيل:</strong> منذ تولي "لولا دا سيلفا" رئاسة البرازيل في يناير الماضي، وضع مسألة استعادة البرازيل مكانتها قائدةً لمنطقة أمريكا اللاتينية، في مقدمة أولوياته. من هذا المنطلق، عمل دا سيلفا على استثمار تولي بلاده الرئاسة المؤقتة لميركوسور خلال الأشهر الست القادمة، ليطرح رؤاها بشأن سبل تقوية العلاقات بين دول المنطقة، خاصةً ما يتعلق بمبادرة العملة المشتركة، وتقليل الاعتماد على الدولار في التبادلات التجارية بين بلدان أمريكا اللاتينية. في الوقت نفسه، أعلن دا سيلفا أن التوصل إلى اتفاق "نهائي" مع الاتحاد الأوروبي في غضون الأشهر الستة المقبلة، سيكون أولويته بصفته رئيساً لميركوسور.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">عقبات عديدة</span></strong></p>



<p><strong>هناك صعوبات حقيقية ربما تَحُول دون نجاح بلدان ميركوسور في تحقيق الأهداف التي كانوا يسعون إليها من عقد القمة الأخيرة للتجمع، من بينها:</strong><strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– استمرار الاشتراطات الأوروبية:</strong> في فبراير الماضي، اقترح الاتحاد الأوروبي "ملحقاً بيئياً" للاتفاق التجاري مع ميركوسور، مع ضمانات بيئية إضافية؛ ما أثار غضب قادة أمريكا الجنوبية، وأبطأ التقدم نحو التوصل إلى اتفاق نهائي. وتريد بروكسل أن يتضمَّن أي اتفاق مع دول ميركوسور الامتثال لمختلف الالتزامات التي تم التعهُّد بها كجزء من اتفاقات باريس للمناخ لعام 2015 ، التي هي طوعية حالياً؛ الأمر الذي أثار غضب دول ميركوسور؛ حيث طالب رئيس البرازيل بأن يكون الاتفاق "متوازناً"، وشدد على أن التفاوض بين الشركاء الاستراتيجيين لا ينبغي أن يُبنى على عدم الثقة والتهديد بالعقوبات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>من جانبه، طالب الرئيس الأرجنتيني الاتحاد الأوروبي بمراجعة بعض الأمور، مشيراً إلى المطالب "الأحادية" المتعلقة بالبيئة وإصرار الأوروبيين على أن تتوقف حكومات ميركوسور عن إعطاء الأفضلية للشركات المحلية في المشتريات العامة. مع ذلك، جدد المجتمعون في نهاية قمة ميركوسور "الالتزام بالتقدم نحو التوقيع الفوري" على اتفاق "لصالح جميع الأطراف"، كما تعهد المشاركون بصياغة استجابة "قوية" لأحدث "المطالب" التي قدمها الاتحاد الأوروبي في المفاوضات حول الاتفاقية التجارية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تعقيدات العلاقات مع الصين:</strong> تُعد بكين الشريك التجاري الرئيسي للعديد من بلدان أمريكا اللاتينية، كما أنها مستثمر مهم في العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية في المنطقة، وهي تعتزم&nbsp;زيادة التجارة الثنائية&nbsp;مع أمريكا الجنوبية بمقدار 500 مليار دولار بحلول عام 2025. مع ذلك، فإن كيفية إدارة العلاقة التجارية مع الصين هو بمنزلة اختبار لوحدة الكتلة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي حين لا توجد اتفاقية تجارة حرة بين الصين وميركوسور، ترغب أوروجواي في التفاوض منفردةً مع بكين بشأن اتفاقية مماثلة، لكن بقية أعضاء ميركوسور يرفضون ذلك؛ لأن هذا ينتهك قواعد التكتل التي تنص على أن الدول الأعضاء يجب أن تتفاوض بشكل مشترك أو تحصل على موافقة شركائها للقيام بذلك.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>دفع هذا الرفض حكومة أوروجواي إلى عدم التوقيع على البيان الختامي للقمة، وفي وقت سابق، اشتكى رئيسها من عدم قدرة ميركوسور على إبرام صفقات تجارية مع الأسواق الأخرى، وخاصةً الاتحاد الأوروبي؛ إذ تعيق هذه الصفقات خطة بلاده لتوقيع اتفاقية ثنائية مع الصين. وأشار رئيس أوروجواي أيضاً إلى بعض القرارات التي لا تُتخذ بتوافق الآراء [داخل ميركوسور]، ومنها قرار تخفيض التعريفات الجمركية بين البرازيل والأرجنتين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– عوائق التجارة البينية:</strong><strong> </strong>يُعاني تجمع ميركوسور، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1991، من تدني حجم التجارة البينية، التي بلغت 12% من إجمالي التجارة الخارجية للدول الأعضاء؛ وذلك نتيجة خضوع واردات عدد لا يحصى من المنتجات لرسوم جمركية مرتفعة، وهو ما تسبب في فشل التكتل التجاري في تحقيق هدفه الأوَّلي المتمثل في إنشاء سوق مشتركة في غضون أربع سنوات، كما هو مقترح في وثيقته التأسيسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كانت صعوبة الوصول إلى أسواق الأرجنتين ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية، من الشكاوى الرئيسية التي أعربت عنها أوروجواي؛ حيث تفرض بوينس أيرس عقبات أمام الواردات في محاولة لحماية احتياطياتها الدولية المتضائلة. ولدى أوروجواي أيضاً مخاوف حقيقية بشأن اختلال التوازن التجاري داخل الكتلة. في عام 2022، تجاوزت صادرات وواردات البرازيل صادرات وواردات جميع دول ميركوسور الأخرى؛ إذ بلغت الصادرات 312.6 مليار دولار والواردات 253.8 مليار دولار. ولا يزال الميزان التجاري إيجابياً؛ حيث بلغ 58.7 مليار دولار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>لدى الأرجنتين أيضاً ميزان تجاري إيجابي يبلغ 14.9 مليار دولار. في هذا الإطار، قال الرئيس لاكال بو: "لقد كافحت أوروجواي للوصول إلى الأسواق؛ حيث انخفضت حصة اقتصادنا من تجارة ميركوسور. يجب أن نواصل التفاوض ككتلة، وإذا لم يكن ككتلة، فمن جانب واحد".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تأثيرات الأزمة في فنزويلا: </strong>في حين أن الأزمة السياسية التي تُعاني منها فنزويلا – التي علقت عضويتها في تجمع ميركوسور في عام 2017 لخرقها بنوده الديمقراطية – لم تكن مطروحة على جدول أعمال القمة، فإن محاولات الرئيس البرازيلي استئناف ميركوسور المحادثات مع فنزويلا، لاقت رد فعل عنيفاً وفورياً من قبل بعض أعضاء التكتل، خاصةً الرئيس "لويس لاكال بو" من أوروجواي و"ماريو عبده بينيتيز" من باراجواي، اللذين انتقدا بشدة القرار الذي اتخذته السلطات الفنزويلية مؤخراً بمنع زعيمة المعارضة "ماريا كورينا ماتشادو" من تولي مناصب عامة لمدة 15 عاماً؛ ما قد يحرمها من الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>أما الرئيس البرازيلي – وهو حليف قديم للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو – فدعا زملاءه في فنزويلا إلى البقاء منفتحين على الحوار. أما الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز فشدد على أنه "يجب حل مشكلة فنزويلا من قبل الفنزويليين، من خلال الحوار بينهم، وليس من خلال البلدان التي تتدخل في قضاياها الداخلية".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>من جملة ما سبق، يمكن القول إن مخرجات قمة تجمع ميركوسور لم تكن على المستوى المأمول، كما أنها لم تنجح في تحقيق الأهداف المرجوة منها، في ظل وجود خلافات سياسية وتباين في وجهات النظر بين قادة البلدان المشاركة بشأن بعض القضايا، ومنها الأزمة في فنزويلا، وكذلك كيفية إدارة العلاقات مع الشركاء التجاريين من خارج التجمع؛ وذلك بالرغم من وجود توافق بين الدول الأعضاء على أهمية التوصل إلى اتفاق تجاري متوازن بين ميركوسور والاتحاد الأوروبي.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وبغض النظر عن الاختلافات في الرؤى بين أعضاء التكتل، فإن هناك عقبات هيكلية، كاختلال التوازن التجاري والعوائق الجمركية التي تحد من حركة التبادل التجاري بين دوله، والتي بدون اتخاذ إجراءات ملموسة للتغلب عليها، يمكن أن يواجه ميركوسور خطر التفكك على أقصى تقدير، في ظل تلويح كبار المسؤولين في أوروجواي، خاصةً وزير الخارجية "فرانسيسكو بوستيلو"، بإمكانية إعادة النظر في عضوية بلاده باعتبارها دولة مؤسسة، وأن تصبح دولة منتسبة إلى التجمع.</strong><strong></strong></p>

      

ما الذي انتهت إليه قمة "ميركوسور" في الأرجنتين؟