ياسمين أيمن

أكد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فوزه ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية بعد فوزه بـ783 مندوباً في "الثلاثاء الكبير"؛ حيث أُجريت الانتخابات في 16 ولاية أمريكية، بينما فازت حاكمة ولاية كارولاينا الجنوبية السابقة نيكي هيلي بـ47 مندوباً، لتعلن انسحابها من السباق الانتخابي، فيما حصل بايدن على أعلى أرقام التصويت مقارنةً بمنافسيه. وقد حملت تلك النتائج مجموعة من الدلالات يمكنها أن ترسم ملامح مشهد الانتخابات الرئاسية لعام 2024.نتائج رئيسيةكانت هناك مجموعة من النتائج التي حملها يوم الثلاثاء الكبير، وهو اليوم الحاسم للمرشحين الرئاسيين؛ حيث يصوت ملايين الأمريكيين في مختلف الولايات الأمريكية لصالح المرشح الحزبي المفضل، وهو ما قد يؤدي إلى انسحاب أو استمرار المرشح. ويمكن تلخيص نتائج هذا اليوم فيما يلي:1– تقدُّم قوي للرئيس "بايدن": تعكس النتائج الأولية للثلاثاء الكبير ونجاح بايدن في الفوز بمختلف الولايات – حيث جرت الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في "ألاباما، وساموا الأمريكية، وأركنساس، وكاليفورنيا، وكولورادو، وأيوا، ومين، وماساتشوستس، ومينيسوتا، وكارولاينا الشمالية، وأوكلاهوما، وتينيسي، وتكساس، ويوتا، وفيرمونت، وفرجينيا" – أن انتخابات نوفمبر القادم ستكون استفتاءً على أداء الرئيس بايدن بحكم شَغله للمنصب؛ فقد حصل حتى يوم 6 مارس على 1587 مندوباً من أصل 1968 مندوباً يحتاج إلى الفوز بهم من إجمالي 3934 مندوباً للحصول على بطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي.2– تأكيد نفوذ الرئيس السابق "ترامب": يحتاج ترامب إلى الحصول على أصوات 1215 مندوباً من إجمالي 2429 مندوباً للفوز ببطاقة ترشح الحزب الجمهوري، وهو أمر لم يحدث خلال الثلاثاء الكبير، الذي كان التنافس فيه على ما يزيد عن 850 مندوباً في "ألاباما، وألاسكا، وأركنساس، وكاليفورنيا، وكولورادو، ومين، وماساتشوستس، ومينيسوتا، وكارولينا الشمالية، وأوكلاهوما، وتينيسي، وتكساس، ويوتا، وفيرمونت، وفيرجينيا"، ولكن النتائج التي أفرزتها انتخابات الولايات المختلفة أظهرت عدم تمكن المنافِسة نيكي هيلي من التفوق على ترامب، كما أظهرت قوة نفوذ الرئيس السابق داخل الحزب الجمهوري، بما أفضى في النهاية إلى إعلان السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة هيلي تعليق حملتها الانتخابية، لا سيما أن إجمالي ما فاز به ترامب حتى 6 مارس 1059 مندوباً، بينما فازت هيلي بـ90 مندوباً، وهو ما يعني عدم تمكن هيلي بأي حال من الأحوال من الوصول إلى 1215 مندوباً المطلوبين.3– انخفاض إقبال الناخبين تجاه الانتخابات العامة: كشفت نتائج انتخابات يوم الثلاثاء الكبير أن هناك فتوراً بين الناخبين تجاه المرشحين الرئيسيين للانتخابات العامة 2024، خاصةً بين فئات الشباب والجيل زد Z، والمُلوَّنين؛ حيث تُظهر استطلاعات الرأي المختلفة تراجعاً في معدلات التأييد للمرشحين؛ ولذلك كان من المُلاحَظ تراجُع نسبة المُشارَكة على التصويت في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في تكساس وكاليفورنيا وكارولاينا الشمالية، وهي من الولايات الحاسمة في الانتخابات، لكن على مستوى الجمهوريين، ومقارنةً بعام 2020، كانت معدلات المشاركة بين الجمهوريين في التصويت المبكر أعلى داخل ولاية تكساس، وفقاً لصحيفة تكساس تريبيون.دلالات بارزةتحمل النتائج السالفة الذكر مجموعة من الدلالات التي سيُبنَى عليها تصورات أولية حول ملامح المشهد الانتخابي الأمريكي لعام 2024، ويمكن إيجاز أبرز هذه الدلالات فيما يلي:1– خيارات محدودة للناخبين بعيداً عن بايدن وترامب: إن نجاح الرئيس الديمقراطي جو بايدن أو منافسه الجمهوري دونالد ترامب في تأمين الفوز في ولايات عديدة، ليس مؤشراً على قوة هؤلاء المرشحين بقدر ما هو دليل على أن الناخبين لديهم خيارات محدودة في الانتخابات؛ حيث لم يدفع الحزب الديمقراطي بمرشح قوي قادر على منافسة الرئيس الحالي جو بايدن، بينما طغت شعبية دونالد ترامب ونفوذه السياسي والمالي على بقية المرشحين المنافسين له؛ الأمر الذي يؤهل المرشحَين ليكونا المتنافسَين الرئيسيَّين في السباق القادم في نوفمبر 2024. ويجعل الناخبين بين "مطرقة بايدن وسندان ترامب".2– تجاهل تأثير الرأي العام: بالرغم من المخاوف التي أبداها الناخبون في مختلف استطلاعات الرأي بشأن عمر المرشحَين بايدن (81 عاماً)، وترامب (77 عاماً)، فضلاً عن تراجع نسب الموافقة على أداء بايدن في مختلف الملفات، ومنها ملفات السياسة الخارجية والاقتصاد والحدود، وكذا التخوفات من زيادة الانتقام السياسي، والاستبداد وتنامي السياسات الشعبوية والعنف السياسي مع عودة ترامب؛ فإن تمسُّك الحزبين بالمرشحَين يُظهر تجاهلاً للرأي العام الأمريكي من جهة، كما يُظهر تنامي نفوذ وسطوة المال السياسي من جهة أخرى.3– منافسة قوية بين بايدن وترامب: من المتوقع اشتداد حدة المنافسة الانتخابية بين بايدن وترامب بعد فوز الأخير ببطاقة ترشح الحزب الجمهوري، وهو ما بدأ حينما طلب الرئيس السابق من خلفه الدخول معه في مناظرة انتخابية؛ حيث قال على موقع تروث سوشيال Truth Social: "من المهم، من أجل مصلحة بلدنا، أن نناقش أنا وجو بايدن القضايا الحيوية جداً لأمريكا والشعب الأمريكي؛ لذلك أدعو إلى المناظرات، في أي وقت وفي أي مكان"، فأعلنت حملة بايدن أن هذه المناظرة ستجرى، ولكن في "الوقت المناسب"، وهو أمر يشير إلى أن الحملات الرئاسية للمرشحَين ستكون في أوجها خلال الأشهر المقبلة؛ حيث يتطلع كلٌّ منهما إلى جذب أكبر عدد ممكن من الناخبين.4– مساندة حكم المحكمة العليا لترامب: اكتسب ترامب ميزة إضافية؛ حيث تم وقف تحركات ولايات مختلفة – وتحديداً ولايتي إلينوي ومين – كانت ستتحرك ضده لمنعه من الترشح للرئاسة، ومنع الناخبين من التصويت له، حينما حكمت المحكمة العليا بإجماع الآراء أنه "لا يجوز للولايات حرمان الذين يشغلون أو يحاولون شغل مناصب حكومية من الأهلية، لكن الولايات ليس لديها السلطة بموجب الدستور لتطبيق المادة 3 فيما يتعلق بالمناصب الفيدرالية، وخاصةً الرئاسة"، بما يعني بطلان حكم محكمة كولورادو المستند إلى المادة 3 من التعديل الرابع عشر، بعدم أحقية "الذين شاركوا في التمرد في شغل مناصب"؛ وذلك في تأكيد واضح على تحريض ترامب للناخبين عشية الإعلان عن نتيجة الانتخابات في 6 يناير من عام 2021 على الهجوم على مبنى الكابيتول للاعتراض على فوز بايدن.5– تأثير قوي للحرب على قطاع غزة: تعتمد التنافسية بين المرشحَين الديمقراطي والجمهوري بشكل أساسي على الولايات المتأرجحة التي تقلَّص عددها في الأعوام الأخيرة. وخسارة تلك الولايات من شأنها تهديد المرشح بخسارة الانتخابات كليةً. وقد تسبَّبت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قطاع غزة في زيادة الأصوات المعارِضة لبايدن داخل الحزب الديمقراطي وخارجه؛ حيث نادى قطاع من مناصري القضية الفلسطينية بترك بطاقات الاقتراع فارغةً، وعدم التصويت لصالح بايدن، وهو ما تجلَّى خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية ميشيجان التي أقيمت في 27 فبراير المنصرم.فبالرغم من فوز الرئيس بايدن في هذه الانتخابات، فإن حملة "غير ملتزم" Uncommitted التي نفذها مجموعة من الناشطين الأمريكيين ذوي الأصول العربية من جراء رفض الموقف الأمريكي من الحرب على قطاع غزة، لثني الناخبين عن التصويت لصالح بايدن، والتصويت عوضاً عن ذلك بـ"غير ملتزم" – بمعنى أن المرشحين المطروحين لن يحصلوا على تصويت الناخبين – لاقت صداها عند 100 ألف ناخب، بما يمثل 13% من إجمالي الأصوات؛ حيث كانت نسبة التصويت على خيار "غير ملتزم" تأتي في المرتبة التالية لنسبة التصويت التي حصل عليها بايدن في هذه الولاية التي أُجريت انتخاباتها قبل يوم الثلاثاء الكبير، وبلغت المرتبة الأولى في مقاطعتَي ديربورن وهامتراك التي يقطنها العرب والمسلمون بنسبة كبيرة. ومن شأن توسع تأثير تلك الحملة التأثير على فرص بايدن وكذلك ترامب خلال الانتخابات العامة.فعلى غرار حملة "التخلي عن بايدن" Abandon Biden التي نظَّمها نشطاء عرب ومسلمون أمريكيون خلال العام الماضي، للدعوة إلى عدم لتصويت لبايدن بسبب الحرب على قطاع غزة، قد تتنامى حملات أخرى تنادي بذلك لكلا المرشحين، لا سيَّما ترامب الذي يحمل آراء أكثر دعماً لإسرائيل. ومع ذلك أدرك الحزب الديمقراطي الرسالة، وتعالت انتقادات الإدارة الأمريكية لإسرائيل بعد دخول الحرب على غزة شهرها السادس، ولأول مرة نادت نائبة الرئيس كامالا هاريس بوقف إطلاق النار، وهو موقف قد يزداد قوةً خلال الفترة المقبلة لاجتذاب الناخبين.نتائج متذبذبةإجمالاً، فإنه بالنظر إلى تذبذب استطلاعات الرأي المختلفة، فإن حسم نتيجة الانتخابات القادمة سيكون صعباً التنبؤُ به، في ظل وجود متغيرات عدة غير ثابتة. وبالرغم من تقدُّم بايدن وترامب المتوقع في نتائج يوم الثلاثاء الكبير، فإن هناك قضايا ستلعب دوراً بالغ التأثير خلال الانتخابات القادمة، لا سيما بين الجالية الأمريكية من أصول عربية ومسلمة التي تمثل نحو 3% من إجمالي الناخبين الأمريكيين، والتي توجد في ولايات متأرجحة يمكنها قَلْب نتيجة الانتخابات الرئاسية، على غرار ما فعلت في انتخابات عام 2020؛ لذا سيسعى كلٌّ من بايدن وترامب خلال الأشهر المقبلة إلى استرضاء تلك الجالية، وغيرهم أيضاً ممن يمكنهم التأثير في الانتخابات الأمريكية، التي تبقى ضبابيةَ الملامح حتى الآن.

دلالات نتائج انتخابات الثلاثاء الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية