د. منى سليمان

شارك صاحب السمو الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" رئيس دولة الإمارات في فعاليات قمة السبع الكبرى (G7) التي عقدت في إيطاليا، خلال الفترة من 13 إلى 15 يونيو 2024، بعد توجيه دعوة رسمية له من رئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني" بصفتها رئيس القمة الحالية. وقد عقد صاحب السمو عدة لقاءات هامة على هامش القمة مع نظيريه الأمريكي والجزائري، كما شارك في جلسة القمة الخاصة "بالذكاء الاصطناعي والطاقة". وتعكس دعوة الإمارات إلى المشاركة في القمة ثقلها الإقليمي والدولي كدولة محورية في الشرق الأوسط، كما تعزز دورها كوسيط دولي مقبول في الأزمة الأوكرانية، لا سيما بعد نجاحها في تنفيذ عدد من اتفاقيات لتبادل الأسرى بين موسكو وكييف؛ هذا فضلاً عن ترسيخ الدور والمكانة الدولية لأبوظبي كداعم للأمم المتحدة والتعاون الدولي في مواجهة التحديات المشتركة التي يشهدها العالم حالياً.مشاركة واسعة &nbsp;عقدت قمة مجموعة السبع في إيطاليا، وشارك فيها ممثلو الاتحاد الأوروبي، وقادة عدد من الدول من قبيل دول الإمارات، والأردن، وأوكرانيا، والهند، والبرازيل، والأرجنتين، وتركيا، والجزائر، وموريتانيا، كما شارك فيها بابا الفاتيكان والأمين العام للأمم المتحدة ورؤساء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وشملت أجندة عمل القمة بحث (الأزمة الأوكرانية، والحرب في غزة وتداعياتها على حركة الملاحة بالبحر الأحمر، والأوضاع في فنزويلا وليبيا). وتضمنت القمة عقد ست جلسات عمل حول (أفريقيا، وتغير المناخ والتنمية، والشرق الأوسط، والملف الأوكراني، وملف الهجرة، والأمن الاقتصادي بمنطقة الهندوباسيفيك). وقد وصل صاحب السمو رئيس دولة الإمارات إلى إيطاليا يوم 14 يونيو الحالي، وارتبطت مشاركة سموه بعدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:1– الارتقاء بالعلاقات الإماراتية الإيطالية: حرصت إيطاليا على توجيه دعوة إلى دولة الإمارات للمشاركة في قمة "السبع"؛ ما يعكس قوة العلاقات بين روما وأبوظبي؛ الأمر الذي سينعكس إيجاباً على العلاقات بين الإمارات وإيطاليا التي تسعى إلى تأمين احتياجاتها من موارد الطاقة عبر دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك جذب المزيد من الاستثمارات الخليجية لاقتصادها، وهو ما اتضح خلال استقبال "ميلوني" لصاحب السمو رئيس الدولة ثم عقد اجتماع معه شهد توافقاً بينهما في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، واتفقا على ضرورة وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وحل الأزمة الأوكرانية سلمياً، والارتقاء بالعلاقات الثنائية بمختلف المجالات.جدير بالذكر أن السفارة الإيطالية في الإمارات تسلمت في يونيو 2024 "جائزة التميز" من وزارة الخارجية الإماراتية، وهي الجائزة التي تعكس المستوى المتميز للعلاقات بين أبوظبي وروما، التي شهدت زخماً مضاعفاً خلال العامين الماضيين؛ فقد زار أبوظبي عدد من المسؤولين الحكوميين الإيطاليين، بينهم رئيسة الوزراء "جورجيا ميلوني" التي زارت أبوظبي في مارس 2023، وهي الزيارة التي تضمنت إعلان الدولتين الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى شراكة استراتيجية، كما شهد التبادل الاقتصادي بينهما طفرة كبيرة؛ حيث وصل التبادل التجاري بين الدولتين إلى نحو 8 مليارات يورو، وفقاً لتصريحات السفير الإيطالي في الإمارات في شهر يونيو 2024، فضلاً عن تقارب المواقف الإيطالية والإماراتية في القضية الفلسطينية ووقف الحرب بغزة، والتعاون بالشأن الأفريقي وبشأن الشرق الأوسط.2– تأكيد أمريكي للشراكة الاستراتيجية مع الإمارات: عقد صاحب السمو رئيس دولة الإمارات "محمد بن زايد" لقاء مع الرئيس الأمريكي "جون بايدن" على هامش قمة "مجموعة السبع" لبحث الوضع الإقليمي، لا سيما الوضع بقطاع غزة، وصدر بيان من البيت الأبيض في 14 يونيو الحالي حول اللقاء أكد "أنهما جددا الشراكة الاستراتيجية الدائمة بين واشنطن وأبوظبي، وتطرقا إلى القضايا الاقتصادية والتكنولوجية، وناقشا القضايا الإقليمية، بما في ذلك غزة". وكانت أبوظبي قد أعلنت دعمها المقترح الأمريكي الذي قدمه "بايدن" لوقف إطلاق النار في غزة.3– توافق إماراتي بريطاني بمجالات متنوعة: عقد صاحب السمو رئيس الدولة اجتماعاً مع رئيس الوزراء البريطاني "ريشي سوناك" على هامش قمة مجموعة السبع، وبحثا العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تنميتها وتوسيع آفاقها في مختلف المجالات، بما فيها الاقتصادية والتنموية، ودعوا إلى ضرورة تعزيز أسس السلام والاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط والعالم.4– دعوة لاستخدام الذكاء الاصطناعي بمجال الطاقة: شارك صاحب السمو رئيس دولة الإمارات يوم 14 يونيو 2024 في جلسة "مجموعة السبع" التي عُقدت بعنوان "الطاقة والذكاء الاصطناعي.. أفريقيا وإقليم البحر الأبيض المتوسط"، وألقى كلمة أمامها أوضح فيها أن "التحديات العالمية تنعكس بشكل أكبر على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بمجال الطاقة"، ودعا للتعامل مع هذا التحدي من خلال "التعاون وتسخير التقنيات الناشئة والذكاء الاصطناعي لتقديم حلول مستدامة في مجال الطاقة"، وأكد حرص بلاده على "إيجاد منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي، سواء من خلال البرامج والتشريعات أو المبادرات والشراكات الدولية لتوظيفها في إيجاد حلول فاعلة لاستدامة الطاقة".وتعد الإمارات أول دولة في العالم قد أعلنت في أكتوبر 2019 عن طرح أول برميل نفط ذكي في العالم؛ وذلك خلال فعاليات معرض ومؤتمر "تكنولوجيا النفط والغاز "جوتيك 2019" بهدف حث الشركات والعاملين بمجال الطاقة على الاستفادة من التطور الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي.5– التحذير من مخاطر الذكاء الاصطناعي: حذر صاحب السمو رئيس دولة الإمارات في كلمته أمام جلسة "الذكاء الاصطناعي" بقمة "السبع"، من اتساع الفجوة التنموية بين دول العالم نتيجة احتكار عدد من الدول لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتوظيفها بمجالات الطاقة وتنمية الاقتصادية دون غيرها؛ ما سيؤدي إلى تصاعد الاستقطاب الدولي، ودعا إلى تحويل تلك التقنيات لتصبح أحد روافد التنمية المستدامة والأمن والازدهار لكافة الدول؛ وذلك من خلال الانتقال العادل والمنطقي في قطاع الطاقة، انطلاقاً من "اتفاق الإمارات للمناخ" الذي تم إقراره خلال قمة المناخ (كوب 28) التي استضافتها الدولة في نوفمبر 2023، وتهدف إلى تقليل الانبعاثات الحرارية ومواجهة التغيرات المناخية للحفاظ على البيئة.جدير بالذكر أن دولة الإمارات أعلنت في 16 أكتوبر 2019 عن تأسيس "جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي" كأول جامعة للدراسات العليا المتخصصة ببحوث الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم. وتهدف الجامعة إلى تمكين الطلبة والشركات والحكومات من تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتسخيرها في خدمة البشرية.تعزيز الدورتكشف مشاركة صاحب السمو رئيس دولة الإمارات في قمة مجموعة السبع عن عدد من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:1- إضفاء الزخم على الدبلوماسية الإماراتية: تتعدد دوائر السياسة الخارجية الإماراتية؛ فهي دولة (خليجية عربية شرق أوسطية) لها شراكات استراتيجية بمختلف القوى الكبرى، وحضور صاحب السمو رئيس الدولة قمة مجموعة السبع يبرهن على ذلك، كما أنه تزامن مع زخم كبير شهدته الدبلوماسية الإماراتية يركز على معالجة الأزمات الإقليمية؛ فقد شاركت أبوظبي في اجتماع الدورة الـ160 للمجلس الوزاري الخليجي بقطر يوم 9 يونيو 2024 وندد باستمرار "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ودعا لضمان تأمين وصول جميع المساعدات الإنسانية والإغاثية للقطاع"، كما شاركت الإمارات في 11 يونيو 2024 بأعمال المؤتمر الدولي للاستجابة الإنسانية الطارئة الذي عقد بالأردن حول الأزمة بقطاع غزة. وبحث وزير الخارجية الإماراتي سمو الشيخ "عبد الله بن زايد آل نهيان" مع نظيريه الأمريكي والقطري الأزمة، وهو ما يؤكد تعدد دوائر السياسة الخارجية للدولة، وحرصها على المشاركة بكافة الفعاليات الإقليمية والدولية الهامة.2– الحفاظ على وساطة الدولة في الأزمة الأوكرانية: بالتزامن مع عقد "قمة السبع" بإيطاليا، عقدت في سويسرا يوم 16 يونيو 2024 أول قمة دولية حول السلام في أوكرانيا، وشاركت فيها وفود 90 دولة بينها الإمارات العربية المتحدة. ودعا البيان الختامي للقمة إلى "تبني الحوار كحل للأزمة، وتبادل الأسرى بين الجانبين وإعادة الأطفال الأوكرانيين الذين نقلتهم موسكو من أوكرانيا"، ونص على ضرورة "مشاركة جميع أطراف الأزمة وإجراء حوار بينها" في إشارة إلى روسيا التي لم تحضر القمة.ومشاركة الدولة في القمة تعزز مكانتها كوسيط نزيه في الأزمة، لا سيما أنها تتبع "موقفاً محايداً" منذ بدء الأزمة قبل عامين ونصف، وهو ما أدى إلى التوسط بين طرفيها موسكو وكييف عدة مرات لتنفيذ اتفاق تبادل للأسرى برعاية أبوظبي؛ الأمر الذي يأتي تفعيلاً لمبدأ "الدبلوماسية الإماراتية" القاضي بدعم الجهود الدولية لحل الأزمات سلمياً، وقد حرصت أبوظبي على عدم التوقيع على البيان الختامي "لقمة السلام في أوكرانيا" بسويسرا؛ للحفاظ على موقفها في الحياد الإيجابي الذي يمكنها من ممارسة دور الوساطة ولعب دور مستقبلي في الملف الإنساني وتبادل الأسرى بين موسكو وكييف، لا سيما أن أبوظبي تتمتع بعلاقات متميزة مع طرفي الأزمة؛ حيث أجرى صاحب السمو الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" مباحثات عدة بشأن الأزمة مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، وأكد استعداد دولة الإمارات للقيام بأي دور لحل الأزمة وتخفيف تداعياتها الإنسانية.3– تفعيل استراتيجية الدولة للخمسين عاماً القادمة: تعد المشاركة الإماراتية في قمة السبع والزخم المستمر بالدبلوماسية الإماراتية، هو تفعيلاً لاستراتيجية الخمسين (2021–2071)، وهي رؤية الدولة لدورها خلال العقود الخمس القادمة التي أعلنت في أكتوبر 2021، وتعتمد على 10 مبادئ؛ منها "أن المساعدات الإنسانية الخارجية لدولة الإمارات هي جزء لا يتجزأ من مسيرتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً"، وهو ما يتم من خلال توجيه مساعداتها المستمرة لقطاع غزة واليمن والسودان والصومال، وكذلك الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات؛ لأنه "أساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات"، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي. ويعد هذا مضمون المشاركة الإماراتية في أي محفل إقليمي أو دولي، وهذا ما انعكس على مشاركة رئيس الدولة في قمة السبع.4– الارتقاء بالمكانة الدولية: تحظى دولة الإمارات بمكانة دولية مرموقة؛ حيث إنها شريك استراتيجي لدول "المجموعة السبع"، وكذلك لقوى دولية كبرى منها (الصين، وروسيا، وكوريا الجنوبية، والهند) وقد تعززت تلك الشراكة بعد الإعلان عن انضمام الإمارات إلى مجموعة (بريكس) الدولية في يناير 2024 التي تشهد تصاعداً في مكانتها الدولية، وربما يكون لها دور هام في تغيير شكل النظام الدولي الحالي؛ حيث تدعو موسكو وبكين إلى التحول من النظام أحادي القطبية إلى متعدد الأقطاب، وهو الأمر الذي إذا تم فإنه سيعزز مكانة كافة دول "بريكس"، كما تشارك الإمارات في عدد من المنظمات الدولية الهامة، ومنها (شنجهاي للتعاون الدولي، ومؤتمر الأمن والتعاون الآسيوي)؛ الأمر الذي يمثل اعترافاً بمكانتها الإقليمية والدولية، والذي أتاح لها الفرصة لتعميق تعاونها الاقتصادي والسياسي مع مختلف القوى الكبرى والنامية والصاعدة. وقد وظفت الدولة ذلك في القيام بعدد من الوساطات الناجحة في الأزمة الأوكرانية والوضع باليمن، وتنشط الدولة بقوة في الشأن الأفريقي كذلك، بما تمتلكه من مقومات اقتصادية وسياسية تعزز دورها كوسيط نزيه بين مختلف القوى وفي كافة الأزمات.مما سبق، نجد أن مشاركة صاحب السمو رئيس دولة الإمارات في قمة مجموعة السبع عكست التطور الحادث في مكانة الدولة الإقليمية والدولية، وامتلاكها المقومات اللازمة للانخراط في العديد من الملفات؛ حيث يمكن لها استئناف دورها كوسيط في الأزمة الأوكرانية؛ نظراً إلى نجاحها السابق به، كما نجحت أبوظبي في تجنب حالة الاستقطاب الدولي بين المحورين الروسي الصيني والأمريكي الأوروبي؛ إذ إنها تتمتع بشراكة استراتيجية مع أطراف المحورين؛ ما يحقق مصالحها الاستراتيجية ويعزز مكانتها الدولية.&nbsp;

دلالات مشاركة رئيس دولة الإمارات في قمة مجموعة "السبع" بإيطاليا