عمرو عبدالعاطي

ردت الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أقل من أسبوع، على الهجوم بطائرة بدون طيار في 28 يناير الفائت على قاعدة الدعم اللوجستي في البرج 22 التابع لشبكة الدفاع الأردنية، التي تضم نحو 350 عنصراً من القوات الأمريكية الذين يقدمون الدعم للتحالف الدولي من أجل الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش الإرهابي، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة أكثر من 40 آخرين، فاستهدفت ضربات نفذتها قاذفات قنابل من طراز B-1 استمرت لنحو 30 دقيقة، أكثر من 85 هدفاً في مواقع مختلفة في العراق وسوريا مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والميليشيات التي تدعمها طهران، والتي تتورط في تنفيذ عمليات مسلحة ضد القوات العسكرية الأمريكية في المنطقة. وقد قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الرد العسكري الأمريكي "سيستمر في الأوقات والأماكن التي نختارها". وذكر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في بيان، أن الضربات هي "بداية ردنا".عزا عدد من المسؤولين الأمريكيين تأخر الرد الأمريكي على مقتل ثلاثة جنود أمريكيين إلى أن الجيش الأمريكي كان في انتظار الظروف الجوية الملائمة لتنفيذ الضربات الجوية؛ لضمان إصابة الأهداف المحددة بدقة، ولتجنب وقوع ضحايا أبرياء، على الرغم من أن القاذفة تستطيع حمل ذخائر بعيدة المدى دقيقة وغير دقيقة التوجيه.أهداف الضربة رغم تعدد هجمات الميليشيات المدعومة من إيران ضد منشآت عسكرية أمريكية في العراق وسوريا بعد شن إسرائيل عمليات عسكرية، لا تزال مستمرة، في أعقاب هجوم حركة حماس على المستوطنات في غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي، التي لم تُسفر أي منها عن وفاة أفراد الخدمة الأمريكية، فإن هجوم 28 يناير الماضي الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين مثَّل تصعيداً كبيراً دفع بايدن وفريقه للأمن القومي إلى الرد عليه بالقوة. وقد استهدفت الإدارة الأمريكية منه تحقيق جملة من الأهداف الرئيسية، يتمثل أبرزها فيما يلي:1- رد انتقامي على مقتل الجنود الأمريكيين: يكشف استخدام الولايات المتحدة الأمريكية قاذفات قنابل من طراز B-1، وأكثر من 125 قذيفة دقيقة التوجيه، بحسب بيان القيادة المركزية الأمريكية، أن الإدارة الأمريكية كانت تريد توجيه ضربة انتقامية دقيقة ضد الميليشيات الموالية لإيران، وليس توجيه ضربة تحذيرية فقط كما فعلت في المرات السابقة، وهو ما يحمل رسالة إلى خصوم الولايات المتحدة في المنطقة، ولا سيما "محور المقاومة" الموالي لإيران أن الولايات المتحدة لا تتهاون مع مقتل أحد جنودها أو مواطنيها بالشرق الأوسط.2- إضعاف الميليشيات المسلحة الموالية لإيران: كانت الضربات الأمريكية التي نفذتها الولايات المتحدة في الثاني من فبراير الجاري أكثر أهميةً بشكل ملحوظ من الهجمات السابقة على الميليشيات المدعومة من إيران خلال الأسابيع القليلة الماضية؛ حيث هدفت إلى إضعافها؛ فقد شملت الأهداف التي استهدفتها الضربات الأمريكية، وفقاً لبيان القيادة المركزية الأمريكية، عمليات القيادة والسيطرة، ومراكز الاستخبارات، والصواريخ، ومخازن الطائرات بدون طيار، ومرافق الإمداد اللوجستي، والذخائر للميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا التي ساهمت في الهجمات ضد الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي الذي شكلته واشنطن لمجابهة تنظيم داعش الإرهابي.وفي أول تقييم عسكري للضربات التي نفذتها الولايات المتحدة رداً على هجوم بطائرة طيار في الأردن من قبل ميليشيا مدعومة من إيران في العراق في 28 يناير، ذكر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية باتريك رايدر، أن أكثر من 80 هدفاً من نحو 85 هدفاً في سوريا والعراق تم تدميرها، أو جعلها غير صالحة للعمل.3- ردع "محور المقاومة" الموالي لإيران: تهدف الضربات العسكرية الأمريكية التي لا تزال مستمرة ضد الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا واليمن، والمتورطة في تنفيذ عمليات مسلحة ضد القواعد العسكرية الأمريكية، التي أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود في الأردن، وكذلك تهديد الملاحة الدولية، والمصالح الأمريكية في المنطقة، إلى ردعها عن تنفيد المزيد من الهجمات، مع عدم توريط الولايات المتحدة في الوقت ذاته في حرب جديدة في المنطقة تستنزف الموارد الأمريكية التي تريد الإدارة الأمريكية توجيهها للتعامل مع التحديات الاستراتيجية للنفوذ والقيادة الأمريكيين للنظام الدولي الذي يمر بمرحلة من التطور لم تتبلور بعد، وسيكون لها تأثيرات على مستقبل الهيمنة الأمريكية عليه.4- تجنب الصراع مع إيران: رغم ضغوط العديد من المشرعين الأمريكيين على الإدارة الأمريكية بأن يكون الرد الأمريكي على استهداف الميليشيات المدعومة من إيران المنشآت العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا أكثر من 160 مرة منذ أكتوبر الماضي، ومقتل ثلاثة جنود أمريكيين في الأردن قاسياً، وأن يستهدف مباشرة أهدافاً ذات أهمية داخل طهران؛ لإرسال رسالة واضحة إلى إيران، فإن الإدارة اختارت ضرب أهداف خارج إيران تابعة لفليق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والميليشيات التابعة له؛ لتجنب صراع واسع النطاق مع إيران في وقت تدفع فيه العديد من التطورات في المنطقة في أعقاب العمليات العسكرية المستمرة بين إسرائيل وحماس في غزة الشرق الأوسط إلى حرب واسعة النطاق تسعى الولايات المتحدة إلى تجنب حدوثها؛ لكون تأثيراتها لن تقتصر على المنطقة، بل ستكون لها تداعيات عالمية مؤثرة.وقد أكد عديد من مسؤولي الإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب مع إيران، ولا تبحث عن صراع أوسع في الشرق الأوسط؛ لذلك ركزت الضربات العسكرية الأمريكية على استهداف أصول للحرس الثوري الإيراني خارج الأراضي الإيرانية مع تقليل الخسائر البشرية إلى الحد الأدنى، بما يقلل الضغوط على النظام الإيراني لتوسيع نطاق المواجهة مع الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.5- تأكيد الحضور العسكري الأمريكي بالمنطقة: إن العملية العسكرية الأمريكية التي شنتها الولايات المتحدة خلال فبراير الجاري لن تكون الأخيرة؛ حيث يؤكد العديد من المسؤولين الأمريكيين أنها لن تكون الأخيرة، وهو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة تخطط لمزيد من الضربات العسكرية رداً على هجوم من ميليشيا مدعومة من إيران.وبعد يوم من استهداف مواقع لميليشيات موالية لإيران في سوريا والعراق، أعلنت القيادة المركزية المسؤولة عن العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، أنها شنت ضربة ضد موقع صواريخ كروز المضادة للسفن التي يستخدمها الحوثيون لاستهداف السفن في البحر الأحمر.تصعيد إقليميحاولت الإدارة الأمريكية عند اختيار الأهداف التي ستستهدفها الضربات الجوية الموازنة بين تحقيق الأهداف السابق الإشارة، وبين تداعيات تلك الضربات، التي يتمثل أبرزها على النحو التالي:1- انتقاد جمهوري لقرارات بايدن: بينما أثنى العديد من المشرعين الديمقراطيين على العملية العسكرية، مثل السيناتور جاك ريد رئيس القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، قائلاً في بيان إن "هذا كان رداً قويّاً ومتناسباً"، انتقد العديد من المشرعين الجمهوريين الرد الأمريكي؛ حيث يرون أن الرئيس الأمريكي تقاعس في تنفيذ عمليات مسلحة تكبد إيران خسائر كبيرة بما يكفي، فضلاً عن تأخره في الرد؛ الأمر الذي منح خصوم الولايات المتحدة – بحسب روجر ويكر كبير المشرعين الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ – الوقت للانتقال والاختباء، وهو الأمر الذي قلل من الخسائر الإيرانية.2- توتر العلاقات الأمريكية–العراقية: ستدفع الضربات الأمريكية المتعددة والمستمرة ضد الميليشيات الشيعية الموالية لإيران والموجودة في العراق إلى مزيد من ضغوط القوى السياسية العراقية الحليفة لطهران على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لإخراج القوات الأمريكية من العراق؛ فقد اشتكت بغداد من أن الضربات ضد الميليشيات على الأراضي العراقية انتهكت سيادة العراق، فيما اعتبرتها بعض القوى السياسية العراقية امتداداً لـ"الاحتلال الأمريكي" للدولة منذ مارس 2003.ويمكن للأعمال العسكرية الأمريكية على الأراضي العراقية أن تُعزز دور القوى السياسية والميليشيات المناهضة للولايات المتحدة، وانتشار المشاعر المعادية لواشنطن على نطاق واسع، وهو الأمر الذي يجعل الدعم الشعبي العراقي للتعاون مع الولايات المتحدة أمراً صعباً. ويؤدي تصاعد نفوذ القوى الشيعية المعارضة للوجود الأمريكي في العراق إلى تفاقم التوترات الطائفية داخله. وهذا يزيد من عدم الاستقرار في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط.3- التصعيد المتزايد في الشرق الأوسط: رغم تعدد العمليات العسكرية الأمريكية ضد الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا واليمن فإن واشنطن وطهران تسعيان إلى تجنب المواجهة مباشرة؛ فلم يقتل الجيش الأمريكي أي قوات إيرانية حتى الآن في ضرباته في سوريا والعراق ضد وحدة فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني والميليشيات المدعومة من إيران. وقد منحت الحكومة الأمريكية الإيرانيين متسعاً من الوقت لنقل قواتهم خارج المنطقة، لكن الضربات العسكرية الأمريكية تنطوي على أخطار إذا قررت الميليشيات المدعومة من إيران، التي تتنافس على السلطة والشعبية الانتقام بشكل مستقل عن طهران، التي لا يمكنها السيطرة على تحركاتها؛ ما قد يؤدي إلى تعميق الصراع الإقليمي المتنامي في الشرق الأوسط بينما يسعى البيت الأبيض إلى تجنبه في عام الانتخابات الرئاسية.يظهر تقييم الضربات الأمريكية حدود فاعليتها؛ حيث يقر المسؤولون الأمريكيين بأن الميليشيات المستهدفة لا تزال تحتفظ بغالبية قدرتها على تنفيذ هجمات مستقبلية؛ فبعد ساعات من الضربات الأمريكية يوم الجمعة، أطلقت ميليشيات مدعومة من إيران هجمات مسلحة على قواعد عسكرية أمريكية تقدم الدعم للقضاء على بقايا تنظيم داعش الإرهابي في سوريا.4- استغلال روسي وصيني للضربات الأمريكية: استغلت روسيا والصين استمرار العمليات العسكرية ضد وكلاء إيران في المنطقة، لتوجيه مزيد من الانتقادات للسياسات الأمريكية في المنطقة؛ حيث ترى القيادتان الصينية والروسية أن السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، هي سبب الأزمات التي تشهدها المنطقة، وأن الضربات العسكرية الأمريكية غير القانونية وغير المسؤولة تخلق اضطرابات جديدة في المنطقة. وقد رأى مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة أظهرت للعالم "مرة أخرى الطبيعة العدوانية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وتجاهل واشنطن الكامل للقانون الدولي"، وأضاف أن الإدارة الأمريكية تحاول عمداً جر أكبر دول الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران، إلى صراع إقليمي.سياسة متكاملة تهدف سلسلة الهجمات الأمريكية على الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق واليمن إلى ردعها عن تنفيذ هجمات ضد الوجود والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، دون إشعال صراع أوسع في المنطقة. ونجاح الولايات المتحدة في القضاء على التهديد الذي تمثله تلك الميليشيات يرتبط بتبني الإدارة الأمريكية سياسة تمزج بين العمليات العسكرية الانتقامية دون إقحام إيران في صراع مباشر، وبذل جهود دبلوماسية للتوصل إلى وقف لإطلاق نار دائم في الأراضي الفلسطينية، ولا سيما مع استغلال "محور المقاومة" الموالي لإيران في المنطقة استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ أكتوبر الماضي لتبرير هجماته ضد القوات الأمريكية، وتهديد الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.وقد لا يؤدي وقف إطلاق النار في غزة إلى وقف كامل للأعمال العدائية التي يقوم بها وكلاء إيران في المنطقة، إلا أنه سيمنعها من التذرع بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة لقيامها بهجمات مسلحة ضد الوجود والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

حدود فاعلية الضربات الأمريكية ضد الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا