 شيماء محمود

تشهد موزمبيق الواقعة في إطار إقليم الجنوب الأفريقي، تصاعداً في حالة العنف المصاحِب لعدم الاستقرار الداخلي خلال الآونة الأخيرة، ويرتبط ذلك بشكل مباشر بمقتل اثنين من الشخصيات المعارضة البارزة في العاصمة "مابوتو" ينتميان إلى حزب "بوديموس"، وقد أشار الحزب إلى أن عملية القتل حرَّكتها دوافع ذات طبيعة سياسية، وقد أعقب ذلك وقوع احتجاجات وتظاهرات عنيفة مناوئة للحكومة؛ ما ترتب عليه قيام الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص على محتجين في العاصمة "مابوتو" في 21 أكتوبر 2024. وتأتي هذه التطورات في ضوء تخوف المعارضة السياسية من حسم مرشح الحزب الحاكم "دانييل تشابو" نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 9 أكتوبر 2024 لصالحه. أبعاد مؤثرةثمة جملة من الأبعاد الرئيسية فيما يتعلق بالأزمة السياسية القائمة في موزمبيق خلال الآونة الأخيرة، وتتمثل هذه الأبعاد فيما يلي: 1– اتهام المعارضة النظام الحاكم بتزوير الانتخابات الرئاسية: تبلور ذلك من خلال اتهام مرشحي المعارضة الحكومة بالتلاعب في نتائج الانتخابات الرئاسية التي من المزمع إعلانها بشكل نهائي في 24 أكتوبر 2024؛ وذلك بعدما أظهرت النتائج الأولية تقدم "دانييل تشابو" مرشح الحزب الحاكم "فريليمو" بشكل ملحوظ. ويأتي على رأس هؤلاء المرشحين المعارضين "موندلين" الذي يحظى بدعم حزب "بوديموس"؛ حيث أكد وجود تزوير في الانتخابات من قِبل الحزب الحاكم بشكل كبير، وهو الأمر الذي نفاه الأخير.2– دعوة المعارضة السياسية إلى القيام بإضراب وطني عام: تبلور ذلك من خلال قيام المرشح الرئاسي المعارض "فينانسيو موندلين" في 21 أكتوبر 2024 بالدعوة إلى القيام باحتجاجات شعبية على ما وصفه بالتزوير في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 9 أكتوبر 2024، وكذلك للطعن في النتائج المبكرة التي أظهرت تقدم الحزب الحاكم "جبهة تحرير موزمبيق" المعروف باسم "فريليمو"؛ حيث دعا أنصاره إلى النزول إلى الشارع بشكل سلمي، والانطلاق في مسيرة شعبية حاشدة، كما حذر جهاز الشرطة من منع المسيرة، انطلاقاً من أن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الوضع.وبالفعل شارك عدة مئات من الأشخاص في الاحتجاجات، وقد قام بعض المحتجين بحرق الأعلام الحمراء للحزب الحاكم "فريليمو". وفي هذا السياق أكد المرشح "فينانسيو موندلين" أن دعوته إلى الاحتجاج العام حققت نجاحاً كبيراً؛ حيث أوضح على موقع "فيس بوك" أن البلاد أصيبت بالشلل التام؛ إذ توقفت نحو (95%) من الخدمات الخاصة والعامة في جميع أنحاء البلاد، مشيراً كذلك إلى أن الإضراب شمل مدن "مابوتو" و"شيمويو" و"نامبولا" و"بيرا" وغيرها.3– تصاعد معدلات العنف السياسي: تبلور ذلك من خلال مقتل اثنين من الشخصيات المعارضة البارزة في العاصمة "مابوتو" ينتميان إلى حزب "بوديموس"، وهما: "إلفينو دياس" الذي كان يعمل مستشاراً للمرشح الرئاسي المعارض "فينانسيو موندلين"، و"باولو جوامبي" الذي كان يعد عضواً بارزاً ومتحدثاً باسم الحزب. وقد أكد الحزب أن كلاهما قُتلا على يد مسلحين طاردوا سيارة كانا بداخلها، وأطلقوا عليها الرصاص؛ وذلك على طريق رئيسي في العاصمة "مابوتو"، كما أشار الحزب إلى أنها عملية قتل ذات دوافع سياسية بالأساس. وأطلقت الشرطة في 21 أكتوبر 2024 الغاز المسيل للدموع والرصاص على محتجين في العاصمة "مابوتو" تجمَّعوا في المكان الذي قُتل فيه "دياس" و"جوامبي"، وقد أدى ذلك إلى إصابة صحفيين وحارس أمن.4– تأكيد جهات دولية حدوث مخالفات انتخابية: تبلور ذلك من خلال بيان صادر عن بعثة مراقبة الاتحاد الأوروبي في 22 أكتوبر 2024 يؤكد أنه قد تم العثور على أدلة على حدوث مخالفات أثناء فرز الأصوات وتغيير غير مبرر لنتائج الانتخابات على مستوى مراكز الاقتراع والمقاطعات، ولعل هذا ما دفعها إلى مطالبة الهيئات الانتخابية بإجراء عملية الفرز بطريقة شفافة وموثوقة، وضمان إمكانية تتبع نتائج مراكز الاقتراع. وعلى جانب آخر، أفاد المعهد الجمهوري الدولي، ومقره الولايات المتحدة – الذي أرسل أيضاً بعثة مراقبة انتخابات متعددة الجنسيات إلى موزمبيق – برصد مخالفات انتخابية تتعلق بشراء الأصوات، وتضخيم قوائم الناخبين في معاقل الحزب الحاكم "فريليمو" وترهيب الناخبين.5– إدانة الحكومة الموزمبيقية الأزمة السياسية وأحداث العنف: تجلى ذلك من خلال التصريح الصحفي لوزير الداخلية "باسكوال روندا" بمقر الوزارة، الذي أكد من خلاله أن حكومة موزمبيق تدين وتأسف لأحداث العنف التي وقعت وأسفرت عن مقتل اثنين من شخصيات المعارضة السياسية، وأشار إلى أن الحكومة تحث المؤسسات ذات الصلة، وخاصةً هيئة التحقيقات الجنائية الوطنية وشرطة جمهورية موزمبيق على توضيح القضايا بسرعة، وتقديم الجناة إلى العدالة، كما ناشد الذين لديهم معلومات ذات صلة التعاون مع الحكومة وضرورة الالتزام بالهدوء والسكينة وتجنب المعلومات المضللة.6– انتقاد المنظمات الدولية والإقليمية تصاعد العنف السياسي: تبلور ذلك من خلال إدانة الأمم المتحدة أحداث العنف التي وقعت في موزمبيق خلال الآونة الأخيرة؛ حيث حث الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، في بيان رسمي له، جميع الموزمبيقيين – ومنهم القادة السياسيون ومؤيدوهم – إلى التزام الهدوء وضبط النفس، ورفض أشكال العنف كافة، وهو الموقف الذي تبناه الاتحاد الأفريقي في 21 أكتوبر 2024؛ إذ أدان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي "موسى فكي محمد" مقتل شخصيات معارضة بارزة في موزمبيق، وأعرب عن خالص تعازيه لأسرتيهما، ودعا السلطات الأمنية إلى إجراء التحقيقات اللازمة وتقديم الجناة إلى العدالة، مشيراً إلى أنه يواصل مراقبة تبعات إجراء الانتخابات الرئاسية في الدولة، وأعرب عن قلقه العميق إزاء حالات العنف التي أعقبت الانتخابات، وخاصةً عمليات القتل الأخيرة، وأكد أن الاتحاد الأفريقي أرسل بعثة قصيرة الأجل لمراقبة الانتخابات إلى موزمبيق، وحث جميع الأطراف السياسية على الحفاظ على الهدوء وضبط النفس إلى أقصى حد، وحث جميع الأحزاب السياسية وأنصارها على السماح بالإجراءات القانونية الواجبة بما يخدم المصلحة العليا للاستقرار في البلاد.وكذلك قام الاتحاد الأوروبي بإصدار بيان رسمي يدين من خلاله مقتل شخصيتين من المعارضة السياسية، ودعا إلى إجراء تحقيق فوري وشامل وشفاف يقدم المسؤولين عن هذه الجريمة الشنيعة إلى العدالة، ويوضح الظروف التي حدثت فيها، كما أكد ضرورة التزام الجميع بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، واحترام الحريات الأساسية والحقوق السياسية، مع الإشارة إلى أهمية اتخاذ تدابير حماية قوية لجميع المرشحين في فترة ما بعد الانتخابات، وكذلك أضاف أن بعثة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي لا تزال موجودة في البلاد لتقييم العملية الانتخابية الجارية.تداعيات محتملةثمة جملة من التداعيات يحتمل حدوثها من جراء تصاعد التوترات السياسية خلال الآونة الأخيرة في موزمبيق، وهي التداعيات التي تتمثل فيما يلي:1– مواصلة المعارضة مسار التصعيد ضد النظام الحاكم: يدعم ذلك تمسك المعارضة السياسية، بقيادة المرشح الرئاسي "موندلين"، بمواصلة حركة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية؛ حيث أعلن أن البلاد بأكملها ستتوقف عن العمل اعتباراً من 24 أكتوبر 2024، كما أكد "فيتامو سينجانو" زعيم حزب "الديمقراطية الثورية"، الذي يدعم المرشح الرئاسي "موندلين" في مدينة "بيرا" ثاني أكبر مدينة في موزمبيق، حدوث تزوير فاضح للانتخابات، وأشار إلى عدم الاعتراف بتاتاً بانتصار الحزب الحاكم "فريليمو"، وأوضح عزم حزبه على تحرير الدولة من قبضة هذا الحزب بكل السبل الممكنة.2– تنامي احتمالات تهديد المصالح الاقتصادية الاستراتيجية: يدعم ذلك العديد من الشواهد، وقد يكون من بينها اقتحام نحو (300) شخص منجم الياقوت "مونتيبويز" الواقع في شمال شرق موزمبيق التابع لشركة "جيمفيلد جروب" Gemfields Group في موزمبيق في 20 أكتوبر 2024، الذي يمثل نحو نصف إمدادات العالم من تلك الأحجار الكريمة؛ ما أدى إلى وقوع اشتباكات وإصابة شخصين بجروح نتيجة إطلاق النار من قِبَل جهاز الشرطة. وفي هذا السياق، أكد المدير التنفيذي للشركة "شون جيلبرتسون" ترويج نقابات تهريب الياقوت حملة تضليل بأن الشركة فتحت منجمها للتعدين من قِبل أي شخص لمدة يوم واحد، وهو الأمر الذي نفته الشركة بشكل قاطع.3– تفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة في الدولة: يعزز من ذلك ما أكدته تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي أشارت إلى صعوبة الأوضاع الإنسانية في إقليم "كابو ديلجادو" منذ اندلاع أعمال العنف والهجمات الأخيرة على المدنيين في بداية فبراير 2024؛ حيث نزح أكثر من (70) ألف شخص قسراً في مناطق "ماكوميا" و"تشيوري" و"ميكوفي" و"موكيمبوا دا برايا"، و"مويدومبي". وتُشكِّل النساء ما يقرب من نحو (90%) من النازحين مع وجود العديد من الحوامل والأشخاص من ذوي الإعاقة وكبار السن، بينما يُشكِّل الأطفال أكثر من نصف النازحين الجدد.ويضاف إلى ذلك أن هناك أكثر من (709) آلاف شخص نزحوا داخلياً بسبب العنف الذي ترتكبه الجماعات المسلحة غير الحكومية، والتأثيرات الناجمة عن أزمة المناخ، وهو ما دفع المفوضية إلى تأكيد الحاجة الملحة إلى المساعدة المخصصة وتدابير الحماية من أجل تلبية احتياجات السكان الضعفاء.4– تنامي وتيرة الأنشطة الإرهابية في شمال البلاد: يدعم ذلك أن موزمبيق من الدول ذات التأثر الأعلى بالإرهاب وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024؛ حيث جاءت في الترتيب الـ(15) عالمياً في هذا الشأن. ويُلاحَظ تأثر موزمبيق بالأنشطة الإرهابية لتنظيم "داعش"، وخاصةً في إطار مقاطعة "كابو ديلجادو" الواقعة في شمال الدولة منذ عام 2017، التي تُعَد بمنزلة المعقل الرئيسي ومركز الهجمات المحوري للتنظيم؛ إذ ينفذ هجمات في القرى والمدن الواقعة في إطارها، ولا سيما في منطقتَي "شيور" و"ماكومبا". ويستهدف التنظيم تحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية من هذه المقاطعة؛ إذ توجد اكتشافات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي دفع شركات عالمية مثل "توتال" الفرنسية إلى استثمار مليارات الدولارات من أجل تطوير هذه الحقول.5– تبلور مزيد من الضغوط الدولية على النظام الحاكم: يعزز من ذلك إدانة سفارات خمس دول أجنبية في موزمبيق أحداث العنف التي وقعت في موزمبيق، وهي: سفارة الولايات المتحدة، والمفوضية العليا لكندا، وسفارة النرويج، وسفارة سويسرا، والمفوضية العليا للمملكة المتحدة. وقد أصدرت هذه السفارات مجتمعةً بياناً أكدت من خلاله إدانة أي عمل من أعمال العنف السياسي، وطالبت بإجراء تحقيق سريع وشامل، وحثت جميع المواطنين والقادة السياسيين ومؤسسات الدولة والأطراف المهتمة على حل النزاعات الانتخابية سلمياً وقانونياً، ورفض العنف والخطاب التحريضي.وختاماً، يمكن القول إن تصاعد وتيرة العنف السياسي المصاحِب لإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة من شأنه أن يدفع مستقبل استقرار الأوضاع الداخلية في الدولة إلى حافة الهاوية خلال الآونة المقبلة، ولا سيما في ضوء توقع استمرار المنحنى التصاعدي لحركة الاحتجاجات الشعبية التي تقودها المعارضة السياسية لمحاولة ممارسة ضغوط من أجل تغيير واقع السيطرة التاريخية للحزب الحاكم على مقاليد السلطة والحكم، وهو ما قد يفرض معه مزيداً من التعقيد على طبيعة العلاقة وقنوات الاتصال القائمة بين الحزب الحاكم "فريليمو" والمعارضة السياسية من جانب، ودفع مجمل الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد إلى نتائج غير مأمونة العواقب من جانب آخر.

ما أبعاد الأزمة السياسية المتصاعدة في موزمبيق؟