نشوى عبد النبي

أصدرت الصين، في 1 مايو 2025، قانوناً جديداً يستهدف تعزيز دور القطاع الخاص وتوفير بيئة اقتصادية أكثر عدالة، وذلك في ظل تحديات اقتصادية متراكمة، أبرزها تباطؤ النمو، وتراجع معدلات الاستهلاك، وتزايد تأثير الحروب التجارية، خاصةً مع الولايات المتحدة. ويُعد هذا القانون جزءاً من جهود حكومية أوسع لمعالجة الاختلالات في السوق، ويؤكد على مبدأ المنافسة العادلة بين الشركات الخاصة وتلك المملوكة للدولة، إلى جانب تسهيل الوصول إلى التمويل، وتشجيع الابتكار، وحماية الحقوق القانونية للقطاع الخاص من خلال التصدي للممارسات التعسفية مثل الغرامات غير القانونية أو مصادرة الأصول دون سند قانوني.ومن المقرر أن يدخل القانون حيز التنفيذ في 20 مايو 2025، بعد مسار تشريعي بدأ في عام 2024 بإعداد المسودة الأولى، التي طُرحت للنقاش العام في أكتوبر من العام نفسه، ثم خضعت لمراجعة موسّعة في فبراير 2025. وخلال تلك الفترة، عقد الرئيس الصيني شي جين بينج لقاءات مع عدد من رواد الأعمال البارزين، في خطوة تشير إلى رغبة القيادة الصينية في إعادة بناء الثقة مع القطاع الخاص، وتأكيد دوره المحوري في دفع عجلة الاقتصاد في مرحلة دقيقة تمر بها البلاد.مضامين متعددةيتضمن القانون مجموعة من المضامين الأساسية التي تحدد الإطار القانوني والتنظيمي الجديد لنشاط القطاع الخاص في الصين. ويمكن تناول أبرز هذه المضامين على النحو التالي:1- تكريس المساواة القانونية وحماية الملكية: ينص القانون الجديد على حماية حقوق الملكية والحقوق التشغيلية للشركات الخاصة، ويؤكد على وضعها على قدم المساواة مع نظيراتها من الشركات المملوكة للدولة. ويُعد هذا البند من المرتكزات الأساسية في القانون، لما يمثله من تحول مهم في البيئة القانونية، خاصةً بعد سنوات من هيمنة القطاع العام على الامتيازات والدعم المؤسسي. ويسعى القانون من خلال هذا النص إلى ضمان معاملة عادلة للشركات الخاصة، وحمايتها من أي إجراءات تعسفية أو تمييزية، بما يعزز الثقة في النظام القانوني ويشجع على الاستثمار في بيئة أكثر استقراراً ووضوحاً.2- ضمان بيئة أعمال صينية نزيهة وعادلة: يؤكد القانون الجديد على أهمية ضمان بيئة أعمال نزيهة وعادلة، وهو ما يُعد خطوة جوهرية نحو تحسين مناخ الاستثمار وتسهيل عمل الشركات الخاصة. ويركز هذا المحور على إزالة العوائق الإدارية التي طالما عرقلت نمو القطاع الخاص، مثل الإجراءات البيروقراطية المفرطة، وتأخر إصدار التراخيص، والتدخلات غير المبررة من الجهات الحكومية. ومن خلال الدعوة إلى تبسيط الإجراءات وتقليص التدخلات، يعكس القانون رغبة واضحة في بناء سوق أكثر انفتاحاً وفاعلية، تعمل فيه الشركات الخاصة في ظل قواعد شفافة وقابلة للتنبؤ، بعيداً عن المحسوبية أو التمييز المؤسسي. كما يشير إلى إدراك السلطات أن إصلاح الإطار الإداري ضروري ليس فقط لدعم النمو، بل أيضاً لاستعادة ثقة القطاع الخاص بعد فترة من التوتر التنظيمي والتقنين الصارم.3- دفع الابتكار وريادة الأعمال عبر حوافز متعددة: يُبرز القانون الجديد التزام الدولة الصينية بتشجيع الابتكار والاستثمار كأحد أعمدة دعم القطاع الخاص، في سياق سعيها لتحويل الاقتصاد من نموذج قائم على التصنيع التقليدي إلى اقتصاد قائم على المعرفة والتكنولوجيا. ولهذا، يوفر القانون حوافز متنوعة، تشمل تسهيلات تمويلية، وإعفاءات ضريبية، ودعماً مباشراً للمشروعات الناشئة، خاصةً في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الإبداعية. ويهدف هذا التوجه إلى تعزيز ريادة الأعمال وخلق بيئة محفزة للمخاطرة المدروسة والابتكار التنافسي، بما يعزز قدرة الصين على المنافسة عالمياً في المجالات الحيوية كالتقنيات الرقمية، والطاقة النظيفة، والذكاء الاصطناعي.4- معالجة الخلل التمويلي وتعزيز فرص التمويل: يعالج القانون الجديد إحدى أبرز العقبات التي لطالما واجهها القطاع الخاص في الصين، وهي صعوبة الوصول إلى التمويل مقارنةً بالشركات الحكومية. فلطالما حظيت المؤسسات المملوكة للدولة بأفضلية في الحصول على القروض والتسهيلات المالية، بحكم قربها من مراكز صنع القرار وضمانات الدولة، مما خلق فجوة تمويلية واسعة أضعفت قدرة الشركات الخاصة على التوسع والمنافسة. وينص القانون على تحسين سبل تمويل الشركات الخاصة من خلال تيسير الحصول على القروض، وتوسيع القنوات التمويلية، وزيادة الشفافية في منح التسهيلات الائتمانية.أهداف استراتيجيةتسعى بكين نحو تعديل مقاربتها للقطاع الخاص، في ظل حاجة متزايدة لاستعادة الزخم الاقتصادي وتعزيز الثقة بالسوق المحلية. وتتمثل أبرز الأهداف من إصدار القانون فيما يلي:1- توسيع دور القطاع الخاص في دعم التعافي الاقتصادي: يأتي إقرار القانون الجديد في ظل تباطؤ اقتصادي غير مسبوق تشهده الصين، نتج عن عوامل داخلية وخارجية أبرزها أزمة العقارات وضعف الطلب وتراجع الصادرات. وفي هذا السياق، تسعى الدولة إلى تعزيز دور القطاع الخاص باعتباره أحد المحركات الرئيسية للتعافي، لما له من مساهمة كبيرة في الناتج المحلي وتوفير فرص العمل، وهو ما يجعل صدور هذا القانون خطوة ضرورية لدعم النمو والاستقرار الاقتصادي.2- استعادة ثقة المستثمرين بعد الاضطرابات التنظيمية: اتخذت الحكومة خلال الأعوام الماضية سلسلة من الإجراءات الرقابية المكثفة، خصوصاً على قطاعات التكنولوجيا والتعليم والخدمات، ما خلق حالة من القلق بين المستثمرين المحليين والأجانب. وقد أدى ذلك إلى انسحاب جزئي لرؤوس الأموال، وتذبذب واضح في الأداء السوقي. وجاء القانون كمبادرة لإعادة رسم العلاقة مع مجتمع الأعمال، وتقديم إشارات ملموسة بأن المرحلة القادمة ستقوم على نهج أكثر وضوحاً واستقراراً، يستوعب دروس المرحلة السابقة دون الانفصال عن أهداف الدولة بعيدة المدى.&nbsp;3- تحقيق توازن مرن بين الهيمنة الحكومية والانفتاح الاقتصادي: تسعى الصين من خلال القانون الجديد إلى موازنة الدور بين الدولة والسوق، في محاولة لإظهار مرونة اقتصادية تتماشى مع المتغيرات العالمية، دون التفريط في هيمنتها المركزية على الاقتصاد. ففي ظل انتقادات دولية متزايدة بشأن سيطرة الحكومة على الأنشطة الاقتصادية، تبذل الصين جهداً لتوجيه رسائل طمأنة للأسواق بأنها مستعدة لتحرير بعض جوانب الاقتصاد، مع الحفاظ على الرقابة الكلية على القطاعات الاستراتيجية، بما يضمن توافق القطاع الخاص مع المصالح القومية والاستراتيجيات الكبرى.4- تمكين القطاع الخاص لتحقيق الاكتفاء الذاتي بالقطاعات الحيوية: في ظل تصاعد التوترات الاقتصادية والجيوسياسية بين الصين والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، تسعى الصين إلى تحفيز القطاع الخاص ليكون أحد المحركات الأساسية لتعزيز الاكتفاء الذاتي في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية. وتُعد هذه الخطوة جزءاً من استراتيجية دفاعية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، ومواجهة الضغوط التي قد تفرضها العقوبات التجارية أو القيود على التقنيات المتقدمة. وترى الحكومة الصينية أن تقوية القطاع الخاص في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا والطاقة يعزز من قدرتها على المنافسة عالمياً، ويُساهم في تحقيق الاستقلالية التكنولوجية، وتقليل آثار التوترات السياسية على الاقتصاد الوطني.تبعات محتملةمن المتوقع أن يترتب على هذا القانون عدد من التداعيات المهمة على مستويات متعددة، وهو ما يتضح في التالي:1- تحفيز الاستثمارات المحلية والدولية عبر ضمانات قانونية جديدة: قد يُسهم القانون الجديد في استقطاب المزيد من الاستثمارات، من خلال توفير ضمانات قانونية أوضح، تُعزز من ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال داخل الصين. وكانت الاستثمارات الأجنبية قد واجهت في السنوات الماضية تحديات ناجمة عن تقلبات السياسات والضغوط التنظيمية. وفي حال تنفيذ القانون بفاعلية، يُتوقع أن تتجه رؤوس أموال أجنبية إلى قطاعات غير استراتيجية، حيث تكون التدخلات الحكومية أقل. كما قد يشجع القانون على زيادة الاستثمارات المحلية، بما ينعكس إيجاباً على النشاط الاقتصادي ودور القطاع الخاص.2- تعزيز بيئة الأعمال ودعم الابتكار لرفع القدرة التنافسية: من التداعيات المرجحة للقانون أنه قد يُسهم في تحسين بيئة الأعمال داخل الصين، من خلال تهيئة مناخ أكثر دعماً لريادة الأعمال والابتكار. ويمكن أن يفتح تسهيل الإجراءات وتقديم الحوافز المجال أمام ظهور مشروعات جديدة في مجالات التكنولوجيا والصناعة المتقدمة، مما يدعم التنوع الاقتصادي ويُعزز قدرة السوق الصينية على المنافسة في السياق العالمي. كما يساعد ذلك في تعزيز مرونة الاقتصاد المحلي واستدامته على المدى الطويل.3- تحول تدريجي محتمل في النموذج الاقتصادي الصيني: قد يؤدي توسيع دور القطاع الخاص إلى إحداث تحول تدريجي في بنية الاقتصاد الصيني، من خلال إعادة توزيع الأدوار بين الدولة والسوق. ولا يعني هذا التحول تقليص هيمنة الدولة، بل ربما إعادة ضبطها بما يسمح بمرونة أكبر في القطاعات غير الاستراتيجية. في المقابل، ستظل الرقابة الحكومية قائمة على المجالات الحيوية، وهو ما يعكس السعي نحو نموذج اقتصادي أكثر ديناميكية دون التفريط في السيطرة المركزية، بما يخدم التنافسية والاستقرار في آنٍ واحد.تحول مشروطخلاصة القول، يُعد قانون تعزيز القطاع الخاص في الصين خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة ضبط العلاقة بين الدولة والسوق، في ظل تحديات اقتصادية وجيوسياسية متصاعدة. ويعكس القانون توجهاً نحو مزيدٍ من الانفتاح والمرونة الاقتصادية، مع الحفاظ على السيطرة الحكومية على القطاعات الحيوية، ويُنتظر أن يسهم في دعم الابتكار وتحفيز الاستثمار. غير أن نجاحه مرهون بمدى التزام الدولة الصينية بتطبيقه بشكل فعلي، بعيداً عن التدخلات والمحسوبية، إذ إن فاعليته لا تُقاس بالنصوص وحدها، بل بقدرتها على إحداث تغيير واقعي يعزز الثقة ويحقق التوازن المنشود في النموذج الاقتصادي الصيني.

التداعيات المتوقعة للقانون الجديد للقطاع الخاص في الصين