ياسمين أيمن

تحاول الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، اجتذاب أي فئات انتخابية قد تحقق النجاح لها في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الخامس من نوفمبر 2024. وفي سبيل ذلك، بات هناك تركيز واضح على الناخبين الأمريكيين الموجودين خارج البلاد، باعتبارهم عاملاً هاماً وفرصة يمكن الاستفادة منها لتحقيق نسب تصويت أعلى في السباق الانتخابي، خاصة أنهم يتمتعون بالحق القانوني للمشاركة في الانتخابات. وتشير البيانات الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية إلى وجود نحو 6.5 مليون مواطن أمريكي موجود في الخارج مؤهل للتصويت؛ وذلك من إجمالي 9 ملايين مغترب خارج البلاد، وهي نسبة يمكنها التأثير في نتيجة الانتخابات، خاصة داخل الولايات المتأرجحة. وبالرغم من أن حملة الرئيس السابق دونالد ترامب لديها مساعٍ هي الأخرى لاجتذاب الناخبين الموجودين بالخارج، وتقود جهوداً للتشجيع على التصويت لترامب في مختلف البلاد، من بينها المملكة المتحدة، مستخدمةً متطوعين تابعين للحملة؛ فإن التقديرات والتحليلات المختلفة تشير إلى أن الحزب الديمقراطي أكثر تركيزاً من الجمهوري في هذا الشأن، وأن الفرص التي يمتلكها للنجاح أقوى. آليات هاريس بسبب الجهود التي اتخذتها حملة بايدن في انتخابات عام 2020، تمكن المرشح الديمقراطي من تخطي ترامب بسبعة ملايين صوت انتخابي. وبالرغم من أن هذه الأصوات ليست مجموع الناخبين الموجودين بالخارج؛ حيث صوَّت نحو 900 ألف أمريكي بالخارج، فإن جزءاً منها جاء من جراء حملة التثقيف والتوعية التي شارك فيها سفراء سابقون مؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي، نجحوا بالتعاون مع "منظمة ديمقراطيين في الخارج"، في حث الناخبين على التسجيل الإلكتروني للحصول على بطاقات اقتراع، فنجحت ولاية جورجيا في الحصول على تصويت 18 ألفاً و475 صوتاً من الناخبين بالخارج، كما صوَّت أكثر من 18000 صوت من الخارج بولاية أريزونا، وكلتاهما فاز بهما بايدن بفارق 11 ألفاً و779 صوتاً في الأولى، وفارق 10 آلاف و457 صوتاً في الثانية، فتمكن من الفوز بأصوات المجمع الانتخابي في النهاية، وهو أمر تسعى حملة هاريس لتكراره خلال الأيام الجارية. وفي سبيل ذلك فإنها تطرح وسائل عدة، يمكن الإشارة إلى أبرزها فيما يلي:1– شن حملات توعية بالحق القانوني للتصويت: بالرغم من وجود نصوص قانونية تمنح الأمريكيين الموجودين في الخارج الحق في المشاركة في الانتخابات، فإن هناك عدداً كبيراً منهم لا يدركون هذا الحق؛ ففي انتخابات عام 2016 خلال السباق الرئاسي بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون والرئيس السابق دونالد ترامب، صوَّت نحو 8% فقط من إجمالي الناخبين المؤهلين للتصويت بالخارج، بما يعادل نحو 512 ألفاً و696 صوتاً. والعامل الأبرز المفسر لهذا الأمر هو عدم إدراكهم حقهم في التصويت، كما أنهم غير مدركين للكيفية التي يمكنهم بها الإدلاء بأصواتهم؛ ولذلك تعمل الحملة الانتخابية للمرشحة هاريس على التوعية بالسبل التي يمكن من خلالها لناخبي الخارج المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة.2– تخصيص الأموال لجذب الناخبين في الولايات المتأرجحة: بسبب اعتراف هاريس بأن موقفها أمام ترامب ليس قوياً في الانتخابات، وتشجيعها الناخبين على الذهاب إلى مراكز الاقتراع والتصويت لها، فإنها تتحرك في كافة الاتجاهات. وفي إطار الاهتمام بناخبي الخارج، أعلنت اللجنة الوطنية الديمقراطية عن تخصيص نحو 300 ألف دولار أمريكي خلال أغسطس 2024 لمساعدة المقيمين بالخارج وتحديداً في أوروبا والمكسيك من المنتمين إلى ولايات ساحات المعركة "أريزونا وجورجيا وميشيجان ونيفادا وكارولاينا الشمالية وبنسلفانيا وويسكونسن"، الذين يصل عددهم إلى 1.6 مليون ناخب، على التسجيل للحصول على بطاقات اقتراع.3– زيادة تسليط الضوء على سياسات ترامب الخارجية: تعتبر قضايا السياسة الخارجية وموقف الولايات المتحدة من التعاون مع الشركاء محدداً وعاملاً حاسماً لتوجهات الناخبين الموجودين بالخارج، بالنظر إلى تأثرهم بشدة من السياسات الخارجية الأمريكية المتبعة؛ إذ قد تساهم سياسات ترامب التي تميل لزيادة انعزالية الولايات المتحدة والتخلي عن الحلفاء في زيادة العداء تجاه الأمريكيين الموجودين بالخارج، سواء كانوا مواطنين عاديين أو مستثمرين ستتأثر تجارتهم بالتعريفات الجمركية التي ينوي ترامب فرضها، أو السياسات المتشددة بشأن الهجرة التي من شأنها التأثير على عدد كبير من الأفراد حول العالم وليس داخل الولايات المتحدة فقط؛ ولذلك يُقدر الديمقراطيون أن ناخبي الخارج يميلون للتصويت لصالح الديمقراطيين بسبب اهتمامهم بالسياسات الخارجية أكثر من الداخلية، مشيرين إلى أن 75% من ناخبي الخارج يميلون إلى دعم السياسات الليبرالية. وبالأساس يسلط الديمقراطيون الضوء على الانقسامات التي قد يثيرها ترامب إذا وصل إلى البيت الأبيض مجدداً، مقدمين هاريس باعتبارها الخلاص من الواقع المضني الذي سيتسبب فيه ترامب.4– استغلال شخصيات سياسية مؤثرة: يحاول الديمقراطيون استغلال منصات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لمخاطبة ناخبي الخارج. وفي سبيل ذلك، تقوم شخصيات ديمقراطية بارزة بتوجيه رسائل إلى المواطنين بالخارج لحثهم على دعم هاريس؛ فمثلاً نشرت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، مقطع فيديو قالت فيه: "هذه الانتخابات مهمة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها"، موضحة أن أصوات ناخبي الخارج ساهمت في فوز بايدن في انتخابات عام 2020، وفي فوز السيناتور جون أوسوف والسيناتور رافائيل وارنوك في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في انتخابات عام 2022، علاوة على دورهم في انتخابات عام 2016، ومؤكدة أنها ستكون حاسمة في انتخابات العام الجاري؛ لذلك شجعت الناخبين على التصويت لهاريس.5– توضيح الإجراءات الصحيحة للتصويت: تتدخل الإدارة الأمريكية لدعم المرشحة كامالا هاريس؛ ليس بشكل مباشر مراعاةً لقانون هاتش الذي يمنع الموظفين الفيدراليين من الإعراب عن ميولهم السياسية. وفي ضوء ذلك، تقوم وزارة الخارجية الأمريكية من خلال المنصات الرسمية التابعة لها بتوضيح سبل تسجيل المواطنين الموجودين في الخارج للإداء بأصواتهم في الانتخابات، موضحة أن الأمر خلال الأعوام الأخيرة بات أكثر سلاسة، خاصة بعد جائحة كوفيد–19 التي شجعت العديد من الولايات على السماح بالتصويت الإلكتروني، فضلاً عن توضيحها أن التصويت يمكن أن يتم من خلال الذهاب إلى مقار السفارات والقنصليات الأمريكية في مختلف البلاد.6– تنظيم أحداث افتراضية لجمع التبرعات: إن الأحداث الافتراضية الخاصة بجمع التبرعات، لا تركز على غاية جمع التبرعات وحدها، بقدر غايتها في تشجيع الأفراد بشكل عام على الاهتمام بالسباق الانتخابي، وتوضيح المزايا التي قد يجنيها الناخبون عند فوز مرشح بعينه، والخسائر التي قد تحدث في حالة فوز المرشح الآخر. وفي ضوء ذلك، قامت منظمة "الديمقراطيون في الخارج" التابعة للحزب الديمقراطي بتنظيم أحداث انتخابية لجمع التبرعات، منها حدث افتراضي خلال شهر أغسطس الماضي لجمع نحو 100 ألف دولار أمريكي. وبشأن ذلك، صرَّحت رئيسة المنظمة "إيرين كوتيكي فيست" قائلة: "رسالتنا هي أنه بغض النظر عن عدد الأميال التي تبعد عنك، فإن كل انتخابات أمريكية تؤثر على أحبائك وعائلتك وأصدقائك في الوطن. وسوف تؤثر على السنوات والعقود القادمة. هذا سوف يؤثر عليك".فرصة للفوزختاماً، يمكن القول إنه على الرغم من أن الناخبين الموجودين في الخارج، لا يمثلون كتلة تصويتية كبيرة قادرة على قلب نتائج الانتخابات، لكنهم قادرون على حسم الانتخابات في بعض الولايات، على غرار ما حدث في عام 2020، وهو ما يجعلهم فرصة لهاريس للتغلب على منافسها ترامب، بالرغم من وجود عوامل مختلفة قد تؤثر على قرارهم؛ منها سياسات إدارة بايدن الخارجية التي كانت سبباً في استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعودة سيطرة طالبان على نظام الحكم في أفغانستان، وغير ذلك.ومع هذا، فإن ترامب يمكنه استغلال عمليات التصويت الإلكتروني والبطاقات بالبريد للتشكيك في نتائج التصويت، في ضوء استمراره في ترديد مسألة تزوير الانتخابات، فضلاً عن وجود عوامل أخرى قد يستغلها ترامب، وهي العوامل التي تتمثل في إمكانية تدخل الجهات الأجنبية المناوئة لواشنطن لتغيير توجهات الناخبين الأمريكيين والتأثير على قرارتهم عبر بث معلومات مضللة؛ حيث يسعى ترامب في المطلق إلى إثارة حالة من الإرباك العام تمكنه من الوصول مرة ثانية إلى البيت الأبيض بأي وسيلة كانت.

كيف تسعى حملة "هاريس" إلى استقطاب الناخبين الأمريكيين في الخارج؟